بحث

تنظيم النبي صلى الله عليه وسلم للجانب الصحي في المدينة

تنظيم النبي صلى الله عليه وسلم للجانب الصحي في المدينة

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيها الأخوة الكرام؛ الناس اليوم إذا ذُكر الدين يتوهمون أنه عبادات فقط، تصلي، وتصوم، وتحج، وتزكي، وانتهى الأمر، الدين هو الحياة، يوجد في الدين تنظيم للعمران، فيه معالجة للأمراض، فيه اتفاقيات، فيه إصلاح للدنيا، اعمل لآخرتك وأصلح دنياك.   نحن قد نفاجأ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة بدأ يعالج مشكلاتها، والدين حينما يعزل عن مشكلات المجتمع ينتهي . 

     أيها الأخوة، المهاجرون بعد قدومهم إلى المدينة أصيبوا بمرض شائع في المدينة اسمه حمى يثرب، هذه المدينة يثرب اشتهرت بهذا المرض، والمهاجرون حينما قدموا إلى المدينة هناك اختلاف مناخي وبيئي بين مكة والمدينة. فأهل مكة، الأصحاب الكرام الذين هاجروا إلى المدينة اختلف عليهم المناخ، واختلفت عليهم البيئة، وفي الأصل يوجد في المدينة مرض اسمه حمى يثرب، فصحة المهاجرين لم تتحمل هذا الوباء، وكان له آثار جسيمة على المهاجرين، حتى أوشك بعضهم أن يموت.  

     الآن تفاجؤون أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة أسس مجتمعاً منظّماً، عالج مشكلات المدينة الصحية والعمرانية، وعالج الخدمات، إذاً النبي عليه الصلاة والسلام بمواقفه وأعماله حول المدينة من الوباء إلى الصحة. 

     فعن عائشة رضي الله عنها قالت:  ((لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى ـ فيها مجموع أمراض، في مقدمة هذه الأمراض الحمى ـ فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، فصرف الله تعالى ذلك عن نبيه، قالت: فكان أبو بكر وعامر بن فهيرة، وبلال مع أبي بكر في بيت واحد فأصابتهم الحمى، فدخلت عليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب   قالت: وبهم لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك، أيْ ألم المرض، فدنوت من أبي بكر فقلت له: كيف تجدك يا أبتِ؟ فقال: كل امرئ مصبح في أهله  والموت أدنى من شراك نعله. ثلاثة رجال في حالة مرض شديد، وهم على وشك الموت، قالت عائشة رضي الله عنها: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعت منهم، فقلت: إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى، قالت: فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، أو أشد وبارك لنا في مدها وصاعها، وانقل وباءها إلى مهيعة، أي إلى الجحفة)). 

     وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة، حتى جهدوا مرضاً، وصرف الله ذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى كانوا ما يصلون إلا وهم قعود من شدة الوعك.   

     من هاتين الروايتين يتضح أن شدة بالغة أصابت الصحابة الكرام في المدينة المنورة، والدعاء لم يُعرف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أي انفصال بين القول والعمل. 

     السيدة عائشة تقول:  ((وقدمنا المدينة، وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان يجري نجلاً،  أي بماء آسن ملوث، ولم يمضِ وقت طويل حتى أصبح الماء يجري عذباً، قالت السيدة عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بطحان على ترعة من ترع الجنة))  فالنبي نهى أصحابه، ما عاد الماء ملوثاً، توقفت الأمراض، أصبح هذا الوادي فيه ماء نقي. 

     شيء آخر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ((تنظفوا بكل ما استطعتم، فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف)). 

     والآن ثبت أن النظافة أحد أسباب الصحة، وهناك أمراض كثيرة سماها العلماء أمراض القذارة، وفي العالم الآن ثلاثمئة مليون إنسان مصاب بمرض القذارة، حيث يكفي أن يدخل إنسان إلى دورة المياه، وبعد ما انتهى ما نظف أصابعه تماماً، لو كان معه وباء كبدي قاتل يمكن أن ينقل المرض إلى ثلاثمئة إنسان من رواد المطعم، فالنظافة أحد أسباب الصحة.  

     النبي عليه الصلاة والسلام حض على الطهارة بشتى مجالاتها، طهارة النفس، طهارة الجسم، طهارة اللباس والسكن. لذلك دقق في بعض التوجيهات: لا يجوز التبول في مهب الريح، لأن البول يعود على الإنسان بفعل الرياح، ولا في الماء الراكد، ولا في ماء قليل، ولو كان جارياً، الماء القليل الجاري محرم البول فيه، أو في كثير أيضاً، ولا في المقابر احتراماً للموتى، ولا في الطرقات. وقد قال عليه  الصلاة والسلام:  ((اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل)). 

     أيها الأخوة، النبي عليه الصلاة والسلام توضأ من قعر، قال: ردوها في النهر ينفع الله بها قوماً آخرين، هذا اسمه ترشيد استهلاك المياه.  

     أمر النبي الكريم بالابتعاد عن المساكن في إلقاء الفضلات، وجعل لها أماكن مخصصة تدعى المناصع، بعيداً عن المساكن،هذه تنظيمات، الدين حياة، الدين نظافة، الدين نظام، الدين صحة، الدين وقاية من الأمراض.  أيها الأخوة؛ أنا أبين لكم ماذا فعل النبي في المدينة، جعل الإسلام هو الحياة، جعل النظافة، والنظام، والخدمات، جعلها في أعلى مستوى، لذلك هذه الحمى التي كانت من علامات المدينة، حمى يثرب تلاشت، هو دعا وأخذ بالأسباب وبعدئذٍ توكل على رب الأرباب. 



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 49 - التنظيمات الإدارية في المدينة