أقف وقفات متأنية عند أحداث شهيرة حدثت قبل الهجرة، وسأتحدث اليوم عن موضوع حلف الفضول. الحقيقة هناك دلالات كبيرة جداً لهذا الحلف الذي حضره النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وباركه بعد البعثة، مع أن الذين أقاموا هذا الحلف ليسوا على ما ينبغي أن يكونوا عليه، ولكن الخير يجب أن ندعمه أينما كان، أما التقوقع، والقطيعة، وإلغاء الطرف الآخر، والانزواء على الذات فهذا ليس من منهج النبي عليه الصلاة والسلام.
تداعت قبائل من قريش هم بنو هاشم، وبنو المطلب وبنو عبد العزة، وبنو زهرة، وتيم، تداعوا إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان لشرفه، ولسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم: ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت))
كان حلف الفضول في ذي القعدة، قبل المبعث بعشرين سنة كان عليه الصلاة والسلام في سن العشرين شابًا، وكان حلف الفضول أكرم حلف، وأشرف حلف كان في العرب، جاء بعد حرب طاحنة. وكان أول من تكلم بهذا الحلف ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب، وكان سببه أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشترها منه العاصي بن وائل، وكان ذا قدر بمكة وشرف، فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، عبد الدار، ومخزوم، وجمح وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوه على العاصي بن وائل، بل انتهروه، فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على جبل أبي قبيس عند طلوع الشمس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فصاح بأعلى صوته: يا آل فهر، لمظلوم بضاعته ببطن مكة ناء الدار والنفر، ومحرم أشعث لم يقضِ عمرته يا الرجال وبين الحِجر والحَجـــــر، إن الــحرام لمن تمت كرامته ولا حرام بثوب الفاجر الغدرِ. فاجتمعت هذه القبائل، وقال الزبير بن عبد المطلب: مالي هذا مترك، يعني هذا ظلم، إنسان يبيع بضاعته، ولا يأخذ ثمنها، فصنع لهم ابن جدعان طعاماً، وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياماً، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونوا يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه، وعلى التأسي في المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقالوا: لو دخل هؤلاء في فضل من الأمر، ثم مشوا إلى العاصي بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه، وعندئذٍ سمي هذا الحلف حلف الفضول.