بحث

المرحلة المكية مرحلة بناء الإيمان

المرحلة المكية مرحلة بناء الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الإخوة الكرام، يمكن أن نقسم السيرة النبوية إلى مرحلتين كبيرتين، المرحلة المكية والمرحلة المدنية، بالمرحلة المكية التي تعني قوة الإيمان ثم بالمرحلة المدنية، التي تعني حق القوة. ماذا فعل النبي الكريم بمكة؟   

 

1. بنى شخصية الإنسان المؤمن  

بادئ ذي بدء، بنى شخصية الإنسان المؤمن، الشخصية بناء، ترى الإنسان إيمانه ضعيف، نفسه مشتتة، ثقته بالله ليست كما ينبغي، عزيمته خائرة، همته ضعيفة، نفسه مشعبة، مشتتة،هذا الإنسان لا يصنع شيئاً، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم الواحد منهم بألف، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم بنى شخصية مرء المسلم المؤمن، مؤمن بوجود الله، مؤمن بألوهيته، بربوبيته، مؤمن بأسمائه الحسنى، بصفاته الفضلى، مؤمن أن الأمر بيده، مؤمن أن الله لا يتخلى عن المؤمنين. آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق، وحبيب الحق، المعصوم من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، آمنوا بالأنبياء جميعاً، وأطاعوا منهج رسول الله.  

 

2. بنى إيماناً في نفوس أصحابه  

     النبي عليه الصلاة والسلام بنى إيماناً في نفوس أصحابه، الإيمان أقوى من الجبال، الإيمان أساس الفضائل، وأس العزائم، وبلسم الصبر عند الشدائد، كلمة مؤمن في الميزان الإيماني أعلى مرتبة، النبي الكريم بنى مؤمنين، بنى مؤمنين التبر عندهم والتراب سيان، تجد المؤمن الصادق ينطوي على عقيدة كالجبال، وعزيمة كالمرجل، ونقاء كالثلج، وتواضع كالأرض وتألق كالشمس.   

 

3. النبي بنى المحبة في قلوب الناس:

     الشخصية الإيمانية التي فيها قوة الإيمان فيها محبة، ليس هناك التزام فقط، هناك محبة، والمحبة تجعل الإنسان ينطلق، يضحي، يبذل الغالي والرخيص، النفس والنفيس.   
امرأة أنصارية بلغها أن النبي قُتل، انطلقت إلى أُحد، تقول: ما فعل رسول الله؟ رأت ابنها مقتولاً، تقول: ما فعل رسول الله؟ رأت زوجها مقتولاً، تقول: ما فعل رسول الله؟ رأت أباها مقتولاً، ما فعل رسول الله؟ رأت أخاها مقتولاً، فلما رأته واطمأنت على حياته وسلامته، قالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل .  

 

4. النبي زكى النفس الإنسانية:

     زكى النفس الإنسانية، ليس هناك مؤمن لئيم، ولا مؤمن مخادع، ولا مؤمن بخيل، ولا مؤمن جبان، ولا مؤمن كذاب، ما لم تزك نفسك بمكارم الأخلاق، ما لم تكن أميناً عند التعامل، صادقاً عند التكلم، ما لم عفيفاً عند إثارة الشهوة، ولم تكن متواضعاً، ولم تكن منصفاً، ولم تكن معطاء فلست مؤمناً فتاة بارعة الجمال في عهد النبي الكريم، عند النبي الكريم شاب فقير جداً، لكنه دميم جداً، أعرج، وفيه عور بعينيه، عاهات، كتلة عاهات، على كتلة دمامة، على كتلة فقر، النبي الكريم قال له: ألا تتزوج يا جليبيب؟ قال: من يزوجني يا رسول الله؟ النبي الكريم أرسله إلى بيت فيه هذه الفتاة، قصة طويلة، لكن ملخصها أن الأب حينما طلب منه النبي أن يزوج ابنته لجليبيب، سكت، صُعق، فلما حدث الأم قالت: لا والله لا أزوجها إياه، فسمعت البنت، قالت: أنا أتزوجه، ورسول الله لا يضيعني .    والله الذي لا إله إلا هو إن أضفت على كلمة مسلم كلمة واحدة تكن عنصرياً، فلان جيد، لكنه من الريف، وقد تكون قُلامة ظفر إنسان في الريف تشرف مئة إنسان في المدينة، هذا عبد لله مؤمن، تحبه فقيراً، وتحبه غنياً، تحبه مثقفاً، تحيه محدود الثقافة، تحبه وسيماً، تحبه دميماً، تحبه قوياً، تحبه ضعيفاً، مؤمن .  

 

5. النبي ربى أصحابه على العلم:

     في القرآن مرجِّحان فقط، قيمة العلم، وقيمة العمل،  ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾    وما سوى ذلك لم يعترف القرآن أصلاً بها، الآن بعد التزكية التعلم، رسخ الإيمان، وزكت النفس، ينبغي أن تكون عالماً، فما الذي يمنع أحدنا أن يطلب العلم الديني؟ أن يتعمق في فهم حقيقة الدنيا، أن يتعمق في فهم القرآن، في فهم السنة، في فهم السيرة، وما من قيمة في الأرض أقوى من العلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.    الحقيقة أنه ما لم تطلب العلم أولاً، وما لم تعمل به ثانياً، وما لم تدع إليه ثالثاً، وما لم تصبر على طلبه والعمل به، والدعوة إليه فأنت خاسر فالصحابة الكرام بنى النبي عليه الصلاة والسلام فيهم الإيمان أولاً، إيمانا راسخا لا يتزعزع، ثم زكى نفوسهم، فتحلت بالكمالات البشرية، ثم طلبوا العلم علم الكتاب، علم السنة، الأحكام الشرعية، ثم دعوا إلى الله، والدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، والدليل:    ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ .  

 

6. النبي ربى أصحابه على الصبر:

     لقد ربى النبي أصحابه على الصبر، المؤمن الصادق لا تسنيه عن عقيدته لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة، فربى أصحابه على الصبر، لأن حقيقة الحياة فهيا ابتلاءات، فيها ظروف صعبة، فالذي رُبيّ على الصبر يتحمل، لا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، المؤمن يموت من الجوع ولا يخون أمته، إنه إيمان لا يتزعزع، وتزكية نفس، وطلب علم، ودعوة إلى الله، وصبر، هؤلاء الذين هاجروا هؤلاء هم نواة دولة المسلمين، وهذا ما فعله صلاح الدين، أعد جيلاً مؤمناً، وأزال كل المنكرات، فوفق سنن الله استحق النصر على 27 جيشاً فرنجياً، وردهم، وفتح القدس .  

 

7. النبي علم أصحابه التعاون:

     شيء آخر، من إنجازات النبي عليه الصلاة والسلام في مكة أنه علم أصحابه التعاون .  

     ملخص الكلام هؤلاء الذين أمضوا في مكة المكرمة 13 سنة وزيادة بنوا فيها إيمانهم، أصبح الواحد كالألف، الآن نبحث عن حق القوة من أعمال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بادئة ذي بدء:    أيها الإخوة، البناء الفردي أساس البناء الاجتماعي، بناء الفرد أساس بناء الأسرة، أساس الأسرة أساس بناء المجتمع، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام اعتنى بالفرد المسلم، لذلك أول شيء فعله النبي عليه الصلاة والسلام إصلاح العلاقات بين الأفراد، الآن استمعوا ما يقول الله عز وجل:     ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾.  

     إخواننا الكرام، درس اليوم يجب أن نحظى بإيمان راسخ، ومن خلال اتصالنا بالله، وأداء العبادات، تشتق أنفسنا من كمالات الله الشيء الكثير، ثم ينبغي أن نزكي أنفسنا وأن نطلب العلم، وأن ندعو إلى الله، وأن نصبر، وأن نتبع الأسلوب الجماعي في حياتنا.  



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 42 - بناء شخصية الإنسان المؤمن