ألقى البابا بينيدكت السادس عشر محاضرة لى مدرج جامعته جامعة ريغينسبورغ في ألمانيا يوم الثلاثاء الواقع في الثاني عشر من أيلول عام 2006 م، قال فيها: إنّ العقيدة الإسلامية تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل ولا المنطق. ثم إن محمداً لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني، كأمره بنشر الإسلام بحد السيف.
وقبل تقديم الإضاءة الإسلامية لما انطوت عليه كلمات البابا أضع بين أيديكم الحقائق التالية: التعاليم القرآنية، والتوجيهات النبوية، تمنعنا أن نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، وسألتزم الأدب النبوي حينما أرسل النبي الكريم رسالة إلى قيصر ملك الروم، فقال له فيها: من محمد رسول الله إلى عظيم الروم. وليس القصد التجريح أو النيل من شخصية دينية في العالم، إنما القصد التوضيح والبيان .
وقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية تصريحاً للبابا أنه لم يقصد الإساءة للمسلمين، وأنه تأسف أشد الأسف لما حصل من تداعيات لكلماته. وقد نقل قداسة البابا هذه المقولة متبنياً لها عن الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني في كتاب أصدره في القرن الرابع عشر الميلادي، وهي مقولة افتراء على الإسلام ظالمة وقديمة لم ينطلق فيها من دراسة موضوعية بل من انطباع شخصي انفعالي، مع أن قداسة البابا يحمل دكتورا في مقارنة الأديان، ولا تغيب عنه حقيقة الدين الإسلامي ولا يمكن القبول بأن كلمات قداسة البابا هي زلة لسان، أو كلمات أسيء فهمها، فهذا لا ينتظر من قداسته، لاسيما أنه يحمل درجة الدكتوراه والأستاذية في علم الأديان، وأنه لم يرتجل كلمته، بل ورد كلامه من محاضرة، نصها مكتوب أمامه، خضع للمراجعة والتنقيح والضبط مثلما هي عادة كل بحث علمي يقدمه أستاذ جامعي متخصص، قبل أن يكون رجل الكنيسة الكاثوليكية الأول في روما، ورئيس دولة الفاتيكان. استشهد قداسة البابا بمقولة ملك جاهل حاقد، أن النبي محمداً لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني...
هل من السيئ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم....
- التعريف الرائع بمعجزة ميلاد السيد المسيح: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً﴾ .
- التعريف الكريم الودود بالشخصية الوجيهة بالسيد المسيح: ﴿إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ﴾ .
- التعريف بإعجاز نبوة المسيح ورسالته: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ .
- التعريف بالإنجيل الذي أنزله الله على سيدنا المسيح: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ .
- تمجيد أم المسيح الصدّيقة مريم والدفاع عنها، ورفع ذكرها في الكتاب، وترسيخ اليقين بطهرها: ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ .
- أنه وصف صنفاً من أهل الكتاب، بالتقوى والصلاح، فقال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ*يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ .
- أن جعل رسول الإسلام الإيمان بالمسيح عيسى بن مريم من أركان الإيمان في الدين الإسلامي، ومدخلا إلى الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وأن عيسى عبدُ الله ورسولُه، وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنةُ والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ورؤيا أمي آمنة)) .
- أن وصف العلاقة بين رجال الدين، في الديانتين، بأنها مبنية على المودة والتقدير، فقال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ .
كنا ـ نحن المسلمين ـ نتمنى على قداسة البابا قبل أن يتبنى قول إمبراطور بيزنطي جاهل بأقدار الأنبياء.....
- أن يطلع على ما كتبه الفيلسوف الروسي تولستوي الذي انبهر بشخصية النبي صلى الله عليه و سلم و ظهر ذلك واضحاً على أعماله، وأن يطلع على ما كتبه ميلر الكاتب البريطاني المعروف، وأن يطلع على ما كتبه الكاتب الفرنسي كورسيه، وأن يطلع على ما كتبه الفيلسوف البريطاني توماس كاريل وغيرهم كثر.
- أن يطلع على حقيقة نبي المسلمين من كتب المسلمين لا من كتب أعدائهم الحاقدين، وهذا من أولى مبادئ البحث الموضوعي، وما تقتضيه درجة الأستاذية في الجامعة، فقد وصف بعض كتاب السيرة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التعاملية فقالوا: لقد كان صلى الله عليه و سلم جمّ التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكله إلى محدثه صغيراً كان أو كبيراً، يكون آخر من يسحب يده إذا صافح، و إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، و إذا جلس جلس حيث ينتهي به المجلس، لم يرَ ماداً رجليه قط، و لم يكن يأنف من عمل لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار، و كان يذهب إلى السوق و يحمل بضاعته و يقول: أنا أولى بحملها، و كان يجيب دعوة الحر و العبد والمسكين، و يقبل عذر المعتذر، و كان يرفو ثوبه، و يخصف نعله، و يخدم نفسه، و يعقل بعيره، و يكنس داره، و كان في مهنة أهله، و كان يأكل مع الخادم، و يقضي حاجة الضعيف و البائس، يمشي هوناً خافض الطرف متواصل الأحزان، دائم الفكر لا ينطق من غير حاجة، وكان طويل السكوت، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، و كان دمثاً ليس بالجاحد و لا المهين، يعظم النعم و إن دقت، و لا يذم منها شيئاً، و لا يذم مذاقاً و لا يمدحه و لا تغضبه الدنيا و لا ما كان لها، و لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها، إذا غضب أعرض و أشاح، و إذا فرح غض بصره، و كان يؤلف و لا يفرق، يقرب و لا ينفر، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، يتفقد أصحابه و يسأل الناس عما في الناس، يحسن الحسن و يصوبه و يقبح القبيح و يوهنه، و لا يقصر عن حق و لا يجاوزه، و لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو ما يسره من القول، كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ و لا غليظ، و لا صخاب و لا فحاش، و لا عياب، و لا مزاح، يتغافل عما لا يشتهي، و لا يخيب فيه مؤمله، كان لا يذم أحداً و لا يعيره و لا يطلب عورته و لا يتكلم إلا فيما يرجى ثوابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، و يتعجب مما يتعجبون، و يصبر على الغريب و على جفوته في مسألته و منطقه، و لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه، و الحديث عن شمائله صلى الله عليه و سلم حديث يطول لا تتسع له المجلدات و لا خطب في سنوات و لكن الله جل في علاه لخصها بكلمات فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ .
كنا نود أن ينتبه قداسة البابا إلى....
- أن تاريخ المسلمين ليس ممتلئاً بأعنف صور التدمير الحضاري، والإبادات الجماعية، واستغلال خيرات الشعوب، والسطو على مقدراتها.
- وأن المسلمين لم ينشئوا محاكم التفتيش، ولم يبيدوا الهنود الحمر، ولم يستعبدوا الزنوج، ولم يستعمروا الشعوب، ولا أدلّ على ذلك من الغزو الفرنجي للعالم الإسلامي قديماً باسم الحروب الصليبية، وحديثاً باسم الحرية والديمقراطية.
- أن الإسلام لم يكن هو السبب الذي لأجله اندلعت حربان عالميتان قتل فيهما ما لا يقل عن ثمانين مليون إنسان، وعشرات ملايين المعاقين.
- أن المسلمين ليسوا هم الذين قرروا قصف مدينة هيروشيما و ناغازاكي في اليابان، بالقنبلة الذرية والمسلمون لم يعذبوا المساجين الوطنيين.
- أن المسلمين لا يرسلون نفاياتهم الذرية إلى الشعوب الضعيفة التي فتكت فيها المجاعات والحروب الأهلية مصحوبة ببعض المساعدات الغذائية حتى تسبب لها الأمراض السرطانية ولآلاف السنين.