هناك فرق كبير بين الممارسات الخاطئة التي يرتكبها أناس يجهلون أو يتجاهلون حقيقة الإسلام، أو التي يرتكبها أعداء الإسلام، ثم ينسبونها ظلماً وعدواناً إلى المسلمين، ليعطوا صورةً مشوهةً عن الإسلام الذي هو بريء من كل هذا... هناك فرق كبير، وبون شاسع، بين هذه الممارسات الخاطئة، وبين حقيقة الإسلام الناصعة، التي تليق بدين سماوي، جاء ليخرج الناس من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. فما كل ما يُلصق بالإسلام من الإسلام، وما كل من رفع راية الإسلام ونطق بكلماته يمثل الإسلام. وكلما ارتقى الإنسان في سُلَّم العلم، استطاع أن يفرِّق بين أصل المبدأ وبين ما ألصق به من أفكار بعيدةٍ عن جوهره بُعد الأرض عن السماء وقد ورد في الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ)) ، فالكتاب الذي هو وحي السماء إلى الأرض، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وسنة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، وقد عصمه الله من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، ومواقفه وصفاته، وقد الصق بالإسلام على مرِّ العصور والحقب، ما ليس منه. والإرهاب لم يرد في الكتاب والسنة إلا بالمعنى التالي: إحداث أثر نفسي من شأنه أن يَردَعَ صاحبه عن المعصية والعدوان. وكلِّ الممارسات الخاطئة، التي تلصق بالإسلام ظلماً وعدواناً، ليس لها أصل في كتاب الله وسنة رسوله، اللذين هما الأصلان الكبيران اللذان تستقي منهما كل المناهج والأحكام.
الإرهاب من خلال الكتاب:
وأما الإرهاب من خلال الكتاب والسنة، فلم يرد إلا بمعنى الخوف وإذا شئنا التفصيل: إحداث أثر نفسي مثبط، يمنع العدوان والظلم قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ وقد وَرَدَ جذر رَهَبَ في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة، وفي عشر سور هي: البقرة 40 ، الأعراف 116ـ 154، النحل 51، سورة الأنبياء 90، القصص 32، الحشر 13، لأنفال 60،(فقد وردت بمعنى الخوف والإخافة). وأما الحديد 27،(فقد ورد من جذر رهب الرهبانية، وهو الانقطاع للعبادة). وأما المائدة 82، التوبة 31ـ34،(في الايات السابقة فقد ورد من جذر -رهب- الرهبان، جمع راهب وهو المنقطع للعبادة). وأما الأعراف 116ـ 154،(فقد ورد من جذر رهب استرهبهم: أراد إرهابهم، أي إخافتهم، وانتزاع إعجابهم).
الإرهاب من خلال السنة:
وفي الحديث الصحيح ورد كلمة: رهبة، وراهب، راهبة، أرهبهم أرهب، وكل هذه الكلمات مشتقة من مادة رهب يرهب رهباً، ورهبة... أي خاف يخاف خوفاً... فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يا فلان، إذا أوْيتَ إلى فراشك، فقل: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نَفْسي إليك، ووجَّهْتُ وجهي إليك، وفوَّضْتُ أمْري إليك، وألجَأْتُ ظَهْري إليك، رَغْبة ورَهْبة إليك، لا مَلْجأ، ولا مَنْجَا منك إلا إليك)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((رَبِّ اجعلْني لك شَاكِرا، لك ذَاكِرا، لك رَاهِبا، لك مِطْوَاعا، لك مُخْبِتاً)) ..…
ومع الإقرار بأن الأهداف النبيلة، لابد لها من وسائل نبيلة، فإن الوسائل تأخذ حكم غاياتها، فمن الأهداف المشروعة النبيلة ؛ دفع العدوان، وإزالة آثاره، استنقاذ الحق المستلب، تحقيق العزة، السيادة التي ثُلمت، استرداد ما اغتصبه العدو قهراً، وظلماً، وعنوةً. إذ يأبى الإسلام أن يقرِّ ظلماً، أو أن يستمرئ عدواناً، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ . فالإسلام لا يُقرُّ ظلماً، ولا بغياً، ولا عدواناً مطلقاً، سواء أنزل بساحته أم على أمته، أم أصاب غيره من الدول والأمم والشعوب ؛ لأن العدل في الإسلام لا يتجزأ، ولأن الظلم والبغي محرم لذاته، وحيثما كان موقعه وهذا مبدأ إنساني حضاري.
الإرهاب المعاصر:
وحينما احتُلت الأراضي ظلماً، وعدواناً، وشُردت الشعوب عن طريق القتل والتعذيب، وهُضمت الحقوق، ونُهبت الثروات، وسكتت الدول الكبرى عن هذا الظلم، والاغتصاب، بل واستعملت حق النقض ضد أي قرار عادل، ينصف الشعوب، ويعيد لها حقها، هذا الإرهاب الدولي يُعد تعبيراً عملياً واقعياً عن الحقد الدفين، والحرمان من الحق الإنساني المشروع بسبب اختلال موازين العدل في أعظم هيئة دولية عُرفت في تاريخ الإنسانية من جراء حق النقض الفيتو.. لذلك لم تجد الشعوب الضعيفة بدأ من أن تردَّ على الإرهاب الدولي والتعصب العنصري، والهيمنة المتغطرسة، وبسط النفوذ، والتوسع الاستيطاني على حساب الدول، لم تجد هذه الشعوب المستضعفة حيال هذا الاستكبار الدولي بداً من أن تردَّ على الإرهاب الدولي بإرهاب مثله.
الإرهاب متعدد الجنسية والدين والهوية والقضية، ولا يمكن أن يلصق بالإسلام، ولا أن يُلصق الإسلام به هو سلوك الضعيف المظلوم حينما يواجه خصمه القوي الظالم.. لقد ظهر الإرهاب بمفهومه الحديث في كل القارات والدول شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.. ظهر في الصين، وفيتنام، وفي الجزائر، وأنغولا، وجنوب أفريقيا، وفي أوربة، وفي إيطاليا والمانيا، وفرنسا، وفي كوبا، وفي أمريكا اللاتينية... وما حركة التحرير الوطني في الجزائر، وفيتنام، وحركة الجيش الجمهوري الايرلندي، وحركة أييتا في إسبانيا، والتاميل في سيرلانكا، ومنظمة ما رجيلا في البرازيل، وتوباماروس في أرغواي، ومونتونيروس في الأرجنتين، والأولوية الحمراء في إيطاليا، ومنظمة ما ينهوف في المانيا الغربية، والعمل المباشر في فرنسا، والخلايا الثورية في بلجيكا، إلا دليل على ذلك...
وما لم نبحث عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا العنف السياسي، ألا وهو الظلم بشتى أنواعه، وأقسامه، والتمييز العنصري بشتى صوره وأشكاله، والعدوان بشتى أساليبه وأطواره، فلن يزول الإرهاب والعنف السياسي إلا بزوال أسبابه، فالحقيقة الصارخة، أن العنف لا يلد إلا العنف.