الحقيقة الدقيقة أن الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا الذات الكاملة أصل الجمال والكمال والنوال، والإنسان أي إنسان على وجه الأرض حريص على سلامته وسعادته واستمراره، فسلامته باتباع تعليمات الصانع، وهو الله عز وجل، والإنسان أعقد آلة في الكون، ولأنه أعقد آلة لا بد أن يتبع الإنسان تعليمات الخالق الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة الخبيرة، قال تعالى: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ . وا لله عز وجل سخر هذا الكون كله للإنسان تسخير تعريفٍ وتسخير تكريم، موقف الإنسان من هذا الكون المسخر لك تسخير تعريف أن تؤمن، موقف الإنسان من هذا الكون المسخر لك تسخير تكريم أن تشكر.
هذا الكون الذي تحت سمعنا وبصرنا هو الثابت الأول في الدين، هذا الكون يشف عن خالق عظيم، وعن مربّ رحيم، وعن مسير حكيم، هذا الكون يشف عن ذات عليا، وصفات علا، يشف عن إله، كن فيكون، زل فيزول، فلذلك الإنسان يفكر بالكون، وأول نقطة أنت حينما تقرأ آية في القرآن الكريم فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تأتمر، وإذا قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تنتهي، إن قرأت قصة نبي أن تتعظ، إلى آخر موضوعات القرآن الكريم الكبرى، فإذا قرأت ألفاً وثلاثمئة آية بالقرآن تتحدث عن الكون والإنسان، السؤال الخطير ماذا تقتضي هذه الآيات؟ هذه الآيات التي تتحدث عن الكون، والتي تتحدث عن الإنسان ما الموقف منها؟
الحقيقة الدقيقة أن هناك قانوناً هذا القانون هو الإدراك، الانفعال، الحركة، ينطبق هذا القانون على كل أهل الأرض، شخص يمشي في بستان فوجد أفعى ما الذي يحصل؟ هذا الإنسان حينما يرى كوناً عظيماً وإلهاً قادراً تقتضي هذه الثقافة ثقافة التفكر في خلق السماوات والأرض أن أتصل بهذا الإله العظيم، إذاً الثقافة الأولى أن هذا الكون هو الثابت الأول، وهو مظهر الأسماء الحسنى والصفات العلا، هذا الكون يشف عن ذات الله، وعن كماله، وعن أفعاله، وعن حكمته، وعن رحمته، فأنا حينما أتفكر في خلق السماوات والأرض هذا التفكر أصل في الدين، بل هو أكبر عبادة على الإطلاق، والدليل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾ . ويتفكرون فعل مضارع يفيد الاستمرار.
هذه الجولة في التفكر في خلق السماوات والأرض، ترجع من خلالها مؤمناً بإله عظيم، أسماؤه حسنى، وصفاته فضلى، وكل هذا من الكون يؤخذ، هذا الإله العظيم عنده الجمال والكمال والنوال، ورد: ((إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم- لأنه يحب التوابين- وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم)) .
لذلك في القرآن موضوعات التفكر، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تلفت نظرنا إلى مظاهر الكون، تقتضي أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، فهذه الآيات تقتضي أن تتفكر، لأن التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، والتفكر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، التفكر طريق الإيمان ، وأصل الدين معرفة الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ من بديهيات العلم أن الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي، أي بيضوي، ما معنى بيضوي؟ أي له قطران قطر أطول وقطر أصغر، الأرض في القطر الأطول، تتجه إلى القطر الأصغر، ما الذي يحصل؟ حينما تقل المسافة بينها وبين الشمس بحسب قانون الجاذبية تزداد الجاذبية، الذي يحكم الجاذبية الكتلة والمسافة، فإذا قلّت المسافة ازدادت الجاذبية، هناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس، فإذا جُذبت إليها تبخرت في ثانية واحدة، لأن حرارة الشمس عشرون مليون درجة، ما الذي يحصل؟ الله عز وجل يرفع سرعة الأرض، فتنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة، فتبقى في مسارها، يد من؟ علم من؟ قدرة من؟ حكمة من؟
قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ الإنسان في رأسه شعر، تقريباً الحد المتوسط ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة شريان ووريد وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدة صبغية. هذه العين الطبقة الأولى طبقة شفافة، ما معنى طبقة شفافة؟ كل الجسم يتغذى بالشعريات إلا الطبقة الأولى بالعين تتغذى بالحلول، الخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وينتقل الغذاء بالحلول، لو انتقل بالشعريات لرأيت ضمن شبكة، ما هذه الحكمة؟
قال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ حوين منوي يتصل ببويضة من الأنثى بعد تسعة أشهر تجد جنيناً، في دماغه مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، في العين الملتحمة، القزحية، الشبكية، ما الشبكية؟ الشبكية مساحتها ميلي وثلث، تتسع لمليون وثلاثمئة ألف مستقبل ضوئي، أكبر آلة تصوير رقمية احترافية ثمنها ملايين في الميلمتر المربع عشرة آلاف مستقبل، من أجل دقة الصورة، والإنسان يرى تسعة ملايين لون يفرق بين تسعة ملايين لون، إذا أخذنا اللون الأخضر درجناه بين تسعة ملايين العين البشرية تفرق بين درجتين، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾.
قال تعالى: ﴿فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمونَ عَظيمٌ﴾ لو سألتني أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا الشمس، أقول لك: هو نجم يبتعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية، ماذا تعني أربع سنوات ضوئية؟ يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، في أربع سنوات ضرب أربع، هذا الرقم يستخرج في دقيقة على آلة حاسبة، لو كان هناك طريق لهذا النجم، أقرب نجم ملتهب، لو يوجد طريق معبد له، ولدينا مركبة أرضية نحتاج أن نقطعه إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام كي تصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، الآن متى نصل إلى نجم القطب بعده عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة، بعدها عنا مليونا سنة ضوئية؟ متى نصل إلى أحدث مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية؟ كنا بأربع سنوات ضوئية. الآن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يمكن أن يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، أنت حينما ترى الشمس قد أشرقت، هي أشرقت قبل ثماني دقائق، لكن حتى وصل شعاعها إليك اقتضى أن ننتظر ثماني دقائق.
كمال الخلق يدل على كمال التصرف، حينما تفكر في خلق السماوات والأرض تشعر أن هذا الإله العظيم لا يليق بكماله أن يدع عباده من دون توجيه، أنت تعامل خالق الأكوان، إذاً عندما تفكر بخلق السماوات والأرض، وتصل إلى قناعة يقينية أن هناك إلهاً عظيماً، وأن كمال الخلق الذي يبدو من خلال هذا الكون يدل على كمال التصرف، وأن الله عز وجل لا يليق بكماله أن يخلق الخلق عبثاً، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ تعالى الله أن يخلق الخلق عبثاً، فأنت عندما تفكر بعظمة هذا الكون تنتقل إلى عظمة خالق الكون، وهذا الخالق العظيم لا يمكن أن يدعنا بلا توجيه، بلا تعليمات، بلا رسل، بلا أنبياء، تبحث عن الحقيقة في القرآن الكريم، فإذا قرأت القرآن عرفت سرّ وجودك، وغاية وجودك، أنت إنسان تحتاج إلى فلسفة إسلامية، لماذا خلقت؟ ما حقيقة الكون؟ ما حقيقة الدنيا؟ ما حقيقة الإنسان؟ ماذا يعني الموت؟ ماذا بعد الموت؟
إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، أنا ممكن أن أوضح الفكرة بمثل، أنت مواطن محترم، راكب سيارتك، والإشارة حمراء، وهناك شرطي واقف، والآن يوجد كاميرا تصور، والآن تصور إذا كنت تضع حزام الأمان أم لا تضعه، وإذا كنت تدخن أو لا تدخن، كنت تتكلم بالهاتف أو لا تتكلم، ممكن أن يأخذوا لك عشرين مخالفة بهذه الصورة، لماذا ننضبط؟ لسبب بسيط لأن علم واضع القانون يطولك من خلال هذا الشرطي أو الكاميرا. مادام الآمر علمه يطولك وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، دعك من خالق السماوات والأرض، من إنسان وزير المالية، وزير الداخلية، عمل نظاماً وقانوناً فيه عقوبات رادعة، أبداً لا تخالفه، لعلمك اليقيني أن علمه يطولك وقدرته تطولك، فكيف إذا كان الله عز وجل هو الآمر؟ قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا﴾ ماذا اختار الله من أسمائه؟ العليم والقدير، أي الله عز وجل علمه يطولك وقدرته تطولك فكيف تعصيه؟ أنا لا أرى على وجه الأرض أغبى من العصاة لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم. حينما تعرف من هو الآمر، وتعرف عظمة هذا الآمر، وتعرف ما يترتب عليك لو خالفته تبادر إلى طاعته، أزمة أهل النار وهم في النار هي أزمة علم فقط، والدليل: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ أزمة علم، معلومات ما عرفوها، جاؤوا إلى الدنيا ما عرفوا الله، أكلوا، وشربوا، وتمتعوا.