أيها الإخوة الكرام، أشار القرآن الكريم إلى هجرة النبي عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى : ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ من هو الثاني؟ صدّيق الأمة. "ما طلعت شمس على رجل بعد نبي خير من أبي بكر". ((ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك)).
إخوتنا الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام أخذ بكل الأسباب، وأغلق كل الاحتمالات، وسد كل الثغرات، وغطى كل الحاجات، مع أنه الإنسان الأول الذي يستحق النصر، لذلك المنهج النبوي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، أخذ بالأسباب كلف من يأتيه بالأخبار، وكلف من يمحو الآثار، وكلف من يأتيه بالطعام، وكلف من يدله على الطريق، ولم يدع ثغرة إلا وغطاها، سار باتجاه الساحل، واختبأ في غار ثور ليخف الطلب، ولماذا وصلوا إليه؟ ولماذا سمح الله لهم أن يصلوا إليه؟ ليبين الله لنا أن اعتماد محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن على الأسباب وقد أخذ بها، لكن اعتماده كان على رب الأرباب، لذلك لما وصلوا إليه، وقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله لو نظر أحدهم لموطأ قدمه لرآنا قال: ((مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)) إذاً: يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، إذ يقول لصاحبه وقد وصل المطاردون إلى الغار: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء عطاء لا يوصف، إذا أنزل الله على قلبك السكينة أنت أغنى الناس، وأنت أقوى الناس وأنت أحكم الناس، وأنت أعلم الناس، وأنت أكرم الناس، فإذا حجبها عنك وكانت الدنيا بيديك أنت أفقر الناس، وأنت أجهل الناس، وأنت أضعف الناس، وأنت أبعد الناس عن الصواب. ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ والله عز وجل عنده جنود لا نراها. يبدو أن عين أحد المطاردين وقعت على عين الصديق، فقال: يا رسول الله، لقد رأونا، فقال: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟
هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد سكينة، التوحيد أمن، التوحيد راحة، التوحيد سعادة، التوحيد ثقة بالله، التوحيد تفاؤل، التوحيد أن ألا ترى مع الله أحدا.
أيها الإخوة، النصر بيد الله، وإن كنت بطلاً فحقّق شروط النصر، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .