بحث

الإعاقة من المنظور الإسلامي

الإعاقة من المنظور الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

     القلب يمرض، أحد أمراض القلب خطأ في التصور، أن تعتقد شيئاً خلاف الواقع، أو أن تعتقد شيئاً لا يؤيده الحق، أبدأ هذه الفكرة بقوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ جاء الجواب مع الردع: ﴿ كَلَّا ﴾ الله عز وجل ما أقر مقولته هذه قوله، الغني أحياناً يتوهم أن الله يحبه، والدليل أنه أعطاه مالاً، هل غاب عن ذهن هذا الغني أن الله أعطى قارون المال ومفاتيح خزائن قارون لا يستطيع حملها سبعة رجال، وبالمقابل أعطى سيدنا عثمان المال الوفير، أعطى سيدنا عبد الرحمن بن عوف المال الوفير، هل المال إكرام؟ لا، هو إكرام إذا أنفق في طاعة الله، إذاً هو نعمة موقوفة على طريقة استعمالها، لكن الإنسان بشكل سطحي يظن إذا كان غنياً أن الله يحبه، و إذا كان فقيراً أن الله لا يحبه: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ مقولته هو، توهمه: ﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾  فيقول توهماً أو خطأ. رد الله عز وجل: ﴿ كَلَّا ﴾ ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، هذا الكلام من عنده مشكلة صحية، مشكلة اجتماعية، مشكلة مالية، مشكلة أسرية، مشكلة نفسية، هذه المشكلة ليست نعمة من الله، وليست إهانة من الله، إنما هي ابتلاء، لذلك نحن في دار ابتلاء، دار امتحان. الحظوظ التي في الدنيا وزعت توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، بما في ذلك الصحةً، فقد بصره، أو فقد حركته (المعاقين)، أنت في الدنيا وكنت في جامعة ما هي المقررات؟ ما هي مواد الامتحان؟ كل شيء من حظوظ الدنيا مالك منه شيء، فهذا الحظ مادة امتحانك مع الله، وكل حظ من حظوظ الدنيا منعت منه مادة ثانية، أنت ممتحن فيما أعطيت، وأنت ممتحن فيما أُخذ منك. من هنا كان دعاء النبي عليه الصلاة و السلام، ((اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ )). مراتب الدنيا مؤقتة مربوطة بنبض القلب توقف انتهى، مراتب الدنيا مؤقتة ولا تعني شيئاً عند الله بل قد تعني العكس، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾. 

     الإسلام في مجمله عقائد وعبادات ومعاملات وآداب، فالآداب ربع الدين، قضية تتعلق بالعقيدة، قضية الصلوات مع العبادات، قضية الدَين والوكالة والحوالة مع المعاملات، قضية احترام الآخرين التواضع لهم خدمتهم متعلقة بالآداب، بل إن الذي لفت نظر أصحاب رسول الله في رسول الله هذا الأدب الجم، هذا التواضع، حتى أنه سئل: ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي.  وإن لم يكن أدب المؤمن صارخاً يلفت النظر ففي إيمانه شك، لا يمكن لمؤمن أن يكون وقحاً، ولا أن يكون بذيئاً، ولا أن يكون فاحشاً، ولا أن يكون مستعلياً، ولا متكبراً، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فالكبر يفسد العمل كما يفسد الخل العسل. فالمؤمن بالحقيقة حينما ينطلق من تصور صحيح يتصرف تصرفاً صحيحاً، وما من سلوك منحرف إلا بسبب تصور منحرف. لو أن طفلاً صغيراً قصير القامة أو يوجد عنده عيب خلقي، والمعلم سخر من هذا العيب أمام زملائه، هذا المعلم في حق هذا الطالب مجرم، المعلم المؤمن يتجاهل هذا العيب تجاهلاً كاملاً، ويعامله كرفاقه تماماً، ويسأله، ويهتم له، ويثني على تفوقه، وكأن هذه العاهة ليست موجودة، هذا هو المؤمن، هذا هو الذي اصطبغ قلبه بكمال الله. المعاق يجب أن يعامل معاملة خاصة، ينبغي أن تحترمه، هل تصدق إنك إن لم تسلم على كفيف البصر فقد خنته هو لا يراك، ورد في بعض الأحاديث أن ترك السلام على الضرير خيانة، قد تجد إنساناً له لون معين، له طول معين، فيه عيوب بخلقه كثيرة جداً، أنت كمؤمن لا يمكن أن تتعامل معه إلا وفق مقياس العلم والعمل فقط، وفق علمه بالله وعمله الصالح فقط. 

     لا يمكن أن يحس المعاق بين المؤمنين أنه معاق، لأنهم يعاملونه كإنسان، يعاملونه كإنسان ذي كرامة في أعلى مستوى، أنا أعطيكم مثلاً من واقع المسلمين، أيام يكون في طفل جميل الصورة حركاته لطيفة جداً، وكلامه عذب، وطفل سبحان الله ظله ثقيل، وحركاته غير مقبولة، الأب المؤمن يعامل الاثنين معاملةً متساوية تماماً من حيث الاهتمام، من حيث تقبيله من حيث أن يضعه في حضنه من حيث الإصغاء له أبداً. أذكر في السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يضع الحسن على ركبته، وكان جميل الصورة، وكان شبيه رسول الله، ويضع ابن سيدنا زيد؛ أسامة بن زيد حب رسول الله، وكان أسود اللون أفطس الأنف على ركبته اليسرى، وكان يضمهما، ويشمهما، وقد سمى الصحابة أسامة بن زيد حب رسول الله، ما نظر النبي لا إلى اللون، ما نظر النبي لا إلى عينيه ولا إلى لونه، نظر إلى إنسانيته مواقف للمؤمن في التعامل مع المعاق :

  •      من مواقف المؤمن في التعامل مع المعاق أن يكون شاكراً لله فيما بينه وبين الله،  دون أن تتحرك شفتاك، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه.  
  •      أن تهتم به الاهتمام المعتدل، الاهتمام الطبيعي، هناك اهتمام يلفت النظر غير معقول، شدة الاهتمام تذكره بعاهته، وهناك إهمال يلفت النظر، ينبغي أن تهتم به كما كان صحيحاً.  
  •      أن تحترمه كإنسان وكمؤمن، والاحترام المتبادل علامة إيمانك، الاحترام ينبغي أن يكون سلوكاً واضحاً في التعامل مع المعاقين.  
  •      أن تحسن الظن بأخيك، يوجد أناس كلامهم غليظ كلامهم قاس، ويوجد أمثال شيطانية فيها تجبر، ولو عرفوا معناها لعوتبوا عتاباً شديداً، هناك إنسان فجّ أرعن يقول لك: إذا ما فعل شيء الله لا يبتليه، لعل هذا ترقية عند الله، صحابة كرام فقدوا أبصارهم يعني لحكمة أرادها الله ما من مشكلة خطيرة في مجتمعنا إلا وابتلى الله بها نبينا، سيدنا لوط زوجته كافرة، سيدنا نوح ابنه كافر، سيدنا إبراهيم أبوه، سيدنا زكريا لا ينجب.  

     أنت حينما تؤمن أن الدنيا مؤقتة والآخرة أبدية، هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي. إذا كان رجلان عاشا ستين عاماً بالتساوي واحد حاد البصر، والآخر كفيف البصر، الحاد البصر رسب في نعمة البصر فملأ عينيه من الحرام، وكفيف البصر نجح في هذا الامتحان فرضي عن الله وصبر، وماتا، واحد في الجنة إلى أبد الآبدين والآخر في النار إلى أبد الآبدين، فأيهما أنجح عند الله؟ من امتحن فصبر، أنت ممتحن فيما أعطاك الله ممتحن فيما زوى عنك. 



المصدر: موضوعات مختلفة في العقيدة - الدرس : 23 - وضع المعاق بين المسلمين .