قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( الدين النصيحة )) . تعريف جامع مانع: الدين النصيحة. إذا كان الدين يقوم على النصيحة، دوائر الباطل تتقلص، ودوائر الحق تتنامى، أما إذا ترك الناس هذه الفريضة السادسة؛ النصيحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، دوائر الباطل تتنامى، ودوائر الحق تتلاشى. فقضية التواصي بالحق، وقضية النصيحة، وقضية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: جزء أساسي من الدين. فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾. بنو إسرائيل، استحقوا الهلاك لذنب واحد قال تعالى: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾. لما أراد الله إهلاك قرية، الملائكة قالوا: (( يا رب، إن فيها رجلاً صالحاً، قال: به فابدؤوا، قالوا: ولم؟ قال: لأنه كان لا يتمعر وجهه إذا رأى منكراً )) . وحينما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ يهلكهم إذا كانوا صالحين، لكن لا يهلكهم إذا كانوا مصلحين، وفرق كبير بين الصالح والمصلح؛ الصالح بذاته، أما المصلح لغيره.
لا بد من أن تنصح، لو رأينا إنسان سب الدين ننهاه، إنسان ضرب طفلاً مثلاً، تدخلنا، أما ليس لنا دخل، ليس لنا دخل، ليس لنا دخل، تجد الشخص يظهر أسوأ ما عنده، والجميع صامتون. إذا ألغي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إذا أُلغيت النصيحة أُلغيت خيرية هذه الأمة، الدليل: قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...﴾ علة هذه الخيرية: ﴿.... تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فإذا كففنا عن أن نأمر بالمعروف، وعن أن ننهى عن المنكر، فقدنا الخيرية، وليس لنا أية ميزة عند الله، ما دام أمر الله هان علينا، هنا على الله. الإسلام منهج كامل. ف (( الدين النصيحة )) . الإنسان يجب أن يخرج من ذاته، انصح الناس بأدب. (( من أمر بمعروف، فليكن أمره بمعروف )) . فهذا الدين نصيحة، دين خروج من الذات، دين خدمة الخلق، وكلما كنت لطيفاً، كلامك مقبول أكثر، واللطف سبيل فعال لوصول النصيحة.
أحد الصحابة اسمه جرير هذا الرجل الصحابي الجليل أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمئة درهم، وجاء بها وبصاحبها لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خيرٌ من ثلاثمئة، أتبيعه بأربعمئة. قال: نعم.. ممتاز.. ذلك إليك يا عبد الله. فقال: فرسك خيرٌ من ذلك أتبيعه بخمسمئة قال: نعم، فلم يزل يزيده مئة فمئة وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خيرٌ إلى أن بلغت ثمانمئة فاشتراه بها، فقيل له: هو باعها بثلاثمئة، فقال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح، أي أن تبخس الناس أشياءهم أنت غششتهم. أي إذا جاءك مسلم أو غير مسلم إلى محلك التجاري، وأراد أن يشتري منك حاجة، وأنت من أجل أن تبيع هذه الحاجة الكاسدة أوهمته أنها جيدة، وأثنيت عليها بما لا تستحق، حتى أقنعته بشرائها، إنك لم تنصحه، إذاً ما قيمة دينك؟ ما قيمة صلاتك؟ هذا الذي وقع في مخالفةٍ شرعية، قالت له السيدة عائشة: أبلغوا فلاناً أنه أحبط عمله. هذا هو الدين، الدين هو النصيحة.