بحث

عندما توحد الله حقاً... تخافه

عندما توحد الله حقاً... تخافه

بسم الله الرحمن الرحيم

      من لوازم الإيمان السلوكية أن تكون مستقيماً، ملتزماً عند الأمر وعند النهي، أن يراك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، لكن من اللوازم الشعورية أن تشعر بالخوف من الله، وأن تشعر بالحب له، وأن تشعر بالتعظيم. ورد في بعض الآثار القدسية: ((أن يا رب, أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي؛ تقي القلب, نقي اليدين, لا يأتي إلى أحد بسوء، أحبني وأحب من أحبني, وحببني إلى خلقي، قال: يا رب, إنك تعلم أني أحبك, وأحب من يحبك, فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي)) كأن شرح الحديث: ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني، فمن علامة الإيمان: أن تشعر بالخوف من الله، لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾  إذا أخذ أدهش!: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ أي ارهبوني وحدي، وفي آية ثالثة: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ وفي آية أخيرة: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ علامة الغافل: أنه يخاف مما سوى الله، وعلامة اليقظ المؤمن: أنه لا يخشى إلا الله. وحينما يصف الله المؤمنين فيقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ ينبغي أن تشعر إذا كنت مؤمناً حقاً: أن تخاف من الله، بل إن رأس الحكمة مخافة الله. إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً، المستقيم المحسن خائف، والمسيء المتفلت مطمئن، لكنها طمأنينة الجهل والغباء والسذاجة، حينما وصف الله عباده المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ آتوا أي أعطوا، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ, وَيَزْنِي, وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ, وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ, يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ, وَلَكِنَّهُ الَّذِي يُصَلِّي, وَيَصُومُ, وَيَتَصَدَّقُ, وَهُوَ يُخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)) علامة المؤمن، وأنت في طاعتك، وفي استقامتك، وأنت تعطي، وتضحي، وتلتزم, وتنفق، أنت خائف لعلو مقام الألوهية عندك، خائف ألا يقبل منك ذلك. 

     الخوف اضطراب القلب، وحركته من تذكر المخوف الذي تخاف منه. إذا لم يكن في بالقلب خوف إطلاقاً, هناك خلل كبير في الإيمان، وهناك مشكلة.     يقول بعض العلماء: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، كأن الخوف يحميك من أن تزل قدمك عن الطريق المستقيم، ينبغي للقلب أن يغلب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرجاء فسد.  

     لا يمكن أن يكون الخوف مقصوداً لذاته، الخوف وسيلة للبعد عن الحرام، ليس العبرة أن تخاف, بل أن يحملك على طاعة الله فقط، أن يحجزك خوفك عن أن تعصي الله، هذا الخوف المحمود، ليس الخوف هدفاً بذاته، بل هو وسيلة لذلك، فما دام ليس هدفاً بذاته, بالجنة, فلا يوجد خوف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فالخوف في الدنيا وسيلة وليس هدفاً، وظيفة الخوف أن يحجزك عن محارم الله فقط. الخوف للمؤمنين، والخشية للعلماء، وأي واحد عرف الله على علم بالله، العابد يخاف الله، لكن العالم الذي بنى إيمانه على بحث، ودرس، وتدقيق، وتمحيص، ودقة، وأدلة، فهذا الذي انتقل من العبادة إلى العلم, هذا مرتبته أعلى من مرتبة الخوف، هذا في خشية الله، الدليل: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. قال بعض العلماء: صاحب الخوف يهرب إلى الإمساك والزهد، وصاحب الخشية يلتجئ إلى الله بالاعتصام بالعلم. 

     المؤمنون في خوف مستمر من الله العظيم, أن تزل أقدامهم في هذه الدنيا، من وقوع في معصية، أو اجتراح إثم، أو فاحشة، أو كسب حرام. الإنسان أحياناً حينما تصعب عليه قيادة نفسه وتغلبه نفسه, هناك وصفة نبوية:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتَ)) بالموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه الله عليه، ولا ذكره أحد في سعة إلا ضيقها عليه. 

     لكنني أطمئنكم: أن الله أجل وأعظم وأكرم من أن يجمع على عبد خوفين أو أمنين، إن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة، فاختر أيهما تريد؟  

     فالعبرة أن ترجو الله، وتخافه في وقت واحد، الرجاء المستمر خلل بالإيمان، والخوف المستمر خلل بالإيمان، ينبغي أن تعبده رغبة ورهبة، وأن ترجوه وتخافه. 

     من خطب للنبي عليه الصلاة والسلام قال:  

     ((الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي))



المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 23 - مستلزمات التوحيد -3- الخوف والخشية والخشوع لله تعالى