كلما تقدم الطب اكتشف أن هناك أمراضاً يزداد عددها يوماً بعد يوم، تعزى أسبابها إلى حالة نفسية متردية، فالإنسان عقل وقلب وجسم، فالقلب مركز النفس، فإذا كان هناك انهيار نفسي، قلق مزمن، خوف، حقد، هذه كلها لها منعكسات عضوية، فكلما تقدم الطب اكتشف أن هناك أسباباً نفسية تكون وراء معظم هذه الأمراض، لذلك. ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا﴾ فالرعب أحد أسباب الأمراض. بالمناسبة حيث ما جاءت كلمة إنسان معرفة بأل في القرآن الكريم تعني الإنسان ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ معنى هذا أن هناك أزمات نفسية طاحنة، هناك حالات نفسية متردية جداً، بسبب القلق، والخوف، والرعب، واليأس، والإحباط. فالمؤمن حينما يوحد الله عز وجل، ويستقيم على أمره، ويصطلح معه،عاش حياة نفسية رائعة جداً، هذه تنعكس صحة، تنعكس انخفاض ضغط، تنعكس انتظام في ضربات القلب، هناك حالات نفسية لها منعكسات عضوية ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾ .
الطب النفسي في الإسلام يرتكز على التوحيد، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، أنت إذا أمنت بالله خالقاً، ومربياً، ومسيراً آمنت: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾ آمنت أنه: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ آمنت أنه: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ إذا آمنت أنه يحكم وحده: ﴿لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ وأنه: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ إذا أمنت أنه: ﴿يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أمنت أنه: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أنك إذا أمنت: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ إذا أمنت أن: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ إذا أمنت أنه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ إذا أمنت: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ هذه كلها حقائق في التوحيد يمكن أن تعين على الصحة النفسية التي هي وراء صحة الجسد. الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾. فقوله تعالى: ﴿أَلَّا تَخَافُوا﴾ متعلقة بالمستقبل، وقوله: ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ متعلقة بالماضي، فأنت حينما تصطلح مع الله وتستقيم على أمره ضمنت المستقبل من عطاء وخير، وضمنت الماضي أنك لن تندم على شيء فاتك.
فلذلك قضية التوحيد، قضية الصلح مع الله، قضية الاستقامة على أمر الله، قضية الإقبال على الله صحة، الصحة بمعنى أنها تحقق سعادة نفسية، وتوازناً، وتماسكاً، وصموداً، وثقة، وتفاؤلاً، الأحوال النفسية الراقية كلها تنعكس صحة على الجسم. قالوا: إن ضغط الدم هو ضغط الهم، المشكلة أن هناك ما يسمى بالسلامة، وهناك ما يسمى بالأمن، السلامة عدم وقوع مصيبة، لكن لا يعني عدم وقوع مصيبة أن الإنسان آمن، لأنه توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، وكما قلت سابقاً: أنت من خوف المرض في مرض، أنت من خوف الفقر في فقر، فلذلك الأمن غير السلامة، الأمن عدم توقع المصيبة، ما الذي يدعوك ألا تتوقع المصيبة؟ قول الله عز وجل: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾ الله عز وجل طمأنك، قال: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ لا يضل عقله ولا تشقى نفسه. فالحالة النفسية الناتجة عن الإيمان، والطاعة، والصلح مع الله، والإقبال على الله، ومحبة الله عز وجل، هذه حالة مسعدة وراء الصحة الجيدة.
فلذلك الجسم كله يأتمر بخارج الجسم، جهاز المناعة المكتسب تسيطر عليه القيادة، و لكن القيادة لا تزال مجهولة، هذه القيادة تقوي هذا الجهاز بالحب، والود، والرحمة، وتضعف هذا الجهاز بالحقد، والكراهية، فالحقد والكراهية مرض، أمراض الجسم الناتجة عن حالات النفس الصعبة لا تعد ولا تحصى، فالإيمان والتوحيد صحة بالمعنى المادي، وأن ترى أن الأمور كلها بيد الله، وأن علاقتك مع جهة واحدة. لذلك قالوا: ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الحديث عن الصحة المتعلقة بالصحة النفسية حديث ذو شجون، الآن هناك من يقول: الذين يرتادون العيادات النفسية 150% بمعنى أن 100% يرتادون، ونصفهم يرتاده مرة ثانية، بسبب وضع العالم المتفجر، العالم متقدم تقدماً مذهلاً تقنياً، لكنه متخلف تخلفاً مذهلاً أخلاقياً واجتماعياً. لذلك قالوا: إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، أنا متأكد من أن صحة المؤمن تتميز عن صحة العاصي، ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ﴾ في حياتهم الدنيا، حتى في صحتهم، حتى في علاقاتهم، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟. الشرك الناتج عن ضعف الإيمان، الشرك الخفي، ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ تفاقم الأمراض النفسية، والتي بدورها تعين على تفاقم الأمراض العضوية.