بحث

السيدة أم كلثوم حفيدة الرسول 2

السيدة أم كلثوم حفيدة الرسول 2

بسم الله الرحمن الرحيم

      أيها الإخوة الكرام، لا زلنا مع سير الصحابيات الجليلات رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولا زلنا مع أهل بيت النبيِّ، والحديث في الدرس الماضي كان عن السيدة أمِّ كلثوم ، وزوجة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونتابع في هذا الدرس قصة هذه الصحابية الجليلة.  

حياتها مع رجل لا مثيل له في التاريخ:   

      لقد قضت أمُّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب زوجةُ عمر بن الخطاب، وأمُّها السيدة فاطمة الزهراء، قضت أغلى حياته، وأحلى أيامها تحت ظلِّ رجل لم يعهد التاريخُ له مثيلا،   

      وقد حدَّثني أخٌ كريم قال: في واشنطن أكبر مكتبة في العالَم، لو صففنا رفوفها لأحاطت بالأرض، وفي فناء هذه المكتبة قُبَّة عليها حضارات الإنسانية، و جزءٌ كبير من حضارات الإنسانية حضارةُ الإسلام، وسيدنا عمر يمثِّل كهفَ العدالة، أي هذا الصحابي له سمعةٌ على مستوى العالَم، لم يعهد التاريخ له مثيلا، لا زوجا، و لا أبًا، ولا قائدا، ولا راعيا للناس،   

      كيف أنه وُضِع له مرة سنامُ ناقة فبكى، وقال:   

       بئس الخليفةُ أنا إذا أكلتُ أطيبَها، وأكل الناسُ كراديسها.  

      وحينما قرقر بطنُه قال:   

       قرقِرْ أيها البطنُ، أو لا تقرقر، فو اللهِ لن تذوق اللحمَ حتى يشبع منه صبيةُ المسلمين  

      وحينما قال:   

       واللهِ لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق لحاسبني اللهُ عنها لِمَ لَم تصلح لها الطريقَ يا عمر.  

      وحينما رأى إبلا سمينةً فإذا هي لابنه عبد الله، قال:  

       ائتوني به، فلما جاءوا به قال: ما هذه؟   

       قال: إبلٌ اشتريتُها بمالي، وبعثتُ بها إلى المرعى لتسمن فماذا فعلتُ؟   

       قال: و يقول الناسُ: اِرعَوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، اُسقوا هذه الإبلَ فهي لابن أمير المؤمنين، و هكذا تسمن إبلُك يا ابن أمير المؤمنين .  

      أعرفتَ لماذا هي سمينة؟ لأنك ابني،   

       بِع هذه الإبل، وخذْ رأسَ مالك، ورُدَّ الباقي لبيت مال المسلمين.  

      هو الذي قال:  

       كان إذا أراد إنفاذَ أمرٍ جمع أهلَه وخاصَّته، وقال: إنني قد أمرتُ الناسَ بكذا ونهيتهم عن كذا، والناسُ كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايمُ اللهِ لا أوتيَنَّ بواحد وقع فيما نهيتُ الناسَ عنه إلا ضاعفتُ له العقوبةَ لمكانه مني.  

      وهو الذي قال وهو يمتحن أحدَ الولاة:   

       ماذا تفعل إذا جاءك الناسُ بسارق أو ناهب؟   

       قال: أقطع يدَه،   

       قال: فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدَك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسُدَّ جوعتَهم، ونستر عورتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإن وفَّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرَها، إن هذه الأيدي خُلقت لتعمل فإن لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.  

      عملاقُ الإسلام، قال مرة:  

       أيها الناس خمسُ خصال خذوني بهن: لكم عليَّ الحقُّ ألاّ آخذ من أموالكم شيئا إلا بحقِّه، ولا أنفق من هذه الأموال إلا بحقه، و لكم عليَّ أن أزيد عطاياكم إن شاء اللهُ تعالى، و لكم عليَّ ألّا أجمِّركم في البُعوث، فإذا غِبتم في البعوث فأنا أبُ العيال حتى ترجعوا.  

      الحديث عنه يطول، وقد قال عنه عليه الصلاة و السلام: لو كان نبي بعدي لكان عمر  

      وأروعُ ما عنده الورع، استأذن السيدةَ عائشة في حياته أن يُدفَن إلى جنب رسول الله، و قبل أن يموت وصَّى ابنَه:  

       مُرَّ بجنازتي أمام بيت السيدة عائشة، واستأذنها ثانية، فلعلها أذِنت لي، وأنا خليفةُ لمسلمين، أريد أن تأذن لي، وأنا قد فارقتُ الحياةَ   

      طلب أن يستأذنها بعد وفاته، لئلا يكون منصبُه ضاغطا عليها   

       إن أذنت لك، وأنا في النعش فادفِنِّي إلى جنب رسول الله  

       ورعٌ ما بعده ورع، ورحمةٌ ما بعدها رحمة،   

       سيدنا الصديق استخلفه، عوتِب: استخلفتَ علينا هذا الرجلَ الشديد،   

       فقال سيدنا الصدِّيقُ: أتخوِّفونني بالله، و اللهِ إذا سألني اللهُ يوما القيامة لِم استخلفتُ عليهم عمرَ؟ لأقولنَّ: يا ربُّ استخلفتُ عليهم أرحمهم   

      بشهادة الصدِّيق سيدنا عمر أرحمُ الخلق بالخلق بعد رسول الله، ثم قال:   

       هذا علمي به، فإن بدَّل و غيَّر فلا علمَ بي بالغيب  

      واللهِ أيها الإخوة حينما يُذكر الصحابةُ الكرام تتعطَّر المجالسُ لكمالهم، ولأدبهم، ولتواضعهم، ولعطائهم، ولبذلهم، ولسخائهم، ولثقتهم بالله، وبتحمُّلهم، إنه عملاق الإسلام، و فاروق الإيمان الذي أعزَّ اللهُ به تعالى دينَه، ورسولَه أولاً، ثم أعزَّ الله به الأمةَ ثانيا.  

      هذه أمُّ كلثوم الزوجة الطيِّبة العاقلة الرشيدة شهدت حياةَ رجل من عظماء الإسلام خاصةً، و من كرام البشرية ثانيا،   

      وقد رسم هذا الخليفةُ العظيمُ للدنيا قاطبةً صورةَ الحق، والعدل، والإحسان، له كلمة بعد ألف وأربعمائة عام عُدَّت من حقوق الإنسان:  متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا  

       له إدراك عميق جدا، وسبَّاق، والآن المُلاحظ من هو القويُّ في العالم؟ المنتِج، من هو الضعيف؟ المستهلِك، ويل لأمة تأكل ما لا تزرع، و تلبس ما لا تنسج  

      فقال هذا الخليفةُ العملاق:  كيف بكم إذا أصبحتم عبيدا عندهم؟  

      والشيء الواضح تماما أن المنتج هو القوي، بل إن هؤلاء الأقوياء لهم مقولة مضحكة، مضحكة في ميزان القيم، أما هي فواقعة: مادمتَ قويَّا فأنت على حق، حقُّهم القوة، هذه شريعة الغاب، شريعة الغاب القويُّ هو المنتصِر، ماذا قال سيدنا الصدِّيق؟       قال:  القويُّ فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحقَّ منه، والضعيف منكم قويٌّ عندي حتى آخذ الحقَّ له  

      هذا الفرق الواضح بين حضارة المسلمين و حضارة الشاردين، إن صحَّ التعبيرُ ن حضارة المسلمين القوة لصاحب الحق، حضارة الشاردين صاحب الحق هو القويُّ، القوي صاحب الحق، أما عند المسلمين صاحب الحق هو القوي، أبدا.  

      أهلُ سمرقند بلغهم أن فتح بلادهم لم يكن شرعيا، تسلَّل وفدٌ منهم خفيةً عن حاكم سمرقند المسلم إلى باب الخليفة عمر بن عبد العزيز، وعرضوا عليه مشكلتهم،   

      قال: ورقة صغيرة، قصاصة كتب عليها:  

       إلى فلان اخرُج من سمرقند، و اعرض عليهم الإسلامَ أوَّلا، فإن أبوا فأعرض عليهم الجزية، فإن أبوا فقاتلهم   

       ظنوا أنه يضحك عليهم بهذه القصاصة، ورقة صغيرة، جيش دخل، وفتح، واستقر، وتمكَّن، وحكم مدينة عظمى محتلة يخرج منها بورقة! فلما ذهبوا إليه، وأعطوه هذه القصاصة قبَّلها،   

       وقال: سمعا و طاعة سأخرج،   

      تعجبوا من ذلك وقالوا: ابقوا أعلموا إسلامهم،   

      التاريخ الإسلامي شيء لا يُصدَّق، اليوم أخٌ كريم قال لي: يقرأ عن تاريخ الصحابة قال لي: شيء لا يُصدَّق، كان تعليقي أن قلت: و لكن الله هو هوَ، إلههم إلهنا، و سننه قائمة، أنت تحرَّك وفقها فقط، الله عزوجل هو هوَ، و ما تغيَّر، نحن وحدنا تغيِّرنا.  

      الآن تصوَّروا، وإن كان شيئا يبدو لكم مضحِكا، تصوَّر دولةً ضعيفة جدا متخلِّفة، بل لا توجد دولة، قبائل رُحَّل في صحراء ينتشرون على أمريكا بقوتها النووية، والصاروخية، والأقمار الصناعية، والحبة الجرثومية، والقنابل الذكية، وقنابل الشبح، والبوارج في البحار، معقول هؤلاء البدو الرحل الذين في طرف الصحراء يصبحون أقوى أمة في العالَم،   

       إذا كان اللهُ معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك  

      معقول النبي عليه الصلاة والسلام مُلاحق مهدورٌ دمُه مئة ناقة لمن يأتي به حيًّا أو ميِّتا، يتبعه سراقة ليأخذ المائة ناقة، أراد أن يقتله ليأخذ المائة ناقة، غاصت قدما فرسه في الرمل، أول مرة، وثاني مرة، فقال له:   

       يا سراقة كيف بك إذا لبستَ سواري كسرى؟   

      واللهِ شيءٌ لا يُصدَّق، إنسان ملاحق، ومهدور دمُه، مائة ناقة لمن يأتي به حيا أو ميتا يعِد سراقة بسواري كسرى، بدوي، أنت ستكون في البيت الأبيض، نفس المسافة، لا تضحكوا، المسافة نفسها بين قبائل في الصحراء: وبالتعبير المعاصر، متخلفة فقيرة، أرضها قاحلة، لا نبات فيها، ماؤها قليل، دولتان عظيمتان متربِّعتان على مجد الدنيا وكل شيء ثمين عندهم، تضمحلاَن في ربع قرن، ويصبح المسلمون سادة الدنيا، كانوا رعاةَ الغنم فصاروا رعاة الأمم.  

السيدة أم كلثوم ووفاة زوجها سيدنا عمر بن الخطاب:  

      فهذه الزوجة الطيِّبة أمُّ كلثوم شهدت حياة هذا العملاق الكبير، لكن هذه السعادة لم تدُم إلى أم كلثوم حيث طالت يدُ الإثم الإجرام حياةَ عمر فطعنته طعنات قاتلة، هذا الذي طعنه بعد أن طُعن سيدنا عمر، وهو يصلِّي، لما أفاق من غيبوبته، الواحد طُعِن يسأل عن ماذا؟ يا ترى متُّ هل هناك أمل للعيش، أولاده، قال: هل صلى المسلمون الفجر؟ الشيء الذي يقلقه صلاة الفجر.   

      قالت أمُّ كلثوم حينما جاؤوا به إليها: واعمراه، وكان معها نسوةٌ فبكين معها، و ارتجَّ البيتُ بالبكاء،  

      الآن هذه وقائع في التاريخ، دقِّقوا كم نحن بعيدون عن هذه الوقائع   

      قال ابْنَ عَبَّاسٍ  

       وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ قَالَ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ   

       وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا  

      هذا كلام سيدنا علي،   

      غسَّله ابنُه عبدُ الله، ونزل في قبره ابنه عبد الله، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وقال ابنُ سعد: طُعِن عمرُ يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة، و دُفن يوم الأحد و كان خلافتُه عشرَ سنين، و دُفن مع النبي صلى الله عليه و سلم،   

      وإذا ذهب الرجلُ إلى المدينة المنوَّرة يزور رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيقف أمام قبر النبي، ويسلِّم على النبي، ويدعو له الدعاءَ المأثور، ثم ينتقل إلى قبر سيدنا الصدِّيق، ثم ينتقل إلى قبر سيدنا عمر، عملاق الإسلام.  

زواجها من عون بن جعفر واستشهاده:  

      بقيت أمُّ كلثوم بعد وفاة زوجها عمر حزينة عليه حزنا شديدا لا يغيب عن فكرها، تذكره بفضائله، وبإحسانه، وهيبته، وبشدَّته، وليونته، وبعدله، وإنصافه، وكان ابنها زيد يجلس إليها يهدِّئ من روعها، ويخفَّف من آلامها، ولكنه أحيانا يبكي معها، فتنهمر دموعُه لوعةً على فراق أبيه، عطفا على أمه.   

      الآن دقِّقوا، وما أن انقضت أيامُ عدَّتها من زوجها الراحل حتى يفاتحها أبوها عليُّ بن أبي طالب بالزواج، فيسرع أخواها الحسن والحسين يحذِرانها من أن تجعل أمرها بيد أبيها لئلا يزوِّجها من أقاربه الأيامى، خشية عليها أن تكون زوجة لرجل دون عمر، فإنها واللهِ لن تجد في الرجال أمثالَ عمر،   

      فقد ذكر ابنُ الأثير عن الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب قال:  لما تأيَّمتْ أمُّ كلثوم   

      الأيامى جمع أيِّم، و الأيم من لا زوجةَ له، أو من لا زوج لها، أي طرف من دون طرف آخر، بكرا كانت أم ثيِّبا.  

      وقد ذكر ابن الأثير عن الحسن و الحسين ابني علي بن أبي طالب قال:   

       لما تأيَّمتْ أمُّ كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنهم دخل عليها الحسن والحسين....  

       إنكِ ممن عرفتِ سيدةُ نساء المسلمين، وبنت سيدتهن، بنت السيدة فاطمة، وإنكِ واللهِ إن أمكنتِ عليًّا من تزويجك ليُنكِحنَّكِ بعضَ أيتامه،   

       فما قاما حتى طلع عليُّ بن أبي طالب يتَّكل على عصاه فجلس فحمد اللهَ، وأثنى عليه، وذكر منزلتهم من رسول الله - أي الحسن و الحسين - صلى الله عليه و سلم،   

       وقال: قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة، وأثرتكم على سائر ولدي، لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قرابتكم منه،   

       فقالوا: صدقتَ - رحمك الله، وجزاك الله عنا خيرا –   

       قال: أيْ بنيَّة إن الله عزوجل قد جعل أمركِ بيدكِ،  

      السيد أمرها بيدها،   

       إن الله عزوجل قد جعل أمركِ بيدكِ، فأنا أحبُّ ان تجعليه بيدي،   

       فقالت: أيْ أبتِ إني امرأةٌ أرغب فيما يرغب فيه النساءُ، و أحب أن أصيب مما تصيب النساءُ منه، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي،   

      أي دعني أنا أختار، هذا شيء طبيعي جدا،   

       فقال: لا واللهِ يا بنيَّتي، ما هذا من رأيك،   

      هذا ليس منك، هذه تعليمة تغذية، أحيانا تعرف شخصا معرفة جيدة، يفاجئك بأفكار جديدة، هذه ليس منك، هذه جاءتك تغذية، من أطراف، فشعر هذا الصحابي الجليل سيدنا علي أن هذه الأفكار ليست أفكار أم كلثوم،   

       واللهِ يا بنيتي ما هو إلا رأيُ هذين - الحسن والحسين –   

      هذه ليست منكِ هذه من الأسرة شيء طبيعي، أحيانا الابن له رأي، والأب له رأي، والزوجة لها رأي، هناك حبٌّ، ومودَّة، وثقة، لكن ينشأ أحيانا اختلاف وجهات نظر،   

       ثم قام فقال: واللهِ لا أكلِّم رجلا منهما أو تفعلين،   

      إن لم تسلِّمي أمركِ إليَّ لا أكلِّم واحدا من هؤلاء، الحسن و الحسين،   

       فأخذا بثيابه فقالا: اجلِس يا أبي، فواللهِ ما على هجرانك من صبر،   

      لا نتحمَّل إن قاطعتنا، هل رأيتَ الودَّ، هكذا ينبغي أن تكون الأسرةُ، إذا أعرض الأب عن ابنه فهذا أكبر عقاب، أما: لا يتكلم معي، وأنا لا أريده، و يقول لأمه: لا أريده، و لا يكلِّمني، معنى ذلك أن هناك ضعف تربية، أما إعراض الأب عن أولاده فهذا سلاح خطير جدا، إذا كان هناك إحسان، وعطاء، وهناك كمال، الإعراض أكبر عقاب،   

       قال: واللهِ لا أكلم رجلا منهما أو تفعلين، فأخذا بثيابه   

       فقالا: اجلس يا أبي فو اللهِ ما على هجرانك من صبر، اجعلي أمركِ بيده،   

      غيَّروا، و قلبوا الموجةَ اجعلي أمرك بيده   

       فقالت: قد فعلتُ، كما تشاء،   

       قال: فإني قد زوَّجتكِ من عون بن جعفر   

      ابن سيدنا جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين أخو سيدنا علي، وهو الذي أمسك الراية، وكان القائدَ الثاني، أمسك الراية بيمينه فقُطعت يمينُه، فأمسكها بشماله فقُطِعت شمالُه، فأمسكها بعضديه، وُجِد في جسمه أكثر من تسعين طعنة، وبكى النبيُّ بكاءً شديدا حينما بلغ نباُ استشهاده، و سمَّاه جعفر ذا الجناحين، هذا ابنُه عونُ بن جعفر،   

       قال: فإني قد زوجتكِ من عون بن جعفر، وإنه لغلام   

      أي فتى في ريعان فتوَّته –   

       وبعث لها بأربعة آلاف درهم، وأدخلها عليه،   

      ولقد كانت أمنيةُ علي بن أبي طالب أن يزوِّج بناته من أولاد أخيه جعفر بن أبي طالب، من قبل أن يزوِّج أمَّ كلثوم لعمر بن الخطَّاب، و هذا ما قاله حين خطبها عمرُ:   

       إني حبستُ بناتي على بني جعفر،   

      إكراما لوالدهم الشهيد، رأيتم الشهيد إكراما لوالدهم الشهيد حبس عليُّ بن أبي طالب بناته على أولاد أخيه جعفر.  

      الآن تحقَّقت أمنيةُ علي بن أبي طالب، و الآن أمُّ كلثوم بعد سيدنا عمر أصبحت زوجةً لابن سيدنا جعفر اسمُه عون،  كان لآل جعفر عند الإمام علي مكانة عظيمة، فأولادُ جعفر هو أولاد أخيه، و كانوا قد دخلوا في رعايته بعد استشهاد أبيهم، النبيُّ قال:  العم والد  

      أعرف رجلا في أحد أحياء دمشق تُوُفِّيَ أخوه ترك له خمس بناتٍ، وهو عنده خمسُ بنات، العمُّ زوَّج بنات أخيه كما زوَّج بناته بالتمام والكمال، الترتيبات نفسها، والإكرام نفسه، الحاجات نفسها، هذا الأصل،  العم والد  

      العم في الإسلام والد تماما، يُعامل أولادَ أخيه كما لو أنهم أبناؤه، حتى في الميراث أعطِي ميراث الأب المتوفَّى في حياة أبيه إلى العم، ليكون العمُّ راعيا لأولاد أخيه.  

      و لحكم هذه القرابة بين أبناء جعفر وعمِّهم علي كانت تفضيل تزويج أمِّ كلثوم لأكبر أولاد جعفر، كأحسن صنيع يتَّخذ العمُّ تُجاه أبناء أخيه الأيامى عنده،   

      فزوَّجها أبوها بعون بن جعفر فأحبَّته، ومات عنها، أي مات في حياته، وعونُ هذا ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطَّلب القرشي الهاشمي، والدُه جعفر ذو الجناحين، وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، أمُّه أم أخويه عبد الله و محمد، أسماء بنت عُميس الخطمية، أسلمت قديما، وهاجرت الهجرتين، و كانت مصاحبةً لفاطمة حتى وفاتها، استشهد عونُ بن جعفر بتُستُر، ولا عقِب له بخراسان، مدينة في بلاد فارس، كان في جهاد فاستُشهد هناك،   

زواجها من محمد بن جعفر واستشهاده:  

      فلما انقضت عدَّتُها أبقت أمرها بيد أبيها، فزوَّجها أبوها رضي الله عنه بمحمد بن جعفر الولد الثاني، فمات، ومحمد هذا هو ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن ذي الجناحين، القرشي الهاشمي، وهو ابن أخ علي بن أبي طالب، أُمُّه أسماءُ بنت عُمير، وُلد على عهد رسول الله، وكانت ولادتُه بأرض الحبشة، في أثناء الهجرة الأولى، وقدم المدينة طفلا، ولما جاء نعيُ جعفر إلى رسول الله جاء لبيت جعفر، وقال:   

       أخرجوا إليَّ أولادَ أخي، فأخرج إليه عبد الله و محمد و عون، وضعهم النبيُّ على فخذه و دعا لهم و قال: أنا وليُّهم في الدنيا و الآخرة، و قال صلى الله عليه وسلم: أما محمد فيشبه عمَّنا أبا طالب  

       وقيل: إنه استشهد بتستر أيضا، ولم يكن له ولدٌ، أول زوج كان شهيدا، و الثاني شهيد.  

زواجها من عبد الله بن جعفر:  

      فلما انقضت عدَّتها من محمد بن جعفر، أول واحد عونٌ، والثاني محمد أبقت أمرها بيد أبيها، علي بن أبي طالب، ثم زوَّجها أبوها من عبد الله بن جعفر الثالث، فماتت عنده،   

      وعبد الله هذا هو ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، له صحبة مع رسول الله، وأمُّه أسماء بنت عميس، ولد بأرض الحبشة، وكان أبواه رضي الله عنهما مهاجرين إليها، ولد هناك، وهو أولُ مولود في الإسلام بأرض الحبشة، أول من وُلد في الإسلام بأرض الحبشة هو هذا، وقدم مع أبيه إلى المدينة، وتُوفِّي النبيُّ عليه الصلاة و السلام ولعبد الله عشرُ سنين.  

      قال عبد الله بن جعفر:   

       أردفني النبيُّ صلى الله عليه و سلم وراءه ذات يوم فأسرَّ إليَّ حديثا لأحدَّث به، لا أحدَّث به أحدا من الناس  

      كان عبدُ الله كريما جوادا حليما يُسمَّى بحرَ الجود، روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أحاديث كثيرة، قال الإمام ابن حجر: أخبارُه في الكرَم شهيرة، وكان يقال له: قطبُ السخاء   

وفاتها:  

      بعد أن أقامت أمُّ كلثوم الطاهرة الزكية عند الزوج الثالث من أبناء جعفر بن أبي طالب، إذًا أول زوج سيدنا عمر، ثم عون، ثم محمد، ثم عبد الله، ألَّم بها المرض، حتى توفَّاها الله تعالى راضيةً مرضيةً، ولم تكن قد ولدت من أزواجها الثلاثة أيَّ ولد، أولادها فقط من سيدنا عمر، و قد صادف يومُ وفاتها يومَ وفاة ابنها زيد بن عمر بن الخطاب، الذي توُفي شابا، ولم يعقب، وصلى عليه وعلى أمه عبدُ الله بن عمر، ودفنهما في المدينة، وذلك في أوائل دولة معاوية، وذلك في حدود سنة خمسين للهجرة،  رحلت أمُّ كلثوم، وقد عاشت أياما مليئة بالأحداث، سواء التي شهدتها أيامَ خلافة زوجها عمر بن الخطاب، أو التي شهدتها من بعده، وهي زوجة آل جعفر، وعلى الأخص أيام خلافة أبيها علي بن أبي طالب.  

      أيها الإخوة، هذه نبذة عن حياة هذه الصحابية الجليلة أم كلثوم بينت علي بن أبي طالب، أمها فاطمة، زوَّجها أبوها من محبَّته وتقديره لسيدنا عمر، ثم زوَّجها لأولاد جعفر، وهكذا كان أصحابُ النبي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، على حبٍّ شديد و على وفاء و إخلاص.  



المصدر: السيرة- سيرة الصحابيات الجليلات - أهل بيت النبي الكريم - الدرس ( 2 - 4 ) : السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ( 2 - 2 ) ، قصة زواجها من عون بن جعفر .