أيها الإخوة، كانت بداية بناء المجتمع المدني بإقامة عهد المدينة، والذي نص على أن أهل يثرب أمة واحدة، سلمهم واحدة، وحربهم واحدة، وهذا مِن فِعل النبي عليه الصلاة والسلام، فكأنه أول من رسخ مفهوم المواطنة أو التعايش، حقناً للدماء. ومن أُسس النظام الإداري في الإسلام:
1. التشريع من عند الله وحده، و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :
حينما يشرّع الإنسان فإنّه يشرّع بنظر قاصر، يشرّع من زاوية واحدة، ولمصلحته، فيأتي تشريعه ناقصاً، فإذا حابى نفسه في التشريع، وحرم غيره نشأت الفتن، ولكن من أولى الخصائص المنهج الإلهي أن المشرّع ليس بشراً، هو خالق البشر، هو خالق الجميع، لا يحابي أحداً، ولا يحرم أحداً، ولا يعطي أحداً ما ليس له. لذلك النفوس جميعاً تخضع لتشريع سماوي، ولا تخضع لتشريع من بشر عنده قصر نظر، أو عنده رؤية محددة، أو عنده أهواء ومصالح يريد أن يحققها على حساب المجموع العام. سيدنا الصديق رضي الله عنه في أول خطاب خطبه قال فيه: << أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم >>. في مجتمع المسلمين أمر الله هو النافذ، تشريع الله هو المعتمد، الأمة الإسلامية تشريعها القرآن، وتفاصيل تشريعها سنة النبي، هذا الذي قامت عليه القاعدة الإدارية. طاعة الله ورسوله، والالتزام بكتاب الله، وسنة رسوله، هذه قاعدة أولى.
2. الشورى بين المسلمين:
القاعدة الثانية في النواحي الإدارية التي أرسى دعائمها النبي عليه الصلاة والسلام هي الشورى فيما بين المسلمين. ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ أبلغ من ذلك: أن هذا النبي الكريم، وهو الإنسان الأول سيد الأنبياء، وسيد الرسل، وسيد ولد آدم، أمره الله أن يشاور أصحابه، قال: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ فالمشاورة منهج إسلامي تقوم عليه الدولة الإسلامية. بل إن النبي عليه الصلاة والسلام شاور زوجته أم سلمة في صلح الحديبية، وأخذ بمشورتها، ونجحت مشورتها، الشورى مبدأ. وأيضاً في غزوة بدر لحكمة بالغةٍ أرادها الله عز وجل حجب الله عن نبيه الكريم الموقع المناسب يوم بدر وحياً وإلهاماً واجتهاداً، فلم يأته الوحي بالموقع، ولم يحسن اجتهاد الموقع، ولم يلهم صواب الموقع، لحكمة بالغة، فجاء صحابي جليل قمة في الأدب، فسأل النبي على استحياء، قال: يا رسول الله، هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك، فإذا كان وحيا فلا نتكلم كلمة ولا حرفا، أم هو الرأي أم المشورة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي والمشورة، أي اجتهاد، فقال هذا الصحابي الجليل: والله يا رسول الله ليس هذا بموقع، بكل تواضع، وبكل رحابة صدر، وبكل نفس رضية، وبكل تقدير، فقال له: جزاك الله خيراً، أين الموقع المناسب؟ فدله عليه، أمر أصحابه أن يتحولوا إليه، هذه هي الشورى. لأن فضيلة الرجوع إلى الحق لا يمكن أن تظهر من النبي، لماذا؟ لأنه معصوم لا يخطئ، فالله عز وجل حجب عنه الموقع المناسب، حجبه وحياً، وحجبه إلهاماً، وحجبه اجتهاداً، كي يشرع لنا فضيلة الرجوع إلى الحق.
3. المشاركة الجادة والمستمرة في بناء الحياة الإسلامية في كل المجالات:
ومن قواعد القاعدة الإدارية المشاركة الجادة والمستمرة في بناء الحياة الإسلامية الجديدة بكل المجالات، وعلامة الإيمان أنك تشارك غيرَك، والمسلمون في أول عهدهم كانوا كتلة واحدة، وقلباً واحداً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )) .
4.مشاركة المرأة في بناء المدينة الإسلامية:
المرأة لا تقلّ أهميةً عن الرجل، بل هي مساوية له في التكييف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، ومكلفة بأركان الإسلام، كما هو مكلف بأركان الإسلام، ومكلفة بأركان الإيمان، كما هو مكلف بأركان الإيمان، ومشرفة بطاعة الله، كما هو مشرف بطاعة الله، ومسؤولة عما استرعها الله، كما هو مسؤول عما استرعاه الله، المرأة مساوية مساواة تامة في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية. فلذلك مشاركة المرأة في بناء هذه الأمة الإسلامية مشاركة حتمية تؤكد أن المرأة نصف المجتمع، وأن المجتمع يقوم على شقين النساء والرجال.
5. احترام حقوق الإنسان والحرص على سلامته:
شيء آخر يقوم على إدارة المجتمع كقاعدة: إنه احترام الإنسان، والحرص على سلامته، والتمتع بكل حقوقه التي منحها الله له غير منقوصة، وبالتالي بذل كل الجهود لخدمة وإيصال كلمة الحق إليه، وله حرية الاعتقاد لقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ إنّ الإنسان مكرم، فالإنسان كل شيء من أجله، لذلك حينما يكون الإنسان ضحية في مجتمع ما فهذه هي الطامة الكبرى.
فلذلك احترام الإنسان واجب، الإنسان من حقه أن يحيى ، من حقه أن يعتقد ما يشاء، من حقه أن يكون حراً، وهذه هي حقوق الإنسان، والإسلام أولُ مَن نادى بها. حينما جاء رجل قبطيٌّ إلى سيدنا عمر يشكو له ظلم ابن أمير مصر، فاقتص منه، وقال له سيدنا عمر: << اضرب ابن الأكرمين >> وقال بعدها قولته الشهيرة: << متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ >>. الإسلام يحترم الإنسان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ )) . و النبي عليه الصلاة والسلام وقف لجنازة، فقيل: هذه جنازة يهودي، فقال: أليس إنساناً؟ كان يحترم الإنسان، كائناً من كان. مرة قال بعض أصحاب النبي كلمة سيئة مخاطبا بها رجلا آخر، فأنكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ … )) . فأصرّ قائل هذه الكلمة أن يضع رأسه على الأرض ليدوس ذلك الرجل على رأسه، تكفيراً لذنبه الذي ارتكبه.
لذلك الإنسان محترم في الإسلام، والمرأة محترمة في الإسلام، واحترام الإنسان والحرص على سلامته، والتمتع بكل حقوقه التي منحها الله له غير منقوصة، وبالتالي بذل كل الجهود لخدمته، وإيصال كلمة الحق إليه، يؤكد هذا قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾ يجب أن يكون الناس سواسية كأسنان المشط، والإنسان يجب أن يكون محترماً، لأنه هو المعني بكل ثروة في الأرض، وبكل منهج إلهي، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ويقول أيضاً: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾.
أيها الإخوة، عظمة هذا الدين أنه قابل للتطبيق على مستوى جماعي كبير، على مستوى أمة، وقابل للتطبيق على مستوى أسرة، فإن إن لم يتح لك أن تطبق على مستوى أمة فلا أقلَّ مِن أن تطبقه على مستوى أسرة، فكل إنسان يحيى حياة نابعة من منهج الله وسنة رسوله.