مستشفى المنصور قلاوون مثال عن ماض مشرق وما آل إليه:
في المستشفى المنصور الكبير الذي أنشأه في مصر الملِك المنصور سيف الدين قلاوون عام ألف ومئتين وأربعة وثمانين ميلادية، وكان آية من آيات الدنيا في التنظيم والترتيب،
جعل الدخول إليه والانتفاع منه مباحاً لجميع الناس من ذكر وأنثى، وحر وعبد، وملِك ورعية، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برءه كسوة كاملة، ومن مات جهز وكفن ودفن،
وعيّن في هذا المستشفى الأطباء من مختلف فروع الطب، كما وظف له الفراشون والخدمة لخدمة المرضى، وإصلاح أمكنتهم، وتنظيفها، وغسل ملابسهم وخدمتهم في الحمام،
حيث كان لكل مريض شخصان يقومان بخدمته، وجعل لكل مريض سريراً وفراشاً كاملاً، وأفرد لكل طائفة من المرضى أماكن تختص به، أقسامًا أقساما، أمراض جهاز الهضم، أمراض جهاز التنفس...
ورتب به مكانا يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء دروس الطب على الطلبة، مستشفى علاجي وتعليمي،
ومن أروع ما فيه أن الاستفادة من هذا المستشفى ليست مقصورة على من يقيم فيه من المرضى، بل هناك عيادات خارجية، ورتب لمن يطلب وهو في منزله ما يحتاج من الأدوية والأغذية والأشربة ما يلبي حاجته.
وأدى هذا المستشفى عمله الإنساني الجليل حتى أخبر بعض أطباء العيون الذين عملوا فيه أنه كان يعالج فيه كل يوم من المرضى الداخلين إليه والناقهين الخارجين أعداداً كبيرة جداً،
ولا يخرج منه كل من يبرأ من مرض حتى يعطى كسوة كاملة، ومال لنفقاته في أيام نقاهته، حتى لا يضطر للالتجاء للعمل الشاق فور خروجه.
ومن أروع ما فيه أيضاً النص على وقفيته، خدمات مستمرة على أن يقدَّم طعام كل مريض بطبق خاص له، خوفاً من العدوى، ويستخدم مرة واحدة، ووجوب تغطيتها وإيصالها إلى المريض بهذا الشكل.
ومن أروع ما فيه أن المؤرقين الذين لا ينامون الليل كانوا يعانون من العزلة، ويوضعون في قاعة منفردة يشنفون أسماعهم بأصوات الابتهالات والأناشيد، أو يتسلون باستماع القصص يلقيها عليهم بعض الوعاظ.
وكان الناقهون يرفهون، وكان المؤذنون في المسجد الملاصق يؤذنون في السَّحر قبل ميعاد الفجر، وينشدون الأناشيد بأصوات ندية تخفيفاً لآلامهم التي كانت تضجرهم.
هكذا كان الإسلام...
ثم اندثر هذا المستشفى، وتلاشى، وتحول هذا الصرح العظيم بسبب الجهل المرعب إلى حال لا تصدق، فقد زار هذا المستشفى أحد الباحثين في أواسط القرن التاسع عشر فقال عنه:
ولقد تخرب، ولم يبق منه سوى قبر مؤسسه، وبعض حاجاته، يأتي إليها المرضى يزورون قبر السلطان بقصد الشفاء، فيمسّون عمامته لشفاء أوجاع الرأس، وقفطانه للشفاء من الحميات المتقطعة، وتجتمع الشابات من النساء والأمهات، ومعهن أولادهم فتطلب الواحدة منهن من الله أن يرزقها ولداً ذكراً، فتأتي النساء فينزعن اللباس عن أنفسهن، ويكررن القفز مراراً حتى يتعبن، وكان كثير من النسوة يأتون بالأطفال الصغار حتى قبل أن تقوى على المشي أجسامهم، ويطلب فك عقدة لسانهم، ماذا يفعلون؟ يأتون بحامض الليمون ويصبونه على بعض الأعمدة التي فيها حجر حديد، فيصبح لونُ السائل أحمر، فيلحسه هذا الطفل فيتألم السائل فيصيح، إذاً نطق، هكذا صار إليه حال المستشفى.
لذلك أيها الإخوة، هذه النقلة المخيفة من مستشفى حضاري إنساني قام على العلم إلى مستشفى قام على الخزعبلات والترهات، والأساطير والشعوذة والسحر.
الإسلام أخلاق ومعاملات:
الإسلام أيها الإخوة دين الله، الإسلام وحي السماء، الإسلام خُلق، الإسلام التزام، الإسلام أمانة، الإسلام صدق، الإسلام بناء، الإسلام إيجابي، ليس هناك إسلام سكوني، ولا إسلام فيه إعجاب سلبي، ولا إسلام متقوقع، ولا إسلام ينسحب من الحياة هكذا كان الإسلام، مثَّلته بهذا المستشفى، وهكذا صار الإسلام مثّلته بالبدع والخرافات، والسحر والشعوذة والأوهام، طبعاً لا أعمم، التعميم من العمى، لكن أنا أقصد الخط العريض في المجتمع عوام الناس.
فلذلك أيها الإخوة، الكلمة الدقيقة: الآن نحن ندين بدين وحي السماء، هذا الدين فيه القرآن الكريم، وفيه تفاسير هذا القرآن الكريم، وفيه الحديث الشريف الصحيح، وفيه شرح لهذه الأحاديث، وفيه أحكام الفقه، وأحكام المعاملات، والسيرة، والعقيدة، وما إلى ذلك...
العالم الذي شن علينا حرباً عالمية ثالثة لا يمكن أن يقرأ كتبنا، ولا يعبأ بها إطلاقاً، هو يرى مجتمعا متخلفا، يرى مجتمعا فيه بطالة، قد تصل إلى ستين بالمئة، يرى مجتمعا في جهل، يرى مجتمعا فيه أمية عالية، جداً فما لم نبحث عن حلول لمشكلاتنا فلا يمكن أن يلتفت إلينا أحد، هذه حقيقة،
أن تقول: أنا معي منهج إلهي، على العين والرأس، لكن هل هو مطبق؟ ما قيمة منهج لا يطبق، لا تقل: أنا من أمة سيدنا محمد، الذين قالوا: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)
بماذا رد الله عليهم؟ ( قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)
الإسلام حضاري، الإسلام أعمال جليلة، الإسلام بطولات،
سيدنا عبد الله بن رواحة أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى يهود خيبر ليقيّم تمرهم، أغروه بحلي نسائهم، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ:
أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا
لن نغلب أعداءنا إلا بالتمسك بديننا، أما أن نتباهى به، أما أن نتغنى بالآباء والأجداد، والله هذا لا يقدم ولا يؤخر.
ذكرت لكم كثيراً أن رسالة إلكترونية وردتني مرة تأثرت لها تأثراً كبيراً، لأنها معبرة:
عن إمام مسجد في لندن نقل إلى بلدة في ظاهر لندن إلى مانشستر، فاضطر أن يركب مركبة، وفي إحدى المرات أعطى السائق قطعة نقد كبيرة فردّ له السائق البقية، عدّها فإذا هي تزيد عما يستحق، قال: ينبغي أن أعيد المبلغ إلى السائق، فلما جلس على مقعده جاءه خاطر ؛ أن هذه شركة عملاقة، ودخلها فلكي، وأن هذا المبلغ يسير، لا يقدم ولا يؤخر، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا علي أن آخذه، هكذا استقر رأيه، فلما أراد أن يغادر المركبة دون أن يشعر مدّ يده إلى جيبه، وأعطى السائق المال الزائد، قال: هذه لك، ابتسم السائق، لماذا ابتسم؟ قال له: ألست أنت إمام هذا المسجد؟ قال له: بلى، قال: حدثت نفسي قبل يومين أن آتيك في المسجد لأتعبد الله، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، هذا الإمام وقع مغشيا عليه، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يرتكبها لو أبقى المبلغ في جيبه، فلما صحا من غفوته قال: يا رب كدت أبيع الإسلام كله بهذا المبلغ اليسير.
لا تعتبوا على الأعداء:
لا تعتبوا على الأعداء، إنهم أعداء، قال الله عنهم: ( هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ)
لا تعتبوا على خططهم، ولا على احتلال بلاد أخرى، ولا على نهب ثرواتها، ولا على قتل أبنائها، هذا شأن الأعداء، ولكن المسلمين اليوم يعدون المليار والخمسمئة مليون، وهم يحتلون أخطر مواقع في الأرض، ومتربعون على ثروات لا يعلمها إلا الله، ومع ذلك هم فقراء، وأمرهم ليس بيدهم، وليست كلمتهم هي العليا، لأنهم تركوا منهج الله عز وجل، وجعلوه وراء ظهرهم، قال تعالى: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً )
لا بد من إسلام مجسد بشكل عملي:
أيها الإخوة الكرام، لا يجدي أن نحضر، وأن نستمع، لا يجدي أن نشيد بهذا الدين العظيم، لا يجدي أن نتحدث عن وحي السماء، الآن يجدي أن نحمل هم الأمة، أن ننهض لحل مشكلاتها، أليس عاراً وشناراً أن نكون على ما نحن عليه؟ ما الذي يقوينا؟ هناك بطالة، وضياع الشباب، الشباب بحاجة إلى عناية بالغة، بحاجة إلى فرص عمل، بحاجة إلى تزويج، بحاجة إلى مساكن.
يا أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية: كنت في أستراليا، وفي أثناء مغادرتي هذا البلد ألقيت كلمة في الإذاعة، قلت فيها أخاطب سبعمئة ألف مسلم، قلت: هذا الأسترالي لا يمكن أن يفتح القرآن الكريم، ولا أن يطلع على تفسير آية، هذا الأسترالي لا يعرف الإسلام إلا منك أيها المسلم، فإن غششت، أو أديت تصريحاً كاذباً، أو أهملت عملك، أو فعلت شيئاً لا يليق بمسلم سقط الإسلام من أعينهم عن طريقك، وأنت أيها المسلم على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قِبَلك.
أقسم لكم بالله ولا أحنث ـ إن شاء الله ـ إن الجاليات الإسلامية في أنحاء الأرض لو أنها طبقت الإسلام لكان موقف الغربيين من الإسلام غير هذا الموقف، حتى هذا الذي رسم نبينا عليه الصلاة والسلام بصورة مشينة لما عوتب، وحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما كنت أظنه هكذا، كنت أظنه كأتباعه، نحن مقصرون تقصيراً شديداً.
التغني بالماضي لا ينفع إلا إذا كان الحاضر امتداده:
أيها الإخوة الكرام، أوقفوا المديح، أرجوكم أوقفوا مديح المسلمين، ابحثوا في أخطائهم، في سلبياتهم، في انتماءاتهم الفردية، في نزاعاتهم، أعداءنا يتعاونون، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، ونحن الذين حولنا يتقاتلون، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، أليس هذا وصمة عار في حق الأمة؟
أيها الإخوة الكرام، آن لنا أن نصحو من غفلتنا، آن لنا أن ندع المديح لأمتنا.
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
* * *
التغني بالآباء والأجداد مفيد إذا كان الحاضر امتدادا للماضي، أما إذا كان هناك انقطاع كبير بين الماضي والحاضر فلا ينفع شيء.
مفهومات حضارية معاصرة من أصل ديننا لا بد منها:
أيها الإخوة الكرام، مفهوم التعاون، مفهوم التآخي، مفهوم الحب، مفهوم لا: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
مفهوم الحفاظ على الوقت، مفهوم إتقان العمل، مفهوم العمل ضمن المتاح، مفهوم ترشيد الطاقة، ترشيد الاستهلاك، هذا مفهوم حضاري، وهذا من أصل الدين،
النبي عليه الصلاة والسلام توضأ من قعب ففضلت فضلة، قال: ردوها في الساقية ينفع الله بها قوماً آخرين.
هذا الترشيد، وهذا الوعي، والانتماء للمجموع، وإدارة الوقت، وإتقان العمل، والعمل على حمل همّ الناس، والتخفيف عنهم، هذا واجب المسلمين اليوم،
وإلا أنا لا أبالغ، وأعلم ـ إن شاء الله ـ أن هناك خططاً لأعدائنا يصعب أن تتصوروها، آخر قرار بإبادتنا، وقبل الإبادة الإفقار، وبعد الإفقار الإضلال، وبعد الإضلال الإفساد، وبعد الإفساد الإذلال، هذه حقائق لا ينبغي أن نكون كالنعامة نغمس رأسنا في الرمال، ولا نعبأ بها، الله عز وجل يقول: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)
الخلاص:
وقد لقي المسلمون ذلك الغي، إياكم أن تيأسوا، الله معنا، ولكن يجب أن نكون معه، إياكم أي تقنطوا الله عز وجل، لا يتخلى عنا، ولكن بشرط أن نصطلح معه، والكرة في ملعبنا، وخلاصنا بيدنا، والله الذي لا إله إلا هو هذه القوى الكبيرة هي قوى كبيرة عند الجهلاء، أما عند الله فلا شيء، كن فيكون، زل فيزول، لذلك، قال تعالى: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ )
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)
الواقع نحن لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين، لأنه: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)
أيها الإخوة، قد يقول أحدكم: ما الخلاص؟ الخلاص: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)
ما كان من أشد صيغ النفي، فمستحيل وألف ألف مستحيل، هذا نفي الشأن لا نفي الحدث، لو قال لك أحدهم: هل أنت جائع؟ تقول له: لا، فقط، لو قال لك ـ لا سمح الله ـ وأنت مؤمن: هل أنت سارق؟ لا تقول: لا، تقول: ما كان لي أن أسرق، يعني مستحيل أن أرضى، أو أن أشجع، أو أن أبارك، أو أن أوافق، أو أن أسكت، أو أن أعمل أو أن.. هذا نفي الشأن، يصل إلى عشرة أفعال، الله عز وجل يقول: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذب المسلمون، وفيهم منهج رسول الله مطبق في حياتهم، بل إن الله عز وجل لم يقبل دعوى محبته إلا بالدليل، قال تعالى: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)
والدليل: اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن الله عز وجل عدّ عدم الاستجابة للنبي رفضاً لمنهج الله، قال تعالى: ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ)
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)
لا بد من تغير جذري لأنماط حياتنا:
أيها الإخوة الكرام، لا بد من تغير جذري لأنماط حياتنا، لا بد من رفض الشخصية السلبية، لا تعمل، ولا تقدم، ولا تهتم، انتماءك فردي، تنتقد، وتنصب نفسها وصية على الآخرين، هذا النموذج مرفوض، بإمكان كل واحد منا أن يساهم في تخفيف هموم الناس بإتقان عمله، بإعطاء سعر معتدل، الموظف بإمكانه أن يخفف متاعب الناس إذا استقبل المراجع بوجه باش، وسهل له مهمته، لا وضع العصي في العجلات كي يبتز ماله، ما مِن إنسان بأي حرفة إلا يقدر أن يخفف متاعب الناس، والله يوفقه، إن كنت موظفاً، إن كنت طبيباً، إن كنت محامياً، إن كنت بائعاً، إن كنت تاجراً، إن كنت مزارعاً، فأنا لا أكلفكم ما لا تطيقون، أنت مكلف أن تكون مؤمناً مستقيماً، إن كنت مستقيماً كانت هناك شريحة من المؤمنين قوية متماسكة البطولة، وألاّ ينفرد الباطل في الساحة.
فيا أيها الإخوة الكرام، أردت من قصة المستشفى كيف كان حضارة وعطاء وعلما وإنسانية وعدالة، ثم كيف أصبح هذه المستشفى الآن مكان للشعوذة والدجل والسحر والخرافات، والأشياء التي لا ترضي لا الفرد ولا المجموع.
كيف كنا، وكيف أصبحنا كيف كانت مجتمعاتنا مجتمعات حضارية، مجتمعات متقدمة، مجتمعات خيرة، مجتمعات إنسانية، يسودها العدل، يسودها الرحمة، وكيف أصبحت مجتمعاتنا بؤرة للبدع والضلالات، والخرافات، فضائيات تعرض الشعوذة والسحر، إذاعات تعرض التنجيم، الحظ هذا الأسبوع، خرافات لا يعلمها إلا الله، جهات تعتني بهذه البرامج، وذات نفقات عالية جداً، وهناك من يصدق.
يا أيها الإخوة الكرام، نحتاج إلى صحوة، ونحتاج إلى ترشيد هذه الصحوة، لا تكن مسلماً سكونياً، لا تكن مسلماً متقوقعاً، لا تنصب نفسك وصياً، وتنتقد كل المسلمين، ولم تفعل شيئاً.
أنا أقول كلمة دائماً: كلكم جميعاً تموتون محبة في إنسان لا يخطئ، فمَن هو؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول لكم: ينبغي أن نموت احتقاراً لإنسان آخر لا يخطئ، من هو؟ الذي لا يعمل، الذي لا يقدم شيئًا، لا يحمل همّاً، هذا الذي لا يعمل لا يخطئ، يجب أن نحتقره، والذي يعمل يخطئ، يجب أن ننبهه بلطف، نقول له: جزاك الله خيراً على هذا العمل، والإنسان القناص ما عنده إيجابيات أبداً، فقد يكون إنسان مقدِّما جبالا من الأعمال، ولخطأ طفيف جداً يقيم عليه الدنيا ولا يقعدها، هذا النموذج يجب أن يحتقر، والقناص هو الذي لا يرى إلا السلبيات.
أيها الإخوة، نحن أحياء، والقلب ينبض، ونستمع للحق، لا نعفى من المسؤولية، الله سيحاسبنا جميعاً، فكر ماذا قدمت للناس، والله بإمكانك أن تقدم كل شيء، إتقان عملك وحده هديةٌ للناس، سعر معتدل يكفي، أما السعر عشرة أضعاف، واستغلال إنسان يبيع مضطراً فنأخذ بضاعته نهباً فلا.
انتشار الظلم حجاب عن النصر:
يا أيها الإخوة، الخطأ في بنيتنا التحتية، والله دعونا من الكبار، ارتاحوا منهم، والله خطأنا في أنفسنا، والله في بيوتات المسلمين ظلم لا يعلمه إلا الله، والله أقول لكم هذه الكلمة، سامحوني: والله لا نشم رائحة النصر إذا كان ظلم داخلي بيننا، إذا كانت بيوتنا فيها ظلم، وظلم في البيع والشراء بالاستغلال، فمادام هناك ظلم فلن نشم رائحة النصر ،
إن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة
مجتمع فيه ظلم في العمل، تسمع قصصا تخرج من جلدك منها، مسلم يصلي يتفنن في ازعاج زوجته، وهو في المسجد في الصف الأول، كيف يتوازن؟ أين الإسلام؟ أين قول النبي عليه الصلاة والسلام : خَيْرُكُمْ خَيرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي
دعوكم من الكبار، أتكلم عن البنية التحتية، عن عامة المسلمين، فما لم يعدلوا، أنا قلت كلمة مرة: الرجل الذي يرى أن له ما ليس لزوجته، هو يتفنن في إذلال أهلها، وإن تكلمت كلمة بحق أمه طلقها، هذا عنصري، هذا ليس مسلماً، الذي يرضى أن تعامل زوجة ابنه في البيت معاملة لا يرضاها لابنته في بيت أهل زوجها عنصري.
قال لي أحدهم: عندي شاب ذكي جدا، طلب مني ساعة قبل الدوام ليغادر حتى يدرس، قال لي: هو يتيم، ما سمحت له، قال: وضعت لابني مليوني ليرة لدروس خاصة حتى يجعله طبيبا، ابنك طبيب بمليونين ليرة، وهذا اليتيم طلب منك ساعة قبل الدوام ليغادر لا تسمح له، والله لا نشم رائحة النصر، فإذا كنت لا تعامل هذا الإنسان كما تعامل ابنك فلست مسلما، إذا ما كنت تعامل زوجة ابنك كما تتمنى أن تعامل ابنتك فلست مسلما.
نحن عندنا ظلم كثير، لا تعتبوا على الله، نحن خرجنا عن منهج الله، نحن إسلامنا إطار، مساجد، تكبير صوت، خطب رنانة، مؤلفات، مؤتمرات، ادخل إلى البيوت لا إسلام فيه أبداً، أنا لا أعمم، التعميم من العمى، فهناك بيوت ملء السمع و البصر، ولكن أتكلم بشكل عام، الخط العريض، لأن الله لا ينصرنا أبداً، كل يوم خبر سيئ، إلى متى؟ لا بد من صلح مع الله.