أيها الأخوة، بدأت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة بشكل سري، وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات، وكانت مكة تخضع لقريش بعشائرها الأربعة عشر، لكل منها كيانها الخاص، مع تحالفها ضمن إطارها العام، وكان من المتوقع أن ينتشر الإسلام في عشرية النبي صلى الله عليه وسلم ثم في قريش التي ينتمي إليها أخيراً، ولكن الذي حصل على خلاف ذلك، حصل أن الإسلام انتشر في كل العشائر من دون استثناء، وهذه من حكمة الله عز وجل. هذه الميزة أن الإسلام انتشر في كل العشائر كانت ميزة إيجابية يمكن أن تعود بالخير العميم على الدعوة الإسلامية في مراحل قادمة، إذاً: العشائر كلها انتشر فيها الإسلام على قدر المساواة، إذاً: الإسلام لا يفرق بين عشيرة وعشيرة، ولا بين قبيلة وقبيلة، ولا بين أبيض ولا أسود، ولا بين قريب وبعيد، الإسلام بالتعبير المعاصر أممي، كل من دخل في الإسلام فهو منا ونحن منه، كل ما دخل في الإسلام له ما لنا، وعليه ما علينا.
أيها الأخوة، لا يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة، كل التقسيمات التي تواضع الناس عليها تقسيمات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، أما في الحقيقة الناس صنفان، واحد عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسعد في الدنيا والآخرة، وواحد غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي في الدنيا والآخرة، ولن تجد نموذجاً ثالثاً. هذا تقسيم القرآن، هذا تقسيم الواحد الديان، هذا تقسيم السماء .
من هم السابقون إلى الإسلام؟
لا تنسوا أن الله عز وجل حينما قال: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ يعني أحياناً تكون القوة بيد المسلمين، فالذي ينخرط في الإسلام له ميزات كثيرة، لكن هل تعلم ما البطولة؟ أن يكون الإسلام ضعيفاً، وأن يكون متهماً بالإرهاب، وأن يكون الإسلام ملاحقاً، وأن يكون المسلم في الدرجة الدنيا في المجتمع في نظر الأقوياء والأغنياء ومع ذلك يسلم. بربكم سؤال دقيق، أريد أن تتأملوا فيه، لماذا كان النبي ضعيفاً؟ حينما مر على عمار بن ياسر وهو يُعذب، هل استطاع النبي أن يخلصه؟ قال: ((اصبروا يا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة)) النبي يرى أصحابه يعذبون ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، لماذا لم يكن النبي قوياً كأقوياء الأرض؟ لعل أحدهم يتوهم أن الدعوة عندئذٍ تكون سهلة، لا، الأقوياء إذا دعوا إلى شيء أقبل الناس بمئات الملايين، لا قناعة، ولا رغبة، ولا إيماناً، ولا حباً، ولكن خوفاً فقط، الله عز وجل جعل هذا الدين أساسه الحب، أساسه أن تأتي طائعاً، أساسه أن تأتي مختاراً، أساسه أن تأتي محباً، الحب أساس العلاقة بين العبد وربه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يهدي الناس جميعاً قسراً، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ فالله عز وجل أردنا أن نأتيه مختارين، أن نأتيه محبين، أن نأتيه بمبادرة منا، لماذا كان النبي ضعيفاً في بدء الدعوة؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك شيئاً يغري الناس، ولا شيئاً يخيف الناس، فالذي يؤمن به يؤمن به إيماناً حقيقياً عن قناعة، وهذا الذي أراده الله عز وجل، بعد حين أصبح النبي قوياً، لكن في بداية الدعوة الإسلام ضعيف، والمسلم يعاني من متاعب كبيرة جداً. فقد يأتي وقت أهل الكفر أقوياء جداً، يملكون ناصية الدنيا، معهم أسلحة فتاكة، وقد يأتي وقت يكون أهل الإيمان أقوياء جداً، لكن جئنا في زمن ضعف المؤمنين، فلو أن الله جعل القوة بيد المؤمنين إلى أبد الآبدين، لأصبح معظم أهل الأرض منافقين، تحقيقاً لمصالحهم، وضماناً لسلامتهم، ولو أن الله جعل القوة مع أهل الكفر والعناد لخرج الناس من دين الناس أفواجاً، فالحكمة تقتضي أن تكون الأيام متداولة بين بني البشر، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ .
- من النساء خديجة زوجة الرسول: أول من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من البشر كما هو واضح من حديث بدء الوحي عندما بشرته وصدقته فيما أخبرها به خديجة، لذلك قال :((كذبني الناس وصدقتني)) والنبي عليه الصلاة والسلام كان في أشد الوفاء لها في حياتها وبعد وفاتها، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يمدح خديجة طوال عمره، حتى مرة ضجرت عائشة، وقالت: ألم يبدلك الله خيراً منها؟ قال: لا والله لا والله لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها، هذا هو الوفاء، وكما تعلمون لما فتح مكة المكرمة، ركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر، وهذا أعلى درجة من الوفاء.
- من الصبيان علي بن أبي طالب: أما من الصغار، فسيدنا علي بن أبي طالب كان يعيش في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تأثر بالنبي فكان أول من الشباب، وكان في العاشرة من عمره.
- من الموالي زيد بن حارثة: من أوائل من أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله، مرةً خطر في بالي خاطر أن هذا زيد بن حارثة مولى لرسول الله، أهدته له خديجة، لماذا لم يعتقه النبي؟ جاءت في السيرة لما جاء أبو زيد وعمه ليفتديانه من رسول الله، قال: لا، لا أريد شيئاً دونكم زيد، فلما عرضوا عليه، قال: لا والله لا أترك محمد، ماذا رأى منه؟ رأى منه كمالاً أنساه أباه وأمه، هذا المؤمن، المؤمن محسن، فزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي.
- من الرجال أبو بكر الصديق: أما من أسلم من الرجال، من خارج بيت النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الجمهور هو أبو بكر الصديق، جاء في بعض الروايات ((ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر)) كان أبو بكر رجلاً مؤلفاً لقومه، محبباً لهم، سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله، وإلى الإسلام من وثق به من قومه. أسلم على يديه، عثمان بن عفان، كل أعمال عثمان بن عفان بصحيفة سيدنا الصديق، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك هذا الصديق في أعلى مرتبة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
- عبد الله بن مسعود أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وأنه أسلم وهو غلام.
أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن الله اختارني واختار لي أصحابي))
من أعظم إكرام الله لرسوله أنه أحاطه بأصحاب في أعلى مستوى، وكلما علا شأنك عند الله يجمعك الله بأناس يعرفون قيمتك.