للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة، استخرجها العلماء، وشرحوا معانيها، وما تدل عليه، قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إِنّ لِي خمسة أَسْمَاءَ: أَنَا مُحمّدُ، وَأَنا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الّذِي يَمْحُو الله بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الّذِي يُحْشَرُ النّاسُ عَلَى قَدَمَيّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ؛ أي الّذي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌ " وفي حديث آخر قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَمّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقَالَ: " أَنَا مُحَمّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيّ التّوْبَةِ، وَنَبِيّ الرّحْمَةِ ". و أسماء النبي صلى الله عليه وسلم نوعان:
- نوع خاص به لا يشارك فيه غيره من الرسل، كهذه الأسماء الخمسة التي وردت في حديثه الصحيح.
- ونوع آخر يشاركه فيه بقية الرسل كرسول الله، والشاهد، والنذير، ونبي الرحمة.
لكن من أشهر أسمائه صلى الله عليه وسلم (محمد) هذا اسم مفعول من الحمد، يتضمن الثناء على المحمود، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وقد كان عليه الصلاة والسلام محموداً عند الله، وكان محموداً عند الناس، وكان محموداً عند نفسه، كثرة تكرر وقوع الفعل عليه، مرةً بعد مرة، إما استحقاقاً، وإما وقوعاً، فمحمد هو الذي كثر حمد الحامدين له مرةً بعد مرة، أو الذي يستحق أن يحمد مرةً بعد مرة.
النبي صلى الله عليه وسلم ثمرة زواج عبد الله بن عبد المطلب بآمنة بن وهب. ولد في 12 من شهر ربيع الأول من عام الفيل، حينما توجه أبرهة الأشرم إلى مكة المكرمة، وإلى الكعبة ليهدمها، والقصة عندكم معروفة، حينما قال أبو طالب: إن للبيت رباً يحميه. لم ير النبي صلى الله عليه وسلم أباه، فقد مات أبوه في المدينة عند أخواله بني النجار، حيث بعث عبد المطلب ولده عبد الله ليشتري له تمراً من يثرب فتوفي هناك، وولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في حجر عبد المطلب. أمه توفيت بالأبواء بين مكة والمدينة، وهو في السادسة من عمره، فكان قد ولد يتيم الأب، ثم فقد أمه في طفولته، لكن جده عبد المطلب كفله ورعاه، غير أن جده ما لبث أن توفي بعد أن أوصى ولده أبا طالب برعايته، وكان قد بلغ الثامنة، ولد لا يعرف أباه، في السادسة توفيت أمه، في الثامنة توفي جده. وقد أشار القرآن الكريم إلى يتمه صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى﴾.
أيها الأخوة، صح أن (ثويبية) مولاة أبي لهب أرضعته صلى الله عليه وسلم، وثبت أن عمه حمزة بن عبد المطلب كان أخاه من الرضاعة، وصح أيضاً أن حليمة السعدية أرضعته، وعاش معها في البادية، وقد حدثت معجزة شق الصدر، وشق صدر النبي صلى الله عليه وسلم إشارة مبكرة إلى نبوته، ومعنى ذلك أن في النبوة شيئاً اختارهم الله على علم، وفي النبوة شيء آخر وهبي، فشق الصدر من الوهبيات، أما محبة رسول الله، وإقباله على الله، وإخلاصه، وخدمته للخلق هذا من المؤهلات، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ هذا دليل مؤهلات، اصطفاهم الله على علم، إن الله اختارني، واختار لي أصحابي، كل هذه النصوص تؤكد المؤهلات التي يتمتع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما شق الصدر، والمعجزات، والوحي، والذاكرة التي لا تنسى، فهذه كلها من الوهبيات التي هي أدوات تعريف، وأدوات التبليغ والرسالة. أما نص حادثة شق الصدر، فعن أنس بن مالك فيما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرابعة من عمره أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعونه إلى أمه أي حليمة السعدية، فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه، وهو منتقع اللون، وقال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما شق الصدر الثاني فكان ليلة الإسراء.
وقد وردت روايات كثيرة تفيد عطف أبي طالب عليه، وتعلقه به، ومما يدل على شدة محبة أبي طالب إياه أنه صحبه في رحلته إلى الشام، ولعل ضيق حال أبي طالب قد دفعه إلى العمل بمساعدته، فرعى له غنمه كما رعى لأهل مكة على قراريط. النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق، وحبيب الحق كان يرعى الغنم، وهذا وسام شرف للنبي.
أيها الأخوة، وشهد النبي صلى الله عليه وسلم في شبابه حين بلغ العشرين من عمره حلف الفضول، الذي تداعى زعماء قريش لعقده وتواثقوا بينهم، ألا يجدوا بمكة مظلوماً إلا نصروه، ولا صاحب حق مسلوب إلا أعادوا إليه حقه، هم مشركون، عبّاد أوثان، لكنهم أرادوا إحقاق الحق. ولهذا الحلف قصة: أن رجلاً من زبيد باع سلعة للعاص بن وائل السهمي، فماطله في الثمن، فشكا الزبيدي إلى قبائل قريش والأحلاف، فلم يلتفتوا إليه، فوقف عند الكعبة، وأنشد شعرا يصف مظلوميته فأثار هذا الشعر نخوة الزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فنادى زعماء قريش، وتم عقد هذا الحلف الذي حضره محمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وقد أشاد به بعد بعثه. قال النبي: " فإنما تنصرون، وترزقون بضعفائكم".
وهناك حلف آخر هو حلف المطيبين، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن شهود هذا الحلف، وأثنى عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأن غلام فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه".