بحث

عندما توحد الله حقاً... تتوكل عليه

عندما توحد الله حقاً... تتوكل عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

     حقيقة الإيمان ليست ما ينبغي أن تعتقد، بل يضاف إلى ذلك ما ينبغي أن تكون عليه، الإيمان كل لا يتجزأ، ينبغي أن تعتقد كذا، وكذا، وكذا، وينبغي أن تكون على هذا الحال؛ حال التوكل، إذاً: من مقتضيات الإيمان: أن يكون قلبك بهذا الحال، وأن يكون إدراكك بهذا الاعتقاد، فالإيمان اعتقاد وسلوك, واعتقاد وحال.    لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾   ويقول أيضاً:  ﴿فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ومن توكَّل فَهُوَ مؤمن، فالَتَوَكَّل علاقة ترابُطِيَّة، فإذا آمَنْتَ ولم تتوَكَّل ففي إيمانِكَ شكّ .  

     التَّوَكُّل مَحَلُّهُ القلب، والعمل محلُّه الجوارح، فالتَّوَكُّل في القلب، أما في الجوارِح فيجب أن تأخذ بِكُلِّ الأسباب، ولا تُسامَح في تَرْك الأسباب اتِّكالاً على الله، أوْضَح مثَل سيِّدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لمَّا هاجَر، لماذا لم يتْرُك الأخذ بالأسباب؟ ولماذا أخَذَ طريقًا مُعاكِسًا للمدينة؟ لماذا اتَّجَهَ نحو الساحِل؟ ولماذا عيَّن رجُلاً يَمْحو الآثار بعده؟ لماذا عيَّنَ آخَرَ يتقصَّى الأخبار؟ واسْتأجر خبيرًا بالطريق وكان مُشْرِكًا؟ لماذا دَخَل إلى غار ثَوْر؟ لم يدع لثغرة احتمالاً، أغلق كل الثغرات، فلما وصلوا إليه قال أبو بكر: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا، الآن جاء دور التوكل على الله، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء،  قال: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟)).  هذا درس بليغ، أن نأخذ بالأسباب، أنت طالب تدرس وبعد الدراسة يا رب أنت الموفِّق، أنت تاجر تشتري صفقة بدراسة جيدة، النوعية، المصدر، الأسعار، المنافسة، وبعد ذلك يا رب تجبر، كل إنسان يأخذ بالأسباب بدقة بالغة، ويعتمد على الله لا عليها، يكون قد حقق شرطي النجاح في كل شيء، هذا كلام للطالب، للتاجر، للموظف، للمزارع، التوكل:  أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .  

     التوكل يشفيك من القلق، من الخوف، من توقع المصيبة،  (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) خذ بالأسباب وتوكل على الله  وعلى الله الباقي، التوكل يلغي القلق يلغي الخوف المرضي يلغي الفزع، يلغي التشاؤم، توكل على الله، ولكن هذا التوكل لا يصح إلا إذا أخذت بالأسباب.

     ولكن الملاحظ أنك لن تستطيع التوكل على الله إذا كنت عاصياً له، تخجل، والإنسان بقدر معصيته له يبتعد عن التوكل، وبقدر طاعته لله يجرؤ ويتوكل على الله.  

     عود على بدء، لا بد من أن تتيقن أن الإيمان ليس أن تعرف ماذا ينبغي؟ أن تعلم ماذا ينبغي أن تكون عليه, من حال الإنابة، وحال الاستنصار بالله، والاعتماد عليه، والتوكل عليه، وطلب الوسيلة إليه؟ هذا بعض ما ينبغي على المؤمن أن يكون عليه.  



المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 25 - مستلزمات التوحيد -5- الاستعانة - الوسيلة - التوسل - التوكل