بحث

وصف أم معبد للنبي وبعض صفاته صلى الله عليه وسلم

وصف أم معبد للنبي وبعض صفاته صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الإخوة الكرام، في طريق النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مر بخيمة أم معبد، أم معبد امرأة لها خيمة مرّ بها النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر، وكانت امرأة برزةً، معنى برزة أي امرأة موثوق برأيها وعفتها، وأنها كهلة لا تخفي وجهها ولا تحتجب احتجاب الشابات، وكانت امرأة برزةً جلدة، ليس بين جلدها وعظمها لحم كثير، يعني أنها ممتلئة، ولكنها ليست بَدِينة، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي، الخيمة ليس فيها حائط تستند إليه، بل إن القماش لا يحتمل أن تستند إليه، إذاً كان العرب وهم في الصحراء يشبكون أصابعهم أمام ركبهم، وهذا هو الاحتباء. إذاً هذه المرأة كانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة، ثم تطعم، وتسقي من مرَّ بها يسألاها، النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه سألاها:  هل عندك شيء نشتريه؟ فقالت: والله لو عندنا شيء ما أعوزتكم إلى القرى، لو عندنا شيء نبيعكم إياه ما حملتكم على أن تسألوني، لأطعمتكم من تلقائي نفسي، لأن صفة الكرم والشجاعة من أبرز صفات الصحراء. ثم قالت: والشاء عازب، معنى عازب لا يدرّ ضرعها، وكانت سنة شهباء، أي لا نبات فيها ولا مطر  فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، يعني في جانب الخيمة، فقال: ما هذه الشاة؟ قالت: خلّفها الجهد عن الغنم، أي التعب والمشقة والنصب، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، هي أضعف من أن تعطي اللبن،  فقال عليه الصلاة والسلام  بأدب جم : أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حليباً فاحلبها،  فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ضرعها، وسما الله ودعا، فتفاجت عليه، معنى تفاجت أي فرقت ما بين رجليها كي يسهل عليه حلب ضرعها، فتفاجت عليه ودرت،  فدعا بإناء لها يربض الرهط، معنى يربض أي يشبع يروي، الرهط أهلها زوجها وأولادها، فدعا بإناء لها يربض الرهط  فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها، سقى أم معبد، لم يشرب هو، سقاها أولاً فشربت حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا،   ثم شرب هو، ساقي القوم آخرهم شرباً،  وحلب فيها ثانياً فملأ الإناء، ثم غادره عندها، وارتحلوا، فما لبس أن جاء زوجها يسوق أعنزاً عجافاً، أي هزيلة من شدة الجوع، وتساوتن هزالاً، أي كل عنزة تشبه أختها في هزالها، لأن السنة شهباء، قاحلة فلما رأى اللبن، قال أبو معبد: من أين هذا والشاء عازب لا تدرّ؟! ولا حلوبة في البيت، قالت: والله مر بنا رجل مبارك، ومن حديثه كيت وكيت، قال: والله إني أراه صاحب قريش الذي تطلبه، وضعوا مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، صِفِيه لي يا أم معبد. قالت: << هذا الرجل ظاهر الوضاءة، الوضاءة؛ النظافة والحُسن، ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، وجه مشرق، ليس عبوساً قمطريرا، حسن الخلق، كامل، لم تعبه سجلة، ما هي السجلة؟ ضخامة البطن، لم تعبه سجلة، ما له بطن كبير، ولم تزرِ به صعلة، الصعلة صغر الرأس، وسيم، وسيم يعني جميل. وسيم قسيم، معنى قسيم له من كل أنواع الحسن قسم، والحسن قد يكون طولا، وقد يكون بياضًا...إلخ، له من كل أنواع الحسن نصيب، قسم، في عينيه دعج، عيناه واسعتان، وبياضها شديد النصوع، وسواد بؤبؤها شديد السواء، وهذا هو الحور في اللغة شدة بياض العين مع شدة سوادها، وفي أشفاره وطف، والأشفار رموش عينه طويلة، وفي صوته صحل، بحة، بحة الصوت فيها أنس، النفس تطرب لهذه البحة، وفي عنقه سطع، عنقه طويلة وفي لحيته كثاثة، شعره غزير، أكحل في سواد في جفنه، طبيعي من دون كحل أزج، يعني حواجبه طويلة ورقيقة ومنقطعة بين العينين، بياض ناصع بين الحاجبين، حاجب طويل ورقيق ومعرج، أقرن يميل مع العين، طويل ورقيق ومنعرج، وبين الحاجبين بياض ناصع، أزج أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلم علاه البهاء، أجمل الناس، وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأحلاهم من قريب، جميل على البعد وعلى القرب، حلو المنطق، كلامه جذاب بالتعبير الحديث، متحدث لبق، يأسر القلوب بكلامه، لا ندْر، معنى ندر أي قليل الكلام، لا ندر ولا هدر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن كأنه عقد، الحبة الأكبر، الأصغر، الأصغر، نظم الكلام فن، ربعة، معتدل، لا هو طويل تشنأه العين من طوله، ولا هو قصير تقتحمه العين من قصره، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، معه اثنان حادي الإبل وسيدنا الصديق، الغصن بين غصنين، النبي الكريم كغصن أنضر الأغصان الثلاثة، أجملهم وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره محشود، أي التف الناس حوله، محشود مخدوم، لا عابس ولا مفند، لا ينتقد، قال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي تطلبه، ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وأصبح النبي عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى المدينة. 

     هذا أدق وصف مر بالسيرة النبوية للنبي عليه الصلاة والسلام في شكله أولاً، وفي أخلاقه، وفي تواضعه وأدبه، وحسن صحبته مع إخوانه. 

     كان عليه الصلاة  والسلام ((أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير)). 

     وكان عليه الصلاة والسلام مربوعاً، عريض ما بين المنكبين، كث اللحية تعلوه الحمرة، لقد رأيته في حُلةٍ، يقول راوي الحديث: رأيته في حُلةٍ ما رأيت أحسن منه. 

     كان عليه الصلاة والسلام:  ((ضخم الرأس، واليدين، والقدمين، حسن الوجه، لم أرَ قبله ولا بعده مثله))  

     وكان عليه الصلاة والسلام:  ((وجهه مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا)) 

     كان عليه الصلاة والسلام: ((إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر))  

     وكان عليه الصلاة والسلام:  ((لا يضحك إلا تبسما)) 

     ويقول سيدنا جابر:  ((فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ حَمْرَاءُ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ)) 

     أيها الإخوة، أبو طالب وصف النبي عليه الصلاة والسلام شعراً قال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يطعم اليتامى، ويمنع الأرامل من أن تُظلمن. 

     إخواننا الكرام، الإنسان بحاجة إلى الجمال، إذا رتب بيته، نظف بيته، رتب محله التجاري، أنا لا أقول: أن تشتري أشياء غالية، لكن الجمال لا يحتاج إلى جِمال، بل يحتاج إلى ذوق فقط، المسلم كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام قال:  ((حسنوا لباسكم، وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس)) 

     كل واحد منا إذا كمل الله عز وجل خَلْقه فعليه أن يسعى ليكمل أخلاقه. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا وقف أحدكم أمام المرآة، ورأى شكله حسناً أن يقول:  ((اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي)) 



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 34 - الهجرة -9- قصة أم معبد