أيها الإخوة الكرام ، يعاني المجتمع الإسلامي من مشكلات لا تعد ولا تحصى ، ولهذه المشكلات تحليلات أرضية لا تعد ولا تحصى ، فما تحليل السماء لها ؟
التحليل الأول : قانون العداوة والبغضاء :
أيها الإخوة الكرام ، آية واحدة أرددها كثيراً تُفسر بها العداوات بين شخصين ، وبين صديقين ، وبين جارين، وبين زميلين ، وبين زوجين ، وبين شريكين ، وبين أسرتين ، وبين عائلتين ، وبين قبيلتين ، وبين عشيرتين، وبين شعبين ، وبين أمتين ، بل و بين حضارتين
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)
للعداوة و البغضاء قانون سمي في القرآن الكريم سننًا ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
والآن دققوا ، حينما لا يكون المسلم مسلماً ، يكون مسلماً انتماء تاريخياً ، بحكم أن أمه وأباه مسلمان ، حينما لا يكون المسلم مسلماً تنتقل اهتماماته من الآخرة إلى الدنيا ، والدنيا محدودة ، وهي موطن صراع وتنافس وتخاصم ، بل إن الحروب كلها التي تجري في العصر الحديث هي في الحقيقة تنافس على ثروات الأرض ، ولأول مرة من أربع سنوات يأتي التصريح في بلد قوي أن بقاءنا في هذا البلد من أجل النفط ، هذا واضح ، فحينما لا يكون المسلم مسلماً تنتقل اهتماماته من الآخرة إلى الدنيا ، فإذا انتقلت إلى الدنيا فالدنيا محدودة ، وهي موقع صراع وتنافس و خصومة ، و عداوة وبغضاء ، واقتتال و مذابح وسفك دماء .
عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : اسْتَنْصِتِ النَّاسَ ، فَقَالَ : لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ
وصف عليه الصلاة والسلام الخصومة بين المسلمين كفراً .
التحليل الثاني : قانون التناقض بين الطبع والتكليف :
أيها الإخوة الكرام ، أنت كإنسان ركب فيك طبع ، و ذكرت هذا مراراً ، وأنت كإنسان معك تكليف ، وبالتحليل الدقيق نجد أنّ هناك تناقضاً بين الطبع والتكليف ، فالطبع يدعوك إلى أخذ المال ، والتكليف يدعوك إلى إنفاقه ، والطبع يأمرك أن تبقى نائماً في الفراش الوثير في أيام الشتاء الباردة ، والتكليف يأمرك أن تستيقظ لتصلي الفجر، والطبع أن تملأ عينيك من محاسن النساء فتطلق البصر، و التكليف يأمرك أن تغض البصر ، والطبع يأمرك أن تفعل ما تشتهي ، والتكليف أعد لك خطة و حيزاً ينبغي ألا تتجاوزه ، ودليل أن هناك تناقضاً بين الطبع والتكليف
قول الله عز وجل في القرآن الكريم : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
ثمن الجنة ذلك التناقض بين الطبع والتكليف ، وهذا تمهيد ، والطبع فردي ، والتكليف تعاوني ، فأنت بقدر إيمانك ، و بقدر إخلاصك ، و بقدر استقامتك ، و بقدر قربك من الله تتعاون مع إخوتك المؤمنين ، و بقدر ضعف إيمانك ، و بقدر ضعف استقامتك، و بقدر بعدك عن الله تتنافس معهم ،
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)
أنت أنتَ يا محمد ، أنت سيد الخلق ، و حبيب الحق ، أنت الذي يوحى إليك ، أنت الذي عصمك الله ، أنت أكمل الخلق ، أنت أنتَ:
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
أي : اتصال ، رحمة ، لين ، التفاف الناس ، قطيعة مع الله ، قلب قاس كالصخر ، غلظة و فظاظة ، انفضاض الناس عنك .
التحليل الثالث : قانون الأخوّة في الله :
أيها الإخوة الكرام ، نعيش في هذه الأيام تحديات تواجه مجتمع المسلمين ، أبرز هذه التحديات العلاقة المادية بين الناس ، يبيع الرجل دينه وآخرته بعرض من الدنيا قليل ، لذلك نحن أيها الإخوة في أمسّ الحاجة إلى فقه الأخوّة في الله ، كيف نتعامل مع بعضنا ؟ كيف يفهم بعضنا بعضاً ؟ كيف يعذر بعضنا بعضاً ؟ كيف يحب بعضنا بعضاً ؟ كيف نختلف مع بعضنا بعضاً ؟ تحت مظلة الحب في الله .
أيها الإخوة الكرام ، الأخوّة في الله من أوثق عرى الإيمان ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ )) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )).
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ )) .
بل إن الإخوة الإيمانية من أعظم النعم التي يسبغها الله على
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ)
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )
أيها الإخوة الكرام ، المحبة بين المؤمنين سبيل إلى ظل عرش الله يوم القيامة ، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه .
بل إن حقيقة الإيمان تعني الأخوّة الإيمانية ، والدليل قطعي ،
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين ، ( إنما ) أداة قصر وحصر
فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين .
أيها الإخوة الكرام ، لقد وقعت المعجزة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يقول الله عز وجل في القرآن الكريم : (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )
علامة إيماننا جميعاً أن يحب بعضنا بعضاً .
التحليل الرابع : قانون التوحدُّ وعدم الافتراق :
أيها الإخوة الكرام ، ولكن لابد من شيء يوحدنا
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا )
فإن لم يكن هذا الحبل فالوحدة مستحيلة
إن لم يكن هذا الحبل ، ونحن قد اعتصمنا به فلن تكون وحدة بين الناس المؤمنين .
شيء آخر : الوحدة قوة ، لكن الصفر مع الصفر مع الصفر المجموع صفر ، أما الأرقام إذا جمعت فتزداد كمًّا ، وتزداد قوة ، و تزداد تأثيراً .
أيها الإخوة الكرام ، أول شيء أخوك المسلم له حق عليك شئت أم أبيت ، أحببت أم غضبت ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ : قِيلَ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ))
و في حديث آخر : (( أربع من حق المسلمين عليك : أن تعين محسنهم ، وأن تستغفر لمذنبهم ، وأن تدعو لغائبهم ، وأن تجب تائبهم )) .