بحث

الثقوب السوداء كما وردت في القرآن

الثقوب السوداء كما وردت في القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

     الذي يلفت النظر أن بحوثاً فلكية حديثة تتحدث عن الثقب الأسود، وهو شيء يكاد لا يصدق لكنه واقع، أما أن يكون في القرآن الكريم آية أو آيتان تتحدثان عن الثقب الأسود، هذا يؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، ما الآية؟ قال تعالى:  

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*الْجَوَارِي الْكُنَّسِ*وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ* وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم﴾ 

     هذه الآية الكونية التي حدثنا الله عنها بل وأقسم بها، جواب القسم أن القرآن حق، وأن النبي عليه الصلاة والسلام على حق فهو رسول الله حقاً  

     هذه الآيات تحدثنا عن مخلوقات كونية سماها القرآن الكريم بالخنس، ولكن ما معنى كلمة خنس؟ الخنس مخلوقات عملاقة لا نراها ولا نستطيع أن نراها، لكن لأقرب لكم بالمثل التالي، قطر أرضنا اثنا عشر ألف كيلو متر، محيطها أربعون ألفاً، لو تحولت إلى ثقب أسود لأصبح قطرها سنتمتراً واحداً بالوزن نفسه. تصور وزن الأرض بحجم سنتمتر مربع، ما الذي يقف أمامه؟ هذا ما يؤكده علماء الفلك، ولكن جاءت التسمية خاطئة، وهناك بعض الهيئات العلمية سمتها المكانس الفضائية كما سماها القرآن الكريم ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِي الْكُنَّسِ﴾.  

     لو أمسكت بكرة وضربتها نحو الأعلى ما الذي يحصل؟ بعد قليل تعود إلى الأرض، ما الذي أعادها إلى الأرض؟ أعادتها قوة الجاذب التي أودعها الله في الأرض، لكن لو تمكنا أن نطلق هذه الكرة بسرعة تقدر بألف ومئتي كيلو متر بالثانية لتابعت سيرها، وخرجت من جاذبية الأرض، هذه السرعة سماها العلماء سرعة الهروب من الأرض، أي جسم انطلق بسرعة ألف ومئتي كيلو متر بالثانية لا يرجع، وهذا مبدأ المراكب الفضائية تنطلق بأعلى من هذه السرعة إذاً لا ترجع، تتجاوز طبقة الهواء وتنطلق إلى الفضاء الخارجي. العلماء قالوا: سرعة الهروب من القمر مئتا كيلو متر، القمر أصغر، الآن تصوروا سرعة الهروب من على سطح الثقب الأسود تزيد عن سرعة الضوء أي فوق الثلاثمئة ألف كيلو متر، لذلك لا يمكن أن يصدر من هذا الثقب أشعة، الأشعة طاقة والطاقة ترتد إلى الثقب، أخطأ العلماء وسموه ثقباً أسوداً، هو ليس بالثقب، هو كتلة ذات نوعية متميزة، ذات كثافة تفوق حدّ الخيال،  ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*الْجَوَارِي﴾  الجواري التي تجري، هذه الخنس تتحرك بسرعة مذهلة، تقترب من سرعة الضوء، مئتان وأربعون ألف كيلو متر بالثانية، أما الكنس التي تكنس أي شيء تصادفه، لا يمكن إلا أن تبتلع كل شيء تصادفه، حتى سميت مقبرة النجوم، والنجم تماماً كالإنسان يولد ثم يصبح طفلاً ثم شاباً مكتملاً، ثم رجلاً، ثم كهلاً، ثم شيخاً، ثم يموت، الثقب الأسود مرحلة ما قبل موت النجم. هذه النجوم التي انكفأت على ذاتها، وأصبحت سرعة الانطلاق منها تزيد على سرعة الضوء إذاً هي سوداء أو لا ترى. الذي يلفت النظر أن التسمية القرآنية أدق تسمية، قبل خمسة وعشرين عاماً عالم ارتجل هذه التسمية قال: ثقب أسود، ثقب أي فراغ، هو ليس فراغاً، هو كتلة ذات كثافة تفوق حدّ الخيال، وليس أسوداً، هو لا لون له، لا يرى إطلاقاً، قد يكون ملتهباً، قال: هذه الثقوب بلايين بلايين الأطنان، القرآن ما سماها ثقباً سماها الخنس الشيء الذي لا يرى.  ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ النجوم التي لا ترونها:  ﴿الْجَوَارِي﴾ تجري:  ﴿الْكُنَّسِ﴾ تكنس كل شيء تراه أمامها. هذه الثقوب بمثابة المقابر الكونية، وفي النهاية تموت هذه النجوم : ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾.

     أيها الأخوة الكرام، هذه حقائق أساسية بديهية في الحقول الاختصاصية، نحن لنا مجرة اسمها درب التبانة هذه المجرة التقدير الأخير لما فيها من النجوم هو مئة ألف مليون نجم، أي مئة مليار، وهذه المجرة بالنسبة إلى بقية المجرات ـ وبقية المجرات تقترب من ثلاثمئة ألف مليون مجرة ـ لا ترى أمام المجرات إطلاقاً، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته، ألا تخشى ناره؟  ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾      أسرع طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، التفكر في خلق السماوات والأرض:  ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾ عبادة التفكر أرقى عبادة، العبادة الأولى التي تعرفك بالله، وإذا عرفت الله عرفت كل شيء، " ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ". أراد الله أن نعرفه، خلقنا لنعرفه، خلقنا لنعبده، خلقنا لنسعد بقربه في الدنيا والآخرة،  ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*الْجَوَارِي الْكُنَّسِ*وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ*وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ جوا بالقسم،  ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم﴾.   

     قال الكفار عما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام:  ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ ما الدليل الأقوى على أن هذا القرآن كلام الله؟ أنه أشار إلى حقائق كشفت بعد ألف وأربعمئة عام، والتسمية أصح وأدق الخنس أي النجوم التي لا ترى، الجواري أي التي تجري بسرعة تقترب من سرعة الضوء، الكنس التي تجذب كل شيء إليها، من القدرات والمواد والطاقات، الضوء.  



المصدر: الخطبة : 1137 - الثقوب السوداء - الإيمان و أثره في النفس.