أيها الإخوة الكرام، بعد أن خرج النبي عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة مهاجراً إلى المدينة، وبعد أن أخفقت قريش في ملاحقته وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ومع ذلك كانت ثقته بنصر الله لا حدود لها، ولحقه سراقة وأدركه، وغاصت قدما فرسه في الرمل، وعلم سراقة أن هذا الرجل ممنوع منه، قال صلى الله عليه وسلم: يا سراقة: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ يعني أنا سأصل إلى المدينة، وسأؤسس دولة، وأنشئ جيشاً، وسأحارب أقوى دولتين في الأرض، وسأنتصر عليهما، وسوف تأتيني كنوز كسرى، ولك يا سراقة سوار كسرى...
أيها الإخوة، حصلت المعجزة الثانية حين عصم الله جل جلاله رسوله صلى الله عليه وسلم، وحماه من سراقة بن مالك، الذي طلبهم طمعاً في جائزة قريش، فقد علم سراقة بخبرهم وهم مرتحلون مع الساحل، فاتبعهم يقول سراقة: ((وقد كنت أرجو أن أرده على قريش فآخذ المئة ناقة، فركبت فرسي على أثره، فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، فقلت: ما هذا، ثم أخرجت قداحي ـ سهامي ـ فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره، فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره فبينما فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه. المرة الثالثة ـ فسقطت عنه فقلت ما هذا؟ فلما بدا لي القوم، ورأيتهم. يعني رأى النبي وصاحبه. ومن يقود الناقة، فلما رأيت القوم عثر بي فرسي للمرة الرابعة، وذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار، فعرفت حين رأيت أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر، فقال رسول لأبي بكر: قل له: وما تبغي منا؟ فقال له ذلك أبو بكر، قلت ـ سراقة ـ تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك، فقد أدرك سراقة أن هذا إنسان غير عادي، لأنه أصر أول مرة والثانية، والثالثة، والرابعة، وكل مرة تغوص قدما فرس سراقة، ويقع عن فرسه، لكن المئة ناقة تتلألأ له فكان مصراً على أن يقتل محمدًا عليه الصلاة والسلام، أما في المرة الرابعة أدرك أن هذا الإنسان ممنوع من أن يناله أذىً، قال الله عز وجل قال: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.
لذلك لما رأى سراقة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنسان غير عادي ممنوع من أن يناله أحد بأذى قال: أريد أن تكتب لي كتاباً يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، فكتب لي كتاباً في خرقة، ثم ألقاه إلي، فأخذته فجعلته في كنانتي، ثم رجعت فلم أذكر شيئاً، أراد أن يكون هذا سراً بينه وبين النبي، ويبدو أنه حينما أيقن أنه ربما قُتل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله، وإنه إنسان ممنوع من أن يناله بأذى، أراد وفاء مع النبي أن يعتم عليه كل خبر، فلم أذكر شيئاً مما كان، ثم حكى خبر لقاءه برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وإسلامه.
أيها الإخوة، أهم شيء في موضوع سراقة يجب أن تكون واثقاً بأن الله لا يتخلى عن المؤمنين.