بحث

أبو بكر الصديق عقله الراجح وفطرته السليمة

أبو بكر الصديق عقله الراجح وفطرته السليمة

بسم الله الرحمن الرحيم

     أبو بكر الصديق رضي الله عنه، هذا الصحابي الجليل بلغ مرتبة الصديقية، وهي المرتبة الأولى بعد النبوات والرسالات، والسيدة مريم أيضًا صديقة، فقد بلغ من قربه من النبي مبلغاً أن كل شيء رآه النبي وتكلم به إلاّ قال فيه الصدِّيق: صدقت يا رسول الله، لأن الرؤية تشابهت، أقرب مقام من رسول الله مقام سيدنا الصديق، الآثار التي تتحدث عن مقامه الرفيع كثيرة جداً, ((ما طلعت شمس على رجل أفضل من أبي بكر)) . المرحلة التي سبقت ظهور الإسلام، كيف تعامل هذا الصديق مع عبادة الأصنام في الجاهلية؟ كيف تلقى عقائدهم؟ هل قبلها؟ هل رضيها؟ هل تلمس الحق؟ هل تراءى له الحق؟ هذا الصحابي الجليل سيدنا الصديق الذي أكرمه الله بنعمة العقل الراجح إلى أين هداه عقله؟ 

     إنّ الإنسان أكرمه الله سبحانه بنعمة العقل، والعقل الراحج في هؤلاء الذين عاشوا قبل الإسلام هداهم إلى أن ينشؤوا حلف الفضول، وهذا الحلف يقفون به مع المظلوم أمام الظالم، سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا)) أشخاص معددون في الجاهلية تمتعوا بعقل راجح وفطرة سليمة أنشؤوا هذا الحلف حلف الفضول، وقد حضره النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صغيرًا، ولم يبلغ الحلم، العمل الطيب طيب في كل عصر، العمل الخيِّر خير، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، والإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾، لكن كلكم يعلم أن هناك من يعبد الشمس, وهناك من يعبد الملائكة، وهناك من يعبد الجن ، وهناك من يعبد الكواكب، وهناك من يعبد الدهر, اللات والعزة، ومناة، ونائلة، وهبل، هذه هي الأصنام التي كانت تعبد من دون الله في الجاهلية،هذه هي العقائد الوثنية التي كانت سائدة في الجاهلية، والأدلة هي قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ وسط هذه العقائد الوثنية, ووسط هذا الاضطراب الفكري والاجتماعي والاقتصادي، كان أناس قلة على دين إبراهيم . 

     هناك من يتوهم أن الإنسان إن لم يبلغه الشرع لا يحاسب، لكني أقول لكم، الإنسان محاسب دائماً على ما أودعه الله فيه قبل التبليغ، ألم يمنحك الله عقلاً؟ إذاً: العقل مناط التكليف، أليس لك فطرة عالية؟ ستحاسب على العقل الذي أودعه الله فيك، وعلى الفطرة التي فطرك الله عليها، إذاً: بالعقل تتعرف إلى الله, وبالفطرة تتعرف إلى الخطأ قبل أن تنطمس، فالإنسان إذا انحرف، وإذا كذب، وإذا اعتدى، وإذا أساء، وإذا أخذ ما ليس له، فالفطرة السليمة تشعره بخطئه، فهل في القرآن الكريم آية تؤكد هذا المعنى؟ قال تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ معنى ألهمها فجورها، أي أنها إذا فجرت تعرف أنها فجرت، والإنسان إذا لم يبلغه الإسلام أو لم يبلغه الشرع أو التكليف ربما كان معفى من تفاصيل التكليف, فإذا اهتديت بأنّ لهذا الكون إلهاً عظيماً, وإذا حرصت ألا تسيء لهذه المخلوقات، فهذا هو جوهر الدين، إذاً: بالعقل والفطرة يمكن أن تصل إلى كليات الدين، إلى مقاصد الدين الحنيف، بالتكليف والتبليغ عليك أن تنفذ تفاصيل الشرع، الصلوات الخمس، الزكاة، أحكام البيع، أحكام المضاربة، أحكام الإيجار، أحكام الإحالة, نحن إذا بلغنا الشرع مطالبون بتفاصيل الشريعة، أما إذا لم يبلغنا الشرع مطالبون بكليات الدين. سيدنا إبراهيم من خلال تفكره بالكون، مرة قال: الشمس ربي، مرة قال: القمر ربي، مرة قال: هذا النجم ربي، ثم قال تعالى: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ هذا هو دين إبراهيم، أن تتوجه لا إلى المخلوقين بل إلى خالق المخلوقين, الآن في العالم هناك من يعبد البقر، هناك من يعبد الشمس, هناك من يعبد المرأة، هناك من يعبد الحيوانات. لا تظنوا أن الإيمان يأتي فجأة، فهناك شيء يسمى تراكمات، تراكم قناعات، فالإنسان يتأمل، ويراقب الأحداث، ويستمع إلى الأقوال، كلما تلقى الإنسان شيئًا,خزنه في العقل الباطن، إلى أن يكون هذا العقل الباطن إن صح التعبير أو تلك العقيدة هي الموجّه لهذا الإنسان، ويجب أن تعلم أن كل المخزون الثقافي في النهاية يتفاعل معك و يوجِّه سلوكك، هذه أخطر فكرة أذكرها لكم.فالإنسان أخطر شيء في حياته مصادر التغذية الثقافية 

     إنّ سيدنا الصديق الذي عاش في الجاهلية, ولم يعبد صنماً, ولم يشرب خمراً, ما الذي حمله على ذلك؟ عقله الراجح، وكان صديقًا للنبي عليه الصلاة والسلام، يعني نشأا معاً، وأَلِفا بعضهما، وكان سيدنا الصديق يزداد طمأنينة وأمناً، كلما رأى زيد بن عمرو يشق صفوف الناس المتحلقين حول الكعبة, ويرفع عقيرته في غير تهيب قائلاً: “لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً”. سيدنا الصديق يقول: أليس فينا من يجمعنا على الحق بعد أن يدلنا عليه، صار هناك بحث عن الحقيقة. هذا الصحابي الجليل الذي هو أول الصحابة قاطبة, وهو الصدِّيق الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: ((ما ساءني أبو بكر قط)) يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا وكانت له كبوة إلا أخي أبا بكر)). لذلك قرأت سيرة هذا الصحابي الجليل, وهذا يقع في قمة الصحابة، أعلى درجة بالصدق والإخلاص والتفاني في حب الله عز وجل, والتفاني في خدمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لذلك مقامه عند رسول الله عظيم . 



المصدر: الخلفاء الراشدين : سيدنا أبو بكر 1 - فطرته السليمة وأخلاقه في الجاهلية