بحث

مفهوم الجماعة وأهدافها في الإسلام

مفهوم الجماعة وأهدافها في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     لو تتبعت القرآن الكريم، والسنة الشريفة المطهرة، لوجدت أن الله يدفعنا إلى أن نكون مع الجماعة، الجماعة الملتزمة، الجامعة المؤمنة، الجماعة الطاهرة. 

     الجماعة رحمة والفرقة عذاب:

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد))  وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: ((فإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية)) .

     مع الجماعة تسير إلى الله سيراً حثيثاً :

     قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، كأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن تستطيعوا أن تتقوا ربكم إلا إذا كنتم مع الجماعة، أي إلا إذا كنتم في أجواء الإيمان، في أجواء الطهر، في أجواء البطولة، في أجواء الورع، في أجواء الحب لله عز وجل، في أجواء الصدق، في أجواء الأمانة، في أجواء العفة، الإنسان ابن البيئة التي يعيش فيها. بشكل أو بآخر اجلس مع التجار، واستمع إلى حديثهم، وإلى دخولهم، وإلى أرصدتهم، وإلى سفرهم، تشتهي أن تكون واحداً منهم، لا سمح الله ولا قدر لو جلست مع أهل الفجور والعصيان، واستمعت إليهم، ورأيت أنهم غارقون باللذائذ، ربما اشتهيت أن تكون معهم، أكيد. لذلك وطن نفسك لن تستطيع أن تسير إلى الله سيراً حثيثاً إلا إذا كنت مع الجماعة. ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾. إخوة كُثر يشتكون إليّ هذه الظاهرة أنه في ساعة من ساعات اتصاله بالله يتألق، قال لي: ثم أنتكس، قلت له: هل مع النكسة معصية ؟ قال لي: نعم ، أين وقعت هذه المعصية ؟ قال لي: أجلس مع أناس لا عهد لهم، ولا استقامة لهم، ولا عقيدة لهم، ولا ورع عندهم، هذا السبب. لذلك لا بد من حمية إيمانية. ((لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) ولكن لا تتهم أحداً، لا تنتقد أحداً، لا تكفر أحد، دعك والناس، اعرض الإسلام عرضاً واضحاً، مؤيداً بالأدلة، وطبقه فقط، الناس بفطرتهم، بعفويتهم، يقبلون عليك، فقط لا انتقدت، ولا اتهمت، ولا تراشقت التهم مع أنداك، هذا الأسلوب الآن الأمثل، التدخل الإيجابي في الدعوة، اعرض الإسلام بشكل منطقي، حضاري، واضح، مع الأدلة وطبقه، وانتهى الأمر، لست مضطراً أن تدخل بمهاترات، ولا أن تنشئ فتناً، ولا أن تستعدي الناس، والناس ليسوا أغبياء.  

     مع الجماعة تعيش بأجواء إيمانية: 

    أنت حينما تكون مع الجماعة تعيش بأجواء إيمانية، تعيش مع الحق تعيش مع النص الصحيح. يعني إذا في عدد كبير جداً من الأحاديث الصحيحة، في كم كبير جداً جداً من الأحاديث الموضوعة، من يعلمك أن هذا الحديث موضوع، وهذا صحيح؟ العلماء، أما لوحدك تقرأ مقالة بمجلة، تقرأ كتاب كله ضلالات، ينطوي عليك ما فيه، لو أن الأمر ممكن أن نستغني عن المدرس لوفرت الدولة مليارات ميزانية التربية والتعليم، لو كان الموضوع كتاب فقط، نوزع كتباً، ونجري امتحانات، فقط، العلم لا يؤخذ إلا من معلم وفي الدين لا يؤخذ إلا من عالم تقي ورع، متحقق، متحقق صفة عقلية، ورع صفة سلوكية، في شبهات، في ضلالات، في مداخلات، في تناقضات. مثلا: اليوم جاءني سؤال، أنه أنت قلت المرأة كالرجل، مساوية له في التشريف والتكليف، والمسؤولية، ولها ما له، وعليها ما عليه، ويقول الله عز وجل: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾ الآية بمعنى، وهذه بمعنى، المرأة كالرجل تماماً في التكليف، مكلفة أن تؤمن بأركان الإيمان، مكلفة أن تطبق أركان الإسلام، مكلفة أن تؤدي طاعة الواحد الديان، مشرفة عند الله وعند الخلق، ومسؤولة عند الله وعند الخلق، تماماً، لكن بنية المرأة، هذا موضوع ثانٍ الآن، بنية المرأة، طريقة تفكيرها، بنيتها النفسية، والاجتماعية، والجسمية شيء، وخصائص الرجل بفكره، ونفسه، وعلاقاته الاجتماعية، وجسمه شيء آخر، فهما متكاملان، وليسا متشابهين. أنت بحاجة إلى مؤمنين تعيش معهم، بحاجة إلى أناس صادقين أناس ورعين، أناس أمناء، أناس أعفة، إنسان ما يغشك، ما يحتال عليك، ما يكذب عليك أنت بحاجة إلى أخ مؤمن في الله ترتاح له، يعينك، ينصحك، يتفقدك، يكون واقفاً معك. ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)) . ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ أمر إلهي، النبي موجه، يريدون وجهه ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ .

     مع الجماعة أنت قوي: 

     أنت قوي بأخيك، الدليل: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾ لماذا كانوا أشداء؟ لأنهم معه، لماذا كان قوياً؟ لأنه معهم، رحماء بينهم، ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾. أنت حينما تكون مع المؤمنين جوك جو إيماني، الأمور واضحة، الآيات واضحة، المحرمات واضحة، المباحات واضحة، الجماعة رحمة واسأل، ودقق، وحقق، وعش مع إخوانك، بعد ذلك الأخوة يحمسونك، تجد هناك روحاً جماعية، أحياناً يجلسون جلسة يقرؤون القرآن، من الصعب أن تجلس لوحدك، إذا في دور كل أسبوع عند شخص، وكل شخص يقرأ صفحة قرآن هذه المجموعة تنهض، وإذا كان كل الأخوة بحسب أماكن سكنهم، بحسب حرفهم يعملون لقاء أسبوعياً، ويتدارسون القرآن الكريم، درس الجمعة، درس الأحد فرضاً، كل شخص تكلم شيئاً، استفاد من خبرة الآخرين، سمع قصة مؤثرة جداً سمع حقيقة، قرأ كشفاً علمياً، تجد في تقوية للإيمان، كل أخ يقوي إيمان الثاني.  

     التنافس يحتاج إلى جماعة:

     بعد ذلك سمعتم بالأرض شخصاً عمل سباقاً لوحده، أنا عملت سباق جري، مع من ؟ لوحدي، كيف لوحدك ؟ تتوازن مع واحد، لما الله قال: ﴿سَابِقُوا﴾ ما معنى سابقوا ؟ أن تكون مع الجماعة، سابقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ما معنى التنافس؟ ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ التنافس يحتاج إلى جماعة. 

     الجماعة من علامتها التآخي: 

     الجماعة من علامتها التآخي، إذا كل أخ آخى أخاً له يتفقده، يسأل عنه، يزوره، لم يأت من أسبوعين معناها في مشكلة يكون مريضاً، طرقت بابه، مرة أخ من إخوانا عادي جداً فقير، مرض، الإخوان بعد الدرس ذهبوا لزيارته، قال لي كسبت مكانة عند أهلي، وجدوا أنه جاء لزيارتي مئة شخص تفقدوا صحتي، قوي مركزي .(( يد الله مع الجماعة )) ، ((... ومن شذّ شذ في النار )) ، ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)) .

     ابحثوا عن جماعة طاهرين، جماعة صادقين ، جماعة أمناء، عن إنسان مخلص، عن إنسان يحب الله، عن إنسان لا يبيع دينه ولا بكل الدنيا، ولن تكون مؤمناً حتى يستوي عندك التبر والتراب. المؤمن شخصية فذة، بالشام نسي شخص بالتكسي 20 مليون ليرة سائق التكسي مؤمن، بحث عنه أربعة أيام، وضع أخباراً، حتى وجده وأعطاه إياها 20 مليون، أما صاحب المبلغ أخلاقي أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة، بمليونين. هذا المؤمن، تعيش مع المؤمنين بجنة، في صدق، في أمانة ، في محبة، في تواضع، في تعاون، في تناصر، لكن المجتمع الآخر هذا مجتمع الذئاب، الذئب لا ينام بعينين ينام بعين واحدة، يخاف أن يغدروه، ينام بعين ويفتح عين، تشعر نفسك بمجتمع التفلت معركة، الشراء معركة، البيع معركة. أنا لا أدعي أن المؤمن معصوم أبداً، في أخطاء، لكن ما في خيانة، ما في كذب، ما في احتيال، ما في مؤامرة، ما في وجهين أبداً، في خطأ، في تقصر، التقصير موجود عند كل الناس، لكن مؤمن كذاب لا يوجد، مؤمن خائن لا يوجد .((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة )) ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يكذب المؤمن، أنت مع إنسان لا يكذب أبداً. ولا أبالغ لا يمكن أن تكون مؤمناً إلا وأن تكون أخلاقياً، مستحيل لا يمكن أن تكون مؤمناً إلا وأن تكون متعلماً. ((كفى بالمرء علما أن يخشى الله)) . ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام. كل مؤمن خطاء وخير الخطائين التوابون. 



المصدر: مقاصد الشريعة - الدرس : 27 - الجماعة