بحث

البهتان

البهتان

بسم الله الرحمن الرحيم

أرادوا شيئاً وأراد الله شيئاً آخر:

     أيها الأخوة الكرام، سأطمئنكم أن هذه الصور التي نشرت في الدانمرك سوف تكون سبباً لإيمان الألوف المؤلفة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

     أيها الأخوة الكرام، كتاب صدر عنوانه " آيات شيطانية " اتهم بيوتات النبي بأنها بيوتات دعارة، وقد أسلم بسبب هذا الكتاب عشرون ألف مسلم في بريطانيا وحدها، وسأطمئنكم أن هذه الصور التي نشرت في الدانمرك سوف تكون سبباً لإيمان الألوف المؤلفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، البيت الشعري الذي يناسب هذا المقام:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت***أتاح لها لسان حســــــود

                                      لولا اشتعال النار فيما جـاورت***ما كان يعرف طيب عرف العود

     إن الذي يقع لصالح المسلمين، والله الذي اطلعت عليه في هذه الأيام من يقظة لمحبة رسول الله، ومن حركة مذهلة على المستوى الشعبي بالدرجة الأولى.

قصة البهتان:

     أيها الأخوة الكرام، بدأت القصة منذ فترة قصيرة، منذ ثلاثة أشهر، نشرت جريدة دانمركية ذائعة الصيت، وذات مصداقية كبيرة لدى الشعب الدانمركي، مسابقة لرسم أحسن كاريكاتير للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أرسل القراء أكثر من مئة صورة، وتمّ نشر حوالي اثنتا عشرة صورة تصور رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبس عمامة مليئة بالقنابل، والصواريخ، وتصوره وهو يصلي في أوضاع مهينة للغاية، ولقد تمّ نشر هذه الصور علناً، وعلى مدار عدة أسابيع، وبمعرفة وموافقة بل تأييد من الحكومة، وتفاعل الرأي العام معها، ولقد حاولت الجالية الإسلامية هناك الدفاع عن الإسلام ومقدساته، وذلك بوقف نشر هذه الصور، الأمر الذي دعا رئيس تحرير الجريدة إلى مجرد رفض مقابلتهم، وتضامنت كل الهيئات الحكومية مع الجريدة، ورفضت كل محاولات الجالية الإسلامية، المحاولات مضى عليها ثلاثة أشهر، متى انفجر العالم الإسلامي؟ بعد اليأس، كنا أصحاب نفس طويل، وأصحاب عقلانية رائعة.

      استنجدت الدانمرك بدول السوق المشتركة، فرنسا نشرت هذه الصور، ألمانيا نشرت، إسبانيا نشرت، 

      قال تعالى:

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)  

      أيها الأخوة الكرام، هذا الذي حدث له أبعاد خطيرة، وله تاريخ قريب، ملكة الدانمرك ألفت كتاباً عن الحضارة الأوربية ذمت الإسلام والمسلمين، ورئيس وزراء الدانمرك أشار ثلاث مرات إلى أن أهل الإسلام حثالة الشعوب، وأن عدداً كبيراً من الصحف الدانمرك نشرت مقالات تنتقد فيها الإسلام ورسول الإسلام  ورابعاً كانت الخاتمة أن رسمت هذه الرسوم التي شوهت مكانة النبي عليه الصلاة والسلام.

هذه الإساءة لا تتفق مع تعاليم المسيح عليه السلام: 

      أيها الأخوة الكرام،  هذه الإساءة لا تتفق مع تعاليم المسيح عليه السلام الذي ورد عنه:

(من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر)   

      هذا الذي حدث عدوان على نبي جاء بقرآن يقول:

(قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ  وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34))  

      وفي آية أخرى:

(قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136))  

      هل يجرؤ مسلم في العالم أن يرد على هذه الصور بصور للسيد المسيح؟ مستحيل وألف ألف مستحيل، أيها الأخوة الكرام، يقول سيد الأنام:

(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)   

(أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)  

      أيها الأخوة الكرام،  والله نتمنى من أعماق قلوبنا ألا يمثل هذا التصرف الشعب الدانمركي، وألا يمثل كل الأوربيين، ولكن يؤسفنا أشد الأسف أننا لم نسمع استنكاراً لهذا العمل من عقلائهم، ولا من الهيئات العلمية والفكرية عندهم، ولا من رجال القضاء عندهم، فسكوتهم يثير الشك.

      هذا النبي الكريم أيها الأخوة الكرام،  كما قال سيدنا جعفر لما سأله النجاشي عن الإسلام  قال: 

(كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه،  ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم)  

      والله ما شهدت البشرية نبياً دعا إلى السلام، وإلى التسامح مثله، 

      مرت جنازة فوقف لها، قالوا: يا رسول الله إنه يهودي، قال:   

(أليس إنساناً؟)  

      ما هذا التسامح؟ 

الكيل بمكيالين:

      أيها الأخوة الكرام،  مشكلتنا مع الطرف الآخر أنهم يكيلون بألف مكيال ومكيال، فتاة ترتدي ثياب السحاقيات في إحدى المدن الغربية يمنعها مدير المدرسة من دخول المدرسة، يقيم والدها دعوى على إدارة المدرسة، يحكم لها القاضي بمبلغ فلكي، وفتاة مسلمة في بلد غربي آخر تضع على رأسها قطعة قماش تنفيذاً لتعاليم دين يدين به ثلث سكان الأرض، يدعو إلى الحشمة والعفة، تقوم الدنيا ولا تقعد.

قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر***وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر

      لو أن صحيفة دنمركية شوهت سمعة مواطن دنمركي عادي من حقه أن يقيم دعوى عليها، وأن يكلفها مبالغاً فلكية صوناً لكرامته، أما حينما يعتدى على نبي عظيم يشهد له أعداؤه قبل أصدقائه، نبي كل دعوته سمحاء، دعوة إلى الإحسان والرحمة، 

(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)  

      قال: ليس في القانون الدنمركي ما يسمح بإقامة دعوى على الصحيفة.

      أيها الأخوة الكرام،  اسمعوا مني هذه الكلمة: 

ما من جهة على وجه الأرض عبر القرون خدمت هذا الدين كأعداء الدين دون أن يريدوا  

      ودون أن يشعروا، يقدمون التناقضات، كلامهم غير منطقي، كلام مبالغ به، اتهامات باطلة، يعتدون على حريات الشعوب، على ثقافات الشعوب، على هويات الشعوب، الحرب كانت احتلال أراض ثم نهب ثروات، ثم أُضيف تغيير هوية وتغيير ثقافة.

      أيها الأخوة الكرام،  بالمناسبة المحرقة لو أن واحداً شكك في العدد لدخل السجن العالم الغربي كله مع أمريكا، لو أن صحفياً شكك بالعدد ـ العدد خمسة ملايين ـ لو أن الذي نريد أن نحرقه يحتاج إلى خمس دقائق لاحتجنا إلى سبع سنين، الرقم غير معقول لو شكك واحد من أهل الغرب، لو شككت صحيفة واحدة بالرقم لدخل السجن، أما النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق رفضوا أن يقابلوا الجالية الإسلامية، رفض وزير العدل أن تقام دعوى أصلاً.

      أيها الأخوة الكرام، بلغني قبل يومين أن صحفياً كتب مقالة شكك فيها بعدد الذين أحرقوا في المحرقة، وجهت له تهمة قال: أنا أنتظر هذه التهمة، أنا أنتظرها بفارغ الصبر لأبين لكم تناقضكم وكيلكم بمئة مكيال.

      أيها الأخوة الكرام،  

      أليس العالم كله يخضع لقانون معاداة السامية؟ والله أنا أعلم علم اليقين أن أحداً في أوروبا وفي أمريكا لا يستطيع أن يقول كلمة ضد السامية، يحاكم، ويعاقب، ويسجن، 

      أليس هناك قانون في تركيا يمنع الحديث عن رجل كان في بدء النهضة زعيماً لها ولا يستطيع أحد لألف عام قادمة أن ينال منه؟ 

      لماذا سيد الخلق وحبيب الحق تشوه صورته ولا أحد يتكلم؟ 

معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية:

      أيها الأخوة الكرام، هناك اقتراح لو أن الله عز وجل جعل هؤلاء الشاردين عنه، الكافرين به، في حقب بعيدة عن حقبنا، هم عاشوا في القرون الأولى ونحن بعد مئة قرن، لم يكن هناك صدام، ولا معركة، ولا شيء من هذا القبيل، لو أن الله عز وجل  خلق هؤلاء الشاردين في قارة، ونحن في قارة، ليس هناك صدام، ولا معركة، ولا شيء من هذا القبيل، لو أن الله خلق كوكبين، كوكب الأرض وكوكب آخر، الكفار في الآخر لا يوجد مشكلة، قرار الله عز وجل، وإرادته، ومشيئته، وحكمته، تقتضي أن يكون هؤلاء مع هؤلاء في عالم واحد، وفي عصر واحد، وفي مصالح متشابكة، وفي قضايا مشتركة، قال تعالى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)   

      لعل هؤلاء الشاردين يهتدوا إلى الدين القويم، إذاً هناك حكمة بالغة من أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، هذا قرار الله عز وجل.

مشكلة العالم الغربي في انتشار الدين بين أبناءهم:

      أيها الأخوة الكرام،  مع أن حرباً عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين في شتى بقاع الأرض، الدين الإسلامي هو الدين الأول الذي ينمو نماءً لا يحتمله أعداؤه، مشكلة العالم الغربي لا في الجاليات الإسلامية اليوم بل في المسلمين من أصحاب الجنسيات الغربية، فرنسي من أب وأم وهو مسلم.

لكل واقع حكمة:

      أيها الأخوة الكرام، حقيقة أظنها خطيرة، 

لكل واقع حكمة وليس كل مُوقع حكيماً   

      قد يكون المُوقع مجرماً، ولكن لأن الله سمح له أن يوقع الذي وقع، ففيه حكمة بالغة، ولعلي أتعمق قليلاً إلى دور الشيطان، الشيطان أراد إفساد البشر، وإضلالهم، وإغواءهم، ولولا أن له دوراً إيجابياً أنه يثير حفيظة المؤمنين، ويدفعهم إلى التعمق بالدين، يدفعهم إلى التوبة، لما سمح الله له بهذا الدور، هو دور في ظاهره سلبي، ولكن في حقيقته هو دور إيجابي،

      أيها الأخوة الكرام،  كيد الشيطان يكشف لك عن كنوزك أنت المخبوءة في أعماق نفسك، أيها الأخوة الكرام،  كيد الشيطان أحياناً يثير فيك المشاعر الكامنة، المشاعر المنسية، المشاعر المجمدة تماماً، كما لو كان ابن عاق لوالديه، سمع سباباً لوالديه، لم يحتمله، فأثار هذا السباب في نفسه شعور والولاء للأب، وهذا الذي حصل، ربّ ضارة نافعة، 

      قال تعالى:

(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)   

      والله الذي لا إله إلا هو لو أمد الله بأعماركم، وأسأل الله أن يمد أعماركم جميعاً، فخيركم من طال عمره وحسن عمله ـ لرأيتم من إيجابيات الحادي عشر من أيلول ما لا يصدق، لكن هذه الأحداث التي وقعت مؤلمة جداً، ولكن لأن الله سمح لها أن تقع، فهناك حكمة بالغة لا يعلمها إلا الله، إذاً ما كل مُوقع حكيماً، قد يكون المُوقع مجرماً، ولكن لكل واقع حكمة، الشيء الذي وقع سمح الله له، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، إذاً إذا سمح بالذي وقع أن يقع فهناك حكمة بالغة، انتظروا نتائجها الإيجابية، انتظروا أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

المقاطعة الإسلامية درس بليغ للعالم الغربي:

      قال تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )  

( إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)  

      هذه الهاء تعود على الآية الأولى إلا تفعلوه، إن لم تؤمنوا ولم تجاهدوا ولو بألسنتكم، ولو بأموالكم، ولو بعمل سلبي، الأرقام التي ذُكرت من جراء المقاطعة الإسلامية العفوية الشعبية من القاعدة الدنيا تزيد عن المليارات بهذه الأسابيع.

      أيها الأخوة الكرام، هذه المقاطعة كانت درساً بليغاً للعالم الغربي، الإسلام لم يمت، في المسلمين حيوية، في المسلمين بقية إيمان، في المسلمين بقية غيرة.

      أيها الأخوة الكرام، سفير الدانمرك في الرياض رفض أن يعتذر، رفضت إدارة الصحيفة التي نشرت هذه الرسوم أن تستقبل وفداً من الجالية الإسلامية، رفض رئيس وزرائهم أن يستقبل لجنة تمثل الجالية الإسلامية، فلما رفضوا هذا الذي حدث لم يحدث فجأة، عمر هذه القضية خمسة أشهر، مع النفس الطويل، والأسلوب الأديب، والطلب المهذب، قابلونا بعكس ذلك، أنت لا تعلم من هو رسول الله عندنا، إذا كان في دمائنا كرية حمراء وكرية بيضاء فهناك كرية ثالثة هي محبة سيد الأنبياء والذي حصل دليل ذلك.

      أيها الأخوة الكرام،  ولكن وهذا الذي أقوله أؤمن به بكل خلية في جسمي، وبكل قطرة في دمي، لا أجيز القيام بالاعتداء على الأبرياء من أي دين، ولو كان بحجة مناصرة النبي عليه الصلاة والسلام، 

      إذاً المسلم الحق يستنكر بشدة ما جرى من إحراق السفارات، أو استعمال أي صورة عنيفة من صور العنف في التعبير، لأن الهدف النبيل يجب أن نتوسل إليه بوسيلة نبيلة، أن نمشي في الطريق لنعبر عن استنكارنا و، هذا ما حصل، هذا سلوك حضاري تقره جميع الأمم، وأن نمتنع عن شراء البضاعة.

      أيها الأخوة الكرام،  إحدى أكبر هذه الشركات أقامت دعوى على الصحيفة التي نشرت هذه الرسوم، لأنها هي السبب في الخسارة التي منيت بها، وزير الزراعة الدانمركي اجتمع مع نقابة المزارعين لمناقشة القضية، وتقرر إرسال رسالة اعتذار إلى جميع وزراء الزراعة في الدول الإسلامية، هذه بعض نتائج ما حدث.

      أيها الأخوة الكرام،  شيء آخر حتى لو اعتذرت الصحيفة، أو اعتذرت الحكومة رسمياً، هذا الاعتذار ليس لذات الاعتذار، وليس للشعور بالخطأ، ولكن لقوة الصدمة والخسارة الناتجة عن هذه الرسوم التي تورطت هذه الصحيفة بنشرها. 

      شيء آخر: إن المقاطعة الشعبية العفوية هي في الحقيقة أقوى رسالة يرسلها العالم الإسلامي للغرب، هذه رسالة لأن الغرب يؤمن بالمادة، ويعبد المادة من دون الله، ولا شيء يهز أركانه كأن تصاب تجارته وصناعته بخسارة فادحة.

الإسلام يربي المسلم على كراهة المعاني الفاسدة و العقائد المنحرفة:

      أيها الأخوة الكرام،  هناك من يتهم المسلمين بأنهم يكرهون الطرف الآخر، و يبغضونهم، الحقيقة أن الإسلام يربي المسلم على كراهة المعاني الفاسدة، على كراهة العقائد المنحرفة، على كراهة الضلال، على كراهة الانحلال، على كراهة الفحشاء لا على كراهة الإنسان، الدليل: 

     عمير بن وهب قال مرة لصفوان بن أمية: و الله لولا أطفال صغار أخشى عليهم العنت من بعدي، و لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، لذهبت و قتلت محمداً و أرحتكم منه، هذا الكلام بين صفوان و بين عمير بن وهب في الفلاة لم يعلم به أحد، صفوان كان حاقداً حقداً لا حدود له، 

     قال: أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، و أما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، فاذهب و امض لما أمرت، سقى سيفه سماً، و ركب ناقته، و انطلق إلى المدينة ليقتل محمداً، تحت غطاء أنه جاء ليفتدي ابنه الأسير، وصل إلى المدينة، رآه عمر بن الخطاب

      قال: هذا عدو الله يريد شراً، فقيده،   

      قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر فكه ففك قيده،   

      قال: يا عمر ابتعد عنه فابتعد عنه،   

      قال: يا عمير ادنُ فدنا، ثم قال له: يا عمير سلم عليّ،   

      قال: عمت صباحاً يا محمد،   

      فقال عليه الصلاة والسلام: يا عُمير لقد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك، لقد أكرمنا الله بالسلام، وهي تحية أهل الجنة،   

      فقال عُمير بفظاظة: والله ما أنتَ ببعيد عن تحيتنا وإنكَ بها،    بكل وقاحة،   

      فقال عليه الصلاة والسلام: يا عُمير ما الذي جاء بك إلينا؟   

      قال جئت أفدي ولدي من الأسر،   

      فقال النبي: ما بالُ هذا السيف الذي في عُنُقِك؟   

      فقال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر؟   

      قال: أصدقني يا عُمير، ألم تقل لصفوان لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد أخاف عليهم العنت من بعدي، لذهبت إلى محمد وقتلته وأرحتكم منه،   

      وقف عمير وقال: أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، لأن الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله، وأنت رسول الله، الشاهد أين؟   

      يقول عمر:   

(دخل عمير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحب إليّ من بعض أولادي).  

      لا يمكن لمسلم أن يكره إنساناً لذاته، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تكره إنساناً لذاته، تكره عمله، تكره كذبه، تكره جريمته، تكره دناءته، فإذا عاد إلى الله، واصطلح معه فهو منا ونحن منه، والشواهد كثيرة، 

      فلذلك هذه دعوى باطلة، لكن مرة صورت هذا المثل لأبين لكم الفرق الحاد بين واقع المسلمين وبين ما نتهم به،

      مسجد فارغ بابه مفتوح، فيه رجل واحد ومعطف معلق، هذا الرجل التفت إلى الباب ثم قام إلى المعطف وأخذ منه مئة ليرة، ونحن صورناه، قد تفسر هذه الصورة بأنه سارق، فإذا علمنا بعد حين أن هذا الإنسان هو الذي بنى المسجد، وكلفه هذا البناء خمسين مليوناً، وأن هذا المعطف معطفه، وأنه التفت إلى الباب فرأى فقيراً فقام وأخذ هذه المئة ليرة من معطفه ليعطيه إياه، 

      كم هو الفرق كبير بين التفسير الأول والتفسير الثاني؟ والله الذي لا إله إلا هو هو البون نفسه بين توهم الغرب بأن المسلمين متخلفون، همجيون، قتلة، فقراء، وبين واقع المسلمين، هم ليسوا كما يتوهم الغرب، لكننا مقصرون، والله مقصرون جداً في إيصال الدعوة إليهم.

التعايش أصل في ديننا الإسلامي:

      أيها الأخوة الكرام،حقيقة الذي جرى ليس تعصباً ضد الغرب، ولا هو دعوة لإذكاء نار الصراع بين الحضارات، وليس هو تعبيراً عن عدم الإيمان بالتعايش السلمي، ولكن الذي حدث من قبل الغرب هو في الحقيقة إذكاء للصراع، ورفض للتعايش السلمي، وتأكيد للصراعات بين الحضارات.

      أيها الأخوة الكرام،  الذي يؤمن بالتعايش، والتعايش أصل في ديننا، الدليل قال تعالى:

(فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ)   

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم)  

(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ)  

      المؤمنون الصحابة يفرحوا للروم وهم أهل كتاب بنصرهم لأنهم الكفار ، 

      ثلاث آيات في القرآن الكريم، وهو أعلى مرجعية في الإسلام يقر التعايش، 

      والآن العالم بحاجة إلى التعايش.

تقصير المسلمين في توضيح أبعاد هذا الدين العظيم للآخر:

      كنت مرة في مؤتمر إسلامي في القاهرة، مؤتمر ضخم ضمّ سبعين دولة إسلامية، قلت في مداخلتي الأخيرة: نحن جميعاً طرف واحد، فإذا جاء أحدنا من بلده، وألقى محاضرة عميقة ، تحليله دقيق جداً، والنصوص مؤصلة، وقبلناها بقول حسن، وصفقنا له، ماذا فعلنا؟ قلت لهم: والله لم نفعل شيئاً، لأننا جميع طرف واحد، هذا المؤتمر بحسب إعلانه " إنسانية الحضارة الإسلامية " هذا المؤتمر موجه إلى الطرف الآخر، والطرف الآخر غائب كلياً عن هذا المؤتمر، والأولى من هذا المؤتمر أن تنشأ محطة فضائية تخاطب العالم الغربي بلغته، نحن مقصرون، ليس في الغرب إطلاقاً إعلام عربي إسلامي يوضح حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام، هذا من نتائج تقصيرنا في نشر هذا الدين العظيم، 

      مسلمان في بريطانيا يتكلمان بالعربية، كلما انضم لهما صديقهما البريطاني تكلما بالإنكليزية، هذا لفت نظره قال: لمَ تفعلون هذا؟ قالوا: لأن نبينا عليه الصلاة والسلام ينهانا إن كنا ثلاثة أن يتحادث اثنان دون الثالث، قال: نبيكم حضاري، هذا الموقف كان سبب إسلامه، 

      أقسم لكم بالله العظيم لو أن الجاليات الإسلامية في الغرب طبقت الإسلام فقط لكان موقف الغرب من الإسلام غير هذا الموقف، ولو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج من مكة المكرمة، 

      لعلها صحوة، لعلها تدبير إلهي حكيم، إلى متى نحن غافلون؟ إلى متى نحن قاعدون؟ إلى متى نحن نجتر ماضينا؟ نفتخر به و واقعنا مؤسف جداً؟

ما قاله منصفوهم:

      أيها الأخوة الكرام، أحد كتاب السيرة الغربيين قال: 

(كان محمد عابداً متحمساً، وقائداً فذاً، شيّد أمة من الفتات المتناثر، وكان رجل حرب، يضع الخطط، ويقود الجيوش، وكان أباً عطوفاً، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن، وكان صديقاً حميماً، وقريباً كريماً، وجاراً تشغله هموم جيرانه، و حاكماً تملأ نفسه مشاعر محكوميه، يمنحهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل، وتغلغلت في كيانه كله، ورأى الناس الرسول الكريم تتمثل فيه الصفات الكريمة، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها، ورأوها متمثلة فيه، ولم يقرؤوها في كتاب جامد بل رأوها في بشر متحرك، فتحركت لها نفوسهم، وهفت لها مشاعرهم، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من الرسول الكريم كل بقدر ما يطيق، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان هادياً، ومربياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلم الطيب الذي ينطق به.)  

      أيها الأخوة الكرام، ذكرت أكثر من أربعين نصاً لكبار الفلاسفة الغربيين لمدح سيدنا رسول الله، ويكفي أن واضع كتاب المئة الأوائل ـ ليس مسلماً ـ اختار من تاريخ البشرية مئة عظيم جعل النبي عليه الصلاة والسلام على رأس المئة، واعتمد اتساع رقعة التأثير، وعمق التأثير، وامتداد أثر التأثير، وكنت أتمنى عليه أن يضيف إلى هذه المقاييس نوع التأثير.



المصدر: خطبة الجمعة - الخطبة 0994 : خ1 - موضوع الرسوم المسيئة للرسول الكريم في الصحيفة الدانمركية ، خ 2 - الدعوة إلى مقاطعة البضائع الاستهلاكية الدانمركية