بحث

نسبه ووصفه وخلقه صلى الله عليه وسلم

نسبه ووصفه وخلقه صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

نسبه صلى الله عليه وسلم:  

     أيها الأخوة الكرام،  النسب تاجٌ يتوج به أهل الحق، أما إذا أضيف النسب إلى أهل الباطل فلا قيمة له إطلاقاً، والدليل قوله تعالى:  ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ فالذي يتعرف إلى الله، ويستقيم على أمره، ويحرص على مرضاته إذا كان نسبه من النوع العالي فهذا تاجٌ يتوج به، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد بن عبد المطلب، ابن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، ابن كلاب، وينتهي نسبه إلى عدنان، وأمه آمنة بنت وهب، من بني زُهرة، ويلتقي نسب أمه بنسب أبيه في كلاب بن مرة، قال الله عز وجل:  ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُوقد  قال النبي صلى الله عليه وسلم:  " الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". 

هل النبوة أمر كسبي أم أمر وهبي أم بهما معاً؟

     أيها الأخوة، النبوة هبة من الله، وفيها جانب كسبي، بمعنى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ حينما يجتهد الإنسان في طلب مرضاة الله عز وجل، من كمال الله وكرمه يهيئ له عملاً يتناسب مع طموحه، والعبرة أن تطمح لعمل جليل، فالأعمال بيد الله، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل، ونسبه إليك، الله عز وجل يوفق، ويحفظ، ويلهم، ويجري الخير على يديك بشرط. لو أردنا أن نضع مثالاً يوضح هذه الحقيقة: لو أرادت دولة أن تعين سفيراً في بلد مهم جداً، طبعاً تختاره من حملة الشهادات العليا، وفي بعض الدول تشترط دراسة أدبية وعلمية وحقوقية، وهذا من كسب الطالب، بعد أن تختاره تمنحه صلاحيات، وحقيبة دبلوماسية، وتعطيه كتاباً تقدمه للدولة التي سيقوم بها، ففي هذه الوظيفة جانب كسبي، وجانب وهبي.  

الصفات الخَلقية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام:

     النبي صلى الله عليه وسلم صفته: كان متوسط القامة، ليس بالنحيف ولا بالجسيم، عريض الصدر، ضخم اليدين والقدمين، مبسوط الكفين، قليل لحم العقبين، يحمل في أعلى كتفه اليسرى خاتم النبوة، وهو أحسن الناس وجهاً، وهو أبيض اللون بياضاً مزهراً، مستدير الوجه، واسع الفم، طويل شق العينين، رَجِل الشعر، ولم يشب من شعره الأسود إلا اليسير، وإضافة إلى حسن خلقه، وسلامة حواسه وأعضائه فقد أعطاه الله شكلاً جميلاً، أعطاه وجهاً مليحاً. فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتني بمظهره من النظافة وحسن الهيئة.  

الصفات الخُلقية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام:

     أما صفاته الخلقية صلى الله عليه وسلم فحدثوا ولا حرج، الله عز وجل وصفه بأنه:  ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ    والخُلق أيها الأخوة جانب كسبي في الإنسان . وحينما أثنى الله عليه، أثنى على خلقه، كما لو أنك منحت ابنك بيتاً، لا يعقل أن تقيم حفل تكريم لهذا البيت، لكن تقيم له حفل تكريم إذا نال الدرجة الأولى، فالأصل أن يثنى على الإنسان بما في كسبه  

  • السيدة عائشة أم المؤمنين كانت تؤكد حينما تُسأل عن خلقه، تقول:  " كان خلقه القرآن "    بل إن بعضهم، يقول: القرآن كون ناطق، والكون قرآن صامت، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي .  
  • من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد تواضعاً مقترناً بالمهابة. من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه، له هيبة، دخل عليه رجل فأصابته رعدة، قال:  " هَوِّنْ عَلَيْك، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ.  سافر مع أصحابه، وقال أحدهم: علي ذبح الشاة، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: وعلي طبخها، وقال عليه الصلاة والسلام: علي جمع الحطب، يقال له: يا رسول الله، نكفيك ذلك، يقول: قد علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا على أصحابه.  
  • وقرن حياءه بالشجاعة، فكان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء في خدرها
  • وكان كريماً وصادقاً في كرمه، بعيداً عن حب الظهور.   
  • وكان صلى الله عليه وسلم أمينا، قريش تهاجمه، وترد دعوته، وتسفك دينه، وتقدح في رسالته وأموالها عنده، وحينما أراد النبي أن يهاجر ترك ابن عمه في مكانه ليرد الودائع إلى أصحابها، وأصحابها مشركين.  
  • وكان صادقاً في القول والعمل، قال عليه الصلاة والسلام: " وإن الصدق يهدي إلى البر
  • فقد كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الإخلاص، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر:  " إنما الأعمال بالنيات ".
  • كان عليه الصلاة والسلام قوياً في عقله، وكان عليه الصلاة والسلام رحمةً للكبير والصغير، لين الجانب، رقيق المشاعر.   
  • كان يحب العفو، والصفح عن المسيء، وإليكم مثال ذلك: حاطب بن بلتعة ارتكب خيانة عظمى، كتب كتاباً إلى قريش إن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، في كل نظام العالم جزاء الخيانة العظمى الإعدام، فجاء عمر، وقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، لم يهدر عمله السابق، تعال إلي يا حاطب، ما حملك على ما قلت؟ قال: والله يا رسول الله، ما كفرت ولا ارتدت، لكن كنت لصيقاً في قريش، فأردت في هذا الكتاب أن أحفظ مالي وأولادي، وأن واثق أن الله سينصرك، فاغفر لي ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً. جاء عكرمة مسلماً، من عكرمة؟ ابن أبي جهل، ألد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفنن عشرين عاماً للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام:  " يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت". 
  • فكان صلى الله عليه وسلم ثابت الجنان، في حنين قال:  " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو منه.   
  • وكان عليه الصلاة والسلام صابراً في مواطن الشدة، وكان جريئاً في قول الحق.   
  • كان يبدأ الناس بالسلام وكان عليه الصلاة والسلام، يقول:    (أفشوا السلام بينكم)  
  • ينصرف بكله إلى محدثه، وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه.  
  • عند المصافحة لا يسحب يده حتى يسحبها الآخر.  
  • كان عليه الصلاة والسلام يصغي إلى زوجته، عليه الصلاة والسلام أصغى إليها كثيراً، وقد حدثته عن قصص كثيرة، حدثته مرة عن أبي زرع حديثاً طويلاً، وتحدثت عن محبته لأم زرع، وعن وفائه لها، ثم أسفت أشد الأسف، حينما قالت: لكنه طلقها، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا لكِ كأبي زرع، لكني لا أطلقك.  
  • إذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين.  
  • وإذا جلسَ جلس حيث ينتهي به المجلس.  
  • كان يذهب إلى السوق ويحمل بضاعته بيده ويقول: أنا أولى بحملها، الله عز وجل وصف الأنبياء فقال الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾.  
  •      كان يلبي دعوة من دعاه، يجيب دعوة الحر والعبد والمسكين، كان يقول صلى الله عليه وسلم: (من دعي ولم يلبي فقد عصا أبا القاسم) وكان يقول عليه الصلاة والسلام: (لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت) وقد دعي مرةً، وقدّم له خل، فقال عليه الصلاة والسلام: (نعم الإدام الخل).       
  • كان يقبل عذر المعتذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك منه محقا أو مبطلا).  
  • كان يأكل مع الخادم ويكرم الضيف ويقضي حاجة الضعيف والبائس، جاءه ملك من ملوك الغساسنة، عدي بن حاتم، يظنه ملكاً أو يظنه نبياً، هو في حيرة، فلما لقيه سأله عن اسمه وتكريماً له دعاه إلى بيته، وفي الطريق استوقفته امرأة مسنة، فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها، فقال في نفسه: والله ما هذا بأمر ملك، إنه نبي، فلما دخل إلى بيته أعطاه النبي وسادة من أدم محشوة ليفاً، قال: اجلس عليها، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض.  
  • كان دائم الفكر، يحمل هم أمته يمشي هوناً، خافض الطرف، متواصل الأحزان لأنه يحمل هم البشرية كان يقول صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا).      
  • كان دمثا رقيق الحاشية، يألف ويؤلف، كان دمثا ليس بالجاحد، ليس الذي ينكر المعروف، قبيل وفاته وقف صلى الله عليه وسلم خطيباً، وقال:(من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ألا ومن كنت قد شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد منه، لا يقولن رجل إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني).  
  • كان صلى الله عليه وسلم يعظم النعمة مهما دقت، كان عليه الصلاة والسلام يقول: (الحمد لله الذي آواني، وكم من لا مأوى له) وإذا استيقظ من منامه، يقول: (الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافاني في بدني وأذن لي بذكره).     إنسان أخذ من ثوبه قشة فرفع يديه، وقال: جزاك الله خيراً.  
  • لا يرد سائل، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، (لمن هذا الوادي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لك، قال: أتهزأ بي؟  قال: لا والله، هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر).  
  •      يصبر على الغريب: (جاء أعرابي وبال في المسجد، فقام إليه الأصحاب، قال: دعوه، لا تزرموا عليه بوله، فلما انتهى، قال: يا أخا العرب، إن هذا المكان ليس لهذا الذي فعلت، فقال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، قال: يا أخي، لقد حجرت واسعاً)  
  • كان عليه الصلاة والسلام بشوشاً، ضاحكاً، يلقي أصحابه بالبشاشة، وقد قال:(تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ لكَ صدَقةٌ).  
  • ما ذم طعاماً قط ولا مدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها.  
  • الله عز وجل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وسائل الدعوة، أعطاه ذاكرة ينفرد بها، قال تعالى:  ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾.
  • أيها الأخوة، كان فوق كل هذا فصيح اللسان، ويقول:  "أنا أفصح العرب بَيد أني من قريش" وقريش أفصح قبيلة في العرب.  

الامتحانات التي مر بها النبي:

  • أذاقه الله الفقر، دخل بيته، وسأل أهله:  " أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم" 
  • أذاقه الله النصر، فدخل مكة مطأطئ رأسه حتى كادت عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله .    ((ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم}، اذهبوا فأنتم الطلقاء)) .
  • وذاق القهر في الطائف فدعا دعاءً فقال صلى الله عليه وسلم:  “ اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي ”
  • أذاقه الله موت الولد، فقال:  " إن العين لتدمع، والقلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون " 
  • أذاقه الله أن تتهم زوجته بأثمن ما تملك، وتأخر الوحي أربعين يوماً، لو أن الوحي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاءت آية التبرئة بعد ساعة، لكن أراد الله أن يتأخر الوحي بتبرئة السيدة عائشة أربعين يوماً، إذاً: الوحي لا يملكه النبي لا رداً ولا استدعاء.  


المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 04 - مبعث النبي صلى الله عليه وسلم