بحث

آداب وصفات المتعلم

آداب وصفات المتعلم

بسم الله الرحمن الرحيم

آداب المتعلم : 

أولا: تطهير القلب : 

      لو أن الإنسان تعمَّق في الأصول والفروع، وبرَّز فيها يعد عند الناس من جملة الفحول، ولم يطهر قلبه من الأخلاق الذميمة ؛ من الحسد، والعُجب، والكبر، والاستعلاء، وتضخم الذَّات، إن هذا الذي حصَّل تلك الفروع، وهاتيك الأصول، وبرع فيها وتعمق، ووصل إلى أدق الجزئيات، وحفظ، واستعلى، ولم ينظر إلى قلبه ليطهره، إن هذا لا ينفعه شيء في الآخرة. إذاً هذا العلم الشريف يحتاج إلى تطهير قلب حتى يغدو شريفاً .  

ثانيا: أن يقلل طالب العلم علائقه من الاشتغال بالدنيا : 

      إذا إنسان أراد أن يصبح طبيباً غير معقول أن يكون موظَّفاً، إذا كان موظفاً دوامه من الساعة الثامنة إلى الساعة الثانية والنصف، فيصل إلى البيت الساعة الثالثة والنصف منته، يريد أن يأكل للرابعة والنصف، يرتاح ساعتين، انتهى النهار، لو عنده رغبة جامحة أن يكون طبيباً، هذه تحتاج إلى وقت، و إلى أن يكون مثقَّفاً ثقافة عالية . فما لم يكن هناك وقت فراغٍ كافٍ لطلب العلم فالأمر مستحيل، إذاً نحتاج إلى وقت فراغ . 

      وعندما يقتطع الإنسان من أثمن أوقاته وقتاً ليتعرَّف في هذا الوقت إلى الله عزَّ وجل لم يضع عليه شيءٌ في الدنيا، هنا البطولة، هنا يختلف المؤمن بالله عن المعتقد، المعتقد لا تسخو نفسه أن يضيِّع وقتاً من أوقاته في طلب العلم، لكن المؤمن إيماناً صحيحاً يرى أن العبد إذا ضيَّع من وقته، أو إذا استهلك من وقته وقتاً لمعرفة الله عزَّ وجل، فالله سبحانه وتعالى لابدَّ من أن يعطيه الدنيا قبل الآخرة :  (( مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ )) 

ثالثا: ألا يتكبر على العلم ولا يتأمر على المعلم : 

      من آداب طالب العلم ألا يتكبر على العلم، ولا يتأمَّر على المعلِّم، بل يُلقي إليه زمام أمره بالكليَّة في كل تفصيل . أحياناً يقول لك أحدهم : الموضوع الفلاني ما قولك فيه ؟ هذا قولي فيه . فيقول لك : قالوا غير ذلك . أنت اعتمد على واحد، أنت امنح ثقتك لإنسان، إما أن تمنحه ثقتك أو لا تسأله، لا أريد أن أسألك وأقول لك : كلامك غير صحيح . هذا ليس من الأدب في شيء، أنت اسأل واسمع الجواب، إذا أعجبك طبقه، لم يعجبك اتركه، لذلك النبي الكريم قال : (( اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ . . . وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ )) 

      الله عزَّ وجل فرز لك مفتياً خاصاً، خاص لك هو الضمير، الإثم لا ترتاح إليه والبر تطمئن نفسك إليه، لمجرَّد أنك تسأل فأنت قلق، إذاً هذا الذي تفعله ليس صواباً، من يسأل إذا واحد شرب كأس ماء ؟ أخي حرام ؟ لا، من في الأرض يسأل عن شرب الماء أحرامٌ هو أم حلال ؟ هذا بديهي، والطعام كذلك، والزواج كذلك، وشراء منزل كذلك، وشراء فرش للنوم كذلك، وشراء أشياء أساسية كذلك . 

رابعا: الإذعان لنصيحة العالم إذعان المريض للطبيب : 

      قال الغزالي :  " ألا يتكبَّر على العلم، ولا يتأمَّر على المعلم ؛ بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل التفاصيل، ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق" 

      أحياناً يأتي مريض مثقف ثقافة طبية نوعاً ما وليس له ثقة بالطبيب، يتعبه كثيراً ماذا وصفت لي يا دكتور ؟ يقول له : حب مسكِّن . هل هذا الحب له مضاعفات ؟ لا ليس له مضاعفات . أنا قرأت أن له مضاعفات، يقول له : لابأس لا تأخذه إذاً . معي وجع رأس كثير، يقول له : حيرتني نقول لك : خذ هذا الحب تقول : له مضاعفات، اترك الحب تقول : رأسي يوجعني . هذا المريض المثقف ثقافة وسطاً يتعب الأطباء كثيراً، أما إذا كان المريض جاهلاً مع طبيب حاذق جداً سلَّم له القيادة، وأعطاه أدوية مدروسة فيها علم، وفيها خبرة، وفيها حكمة، واستعملها ونجح وشفي .  

خامسا: عدم التكبر على المعلم : 

      قال الغزالي :  " لا ينبغي لطالب العلم أن يتكبَّر على المعلم ومن تكبره على المعلم أن يستنكف عن الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين "  

      أي إذا لم يكن اسم هذا العالِم تسير به الركبان، ملء الشرق والغرب، لا يجلس في مجلسه . هذا غير معروف، هذا متى صار عالِماً ؟ متى تعلَّم ؟ من علَّمه ؟ إذا لم يكن له اسم مرموق في المشرقين والمغربين لا يجلس في مجلسه .  

      يقول الإمام الغزالي :  " هذا الوضع يشبه إنساناً واجه سبعاً مخيفاً في الغابة، وبحث عن مخلص، فأصر على رجل مشهورٍ يخلصه من هذا السبع "  

      أنت تريد أي شخص يخلصك لا يهمك شهرة هذا الدليل الذي ينجيك من هذا السبع المفترس، طبعاً جهنم كالسبع المفترس فأي إنسان استطاع أن ينجيك من هذا العذاب فأنعم به وأكرم إن كان مشهوراً أو غير مشهور ـ فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقها إليه كائناً من كان .  

سادسا: إلقاء السمع و الإنصات : 

      ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ 

      فمن آداب المتعلِّم إلقاء السمع والإنصات، من حق الأخ على أخيه أن يستمع له، لذلك النبي الكريم كان قدوتنا، كان أصحابه الكرام إذا جلسوا عنده كأن على رؤوسهم الطير من السكينة والوقار، قال : (( تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والوقار )) 

سابعا: على المتعلم ألا يستسلم و يطبق ليصل إلى ما يريد : 

      النبي الكريم مثلاً جاءه رجل وقال : " إن أخي استطلق بطنه " . فقال له : "اسْقِهِ عَسَلا " . فأسقاه عسلاً، وجاء له ثانيةً وقال له : " لقد أسقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً -صار معه إسهال زيادة - قال له : " اسْقِهِ عَسَلا " . فجاءه ثالثاً وقال له : " لم يزده العسل إلا استطلاقاً . قال له : (( صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ )) 

      وبعدها تبيَّن أن الإنتانات المعوية المسبِّبة للإسهالات تحتاج إلى أشربة حلوة من أجل أن تمنع هذه الإسهالات، وبعد ذلك شفي الرجل . فالإنسان أحياناً تأتيه نصيحة لا تعجبه، يناقش فيها، الخبير هكذا يصنع، الآن إذا إنسان مثلاً قال لك : أحدهم خرط المحرك وقال : تحتاج إلى روداج ألفين كيلو متر . إذا ما اقتنعت بهذا الشيء وخالفته، وصار معك خلل بالمحرك بعد شهر أو شهرين أنت السبب، أنت ما اقتنعت، أنت لا تقنع، هذا كلام خبير، فعندما يسلِّم الإنسان قياده لإنسان خبير، لو كانت النصيحة لم تعجبه، أو ما توضَّحت له، أو ما قبلها، أو ما استساغها، هذا كلام خبير . 

ثامنا: عدم الإكثار من الأسئلة في غير وقتها : 

      سيدنا علي له قول شهير، يقول رضي الله عنه : " إن من حق العالِم ألا تكثر عليه السؤال " 

      أحياناً يكون الدرس منتهياً، انتهاء الدرس يعني أن هذا الإنسان الذي يتكلَّم بذل طاقة كبيرة، الاستماع سهل، أما التكلُّم فهو تكثيف الجهود كلها في موضوع محدد مبرمج، شواهد، شرح، تعليل، انتقال من فكرة إلى فكرة، مع اللغة، وسلامة اللغة، ودقة الحرف، دقة الحركات الأخيرة، فعندما ينتهي الإنسان من الدرس كأنه ليمونة وعصرتها، لم يعد فيها شيء، تعال اسأله سؤالاً دقيقاً جداً في موضوع الرضاعة، أو في المواريث، هذه الطاقة استنفذها، تحتاج إلى وقت آخر، يكون في وقت آخر مرتاحاً تسأله. 

تاسعا: إجلال العالم و التأدب معه و تعظيم حرمته : 

      يكون المدرب مثلاً ملازم أول خبير بالألغام، وجمعوا ضباط الفرقة كلها وتلقوا بعض التعليمات منه، فقد يكونوا عمداء وألوية، إذا دخل هذا المدرب يقفون له كلهم، يا ترى هم أقل منه رتبة ؟ هم أعلى منه رتبةً ؟ لكن هذا الوقوف لمعلوماته في هذا المجال، فلذلك الاحترام ليس لذات الإنسان ولكن لمقامه الذي أقامه الله به . 

عاشرا: أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس : 

      هناك موضوعات خلافية في الدنيا والآخرة، موضوعات في الدنيا خلافية وموضوعات في الدين خلافية، وهناك موضوعات مختلف عليها، فإذا بدأ بالخلافيات ضاع في شعابها وإذا ترك الخلافيات وبدأ بالمتفق عليه من منا لا يتفق ؟ جميع الملل والنحل ألا توقن أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، هذه حقيقة متفق عليها، فكّر في هذا الخط في عظمة الله عز وجل، في خلق الإنسان، في خلق الحيوان، في خلق النبات، في خلق الجبال، في خلق السحاب، في خلق السهول، في خلق الأنهار، في خلق البحار، في خلق القمر، في خلق الشمس، في خلق الكواكب السيارة، في خلق المجرات، هذا باب كلما زدت فيه خوضاً ازددت من الله قرباً وتعظيماً، وهذا باب لا خلاف فيه، لا يمكن لفئة من المسلمين أن تختلف في هذا الباب، فالمشكلة أن الذي يبدأ طريقه في الإيمان في الخلافيات يضيع في شعابها، والذي يرد الله به خيراً يبعده عن هذا الطريق .  

أحد عشر: الابتعاد عن الخلافيات في الدين و الاهتمام بالجوهر : 

      سأل تلميذ أستاذه إذا سرت في جنازة فكيف أسير ؟ أمامها أم خلفها ؟ عن يمينها أم عن شمالها؟ فقال هذا الأستاذ : لا تكن في النعش وسر حيث شئت، الموضوعات الخلافية لا تقدم ولا تؤخر، الشيخ محي الدين- سلطان العارفين - رضي الله عنه هكذا قال الصوفيون، وقال عنه بعض المسلمين : إنه كافر، الشيخ محي الدين له عند الله مقام لا يرفع هذا المقام قول أناس : إنه سلطان العارفين، ولا يجرح هذا المقام قول أناس : إنه كافر، هذا حديث البحث فيه لا يقدم ولا يؤخر  . 

      إذا فكرت بآيات الله امتلأت نفسك عظمةً لله، إذا عملت عملاً صالحاً اقتربت من الله، أي الشيء المجدي المعرفة والعمل، والمعرفة والعمل لا خلاف فيهما إطلاقاً بين كل الفرق الإسلامية، الشيء الذي أعمل عليه أن يبحث الإنسان عن جوهر الدين، جوهر الدين أن تعرف الله، وإذا عرفته استقمت على أمره، وإذا استقمت على أمره أحببته وتقربت إليه بالعمل الصالح، هذا هو الدين كله. 

اثنا عشر: ألا يدع طالب العلم فناً من العلوم المحمودة إلا وينظر فيها نظراً يطلع به على مقصده: 

      هذا مثل قرأته: تعلم كل شيء عن شيء وشيئاً عن كل شيء 

      أي أن تعرف الله عز وجل في هذا المجال تعمق، و اذكر الله ذكراً كثيراً، وتقرب إليه بالدعوة إليه، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، وعيادة المريض، والإحسان إلى الآخرين، وإرشاد الرجل في أرض الضلال، وأن تهدي الأعمى، وأن تعين اليتيم، وأن تعطف على المسكين، وأن تحضر مجالس العلم في هذا المجال مهما تريد، تعمق ولكن لا يوجد مانع أن تلم بعلم الفرائض، إذا الإنسان ألمّ بعلم البيوع، ألمّ بأحكام الآجار، الوديعة، الوكالة، الحوالة، أحكام اللقطة، أحكام العبادات بشكل متقن، إذا نسي فرضاً أو واجباً كيف يسجد للسهو ؟ سجود التلاوة، هذا كله إلمام فيه، عندك أصول، وعندك فروع، أنا لا أطالب الأخ الكريم بالفروع، أما الأصول فلابد منها، تعلم كل شيء عن شيء، وشيئاً عن كل شيء . 

ثلاثة عشر: ألا يخوض في فن من فنون العلم دفعةً بل يراعي الترتيب : 

      يبتدئ بالأهم فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالباً فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه، ويكتفي منه بشمله، ويصرف زمام قوته في الميسور من علمه إلى استكمال العلم الذي هو أشرف العلوم وهو علم الآخرة، وعلى الجملة فأشرف العلوم وغايتها معرفة الله عز وجل، النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سلك مع أصحابه طريقاً، والآن في المعاهد والجامعات وكليات الشريعة يسلكون مع الطالب طريقاً، النبي الكريم عرّف أصحابه بالله أولاً فلما عرفهم به سهل عنهم أن يبذلوا دماءهم في سبيل الله، الآن عرف الإنسان بأحكام الصلاة لا يصلي، عرف الإنسان بنواقض الوضوء وهو لا يصلي أبداً، هذه معلومات، أما إذا عرف الله عز وجل هو يسألك كيف أتوضأ ؟ علمني إذا عرفته بالله عز وجل أولاً يستقي، وقرأ القرآن يفهمه، إذا لم يعرفه وقرأ القرآن يفهمه فهماً معكوساً، كأنه يعفي نفسه من الجهد، النبي الكريم عرّف أصحابه بالله أولاً فلما قرؤوا القرآن فهموه على حقيقته، بينما إذا عرّفت الإنسان بأحكام الدين أولاً لا يطبقها يتحايل عليها 

أربعة عشر: أن يكون قصْد المتعلّم في الحال تَحْلِيَة باطنِهِ وتَجليَتِهِ بالفضيلة : 

      هذا هو القصد، قال تعالى :  ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) 

      أي كلّ واحدٍ من بني البشر يعرف بالضَّبط ماذا يقصِد ؟ وما هدفه ؟ وما هي نيّتهُ ؟ يستطيعُ أن يغشّ الناس إلى وقتٍ قصير، وقد يستطيعُ أن يغشّ بعضهم إلى وقتٍ طويل، ولكنَّه لن يستطيع أن يغشّ نفسه أبدًا، فالذي يحضر مجلس العلم ليَسْأل نفسهُ هذا السؤال لماذا أحضر ؟ هل هناك مَطلبٌ دُنْيَوي ؟ هل هناك حبّ للوَجاهَة أو الاستعلاء ؟ أو كسْب الدّنيا بالدِّين ؟ إن كان هذا هو الهدف فَتَعْسًا لهذا المتعلّم، أما الصِّفة التي تليق بطَالب العلم الشريف أن يكون قصْدهُ تَحليَة باطنه وتَجميلهُ بالفضيلة، وفي المآلي - أي المستقبل - القُرْب من الله تعالى، والتَّرَقِّي إلى جِوار الملأ الأعلى، أي أنت مخلوق لِتَسْعد بالقُرب من الله عز وجل، إنّ الله طيّبٌ ولا يقبلُ إلا طيِّبًا، لا يُعقل أن يجلس ممرِّضٌ مع كبار الأطبّاء في اجتماع على مستوى رفيع يخجل، ليس من المعقول أن يجلس حاجبٌ مع رؤساء أركان الجيش في اجتماعٍ خطير، وليس من المعقول أن يجلسَ بائعٌ مُتجَوِّل مع كبار تُجَّار البلد في اجتماع خطير؛ لأنّ لكلّ مقامٍ أشخاص، كذلك ليس من المعقول أن يكون للسفيه، ومُحِبّ الدنيا، والحقود، وصاحب الغِلّ والمتكبّر، والمتجَنِّي، والمتطاوِل، والغضوب، والضَّجور عند الله عز وجل مكان، إنّ الله طيّبٌ ولا يقبلُ إلا طيِّبًا، أي ملخَّص الملخَّص إذا أردتَ أن تسْعد إلى أبد الآبدين في مقعد صدْق عند مليك مقتدر فعليك أن تُكَمِّل نفسَكَ، النبي عليه الصلاة والسلام بماذا أثنى الله عليه ؟ هل أثنى على بيته الفخْم ؟ هل أثنى على أرصدَتِهِ في البنوك ؟ أثنى على خلقه العظيم، قال تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 

خمسة عشر: على طالب العلم ألا يقصد الرياسة و المال و الجاه من علمه : 

      على طالب العلم ألا يقصد من طلب العلم الرِّياسة، والمال، والجاه، ومماراة السفهاء، ومباهاة الأقران، وإذا كان هذا مقصدهُ من طلب العلم فبِئسما قصدَ، لكنْ لمَّا الإنسان يطلب معرفة الله عز وجل لا ينبغي عليه أن يحتقر أصحاب العلوم الأخرى، الإمام الغزالي ضربَ مثلاً جميلاً جدًّا ؛ المعركة قامَتْ وهناك قائد لهذه المعركة، وقوّاد فِرَق، وجنود، وممرِّضون يُسعفون الجرحى، هناك أناسٌ يصلحون الخيل، وأناسٌ يمدّون هذا الجيش بالتمويل هؤلاء الذين يعملون على توفير خدمات الجيش لهم أجْر في النَّصْر لأنَّهم أسهموا بشكلٍ أو بآخر، وكذلك من اشتغل بالفقه والفتوى، والعربيّة وعلم الفرائض والتجويد، هؤلاء لهم عند الله أجرهم إن كان عملهم متكاملاً مع بقيّة العلماء، ففي العصور السالفة أُناسٌ دَعَوا إلى الله، أُناسٌ اشتغلوا بالفقه، وأُناسٌ اشتغلوا بعِلْم المواريث، وأناسٌ اشتغلوا بعلم التجويد وأناسٌ اشتغلوا بعِلم التوحيد، ألَّفوا الكتب، وصنَّفوا، وبوَّبوا، وبحثوا، واستقصوا، هؤلاء جميعًا لهم عند الله أجر لأنَّ عملهم متكامل، لكنّ الذي تبحَّر في علْم العربيّة كان هناك أناسٌ كثيرون يكفونه تعريف الناس بالله عز وجل، أما إذا ضاع العلم الأساسيّ فينبغي أن نبدأ بالأهمّ ثمَّ نُتْبعُهُ بالمُهِمّ .  

ستة عشر: أن يعلمَ طالب العلم نسبة العلوم إلى المقصد : 

      أن يعلمَ طالب العلم نسبة العلوم إلى المقصد كما يؤثر الرفيع القريب على البعيد، الفكرة دقيقة، مثلاً طالبٌ أرسل بِبِعْثة دراسيَّة إلى فرنسا، وهو في باريس نظر فإذا بِمَتحف اللّغة، فدخل إليه وأمضى فيه ساعاتٍ طويلة، وتابع دُخولهُ يومًا بعد يوم حتى استقصى كلّ لوحاته، حينما دخل إلى هذا المتحَف نَسِيَ المهمَّة الأساسيَّة التي جاء من خلالها إلى باريس، أما الطالب الذكي فكلّ شيء يُشاهدهُ في هذه المدينة يقيسُهُ بِمُهِمَّته الأساسيَّة من مجيئه لهذه المدينة، فإذا كان في خدمة هدفه دخل إلى هذا المكان، رأى مكتبة فدخل إليها ليَشْتري كتابًا في قواعد اللّغة الفرنسيَّة هو بِحَاجة إليه، الإنسان العاقل له في الحياة هدفٌ واضِح، فكلّ شيءٍ يخْدمُ هدفهُ يسْعى إليه، دائمًا هدفُهُ واضِح، وكلّ شيءٍ يُقيِّمُهُ طبْقًا لِهَدفه، والإنسان الذي ضاع عنه هدفهُ في الحياة، كلّ شيءٍ يستهويه، وكلّ شيءٍ ينغمِسُ فيه، كلّ شيءٍ ينصرف إليه، يُعَبِّرُ عنه العلماء بالضَّياع، فلان ضائع، ينصرفُ إلى شيءٍ تافهٍ لا يخدمُ آخرتهُ، يقرأ كتبًا لا تجْديه، ويُمارس هوايات لا تسمو بنفسه، فالإنسان عندما ينسى هدفهُ الكبير، تضيعُ عليه الوسائل، أما لمّا الطالب كما ضربتُ مثلاً قبل قليل كلّما نظر إلى واجهة محلّ، إلى مكان، إلى بناء الهدف الوحيد أن يرجع إلى بلده ويحمل الدكتوراه إذًا المكتبات قد تفيده وشراء الكتاب قد يفيده، وصُحبة هذا الطالب المتفوّق في اللّغة الفرنسيَّة قد يفيدهُ، فيقدِّر كلّ شيء في ضوء الهدف الكبير الذي من أجله جاء، هذا المثل لو طبَّقناهُ على المؤمن، يمكن كتاب قصَّة لا يشتريه لأنّه لا فائدة منه، أما كتاب في الحديث يشتريه بِسُرعة، يمكن إنسان تافه لا يُصاحبهُ أما إنسان سبقهُ بالإيمان فيُصاحبه، ويرافقهُ ويقتبس منه، فالإنسان يقيِّم الأصدقاء، ويقيِّم الأهل، ويقيِّم الزملاء، ويقيّم الجيران، ويقيّم الحاجات قد ينفق مالاً لِحاجةٍ تافهة فيها كِبْر واستعلاء، وليس فيها أداء لوظيفة أساسيَّة في الحياة، هذا المال الذي معه مُحاسبٌ عليه ؛ كيف اكتسبهُ ؟ وفيم أنفقهُ ؟ أي لا نستطيع أن نبلغَ المُراد إلا إذا أمْكَنَ أن ننْسب كلّ شيءٍ في حياتنا دائمًا إلى الهدف الكبير الذي من أجله خلقْنا، هذا هو الهدى أن تعرف لماذا خلقْتَ ؟ وما هو الضَّلال ؟ ألا تعرف لماذا خلقْتَ، يقول لك أحدهم : سبحان الله ؛ الله عز وجل خلق الناس ليعذِّبهم ! لا أحد مرتاح !! هذا ويقول : سبحان الله !!!! كلام فيه جهل، لكن أنت إذا عرفتَ أنّ الله عز وجل خلقكَ لِسَعادة أبديَّة، وجاء بك إلى الدنيا لِتُؤهِّلَ نفسَكَ لهذه لسعادة، صار عندك الجامع مقدَّس، وطلب العلم فريضة.  

سبعة عشر: الإخلاص و معرفة الهدف الكبير : 

      ممكن أن يُدعى إنسان لِشَراء حاجة، يقول : هذه ليس لها لزوم عندي، أنا حياتي مستقيمة من دونها، هذه تتناقض مع هدفي في الحياة، يجوز للإنسان أن يُدْعى إلى حفلة، وهذه الحفلة تتناقض مع هدفه بالحياة، فالمؤمن عنده مجموعة قِيَم، ومنظومة قِيَم، ليس كلّ من يدعوه يُلبِّي، دعوة تُلبَّى وأخرى لا تُلبَّى، شيء يجوز وشيء لا يجوز، شيء حرام وشيء حلال، شيء مباح وشيء محضور، فهو عندهُ أُسس ينطلق منها ووسائل أما غير المؤمن فكالناقة عقلها أهلها فلا تدري لم عُقلَتْ ؟ ولا لمَ أُطلقَت ؟  



المصدر: الفقه الإسلامي - موضوعات متفرقة - الدرس 14 : آداب المتعلم وصفاته