بحث

دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

     العلماء قسّموا أدلة الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام إلى أربعة أدلة:  

أولاً: فحوى الرسالة:

     تأمل في المضمون، فأي إنسان إذا نظر بإمعان العاقل المنصف فيما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من دعوة التوحيد، من بيان لأصول العبادات ونظم المعاملات ومناهج الأخلاق، ثم يراقب موافقتها لصالح الناس، وسعادتهم في شتى مطالب حياتهم في دنياهم وفي أخراهم، بماذا أمر؟ أمر بغض البصر، أمر بالصدق، أمر بالأمانة، أمر بحسن الجوار، أمر بصلة الرحم، أمر بالإحسان، عن أي شيء نهى؟ نهى عن الكذب، نهى عن الفسق، نهى عن الزور، نهى عن الخيانة، نهى عن عقوق الوالدين، نهى عن الظلم، يدعو إلى المساواة بين الناس هو دين الله، لو أن في الدين أمراً يخص أمة دون أمة، فئة دون فئة، طبقة دون طبقة، لما كان هذا الدين من عند الله سبحانه وتعالى لأن: الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالهِ فإذا نظر الإنسان في أصول هذه العقائد، في أصول هذه العبادات، في نظم المعاملات، في مناهج الأخلاق، يكتشف أن هناك تناسباً بين هذا التشريع العظيم وبين خالق الكون، الشيء الذي يلفت النظر أن أي مؤتمر عام تشريعي، لو أنّه ضم عشرات العلماء الكبار في القانون، وشرعوا تشريعاً، تجد بعد حين يُضطرون إلى تشريع معدّل، تُعدّل المادة الفلانية بالمادة الفلانية، بعد شهرين أو أكثر يصدر تعديل آخر، هذا صنع البشر،  مهما اجتهد الإنسان في سد المنافذ، يأتي إنسان أذكى ويفتح بعض المنافذ، فلذلك المشرّع دائماً واقع في دوامة مع المشرّع له، لكن المشرع إذا كان هو الله سبحانه وتعالى، تشريعه لا يحتاج إلى تعديل، ولا إلى تبديل، ولا إلى إلغاء، ولا إلى تعطيل، تشريعه جامع مانع. مضمون هذه الرسالة، القرآن: فيه جانب عقائدي، فيه جانب تشريعي: فيه تشريع شخصي: علاقة الزوج بزوجته، تشريع الطلاق، تشريع الزواج، فيه جانب اجتماعي: علاقة الأخ بأخيه، فيه جانب ينظم حياة الجماعة: البيع في الشراء، الرهن، الدين، الأمانة، فيه جانب تربوي، اقتصادي، صحي، دولي، في انسجام، في تكامل، القرآن يقدم تفسيراً شاملاً للكون والحياة، لما كان عليه الإنسان قبل أن يأتي إلى الدنيا، لما سيؤول إليه وضع الإنسان، قيم الحق والباطل، قيم الخير والشر، كل هذه الأمور جاء بها الدين، فدل بهذا على أن القرآن شاهد من عند الله على صدق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

ثانياً: يتميز بشخصية غير عادية شملت فيه الكمال اﻹنساني:

     لذلك قالوا: محمد سحر أصحابه، يعني انتزع إعجابهم، تعلقوا به أيما تعلق، أحبوه حباُ فاق حدّ التصور، أطاعوه طاعة جاوزت حدود الخيال، لماذا؟ لأنه شخصية فذة، فهذه الشخصية الفذة، لا نجدها إلاّ في زمرة الأنبياء الذين اصطفاهم الله تعالى لوحيه ورسالاته، والله سبحانه وتعالى لا يصطفي لرسالته إلا صفوته من خلقه، قال الله:  ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾  أما إذا درست شخصية أخرى من الشخصيات التي تميزت في الأرض، لوجدت على الرغم من عبقريته سقوطاً في بعض جوانب شخصيته، سقوطاً في أقواله أو أفعاله أو أخلاقه، فالذين نبغوا في الحياة، نبغوا بجانب على حساب جانب، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد استكمل الكمال البشري من كل جوانبه، فمن اتصف بهذه الصفات الراقية والكمال الإنساني، لابد أن يكون رسول الله سبحانه وتعالى. نزل الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء، أول ما بدئ به من الوحي، وكان لنزول الوحي وقع ثقيل على نفسه، فرجع إلى زوجته خديجة يرجف فؤاده، ويقول: زملوني زملوني. فزملوه حتى إذا ذهب عنه الورع. فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. شخصيته الفذة بفضائلها وقيمها وطباعها تتناسب مع شخصية رسول الله سبحانه وتعالى، فخديجة رضي الله عنها استدلت من خلال كمال صفاته التي تعرفها فيه أن الله لا يخزيه أبداً.  

ثالثا: إخبار الرسل السابقين في كتبهم ببعثة هذا الرسول:

     الرسل السابقون الذين جاؤوا برسالات من عند الله، في هذه الرسالات إشارات واضحة جداً إلى أنه سيأتي رسول في آخر الزمان اسمه أحمد، وله صفات معروفة مكتوبة عندهم في كتبهم المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى، فنحن نعلم أن جميع الأنبياء عليهم السلام أخوة، لأن الذي أرسلهم هو الله سبحانه وتعالى برسالة توحيد واحدة، وإن من تمام رسالة كل رسول أن يؤمن بمن سبقه من رسل، وبما أنزل عليهم من كتب، وأن يدعو قومه إلى الإيمان بما آمن، لذلك فإن المؤمن يؤمن بالرسالات السماوية كلها وبالرسل كلهم وبالكتب المنزلة على رسله كلها، فما من مسلم إلا ويؤمن: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾  كما أن من تمام رسالته أن يدعو قومه إلى الإيمان بكل رسول صادق يأتي بعده إن لم تكن رسالته خاتمة الرسالات السماوية، وبما أنَّ رسالة الإسلام خاتمة الرسالات، فلن تجد في القرآن الكريم دعوة إلى الإيمان برسول قادم، لأن النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء،  لكن في الإنجيل تجد دعوة للإيمان بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وحيث أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يختم رسالات السماء برسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويجعلها عامة للناس، فقد بشّر برسالته في كتب الديانتين اليهودية والنصرانية ليحثّ أتباعهما على اتباع رسالة محمد صلى الله عليه وسلم متى بعثه الله، وليجعل في كتبهم حجةً عليهم إذا هم أخذتهم العصبية، أو حجبهم الحسد عن أن يؤمنوا بالنبي الجديد، في الكتب السابقة إشارات واضحات إلى أنه سيأتي نبي كريم اسمه أحمد، واسمه أحمد يعني حقيقته أحمد الخلق، استمعوا إلى قوله تعالى:  ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾  كانوا أهل الكتاب قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام يستفتحون على كفّار العرب، أي يستنصرون عليهم إذ يدعون الله أن يرسل إليهم الرسول المنتظر لكي يتبعونه فينتصرون به على المشركين، ربنا عزّ وجل يقول:  ﴿الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾   يعني في كتبهم آيات دالة وصريحة على بعثة النبي ورسالته وأوصافه،  هذه الآيات كلها تؤكد أن الله سبحانه وتعالى ذكر في الكتب السابقة آيات كثيرة عن بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى الرغم من كل التحريفات التي اصطنعها الأحبار والرهبان في التوراة والإنجيل، فقد بقي في نسخ التوراة والإنجيل حتى الآن كثير من هذه البشائر، وإن كان أهل الكتاب ممن يدخل في الإسلام يكابر في تطبيقها على محمد عليه الصلاة والسلام، وزاد الإنجيل على التنويه بصفات محمد فقد ذكر اسمه المشتق من معنى الحمد، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ بعض الأمثلة من التوراة والإنجيل التي تتحدث عن بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، ما جاء في نسخ الإنجيل وفق الترجمات العربية، أنّ اسم النبي المبشر به " فرقليط " هذا الاسم، اسم يوناني، تعريبه مشتق من الحمد، محمد وأحمد، الآية 15 من إنجيل يوحنا: " إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فرقليط آخر ليثبت معكم إلى الأبد. فأما إذا جاء الفرقليط الذي أرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من الأب ينبثق، وهو يشهد لأجلي وأنتم تشهدون لأنكم معي من الابتداء، جاء الرب من سيناء وأشرق لنا من ساعير واستعلن من جبال فاران" فاران يعني مكة.  المقصد من هذا المثال والأمثلة كثيره، للتأكيد على أنه من الدلالة القاطعة على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام الأوصاف الدقيقة التي جاءت في كُتب أهل الكتاب من التوراة والإنجيل.  

رابعاً: المعجزة التي يجريها الله سبحانه وتعالى على يد النبي:   

      لقد علمنا من تاريخ الأمم أن كل أمةٍ جاء فيها رسول يدّعي النبوة كانت تطلب منه برهاناً على صدقه، فكل نبي أيده الله سبحانه وتعالى بمعجزة تُثبت لقومه أنه نبي، ما المعجزة؟ فالمعجزة: ممكنة عقلاً، ممتنعة عادةً، يجريها الله على يد من أراد أن يؤيده ليثبت بذلك صدق نبوته وصحة رسالته. الذي خلق الماء، أعطاه هذا التركيب، هذه السيولة هو الذي صممه هكذا، هو قادر على أن يجعله طريقاً يبساً، الخالق الذي جعل الإنسان عن طريق أب وأم، يمكن أن يجعله عن طريق أبٍ من دون أم، أو عن طريق أمٍ من دون أب، لذلك من تكريم الله سبحانه وتعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام أن المعجزة التي جاء بها مستمرة، وهي القرآن الكريم، أما المعجزات التي جاء بها الأنبياء انقلبت إلى أخبار.  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس : 29 - دلائل الرسالة