بحث

في خيمة أم معبد

في خيمة أم معبد

بسم الله الرحمن الرحيم

     النبي عليه الصلاة والسلام في طريق الهجرة إلى المدينة، أو في القسم الأخير من الرحلة مر بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة جذة، الحياة في البادية قاسية جداً، والمرأة في البادية تكون أيضاً قاسية، تحتبي أي أن الإنسان في الخيمة ليس هناك جدران يستند إليها يضع يديه أمام ركبتيه فيتوازن، ثم تطعم، وتسقي من يمر بها، وهذا مِن عادات كرم، لذلك العرب كان في الجاهلية كرماء جداً، وكانوا شجعان، وكانوا شرفاء، هم في الجاهلية.

     فأم معبد وزوجها أبو معبد كانوا كرماء، وكانوا يطعمون كل من يمر بهم   يسألها النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر، هل عندك شيء نشتريه منك؟ مسافة طويلة، الآن تركب سيارة مكيفة، والسرعة 180 كيلومترا، تحتاج إلى أربع ساعات ونصف، أما المسافة فيقطعها الراكب على ناقة في 12 يوماً، فقالت: والله لو عندنا شيء ما بخلنا به عليكم، والشاء عازب، أيْ ليس في ضرعها حليب، وكانت سنة شهباء قاحلة، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، أيْ في طرف الخيمة، فقال: ما هذه الشاة؟ قالت: خلّفها الجهد، فمن شدة هزالها وضعفها لم تستطع أن تذهب مع أخواتها إلى المرعى، خلّفها الجهد عن الغنم، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ ما هذا الأدب؟! قالت: نعم بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حليب فاحلبها، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمّى الله، ودعا الله فتفاجت عليه ودرّت، فدعا بإناء لها فحلب فيه حتى عَلَته رغوة، فسقاها فشربت حتى روَت، وسقا أصحابه حتى رووا، ثم شرب هو. متى شرب؟ آخر الناس شرباً، كان عليه الصلاة والسلام في خدمة أصحابه، وكان واحداً منهم، وكان يقدمهم عليه. 

     ومرة كان مع أصحابه في سفر وأرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها   فقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فقالوا له: نكفيك ذلك يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أصحابه.

     مرة وهو قائد الجيش، وزعيم الأمة، ونبي الأمة، وآخر الرسل، وبعد الإسراء والمعراج سيد ولد آدم، سيد الخلق، وحبيب الحق، في بدر الرواحل قليلة والصحابة أكثر من ثلاثمئة، فقال:  (( كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ـ سوى نفسه كجندي في هذه المعركة ـ فركب الناقة، وانتهت نوبة النبي في ركب الناقة، أراد أن ينزل فتوسلا صاحباه أن يبقى راكباً، فقال كلمة والله لو رددتها ألف مرة لا أرتوي منها، قال: ما أنتما بأقوى مني على السير ولا بأغنى منكما عن الأجر )) . كان يتمتع بلياقة عالية جداً.

     فإذا كان ثمة إنسان على الأرض يستحق أن نخدمه بلا مقابل كان هو رسول الله، ومع ذلك خدمه سيدنا ربيعة، وفي اليوم السابع قال: يا ربيعة: سلني حاجتك، قال: أمهلني يا رسول الله، فأمهله، فلما سأله ثانية قال: ادعُ الله لي أن أكون معك في الجنة، قال له: من علّمك هذا؟ النبي يقصد حاجة مادية، لأنه خدمه، شعر النبي عليه الصلاة والسلام أن خدمة ربيعة له دَين عليه.

     مرة أحد الصحابة، اقبلوا مني هذه القصة، مع أنها غريبة جداً، كتب إلى قريش اسمه حاطب بن بلتعة: إن محمداً سيغزوكم، سرب معلومات، قبل الغزو، فاخذوا حذركم، فجاء النبي الوحي، وأخبره بما فعل حاطب، فطلب النبي الكتاب الذي أرسله حاطب مع امرأة خرجت من المدينة إلى مكة، تبعها صحابيان، وصلا إليها، أين الكتاب؟ خافت فأعطتهم الكتاب، فتح الكتاب، حاطب بن بلتعة يقول: إن محمداً سيعزوكم فخذوا حذركم، جاؤوا بالكتاب إلى النبي الكريم، واستدعى حاطبًا، هذه بالتعبير الحديث خيانة عظمى، بكل الدول والشعوب والتاريخ والحاضر والماضي والمستقبل عقابها الإعدام، قال له: ما هذا يا حاطب؟ فبكى، قال له: والله ما كفرت، ولا ارتدت، ولكنني لصيق بقريش، وأنا واثق أنا الله سينصرك، أردت بهذا الكتاب أن يكون لي عند قريش أحمي بها أهلي وأولادي ومالي، فقال عليه الصلاة والسلام: إن صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً. هذه أخلاق أنبياء.

     جاءه عكرمة، من أبوه؟ فرعون قريش، عكرمة بن أبي جهل أبو جهل أكفر كفار قريش، وألد أعداء النبي، ولم يدع أسلوباً في التنكيل لرسول الله إلا فعله ومات، قتل، جاء ابنه مسلماً، فقال عليه الصلاة والسلام: جاءكم عكرمة مسلماً فإياكم أن تسبوا أبا، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت.

     بعض الصحابة خدم النبي عليه الصلاة والسلام حينما تنتهي مدة خدمته يقول له النبي: انصرف بعد العشاء، من شدة تعلقه برسول الله يبقى نائماً على طرف الباب، هذ ا الكمال.

     فلذلك من رأى النبي عليه الصلاة والسلام بديهة هابه، ومن عامله أحبه.



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 33 - الهجرة -8- قصة أم معبد - قصة حاطب بن بلتعة