من محبة الله لعباده ورحمته بهم بأن أرشدهم إلى الحقيقة عن طريق الأنبياء والرسل :
أيها الأخوة, ننتقل إلى موضوع جديد من موضوعات العقيدة التي يجب أن يؤمن بها الإنسان هو الإيمان بالأنبياء والرسل, قبل أن نخوض في هذا الموضوع هناك فكرة بسيطة, إذا كنت في طريق ما, ورأيت إنساناً كفيف البصر, وأمامه حفرةٌ كبيرة ماذا تفعل ؟ بدافع من رحمتك, وبدافع من حرصك, تذكره وتحذره كل ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى لأنه رحمن رحيم, إذا وجد عباده قد ضّلوا وتاهوا وحاروا وسلكوا طريق شقائهم وهلاكهم, بعث إليهم بأنبيائه ورسله ليحذروهم وينذروهم
قال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
لأن أسماءه حسنى وصفاته فضلى لا يمكن أن يدع عباده من دون توجيه, ومن دون تحذير, ومن دون لفت نظر, فالأنبياء والرسل رحمة من الله سبحانه وتعالى, تحذير وتبشير وتوضيح وبيانٌ للحقيقة
من لوازم الإيمان بالله الإيمان بالأنبياء والرسل جميعاً :
ففي صفة عقيدة المؤمنين
قال الله تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾
يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويأمرنا معه
فيقول في سورة آل عمران: ﴿قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
فمن لوازم الإيمان بالله : الإيمان برسل الله, إذا كنّا نعترف بدولة ما فنعترف بسفيرها, إذا جاء السفير ومعه أوراق اعتماده فلا بد من أن نعترف به, ما دمنا بالأصل معترفين بدولته, فمن لوازم الإيمان بالله الإيمان برسله, والإيمان بالرسل من العقائد التي لو أنكرها الإنسان لكفر, يجب أن تُعلم بالضرورة ومعرفتها فرض.
ومن مقتضى الإيمان بالله : أن يصدق الإنسان في كل ما يخبرنا الله عنه, هذا يقتضي الإيمان برسله الذين أخبر عنهم في كتابه, يعني إذا أنت آمنت بالقرآن الكريم على أنه كتاب من عند اللـه, يقتضي الإيمان بالقرآن الكريم أن تصدق بكل ما جاء فيه, فأنت لم ترَ سيدنا لوط, ولا سيدنا إبراهيم, ولا سيدنا عيسى, ولا سيدنا موسى, ولكن أخبار هؤلاء الأنبياء الكرام جاءت في القرآن الكريم, وأنت مؤمن بالقرآن الكريم,
فإيمانك بالله أولاً, وبكلامه ثانياً, يقتضي أن تؤمن بجميع الرسل والأنبياء الذين أخبر عنهم في القرآن الكريم, ثم إن الإيمان بواحد من الرسل لا ينفك عن الإيمان بجميع الأنبياء والرسل .
عندنا استنباط لطيف جداّ, أن الله عزّ وجل في بعض الآيات يقول : ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾
فهذا المجتمع أو هذه الأمة أو هذه القرية التي قتلت هذا النبي , فلماذا وصف الله قتل هذا النبي على أنه قتلاً جماعياً ؟ لأنك إذا كفرت بهذا النبي فكأنما كفرت بالأنبياء كلهم, الأنبياء وحدة لا تتجزأ, إما أن تؤمن بهم جميعاً, وإن لم تؤمن بهم جميعاً فكأنك كفرت بهم جميعاً .
من مقتضى الإيمان بالله تصديق المؤَيَديِن بتأييد من عنده, الأنبياء والرسل جاؤوا بمعجزات لا يستطيع عامة البشر أن يفعلوها, وبالبديهة لابد أن يكون هذا الإنسان مبعوثاً من قبل العناية الإلهية,
يعني مع النبي آية : إما أن تكون هذه الآية معجزة إعجازاً مادياً كالعصا في يد سيدنا موسى, و كإحياء الموتى على يد سيدنا عيسى, و كالنار لم تحرق سيدنا إبراهيم , وكانقلاب البحر طريقاً يبساً على يد سيدنا موسى, أو إعجازاً بلاغياً تشريعياً كما هي الحال على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فهذا النبي لابد بديهة من أن يكون رسول الله, هذا النبي من عند الله , والدليل أنه فعل شيئاً لا يستطيع بنو البشر أن يفعلوه,
فمن لوازم الإيمان بالله : الإيمان برسل الله المؤيدين بالمعجزات الماديـة والمعنوية, هذا التأييد الذي لا يمكن أن يكون من الله تعالى إلاّ لرسله الدالين عليه والمبلغين لشريعته ودينه بصدق .
قال تعالى : ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ﴾
الله سبحانه وتعالى يستحيل في حقه أن يؤيد الضُلاّل, وأن يؤيد المضلين بمعجزات كمعجزات الأنبياء لو أنه فعل ذلك لضل عباده, فهذه المعجزات ليست من حق عامة الناس بل من حق أنبيائه المصطفين .
معنى النبي والرسول والفرق بينهما :
جاء في النصوص الدينية إطلاق كلمتي النبي والرسول, فماذا تعني كلمة النبي, وماذا تعني كلمة الرسول ؟
أولاً: النبي:
معنى النبوة
في اللغة : النبوة مأخوذة من النبأ
قال تعالى :﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ﴾
يتساءلون عن النبأ العظيم ( النبوة من النبأ ) يعني هذا الإنسان اصطفاه الله سبحانه وتعالى و أنبأه بالحقائق فهو ينبئُ الناس بها, فالنبوة مشتقة من فعل ( نبأ ) أو ( أنبأ ), والأصل مأخوذة من النبأ أي الخبر فالنبي أنبأه الله عن أخبار السماء, وكلفه أن ينبئ الناس عن حقائق التوحيد, وحقائق التشريع فهو نبيّ, فالنبوة بشكل أو بآخر مقام علمي يعني هذا الإنسان باتصاله بالله المستمر بلغ مرتبة النبوة, بمعنى أنه عرف الحقائق المطلقة وعرّفها للناس .
أو مأخوذة من النَبوَة , والنَبوَة أي ما ارتفع من الأرض, كيف ارتفع هذا النبي الكريم ؟ ارتفع عن سائر الخلق وهو في الأفق الأعلى, هو في واد والناس في واد, الناس في همومهم وفي معاشهم وفي خلافاتهم وفي خصوماتهم, وفي جمع الدرهم والدينار, وفي الكسب الحرام, وفي الانغماس بالشهوات, وفي التنافس على حطام الدنيا, والنبي في معرفة الله وفي الإقبال عليه, وفي تعريف الخلق به , وفي خدمة عباده, وفي معرفة ملكوت السموات والأرض, نبأ عليهم بمعنى ارتفع عن مستواهم, ارتفع عن مشاغلهم و اهتماماتهم, وعن حطام الدنيا و شهوات الناس
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إلا مَا قُدِّرَ لَهُ
فمعنى النبي أنه من النبوة : أي في مستوى سامٍ وراقٍ غير مستوى الناس .
هل كان اختيار النبي من دون حكمة وعلم وخبرة ؟
يتهم الناس أنَّ الله عزّ وجل اختص هذا النبي من عامة الناس, إنسان عادي جداً الله عزّ وجل اختصه بالنبوة وانتهى الأمر, إذا أنت معلم ابتدائي, وأردت أن تعين على أربعين طالب عريف ماذا تفعل ؟ تنتقي المجتهد, المتفوق, الأخلاقي شيء بديهي, ورب العزة يصطفي إنساناً من عامة الناس يجعله نبياً ! كلمة اصطفى " نقاه " , من معاني كلمة الاصطفاء : أن الله سبحانه وتعالى جعل النبوة في خير خلقه, جعلها في أشدهم حباً له, في أشدهم طاعة له, في أشدهم ورعاً, في أشدهم تمسكاً, لكن إيّاك أن تفهم أنك إذا بالغت في الورع, وبالغت في الاستقامة, وبالغت في المحبة صرت نبياً, لا,
لذلك علماء العقيدة قالوا : النبوة ليست كسبية, وإنما هي هبة من الله سبحانه وتعالى, ولكن هذه الهبة مبنية على علم, وهذا الاصطفاء مبني على علم,
لو فرضنا أننا نريد أن نعين لنا سفيراً في بلد أجنبي ما, ألا نختار إنساناً يتقن اللغة الأجنبية معه شهادة عالية ؟ هذا سيمثّل أمة, أمة بأكملها, فحينما تختار الحكومة إنساناً ليكون سفيراً أتختاره من الطريق ؟ هل تضع حاجزاً في الطريق, وتأخذ شخصاً, وتقول له : أنت سفير ؟ فكيف رب العزة ؟
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
هؤلاء مصطفون أخيار, قمم الكمال البشري, أنت تلتقي بإنسان على جانب من الإيمان والورع فتُبهر به فتقول : والله لا مثيل له, فكيف لو التقيت بنبي ؟
" ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً ",
النبي الكريم عليه الصلاة والسلام التفت إلى أحد أصحابه فرأى بيده خاتماً من الذهب فأعرض عنه, فمسك الخاتم ورماه في الأرض فقيل له : خذه وبعه فقال : لا والله ما كنت لآخذه بعد أن نهاني عنه النبي
أحبوه محبة فاقت حدّ التصور, أطاعوه طاعة فاقت حدود الخيال, الكمال البشري كله مجموع في النبي, الكمال البشري في العلم, والتواضع, والحلم, والرقة, واللطف, والرحمة, والعطف, والقيام بالحقوق, وأداء الواجبات, كان خلقه القرآن .
أردت من هذا الكلام هو أن اصطفاء الله عبداً من عباده بالوحي إليه, لكن اصطفاء الله على علم, هذا النبي الذي يمثل الحق
قال الله تعالى : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
النبي خليفة الله في الأرض, أيكون الخليفة على غير ما ينبغي ؟ مستحيل.
حظك من معنى النبوة
انشغلك بمعالي الأمور: ما الذي يشغلك ؟ ما الذي يهمك ؟ ما الذي يعنيك ؟ ما الذي يخطر في بالك إذا فتحت عينيك في الصباح ؟ ما الذي يخطر في بالك, شراء البيت, بيع المحل, الذهاب لهذه النزهة ؟
النبي عليه الصلاة والسلام حينما دُعي إلى اللهو واللعب في سن الطفولة ,
قال صلى الله عليه وسلم : لم أُخلق لهذا
الإمام الغزالي رضي الله عنه قال :
إن ساعة واحدة تمضي في غير ما خُلقت له لجدير بك أن تكثر عليها حسرتك يوم القيامة
ساعة واحدة عاش 83 سنة, أمضى ساعة بلا فائدة, لعب فيها بالطاولة, حكى على الناس, ذهب إلى مكان لا يرضي الله, إن ساعة واحدة أمضيتها في غير ما خُلقت له لجدير بك أن تكثر عليها حسرتك يوم القيامة .
أيها الأخوة, لا تكونوا في صفوف الخط العريض من الناس, همهم بطنهم, قبلتهم نساؤهم, دينهم شهواتهم, عقيدتهم العادات والتقاليد .
لذلك : أهل الدنيا يُسحقون إذا لاح لهم ما يهدد شهواتهم ونزواتهم ومتعهم الرخيصة, أما أهل الإيمان لا يصعقون إلا إذا خافوا على دينهم .
سيدنا عمر رضي الله كان إذا أصابته مصيبة قال : الحمد لله إذ لم تكن في ديني, والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها, والحمد لله إذ أُلهمت الصبر عليها
قل لي : ماذا يخيفك ؟ ماذا يجزعك ؟ المؤمن يخاف على دينه, يخاف على استقامته, يخاف أن يُجري الله على يده السوء أو الشر, هذا الذي يجزعه وعلى الدنيا السلام .
سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه : دخل عليه أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان قائد الجيوش الإسلامية في الشام دخلوا عليه غرفته, غرفة القيادة فإذا هي غرفة صغيرة عليها جلد غزال, وفي زاويتها قدر ماء غُطي برغيف خبز, وسيف عُلق على حائط الغرفة, فقيل لهذا الصحابي الجليل : ما هذا يا أبو عبيدة ؟ قال : هو للدنيا وعلى الدنيا كثير, ألا يبلغنا المقيل ؟
أروع كلمة تأثرت لها, كلمة الإمام الغزالي ( كل مالا يصحبك إلى الآخرة فهو من الدنيا ) فاعتنِ بها ما شئت, لابد من أن تتركها, وكلما كانت مزدانة وعريضة وفخمة وراقية, كلما ازدادت حسرتك على فراقها, هـذا النبي العظيم, لماذا استحق أن يكون نبياً ؟ لماذا استحق أن يصطفيه الله سبحانه وتعالى ؟ .
الإتصالك الدائم بالله: سيدنا أبو بكر رضي الله عنه, كان في الطريق يمشي, فرأى سيدنا حنظلة يبكي قال له : ما لك يا حنظلة تبكي, قال : نافق حنظلة, قال : ولِمَ يا أخي ؟ قال : نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن والجنة كهاتين, فإذا عافسنا الأهل والولد ننسى, كأنَّ سيدنا حنظلة شعر بنفسه أنه منافق , السبب هو في مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام يكون في غاية السعادة, في غاية الطمأنينة, في غاية الأمل والسرور, قال لي بعضهم : ليس في الأرض من هو أسعد مني إلاّ أن يكون أتقى مني, في هذا المسجد نشعر بالسعادة, بالطمأنينة, بالسرور, الإنسان يذهب إلى بيته فيجد العشاء متأخر، ابنه لم يحضر الخبز قد يغضب, هذه الأحوال الطيبة من السرور والطمأنينة, هذا الإقبال, هذا السمو, وعلى العكس الضعف و قلة الروحانية, فقال كذلك أنا يا أخي أنا مثلك, أما كذلك يا أخي, فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لمّا حدثوه بما جرى قال عليه الصلاة والسلام : نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا أما أنتم يا أخي فساعة وساعة
يعني اتصال دائم بالله ساعة إقبال وساعة غفلة, ساعة إقبال وساعة فتور, ساعة اتصال وساعة انفصال, فكل واحد منا بيعرف مقامه من هذه الطريقة, ربنا عزّ وجل وصف المؤمنين بأنهم على صلاتهم دائمون, يعني يغلب عليهم دوام الصلاة.
النبي هو الذي لا ينقطع عن الله طرفة عين, لا في نوم, ولا في صحو, لا في ليل, ولا في نهار, لا في شدة ولا في رخاء, لا في غِنى , ولا في فقر, لا في الصحة, ولا في المرض, لا في النصر, ولا في الهزيمة عليه الصلاة والسلام, في أعقاب معركة هوازن هل انقطع عن الله ؟ أبداً, بأعقاب أحد هل انقطع عن الله ؟ أبداً, اتصاله بالله في الطائف كاتصاله بالله في أثناء فتح مكة, وهو في أوج النصر متصل, وهو في أشد الأوضاع حرجاُ متصل هذا النبي, هذا مقام الأنبياء الاتصال الدائم, لماذا اصطفاهم الله عزّ وجل ؟ لأنهم كانوا دائمي الاتصال بالله سبحانه وتعالى, أصبح السبب واضحاً لماذا اصطفاهم ؟ قال تعالى:﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾
أصبح السبب واضحاً فنحن ساعة وساعة, أما النبي الكريم لا شيء في الدنيا يشغله عن ذكر الله, وكذلك أصحابه الكرام هم على مستوى رفيع جداً
قال تعالى : ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾
ثانياً: الرسول :
الرسول في اللغة : هو التوجيه بأمر ما, فالرسول هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه . في الاصطلاح الشرعي : تكليف الله نبياً من أنبيائه لتبليغ شريعته للناس . فكل رسول يجب أن يكون نبياً وليس العكس
قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
هؤلاء الذين اصطفاهم الله عزّ وجل هم من بني البشر من طينة واحدة ولكنهم تفوقوا , لو أن الله سبحانه وتعالى أعطاهم إمكانات خاصة فاقوا بها الناس, لما كان لهم الفضل في تفوقهم, يعني إذا كان طالب أعطيناه الأسئلة, فأخذ علامة تامة, فكان الأول, هل هذه ميزة ؟ أما إذا كان ظرفه مشابهاً لظرف جميع الطلاب لا يعلم الأسئلة, وقد أخذ العلامة المتفوقة هذا تفوق
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد من المؤمنين دعوتُ عليه بدعوة فاجعلها له زكاة ورحمة
أنا من طينتكم, رُكبت فيّ الشهوات التي رُكبت فيكم, لكنه فاق بني البشر
قال تعالى :﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
كلمة اصطفاء تتكرر في أكثر الآيات, هناك اصطفاء بالنبوة, والآن اصطفاء بالرسالة, والدليل القاطع
قال تعالى :﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
الإنسان يأخذ الدكتوراه هذه مرتبة علمية, وأيام يتعين عميد كلية هذه مرتبة إدارية, لكن لا يُعقل أن يكون عميد الكلية إلا أن يكون دكتوراً في الأساس, فالنبوة مقام التلقي, والرسالة مقام الإلقاء, ويبين الله لنا اصطفاؤه الرسل من الملائكة أيضاً, اصطفى الله عزّ وجل من الملائكة رسلاً لإبلاغ الوحي للأنبياء, واصطفى رسلاً من بني البشر لإبلاغ كلامه للناس
قال الله تعالى:﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾
﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾
في معرض التنديد بأكابر مجرمي القرى, الذين تعنتوا فقالوا : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله, في الرد هنا دلالة على أن الرسالة لا تكون إلا لمن اصطفاهم الله لحمل رسالته :
قال الله تعالى:﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾
[ رجلٍ القريتين ] وهو من الأغنياء و من الوجهاء هذا من اختصاص الله سبحانه وتعالى, هو الذي يختار لأنه يعلم ما عند العباد من صدق في الإقبال, ومن استقامة في المعاملة, ومن حبٍ, ومن ولاء, ومن اهتمام .
هناك موضوعات تتعلق بموضوع النبوة سوف نأخذها في الدرس القادم إن شاء الله, سأعرض عليكم نموذجاً منها, النبوة والرسالة فيضٌ إلهي, النبوة شيء والرسالة شيءٌ آخر هذا موضوع الدرس القادم .
استنباطات نستنبطها من كتاب الله تتعلق بالإيمان بالأنبياء والرسل :
أولا: أن كلاً من النبوة والرسالة فيض إلهي واصطفاء رباني :
هو أن كلاً من النبوة والرسالة فيض إلهي واصطفاء رباني, بمعنى أن النبوة والرسالة ليستا كسبيتين إنما هما هبة من الله سبحانه وتعالى, ولكن بعض الناس يتوهمون أن هذه الهبة إنما تُمنح لأي إنسان, هذا الذي أريد أن أعلق عليه, أن الإنسان لو فعل شيئاً معيناً لا يكون نبياً إلاّ أن يصطفيه الله سبحانه وتعالى, لكن الله حينما يصطفي هذا الإنسان ليكون نبياً يصطفيه من قمم البشر. البشر متنوعون لهم قمم, الأنبياء قمم في الإنسانية, هذا الإنسان الذي أقبل على الله إقبالاً مستمراً, الذي تنام عينه ولا ينام قلبه هذا الإنسان من هذا المستوى, يصطفي الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله, فكلٌ من النبوة والرسالة فيض إلهي واصطفاء رباني, وأن أيّا منهما لا يكون أمراً مكتسباً يكتسب بالاجتهاد
لذلك لو أتيح لواحد منّا أن يلتقي بنبي كيف قال بعض الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه سحر أصحابه ؟ سحرهم بماذا ؟ بخلقه الرفيع, بأخلاقه السمحة, بتواضعه, بعدلـه, برحمته, بلطفه, بمحبته للخلق, بحلمه, بحبه للخير, هذه الأخلاق الرفيعة تؤكد أن النبوة اصطفاء بمعنى انتقاء .
ثانيا: أن كلاً من النبوة والرسالة وصفهما مغاير للآخر :
أن الوصف بالرسالة مغاير للوصف بالنبوة, هناك نبي وهناك رسول ويشهد بذلك وصف الله بهما معاً, وفي هذا إشعار بتغاير مفهوميهما في الاصطلاح الشرعي
ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم : ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ﴾
الرسالة مقام, والنبوة مقام آخر, كما يشهد بذلك آية قرآنية ثانية
قال تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
ثالثا: الاصطفاء بالنبوة سابق على الاصطفاء بالرسالة :
يُستنبط من كتاب الله حول النبوة والرسالة أن الاصطفاء بالنبوة سابق على الاصطفاء بالرسالة, فلا يتم الاصطفاء بالرسالة إلا لمن تم اصطفاؤه بالنبوة, كل رسول نبي وليس العكس, لا يمكن أن يكون الرسول إلا نبياً, ولكن النبي ليس بالضرورة هو رسول, يدل على ذلك نصوص عديدة منها
قوله تعالى في سورة الزخرف :﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ﴾
فالنبي موجود قبل إرساله قال الله : ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ ﴾
وفي حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
يعني إذا كان باب النبوة قد أُغلق, وباب الرسالة قد أُغلق, فالنبي عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين
قال الله : ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ ﴾
وقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾
هاتان الآيتان تشيران إلى أن النبوة تكون متحققة أولاً, ثم يأتي بعدها الإرسال, ونستطيع من هذا أن نفهم أنه قد تمر على النبي فترة الاصطفاء بالوحي قبل أن يؤمر بالتبليغ, النبي الرسول قد يأتي عليه حين من الدهر يكون في هذا الحين نبياً وليس رسولاً, ثم يؤمر بالتبليغ فيصبح عندئذٍ رسولاً,
النبي عليه الصلاة والسلام ربنا سبحانه وتعالى خاطبه فقال :﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾
يروى أن سيدنا رسول الله حينما نزلت عليه هذه الآية, ألقى عن نفسه الدثار وقام للتبليغ, فطلبت منه السيدة خديجة رضي الله عنها أن يبقى في الفراش فقال كلمة : لا يعرفها إلا من ذاقها
قال: يا خديجة انقضى عهد النوم .
رابعا: هناك خصوص في النبوة :
الاستنباط الرابع : من الآيات الكريمة فيما يتعلق بالنبوة, أن الله سبحانه وتعالى قد يقتصر على الاصطفاء بالنبوة بالنسبة لبعض الأنبياء, هناك أشخاص اصطفاهم الله ليكونوا أنبياء فقط, دون أن يأمرهم بتبليغ رسالته, وهؤلاء يمكن أن نسميهم أنبياء لا رسلاً, وعلى هذا فتكون مهمة النبي الذي لم يؤمر بتبليغ رسالة, العمل والفتوى بشريعة رسول سابق, النبي الذي لم يُكلف برسالة يبين للناس ما نُزّلَ إليهم سابقاً, يعمل ويفتي برسالة رسول سابق,
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل
يعني ما من عالم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يأتي بجديد
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ نَبِيًّا وَلَمْ يُنْزِلْ بَعْدَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا فَمَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَلالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَلا وَإِنِّي لَسْتُ بِقَاصٍّ وَلَكِنِّي مُنَفِّذٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ وَلَكِنِّي مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْكُمْ غَيْرَ أَنِّي أَثْقَلُكُمْ حِمْلا ألا وَإِنَّهُ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يُطَاعَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَلا هَلْ أَسْمَعْتُ " .
القرآن كلام الله, والسنة المطهرة ودور العلماء توضيح كتاب الله وتوضيح السنة المطهرة, أما أن يأتوا بجديد فهذا مستحيل, لأن علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل من حيث الوظيفة لا من حيث المرتبة, النبي نبي, والعالم عالم, لا يرقى الولي إلى مرتبة النبي, العالم ليس معصوماً لكن النبي معصوم,
قال الله : ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
هذا النبي لم يُذكر اسمه في القرآن الكريم, بعض المؤرخين يقولون : إنه صموئيل نبي أرسله الله لبني إسرائيل وليس رسولاً, معنى أرسله يعني كان بينهم, أما معنى أعطاه الرسالة كلفه بكتاب من عند الله.
المقامات المفتوحة للمؤمنين :
لكن هناك مقامات كثيرة مفتحة : مقام الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هذا مفتوح, مقام أن تكون عالماً ربانياً,
" يا بني الناس ثلاث : عالم رباني, ومستمع على سبيل نجاة, وهمجٌ رعاع أتباع كل ناعق, لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فأحذر يا كميل أن تكون منهم " .
مقام العلم الرباني موجود في كل زمان
قال تعالى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
أهل الذكر هم العلماء, فمن أراد النجاة من النار عليه أن يستقيم, لكنه من أراد مراتب عليا في الجنة عليه أن يكون من السابقين
قال الله :﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
ما أجمل أن يكون الإنسان طموحاً في طريق الجنة, لا يرضى بالمرتبة الدنيا, لا يرضى أن يكون من الناجين, يسعى إلى أن يكون من المتفوقين
لقوله تعالى :﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
هذا هو التنافس الذي يحبه الله سبحانه وتعالى .
أنا أتمنى من أعماقي أن أرى فيكم أناساً كثيرين يطمحون لا إلى النجاة من النار, ولكن إلى بلوغ أعلى الدرجات في الجنة, إذا كان باب النبوة والرسالة قد أُغلقا, فإن باب الولاية مفتوح إلى يوم القيامة .
قال الله تعالى:﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾
لا ينبغي أن تُمضي حياتك إلا في طاعة الله, لا ينبغي أن تهلك شبابك إلا في طاعة الله, لا ينبغي أن تسخر طاقاتك وإمكاناتك ومالك إلا في مرضاة الله, إن فعلت ذلك فأنت الرابح, أنت الناجح .
قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
إذا عرفت طريق الفلاح, وطريق الفوز فأنت من السعداء,
قال تعالى : ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
فإذا شعر الطائع أنه محروم فهذا جهل منه, وجهل بما عنده
من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ماعظمه الله "
قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
إذا سألتني عن أعلى مرتبة ينالها الإنسان على وجه الأرض, أعلى مرتبة ينالها الإنسان على وجه الأرض, قلت لك : أن يقال له : رضي الله عنه, من فاز برضاء الله سبحانه وتعالى فقد حقق أعلى مرتبة على وجه الأرض, المؤمنون هم ملوك الدار الآخرة
قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
فهذا التعليق, أنه باب الولاية مفتوح, باب أن تكون من السابقين مفتوح, ربنا هو رب موسى وهارون موجود, رب إبراهيم موجود, رب محمد موجود, ربّ أصحاب محمد موجود, باب الطاعات مفتوح, باب المجاهدة مفتوح , لذلك : إن الله يحبكم إذا تنافستم في طاعته .
أما التنافس على حطام الدنيا على متعها, على شهواتها, على زخرفها, على مكاسبها, على مالها, على بيوتها, على بساتينها, على مركباتها, على حيازة الأموال الطائلة فيها, فهذا التنافس يُبغضه الله سبحانه وتعالى
قال الله :﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
قل لي : ما الذي يفرحك, أقل لك : من أنت, من فرح بالدنيا ولو أنه اكتسبها من طريق مشروع, فرحه بالدنيا ماذا يعني ؟ أنه لا يعرف مهمته في الحياة, من فرح بالمال الذي اكتسبه بطريق مشروع, لا يعرف المهمة التي خُلق من أجلها, وليس متحققاً من أنه لابد من مغادرة الدنيا , ولن يأخذ معه إلا العمل الصالح, فرعون ماذا أُعطي ؟ قارون ماذا أُعطي ؟ قد يُعطي الله سبحانه وتعالى المال لمن لا يُحب:
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾