بحث

البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه

البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الأخوة الكرام، البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه، وهذا يسمى في الدراسات التاريخية البعد التاريخي. لقد اعتمد كُتّاب السيرة على القرآن الكريم، وما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدراً أولاً وثانياً لوقائع السيرة.   

مكة المكرمة بلد الرسول:   

     وهي أرض ليس فيها زرع، قال تعالى:  ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ يبدو من هذه الآية الكريمة، أن هناك متع حسية، وهناك سعادة نفسية، لو أن المتع الحسية متوافرة تماماً، ورافقتها سعادة نفسية لاختلط الأمر، لكن هذا اسمه فرز، تذهب إلى بيت الله الحرام في وادٍ غير ذي زرع، والجو حار، ومع ذلك تسعد في جوار هذا البيت أيما سعادة، كأن الله سبحانه وتعالى جمد العامل الجمالي الأرضي، وحرك العامل النفسي السماوي. هناك علاقة بين المتع الحسية وتوافرها، وبين النشاط الروحي وحدته.  

قريش قبيلة الرسول:  

     أيها الأخوة، الله عز وجل امتن على قريش حيث يقول في كتابه الكريم:  ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾. قال علماء التفسير: إن أعظم نعمة يمتن الله بها على عباده نعمة الشبع والأمن.  

المزايا التي كانت تتصف فيها بيئة النبي:  

     أيها الأخوة، في البيئة التي عاش بها النبي كان فيها بعض المكارم الأخلاق، قيمة الشجاعة، وقيمة المروءة، وقيمة الكرم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:  "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال ايضاً: " أسلمت على ما أسلفت من خير". ومن أدق ما قالت السيدة خديجة لزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما جاءه الوحي: " ما يخزيك الله أبداً"، كيف عرفت ذلك؟ لم يكن وحي قبله، ولم يكن إسلام قبل هذا الإسلام، " والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتكرم الضيف، وتحمل الكَلّ، وتعين على نوائب الدهر"، هذه الفطرة. إذاً: مكارم الأخلاق التي كانت في الجاهلية اعتمدها الإسلام وأقرها.  

مكانة قريش ضمن العرب:  

     أيها الأخوة، قبيلة قريش كانت في الجزيرة العربية واسطة العقد، وكانت سيدة العرب وقتها.   

العبادة التي كانت سائدة في قريش:

     ماذا كانت تعبد قريش قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ العرب كانت تعبد أصناماً من دون الله، وتزعم أنها تقربهم من الله عز وجل زلفا.  

العقائد والتشريعات التي كانت سائدة:

     أيها الأخوة، أن بيئة قريش فيها تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، فقد قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ لذلك المعاصي والآثام رُتبت في القرآن ترتيباً تصاعدياً، فذكر الله الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، والشرك والكفر، وجعل على رأس هذه المعاصي أكبر معصية على الإطلاق، قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ هذا الذي يحرم من دون علم، ويحلل من دون علم، ويفتري على الله الكذب، الحلال والحرام من شأن الله وحده، فهناك عقائد سخيفة ومضحكة كانوا يتداولونها فيما بينهم، ثم إنهم من حيث العقيدة كانوا يشركون بالله جل جلاله فلا يوحدونه، وكانوا يلحدون في أسمائه وصفاته، وكانوا يسمون الملائكة تسمية الأنثى، ويدعون أنهم بنات الله، ويدعون أن الجن شركاء الله، ويجحدون القضاء والقدر، أنكروا القيامة، والبعث، والنشور، والدار الآخرة، والحساب، والجنة والنار، رغم إقرارهم بألوهية الإله، ولا يتقيدون بشيء مما كان في الديانات السابقة، فقريش أصرت على هذه الضلالات، قال تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾.

المنكرات التي كانت تعيشها قريش قبل بعثة النبي:

     أيها الأخوة، أخلاق قريش قبل بعثة النبي وأعرافهم وعاداتهم كثيرة، فكانوا يشربون الخمر بلا قيد ولا شرط، ويلعبون الميسر، ويتزوجون بغير عدد، باب الزواج مفتوح، ويؤدون البنات خوف العار والفقر، قال تعالى:  ﴿وَإِذَا الْمَؤودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾. ويقتل بعضهم الأولاد بسبب الفقر، ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ من فقر متوقع، فقد مُنع الإنسان من أن يقتل ابتنه لفقر واقع، أو لفقر متوقع،  ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ أما النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءته فاطمة ضمها وشمها، وقال:  " ريحانة أضمها وعلى الله رزقها "

الأنكحة التي كانت منتشرة:

     وقد سادت في البيئة التي عاش بها النبي صلى الله عليه وسلم أنوع من الأنكحة التي لا تختلف عن الدعارة إطلاقاً، من هذه الأنكحة أنكحة الاستبضاع، أن يقول الرجل لزوجته: اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه، أي احمل منه، فلان قد يكون جميل الصورة، أو قويا، أو ذكيا، هذا كان نكاح الاستبضاع. أما نكاح الرهط، يعني عشرة رجال يتزوجون امرأة واحدة، وهناك نكاح ذوات الرايات، يعني بيوت الدعارة، بيت عليه راية أن هذه المرأة تقتات بجسمها، والقول الجاهلي تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، عقائد فاسدة، سلوك فاسد، تحريم مزاجي، أنكحة فاسدة، خمر، ميسر، ظلم، قهر، عدوان، وأد بنات، قتل أولاد، هذه الجاهلية التي جاء فيها النبي عليه الصلاة والسلام.  



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 03 - البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه