بحث

عمر بن الخطاب3 عدله ونزاهته

عمر بن الخطاب3  عدله ونزاهته

بسم الله الرحمن الرحيم

      أيها الإخوة...   

      الفصل اليوم حول عدل سيدنا عمر رضي الله عنه الذي ليس له مثيل في التاريخ ، فكان هذا الصحابي الجليل ورِعاً وَرَعاً لا حدود له ، يحاسب نفسه حساباً عسيراً ، ويشعر أنه كلما كان منزّهاً عن أي شبهةٍ كلما كان أقرب إلى الله سبحانه وتعالى .  

قصة1: كان يسوي نفسه بمن حوله  

      لهذا الصحابي مواقف كثيرة وجليلة ، مرةً في عام المجاعة شعر أن أمعاءه تضطرب فخاطب بطنه ، وقال : ((قرقر أيها البطن ، أو لا تقرقر ، فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين))      .  

      وفي روايةٍ أخرى ، كان يأكل الزيت ، ويبتعد عن السمن ، لأن سعره مرتفعٌ جداً ، ويحبُّ أن يسوي نفسه بعامة المسلمين ، فقال لبطنه :  ((لتُمَرَنَنَّ أيها البطن على الزيت ما دام السمن يباع بالأواقي))      ، أي لندرتِه صار يباع بالأواقي ، فقد صار سعره مرتفعاً ، إذاً حسبُك أن تأكل الزيت ، ودعك من السمن .  

      إذا طبَّق الإنسان هذه القاعدة في بيته ، فما أكل طعاماً أكثر مما يأكل أولاده وزوجته وأهله ، إذا سوّى نفسه مع مَن حوله ، فهذا الذي يجعل المسلم يتألَّق ، وهذا الذي يجعل المسلم تهفو القلوب إليه ، لقد وطَّن نفسَه على ألاّ يكل إلا مما يأكل منه عامة المسلمين ، فإذا كان السمن غالياً وطَّنَ نفسَه على أن يأكل الزيت ، وإذا كان اللحم نادراً خاطب بطنه ،   

      وقال : ... فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين        .  

أخلاق المؤمن مبنيةٌ على المؤاثرة لا على الأثرة  

      بعض الأسر تعيش بأسلوب المؤاثرة ، أي أن هذا غائب لا نأكل قبل أن يأتي ، هذه الأكلة لا بدّ أن يأكلَ منها كل أفراد الأسرة ، لو طبَّق المسلمون في بيوتهم هذه القاعدة ، فلو سوّى الأب نفسه مع أولاده ، والأم مع بناتها ، والأخ الأكبر مع إخوته الصغار ، فإذا وسَّع هذه القاعدة تنشأ المودَّة الخالصة بين الأولاد وأبيهم ، وبين الإخوة وأخواتهم ، وعلى هذا يكون المؤمن قد بنى حياته على الإيثار .  

      نحن عندنا قاعدتان ؛ إما أن تؤثر نفسك على أخيك ، وإما أن تؤثر أخاك على نفسك ، فإن آثرت نفسك على أخيك فهذه اسمها الأثرة ، وإن آثرت أخاك على نفسك هذه اسمها المؤاثرة ، والمؤمن يبني حياته على المؤاثرة .  

       مرةً أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بسواكَيْن ؛ الأول مستقيم ، والثاني معْوَج ، فأعطى السواك المستقيم لأحد أصحابه ، وترك لنفسه المِعْوَج   

       هذه إشارة دقيقة ، فأخلاق المؤمن مبنيةٌ على المؤاثرة لا على الأثرة ، أخلاق أهل الدنيا ، وأخلاق المقطوع عن الله عزَّ وجل ، وأخلاق المقصِّرين أساسها الأثرة   

سؤال يحدد موقعك  

      فأنت إن كنت مؤمناً بنيتَ حياتك على المؤاثرة ، وإن كنت منقطعاً أو بعيداً أو مقصِّراً أو ضعيف الإيمان بنيتَ حياتك على الأثرة ، فالمؤمن يسعده أن يعطي ، وغير المؤمن يسعده أن يأخذ ، إن أردت أن تعرف نفسك أَمِن أهل الدنيا أنت أم من أهل الآخرة فاسألْ نفسك هذا السؤال :  ما الذي يسعدك ؛ أن تعطي أم أن تأخذ ؟   

      سيدنا عمر كان بإمكانه أن يأكل أفخر طعام ، وألينه ، ولكن حينما عمَّت المجاعة في بعض السنوات قال لبطنه : (( قرقر أيها البطن ، أو لا تقرقر ، فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين )) " .   

الأطفال أولاً  

      بالمناسبة أحيانًا الرجل الراشد يصبر ، لكن الصغير لا يصبر ، فالصغير يشتهي كل شيء ، ويطلب من والده كل شيء ، ويلِحُّ على والده أن يأكل بعض الأكلات ، وأن يشتري بعض الحاجات ، مِن هنا علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام ،   

       فكان إذا قُدِّم للنبي فاكهةٌ في بواكيرها يأخذ الفاكهة ، ويقبِّلها شكراً لله عزَّ وجل ، وهذا التقبيل له معنيان ؛ المعنى الأول الحمد لله عزَّ وجل على أن هيَّأ هذه الفاكهة للإنسان ، وهذه من نعم الله عزَّ وجل ، والمعنى الثاني على أن أحيانا حتى أدركنا مجيء هذه الفاكهة ، كان يقبِّلها ، ويعطيها لأصغر طفلٍ في المجلس .  

لا تتمايز  

      يُستنبط من هذا أيضاً أنه إذا كان لك ابن في مدرسة ، أو الروضة ، أو في الحضانة ، وأنت ميسور الحال ، فتعطي ابنك فاكهة غالية جداً ، ثمن الكيلو منها مائة وخمسون ليرة ، وتقول : أتْرُكُه يأكل ، ويشبع في حياتي ، هذه معصية كبيرة ، الطفل يشتهي ، فإن أعطيته هذه الفاكهةَ ، والذين حوله محرومون منها يشتهونها ، فلا تعط ابنك حين ذهابه إلى المدرسة إلا الفاكهة التي يستطيع كل الناس شراءَها  .  

       والنبي عليه الصلاة والسلام في بعض ما ورد عنه : (( وإذا اشتريت فاكهةً فاهدِ له منها أي لجارك ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً  

       كان السلف الصالح يضع الفاكهة في سلّة ، وعليها منديل ، الآن توضع في كيس من النايلون الأبيض الشفاف ، والله مشكلة ،  

       " وإذا اشتريت فاكهةً فاهد له منها ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها)) .  

      هذا الحديث كله قواعد أخلاقية.  

شارك الناس   

      إنّ حياة المؤمن مبنيةٌ على المؤاثرة لا على الأثرة ، حياة المؤمن مبنيةٌ على العطاء لا على الأخذ ، المؤمن الصادق الذي يريد تأليف القلوب يسوّي نفسه مع الضعفاء ، ومع عامة الناس .  

      سمعت عن رجل - وهذه قصة قديمة من أكثر من ست أو سبع سنوات - يومَ كانت هناك أزمة في بعض الفواكه ، فكان البرتقال في الشتاء نادراً وغاليًا جداً ، أقسم لي هذا الرجل ، كان وبإمكانه أن يشتري من هذه الفاكهة ما شاء له أن يشتري ، قال لي : واللهِ أردتُ أن أشارك عامة الناس في سلوكهم بتقنين هذه الفاكهة ، فلم أشتر منها مدة طويلة ، وأقنعت أولادي أننا نحن مع الناس ، إن أكل الناس نأكل ، وإن لم يأكلوا لم نأكل.  

      وقد سمعت عن شخص في أحد أسواق الخضار ، وكان سعر كيلو الكمأة ستمائة ليرة ، فطلب شراء عشرة كيلو منها ، ودفع ستة آلاف ليرة ، وكان ثمة شخص آخر ينظر إليه ، وهو يشتهي خمس ليرات ..   

لا تتفاخر   

      فإذا أظهر الإنسان ما عنده ، خرج على قومه بزينته ، فعرض النعم التي حباه الله بها أمام الناس ، وافتخر بها ، وتاه على خلق الله بها ، ربما عاقبه الله عزَّ وجل كما عاقب قارون :  

      فالإنسان لا يحبب الدنيا للناس ، لا يزرع فيهم حبها ، ولا يستعلِ عليهم بدنياه ، ولا يعرض أمامهم ما عنده من أشياء ثمينة ، ومن دخل كبير ، ولا يحدِّثهم عن رحلاته ، وعن مصروفه الكبير في رحلاته ، أنا حينما أرى إنسانًا يحدِّث الناس عن مصروفه الكبير ، وعن رحلاته الشيِّقة، وعن انغماسه في الملذاَّت ، وفي المجلس مَن هو أضعف منه ، أو من هم أفقر منه أشُكُّ في عقله ، فهذا الكلام ماذا ينفعهم ، وماذا يجديهم، من أجل أن تستعليَ عليهم ، أو أن تلقي الحسرة في قلوبهم ؟ ليس هذا من شأن المؤمن ، كن مع الناس .  

      كان يقول هذا الخليفة العظيم :    (( كيف يعنيني شأن الناس إذا لم يصبني ما يصيبهم))  

       إذا أكل مما يأكلون ، وشرب مما يشربون ، وتحمَّل ما يتحمَّلون ، وعانى ما يعانون ، عندئذٍ يعنيه شأن الناس .  

قصة2: سوّى نفسه مع أضعف الناس وأفقرهم  

      في عام  الرَمادة ، وكان عام مجاعةٍ قاتلة ، أمَر يوماً بنحر جزور ، وتوزيع لحمه على أهل المدينة ، وقام مَن حوله بانجاز هذه المهمة ، بيد أنهم استبقوا لأمير المؤمنين أطيب أجزاءٍ في الذبيحة ، وعند الغداء وجد عمر أمامه على المائدة سنام الجذور وكَبَده ، وهما أطيب ما فيه ،   

      فقال :  من أين هذا ؟  

      قيل : مِن الجزور الذي ذُبح اليوم "   

       فقال رضي الله عنه :وهو يزيحه عن المائدة بيده الأمينة ،   

       قال : "  بخٍ بخٍ بئس الوالي أنا إن طَعِمت طيِّبها وتركت للناس كراديسها ( يعني عظامها )  يا أسلم (خادمه)  ارفع هذه الجَفنة وأتني بخبزٍ وزيت )) .   

      أكثر هذه القصص تتمحور حول أن هذا الخليفة العظيم سوّى نفسه مع أضعف الناس ومع أفقر الناس .  

قصة3:التوازن بين عملين ، بين الإحسان للخلق ، والاتصال بالحق  

      ذات مرةٍ جاءته هديةٌ من أذربيجان ، واليه على أذربيجان أرسل له هدية وهي طعامٌ نفيس ، والقصة معروفة ومطروقة ، دخل هذا الرسول المدينة في منتصف الليل فكره أن يوقظ أمير المؤمنين ، فتوجَّه إلى المسجد النبوي الشريف ، في المسجد سمع صوت رجلٍ يصلي ويبكي ويناجي ربَّه ، ومما سمع من كلام هذا الرجل :  ربي هل قبلت توبتي فأهنّئ نفسي أم ردتها فأعزيَها ؟ "   

      فقال هذا الرسول : " من أنت يرحمك الله ؟ "   

       قال : " أنا عمر "   

      قال : " يا سبحان الله ألا تنام الليل ؟! " هو كره أن يطرق بابه ليلاً لئلا يوقظه فإذا هو يصلي في المسجد  

      فيجيبه هذا الخليفة العظيم :  أنا إن نمت ليلي كلَّه أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيَّتي       

       وهذا معنى قول النبي  عليه الصلاة والسلام :  " إن لله أعمالاً لا يقبلها بالليل "  

      أي في النهار لا تقبل أعمال الليل ، وفي الليل لا تقبل أعمال النهار ،  

      فلذلك قال     أنا إن نمت ليلي كلَّه أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيَّتي  

      أرأيتم إلى هذا التوازن ؛ التوازن بين عملين ، بين الإحسان للخلق ، والاتصال بالحق ، وأكثر الناس يختل عندهم هذا الميزان ، فإما أن ينكبّوا على الأعمال الصالحة وينسون عباداتهم وأذكارهم واتصالهم بربهم ، وإما أن يُعنَوا بعباداتهم ولا يفعلون شيئاً من الأعمال الصالحة ، لذلك هذا التوازن ؛ رهبانٌ في الليل فرسانٌ في النهار .  

قصة3: اتق الله واشبع مما يشبع منه المسلمون  

      فلما أذَّن الفجر صلّى أمير المؤمنين بالناس ودعا ضيفه إلى البيت   

      وقال لامرأته حفصة : "  ماذا عندك من طعام ؟ "   

      قالت : " ملحٌ وخبز " ،   

      وكان قد عرض عليه أن يأكل مع فقراء المسلمين فأبى وظنَّ أن طعام الأمير نفيسٌ جداً فماله وطعام الفقراء ، وكان فقراء المسلمين يأكلون اللحم ، أما سيدنا عمر فكان غداؤه الخبز والمِلح ، بعد أن أطعم ضيفه وقد ندم الضيف أشدّ الندم على أنه اختار طعام الأمير   

      قال له :  ما الذي جاء بك إلينا ؟  

      قال : " هديةٌ بعث بها إليك عاملك على أذربيجان " فتح الهدية ، فإذا هي طعامٌ نفيس ، أي حلوى نفيسة جداً غالية الثمن، ما إن وضع قطعةً في فمه حتى سأل هذا الرسول ،   

      قال : "  يا هذا أيأكل عندكم عامة المسلمين هذا الطعام ؟  

      قال : " لا ، هذا طعام الخاصَّة " .   

      يروى أن هذا الخليفة العظيم لفظها من فمه ووبَّخ الوالي أشدَّ التوبيخ   

      وقال : "  كل مما يأكل منه عامة المسلمين " وأمر بالهدية أن توزَّع بين فقراء المسلمين، والنص الدقيق قال : "  ما هذا ؟  

      قال : " حلوى يصنعها أهل آذربيجان وقد أرسلني بها إليك عُتبة بن فرقد " وكان والياً على أذربيجان ، فذاقها عمر فوجد لها مذاقاً شهياً ،   

      فسأل الرسول : "  أوكل المسلمين هناك يطعمون هذا ؟  

      قال الرجل : لا وإنما هو طعام الخاصة " . فأعاد عمر إغلاق الوعاء جيداً   

      وقال للرجل : "  أين بعيرك ؟ خذ حملك هذا وارجع به لعتبة ، وقل له : عمر يقول لك : اتق الله واشبع مما يشبع منه المسلمون " .  

قصة4: كيله بمكيال واحد    

      هذه قصةً أخرى ، طبعاً سيدنا عمر لا يسمح لأهله أن يتجاوزوا الحدود ، بل إن أهله كان عليهم تبعةٌ مضاعفةٌ فيما لو وقعوا فيما نهى عمر عنه ، فكان إذا سنَّ قانوناً أو أمر أمراً ، أو حظر أمراً ، جمع أهله أولاً وقال : "  إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا ، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم ، فإن وقعتم وقعوا ، وإن هِبتم هابوا ، وإني والله لا أوتى برجلٍ منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني ، فمن شاء منكم فليتقدَّم ، ومن شاء فليتأخَّر " .  

      بربكم أيها الإخوة لو أن إنسان ضبط أولاده ، فأيام يكون عند إنسان محل تجاري وعنده موظَّف وابنه في المحل ، ابنه له معاملة لو أساء أشد الإساءة يتساهل معه ، أما هذا الموظَّف لو قصَّر أدنى تقصير يقيم عليه النكير ، هذا الموظَّف يرى بعينه ، يرى هذه التفرقة الواضحة بين ما يعامل به ابنه وبين ما يعامله به ، فلذلك نحن لا نكون مؤمنين صادقين إلا إذا عاملنا أقرب الناس إلينا كما نعامل أبعد الناس عنا هكذا .  

      أحيانا الإنسان ابنه لا يحمِّله فوق ما يطيق ، يخاف على ظهره ، يخاف أن تنزلق إحدى فقراته ، يخاف عليه المرض ، أو يرحمه ، أو يشفق عليه فلماذا إذا كان عند هذا الرجل من يعمل عنده في محلّه التجاري أو في معمله يحمِّله فوق ما يطيق ، ما من صفةٍ أيها الإخوة أبشع في الإنسان من التناقض ، أو من أن يقيس شيئين بمقياسين مختلفين ، من أن يقيس شيئاً متكرراً بمقياسين مختلفين ، هذا الذي يكيل بمكيالين إنسان متناقض ، والمتناقض يسقط اعتباره بين المؤمنين ، فانتبه قبل أن تَسُنَّ ، قبل أن تعطي قاعدة ، قبل أن تقيس بمقياس ، قبل أن تستخدم طريقاً من الطرق ، هل هذه مطبَّقةٌ على نفسك وعلى بقية الناس ، أم أن هناك مقياسًا لنفسك ومقياسًا للناس ؟ وهذا التناقضُ يقع فيه الناس أشدَّ ما يقعون ، الكيل بمكيالين ، القياس بمقياسين.  

      فابْنَتُه في البيت لها معاملة ، أما زوجة ابنه فلها معاملة أخرى ، الأُولى في منتهى الرحمة والتسامح ، والثانية في منتهى القسوة والشدَّة ، أو الأم تعامل ابنتها في منتهى التساهل ، وتعامل زوجة ابنها بمنتهى الشدة ، هذا تناقض .  

      فسيدنا عمر انطلق من هذا وقال :   (( إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا ، وإن الناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وإن هِبتم هابوا ، وإني والله لا أوتى برجلٍ منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني، فمن شاء فليتقدَّم ، ومن شاء فليتأخَّر )) ،   

            إذاً أصبحتِ القرابة من عمر مصيبة ، وأية مصيبة ، لأنها تحمِّل صاحبها عقاباً مضاعفاً .  

      معنى ذلك أيها الأخ الكريم انتبه الوقوعِ في التناقض ، انتبه فإنّ الناس لهم أعين ، الناس يفهمون ، الناس أذكياء ، الناس يكشفون الحقائق ، فإذا قِست شيئاً بمقياسين مختلفين وقعت في التناقض ، وسقط اعتبارك بين الناس ، ولا ترقى في عين الناس ، ولا ترقى إلى مستوى حيث تكون فيه كاملاً أو مثلاً أعلى أو قدوةً إلا إذا ابتعدتَ عن التناقض ، فأهله لو وقعوا فيما نهى عنه ضاعف لهم العقوبة .  

      أما إذا أطاعت ربها ، وقنتت لله ورسوله يؤتِها أجرها مرتين ، فالقدوة دائماً له حساب مضاعف ، إن أحسن فله أجرٌ مضاعف ، وإن أساء فله وزرٌ مضاعف .  

      كل إنسان ينظر إليه على أنه أب ، أو معلِّم ، أو معلِّم في مهنة ، أو تولّى على أُناس أقل منه، فأيُّ منصب قيادي مهما بدا متواضعاً ، كمعلم بصف ، أو عرّيف على خمسة جنود فهذا منصب قيادي ، فالذي يتولى عملاً قيادياً إساءته عقابها مضاعف ، وإحسانه جزاؤه مضاعف .  

قصة5: ورعه  

      مرة خرج إلى السوق في جولةٍ تفتيشية فيرى إبلاً سمينةً تمتاز عن بقية الإبل بنموِّها وامتلائها ،  

       يسأل عمر بن الخطاب :  إبل مَن هذه ؟       

      فقالوا : هي أبل عبد الله بن عمر ابنك ، وانتفض أمير المؤمنين ، وكأن القيامة قد قامت ،   

      وقال :  عبد الله بن عمر !! بخٍ بخٍ يا ابن أمير المؤمنين " (أي الله يعينك ) ، وأرسل في طلبه فوراً ، وأقبل عبد الله يسعى ، وحين وقف بين يدي والده أخذ عمر يفتل سبلة شاربه ، وتلك عادته إذا أهمَّه أمرٌ خطير ، فأحياناً الإنسان يحكُّ رأسه ، أو يحرِّك ثيابه ، كل إنسان له طريقة إذا أمر خطير وهو يفكِّر ،  

      فقال : "  بخٍ بخٍ يا ابن أمير المؤمنين ، ما هذه الإبل يا عبد الله ؟ "   

      فأجاب : " إنها إبلٌ أمضاء ( يعني هزيلة ) اشتريتها بمالي ، وبعثت بها إلى الحِمى ( أي إلى المرعى ) أُتاجر فيها ، وأبتغي ما يبتغي المسلمون ، فماذا صنعت ؟ وأيّ ذنبٍ ارتكبته ، وأية خطيئةٌ وقعت فيها ؟ اشتريت إبلاً أمضاء يعني هزيلة ، اشتريتها بمالي ، وماله حلال ، وبعث بها إلى الحمى ، أي إلى المرعى لتسمن حتى يبيعها فيبتغي ما يبتغي المسلمون ،   

فقال عمر متهكماً تهكُماً لاذعاً : " ويقول الناس حين يرونها : ارعَوْا إبل ابن أمير المؤمنين ، اسقُوا إبل ابن أمير المؤمنين ، وتسمن إبل ابن أمير المؤمنين ، فبع هذه الإبل ، وخذ رأس مالك منها ، واجعل الربح في بيت مال المسلمين )) .   

      هذا إدراك نادر أن هذا ابن أمير المؤمنين ، فلعلَّ الناس أعطوه فوق ما يستحق ، ولعلهم أكرموه ، فقال :  بع هذه الإبل ، وخذ رأس مالك ، وردَّ الباقي لبيت مال المسلمين ، أرأيتم هذه النزاهة .  

قصة6: عدله  

      مرةً وصل إلى المدينة مالٌ كثير من أموال الأقاليم ، فتذهب إليه ابنته حفصة رضي الله عنها لتأخذ نصيبها ، وتقول له مداعبةً : " يا أمير المؤمنين حقٌّ أقاربك في هذا المال ، فقد أوصى الله بالأقربين " فيجيبها جاداً : "  يا بُنيَّتي حقُّ أقربائي في مالي ، أما هذا فمال المسلمين ، قومي إلى بيتك ،(أي اذهبي) ،   

      طبعاً مَن علَّمه ذلك ؟ إنّه النبي عليه الصلاة والسلام ،  

        حينما قال لأحبِّ الناس إليه فاطمة البتول:   " لا يا فاطمة إن في المسلمين من هم أحوج منك لهذا المال ، والله لا أؤثرك على فقراء المسلمين " .  

قصة7: لا يُعطي إلا بالحق   

      مرةً    أراد هذا الخليفة العظيم أن يسجِّل في ديوانٍ أسماءَ أصحابه حتى يعطيهم من فيء المسلمين بحسب أقدارهم ، وسبقهم في الإسلام ، والأسماء سُجِّلت ، بدأ عمر بن الخطاب ببني هاشم ، ثم بآل أبي بكر ، ثم بني عَدي آل عُمر ، فلما طالع أمير المؤمنين الكتاب ردَّه إليه وأمرهم أن يقدِّموا على آل عُمر كثيرين غيرهم اقترح أسماءهم ، وذكر أُسرهم   

      وقال : "  ضعوا عمر وقومه في هذا الموضع " ، فقد رُتِّبت الأسماء ترتيباً بحسب السبق في الإسلام ، وبحسب قُرب الصحابي من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، هكذا أمر ، فجاءت القائمة كالآتي : بنو هاشم أهل بيت النبي ، آل أبي بكر ، آل عمر ، فنقل اسمه ، واسم أهله إلى مكانٍ بعيدٍ جداً ، فلما ذهبوا إليه أهله بني عدي راجين أن تظلَّ أسماؤهم في مقدمة الديوان كي ينالوا أنصباءَهم والمال الأوفر  

      قالوا له : " ألسنا أهل أمير المؤمنين ؟" ، نحن أهلك ،  وأنت أمير المؤمنين ،   

      فأجابهم عمر: "  بخٍ بخٍ ، أردتم الأكل على ظهري ، وأن أهب حسناتي لكم ، لا والله لتأخُذُنَّ مكانكم ، ولو جئتم آخر الناس " ، لكم مكان لا يتقدَّم ، ولا يتأخَّر ، ولو كنتم أهلي وأقربائي .  

قصة8: الرجل المناسب في المكان المناسب  

      وقال هذا الخليفة حينما اقترح عليه أحدهم أن يجعل ابنه في عمل،   

      قال : "  من استعمل رجلاً لمودّةٍ أو قرابةٍ لا يحمله على استعماله إلا ذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين  

      يعني على مستوى صف ، لو عيَّنت عرّيفًا على هؤلاء الطلاَّب يلوذ بك ، وفي الصف من هو أكفأ منه فقد خُنت  الأمانة .  

قصة9: مشروعه الإقتصادي  

      ألم يقل مرةً لأحد الولاة : "  ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارقٍ أو ناهب ؟  

      قال : " أقطع يده"   

      قال : "  إذاً فإن جاءني من رعيَّتك من هو جائعٌ أو عاطل فسأقطع يدك ، فإن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسُدَّ جوْعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفِّر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خُلِقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فأشْغِلْها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " .   

قصة10: للمؤمنين لينٌ مطواع ، يضع خده على الأرض ، أما أهل الظلم والتعدي فهو شديدٌ عليهم   

      مرةً قال له بعض أصحابه : " إن الناس هابوا شدتك " ، أي أنهم خائفون منك ،فأمر بجمع الناس   

      وقال لهم هذا الخليفة : "  بلغني أن الناس هابوا شدَّتي ، وخافوا غِلظتي ، وقالوا : قد كان عمر يشتدُّ ورسول الله بين أظهرنا ( أي كان يخفف من شدته ) ،  ثم اشتدَّ علينا وأبو بكرٍ والينا دونه ، فكيف وقد صارت الأمور إليه  ؟ " والله الآن أصبحت مشكلة .. كان يشتد والنبي الكريم يخفف ، وكان يشتد وسيدنا الصديق يخفف ..   

      فقال : "  ألا من قال هذا فقد صدق ، فإني كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم عونه وخادمه ، وكان عليه السلام من لا يبلغ أحدٌ صفته من اللين والرحمة ،   

       وكان كما قال الله تعالى :  (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

        فكنت بين يديه سيفاً مسلولاً حتى يُغمدني ..   

      ألم يقل لسيدنا الصديق : " أنت أفضل مني " فقال سيدنا الصديق لعمر : " أنت أقوى مني " فقال : " قوتي لك مع فضلك " ، فكان سيفاً مسلولاً بين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فإما أن يدعه يمضي ، وإما أن يغمده والأمر راجعٌ للنبي اللهم صلي عليه ..   

       فلم أزل مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على ذلك حتى توفَّاه الله وهو عني راضي ، والحمد لله على ذلك كثيراً وأنا به أسعد   

       كنت بيد رسول الله قوة إما أن يستخدمني وإما ألا يستخدمني ، كنت سيفاً إما أن يدعني أمضي ، وإما أن يغمدني ، هو كان رحيم ، وأنا شديد.   

      قال :  " ثم ولي أمر المسلمين أبو بكر ، فكان من لا تنكِرون دعته وكرمه ولينه ، فكنت خادمه وعونه ، أخْلِطُ شدتي بلينه فأكون سيفاً مسلولاً حتى يُغمدني ، أو يدعني فأمضي ، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله عزَّ وجل ، وهو عني راضٍ ، والحمد لله على ذلك كثيراً ، وأنا به أسعد  

      كلام واضح جداً .  

      قال : "  ثم إني ولّيت أموركم أيها الناس " الآن الأمر كله لي ، فقد كنت شديد وكان من يخفف من شدتي  

      "  فاعلموا أن تلك الشدَّة قد أُضعِفَت " كالأب تماماً إذا ماتت الأم يأخذ دور الأب والأم ، الشدة تضعُف ، فعند وجود الأم إذا اشتدَّ الأب فالأم تخفف من شدته ، أما إذا ماتت الأم إن هذه الشدة قد أُضعِفت .  

      فقال : "  ثم إني قد ولّيت أموركم أيها الناس فاعلموا إن تلك الشدة قد أضعفت ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي ، فأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدعُ أحداً يظلم أحداً أو يعتدي عليه حتى أضع خدَّه على الأرض ، حتى يُذعن للحق ، وإني بعد شدتي تلك أضع خدي على الأرض لأهل العفاف وأهل الكفاف " .  

      أرأيتم أيها الإخوة ، هو للمؤمنين رؤوفٌ رحيم ، لينٌ مطواع ، يضع خده على الأرض ، أما أهل الظلم والتعدي فهو شديدٌ عليهم .  

      الرأفة في غير موضعها مؤذية جداً ، إنسان قتل يجب أن يُقتل .  

      أما ولي الأمور إذا بلغه انتهاكٌ لحرمةٍ   

       قال عليه الصلاة والسلام :   لا عفا الله عنه إن عفا ".  

      العفو عن إنسان مجرم معتدٍ مفسد في الأرض ، هذا العفو ليس خُلُقاً نبيلاً إنما هو ضعفٌ ، وإنما هو توسيعٌ للفساد بين الناس .  

قصة11: خطة عمله  

      قال : "  أيها الناس .. لكم عليَّ خصالٌ أذكرها لكم خُذوني بها ؛ لكم عليَّ أن لا أجتبي شيئاً من خراجكم ، وما أفاء الله عليكم إلا من وجهه ( يعني لكم عليَّ أن لا آخذ من أموالكم شيئاً إلا ضمن الحق )  ولكم عليَّ إذا وقع في يدي أن لا يخرج مني إلا بحقه ( لا آخذ إلا حقّي ، وإذا أخذت حقي منكم لا أنفقه إلا في الحق )  ، ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم ، وأرزاقكم إن شاء الله تعالى ( أي يتناسب الدخل مع المعيشة ) ،  ولكم عليَّ أن أَسُدَّ ثغوركم (أي أحصِّن الحدود ، وأحمي البلاد من عدوان الأعداء ) ،  ولكم عليَّ أن لا أُلقيكم في المهالك ( فالإنسان غالي ، والإنسان هو الأصل فإذا أُلقي في المهالك فقد خان الله ورسوله )  وإذا غِبتم في البعوث ( في الجهاد )  فأنا أبو العيال حتى ترجعوا ( أي أنا متكفِّلٌ بأهلكم وأولادكم )  فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفِّها عني ، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإحبار النصيحة فيما ولاّني الله من أمركم ( النصيحة مطلوبة ) " .  

      لذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز اختار رجل من كِبار العلماء ، واعتقد اسمه عمر بن مُزاحم، قال : "  يا عمر كن معي دائماً وانظر فيما أحكم ، فإن رأيتني ظلمت ( أي غلطت )  فأمسكني من تلابيبي وهُزَّني هزاً شديداً وقل لي : اتق الله يا عمر فإنَّك ستموت " هذه وظيفتك .  

قصة12: تذكره لأصحابه  

      حينما زار هذا الخليفة الشام جئ له بطعامٍ طيِّب .. معنى ذلك إن أهل الشام من قديم الزمان أكلهم طيِّب .. جئ له بطعامٍ طيِّب مختلفٍ ألوانه ، وبدلاً من أن يُقبل عليه ، وأن ينعُم بمذاقه رمقه بعينين باكيتين ،   

      وقال : "  كلُّ هذا لنا ، وقد مات إخواننا فقراء لم يشبعوا من خبز الشعير ؟!  

      ( تذكَّر أصحابه الذي ماتوا في الغزوات ) أي أنه ما أراد أن يأكل طعاماً طيباً وإخوانه الذي سبقوه إلى الموت ما أكلوا هذا الطعام ، تألَّم.  

قصة13: حرصه على أمن وراحة رعيته  

      مرةً قدم بعض تجَّار المدينة وخيَّموا عند مشارفها ، وقد أراد هذا الخليفة العظيم أن يقوم بجولةٍ تفتيشيةٍ في أطراف المدينة ، فاصطحب معه عبد الرحمن بن عوف ليتفقد أمر القافلة ، وكان الليل قد تصرّم ( أي مضى جزءٌ كبير منه ) ، واقترب الهزيع الأخير منه ، وعند القافلة النائمة اتخذ عمر وصاحبه مجلساً على مقرُبةٍ منها ، وقال عمر لعبد الرحمن : " فلنمض بقية الليل هنا نحرس ضيوفنا " ،   

      سيدنا عمر الخليفة العظيم جلس ليحرس هذه القافلة ، ويحرس أموالها ، وإذ هما جالسان سمع صوت بكاء صبي ، فانتبه عمر ، وصمت ، وانتظر أن يكُفَّ الصبي عن بكائه ، ولكنه تمادى فيه ، فمضى يسرع صوبه ، وحينما اقترب منه سمع أمَّه تنهنهه ،   

      قال لها : "  اتق الله وأحسني إلى صبيِّك " أي أرضعيه ، ثم عاد إلى مكانه وبعد حينٍ عاود الصبيُّ البكاء ،  

      فهرول نحوه عمر ،   

      ونادى أمَّه : "  قُلت لك اتق الله وأحسني إلى صبيِّك " وعاد إلى مجلسه ، بيد أنه لم يكد يستقرّ حتى زلزله مرةً أُخرى بكاء الصبي ،   

      فذهب إلى أمه وقال لها:  ويحك إني لأراكِ أمَّ سوء ، ما لصبيِّك لا يقرُّ له قرار ؟!! " أي لما لا ترضعيه ؟  

       قالت وهي لا تعرفه : " يا عبد الله قد أضجرتني ، إني أحمله على الفِطام فيأبى "   

      سألها عُمر : "  ولما تحملينه على الفِطام ؟ "   

      قالت : " لأن عمر لا يفرض العطاء إلا للفطيم " أي أن التعويض لا يعطيه إلا للفطيم .   

      قال وأنفاسه تتواثب : "  وكم له من العمر "  

      قالت : " بضعة أشهر "   

      قال : "  ويحك لا تعجليه " يقول صاحبه عبد الرحمن بن عوف ، كأن سيدنا عمر صُعق، وأمسك رأسه بيديه وأغمض عينيه   

      وقال: "  ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين " عدَّ نفسه قاتلاً لأنه أمر أن يُنفق التعويض على هذا الغُلام بعد الفطام ، إذاً أكثر الأمهات يحملن أطفالهن على الفِطام قبل الأوان من أجل أن تأخذ الأم تعويض غلامها .  

      ثم أمر منادياً نادى في المدينة : "  لا تعجلوا على صبيانكم بالفطام ، فإنا نفرض من بيت المال لكلِّ مولودٍ يولد في الإسلام " من دون فطام ،   

      وذهب ليصلي الفجر مع أصحابه ، فالناس ما استبانوا قراءته من شدته بكائه ،  

      وكان يقول : "  يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين  

      وبعضهم يذكر أنه كان يقول : "  ربي هل قبلت توبتي فأهنِّئ نفسي أم ردتها فأعزيها " .  

      على كلٍ لهذا الخليفة العظيم مواقفُ كثيرةٌ جداً ورائعةٌ جداً ، ويمكن أن نهتدي بها ، فالإنسان في بيته كما ذكرت راعٍ ، كلكم راعٍ وكلكم راعٍ مسؤولٌ عن رعيَّته ، فإذا طبَّق كل إنسان هذه السيرة في بيته ، في عمله إذا كان رئيساً لدائرة ، وعنده عدد من الموظفين فتواضع لهم ، وعدل بينهم ، وسوَّى نفسه معهم حتى أحبّوه ، فلما أحبوه أحبّوا دينه ، وأحبّوا إسلامه ، وأحبوا منهجه في الحياة ، فلن تستطيع أن تكسب قلوب الناس إلا بالإحسان إليهم ، والتواضع لهم ، وأن تسوي نفسك معهم ، عندئذٍ الإسلام ينمو ، الإسلام لا ينمو بالكلام ينمو بالمثل العُليا ، وينمو بالتطبيق .  

كل إنسان يمكن أن يكون كسيدنا عمر   

      يا أيها الإخوة ... ملاحظة قصيرة .. هذه القصص ممتعة ، لكن إذا قرأناها ، واستمتعنا بها وكان بيننا وبينها مراحل فسيحة ، أنا ما أردت أن أمْتعكم بهذه القصص ، أردت أن تكون هذه القصص منهجاً لكم في حياتكم ، أردت أن تترجم هذه القصص في حياتكم اليومية ، فكل إنسان الله عزَّ وجل ولاه على اثنين بإمكانه أن يكون كسيدنا عمر ، أي إنسان بأسرته ولاّه الله على أفراد أسرته ، فإذا تواضع وعدل وسوّى نفسه معهم وآثرهم على نفسه ملَك قلوبهم ، وإذا ملك قلوبهم أمكنه أن يهديهم .  



المصدر: سيرة الخلفاء الرشدين - سيدنا عمر بن الخطاب - الدرس (3-7) : عدله ومحاسبة نفسه الدائمة