الفطرة تنفر من المعصية:
جبلت هذه النفس جبلة عالية، حيث إنها إذا أحسنت شعرت بشكل طبيعي ابتداءً من دون تعليم، من دون توجيه أنها أحسنت، وإذا أساءت شعرت ابتدأً من دون توجيه ولا تعليم أنها أساءت، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
إن فجرت فجورها، وإن اتقت تقواها، عندك مشعر ذاتي، أنت بالفطرة تعرف خطأك من دون أن تنبه إليه، أنت بعقلك تعرف ربك، وبفطرتك تعرف خطأك،
قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
أيها الإخوة، لولا هذه الفطرة لما تألم إنسان من معصية، فلو أن جبلته جبلت على معصية فكلما عصى ربه ازداد راحة وانسجاماً مع نفسه، ولكن لأنك مفطور فطرة عالية، مفطور على الكمال، مفطور على الرحمة، على الإنصاف، على العدل، على الصدق، على الأمانة، جبلتك، فطرتك، بنيتك النفسية، خصائصك تحب الرحمة، فإذا رحمت المخلوقات تنام قرير العين، تنام مرتاحاً، تنام مطمئناً، تنام سعيداً.
لذلك أيها الإخوة، لمجرد أن تتوب إلى الله، وأن تصطلح معه تصطلح مع نفسك، وترتاح نفسك، وتطمئن نفسك، وتسعد نفسك: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾
كيف سواها الله عز وجل ؟ سواها حيث إذا فجرت تعرف أنها فجرت، وإذا استقامت تعرف أنها استقامت.
المسيء يصاب بالانهيار الداخلي:
إن علماء النفس وصفوا حالة تصيب الإنسان المسيء بصفات عديدة، منها:
الانهيار الداخلي: فإذا بنى الإنسان مجده على أنقاض الناس، بنى غناه على إفقارهم، بنى أمنه على إخافتهم، بنى عزه على إذلالهم، ينهار من الداخل، يشعر بصغار، تصيبه الكآبة، والكآبة مرض العصر، فأية نفس خرجت عن منهج الله خرجت أيضاً عن فطرتها، خرجت أيضاً عن مبادئها، خرجت أيضاً عن جبلتها.
الفطرة متوافقة مع منهج الله:
الفطرة متوافقة تماماً مع منهج الله، كيف أن العقل متوافق توافق تاماً مع قوانين الكون، بني الكون على السببية، والعقل لا يفهم شيئاً إلا بسبب، وبني الكون على الغائية، والعقل لا يفهم شيئاً بلا غاية، كذلك بني منهج الله على الصدق والأمانة، والعدل والإنصاف، والرحمة، والنفس البشرية لو أنها عاصية، ولو أنها آثمة لا ترتاح إلا للصدق والأمانة، والعدل والإنصاف: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾
إن خدعت الناس كلها فلن تستطيع أن تخدع نفسك:
يمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، ويمكن أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل وألف ألف مستحيل، أما أن تخدع نفسك ثانية واحدة فهذا مستحيل وألف ألف أَلف مستحيل، لأن الله عز وجل يقول: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
المذنب يعلم علم اليقين أنه مذنب، وقد لا يعترف، وقد يكابر، وقد يركب رأسه، ولكن في أعماقه يعلم أنه مذنب، هذه فطرتك، قال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾