بحث

الإيمان بالأنبياء والرسل

الإيمان بالأنبياء والرسل

بسم الله الرحمن الرحيم

     من لوازم الإيمان بالله الإيمان برسل الله، إذا كنّا نعترف بدولة ما فنعترف بسفيرها، إذا جاء السفير ومعه أوراق اعتماده فلابد من أن نعترف به، ما دمنا بالأصل معترفين بدولته، فمن لوازم الإيمان بالله الإيمان برسله، والإيمان بالرسل من العقائد التي لو أنكرها الإنسان لكفر، يجب أن تُعلَم بالضرورة. إذا كنت في طريق ما، ورأيت إنساناً كفيف البصر، وأمامه حفرةٌ كبيرة، ماذا تفعل؟ بدافع من رحمتك، بدافع من حِرصك، ألا تُذكّره؟ ألا تُحَذره؟ ألا تُنَبهه؟ كل ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى لأنه رحيم، لأنه رحمن رحيم، إذا وجد عباده قد ضّلوا وتاهوا وحاروا وسلكوا طريق شقائهم وهلاكهم، بعث إليهم بأنبيائه ورسله ليحذروهم وينذروهم، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لأن أسماءه حسنى وصفاته فُضلى لا يمكن أن يدع عباده من دون توجيه، من دون تحذير، من دون لفت نظر، فالأنبياء والرسل رحمة من الله سبحانه وتعالى، تحذير، تبشير، توضيح، بيانٌ للحقيقة. ففي صفة عقيدة المؤمنين قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ويأمر الله سبحانه وتعالى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ويأمرنا معه فيقول:  ﴿قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.      

     من مقتدى الإيمان بالله أن يُصَدِّق الإنسان في كل ما يخبرنا الله عنه، هذا يقتضي الإيمان برسله الذين أخبر عنهم في كتابه، أي إذا أنت آمنت بالقرآن الكريم على أنه كتاب من عند اللـه، يقتضي الإيمان بالقرآن الكريم أن تُصَدِّق بكل ما جاء فيه، أنت لم ترَ سيدنا لوط، ولا سيدنا إبراهيم، ولا سيدنا عيسى، ولا سيدنا موسى، لكن أخبار هؤلاء الأنبياء الكرام جاءت في القرآن الكريم، وأنت مؤمن بالقرآن الكريم، فإيمانك بالله أولاً، وبكلامه ثانياً، يقتضي أن تؤمن بجميع الرسل والأنبياء الذين أخبر عنهم في القرآن الكريم، ثم إن الإيمان بواحد من الرسل لا ينفك عن الإيمان بجميع الأنبياء والرسل. قال الله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ  وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ فهذا المجتمع أو هذه الأمة أو هذه القرية قتلت هذا النبي، فلماذا جعل الله القتل جماعياً؟ لأنك إذا كفرت بهذا النبي فكأنما كفرت بالأنبياء كلهم، الأنبياء وحدة لا تتجزأ، إما أن تؤمن بهم جميعاً، وإن لم تؤمن بهم جميعاً فكأنك كفرت بهم جميعاً، تجزيء لا يوجد.  

     ماذا تعني كلمة النبي؟ الحقيقة في اللغة النبوة مأخوذة من النبأ، النبوة من النبأ، أي هذا الإنسان الذي اصطفاه الله سبحانه وتعالى أنبأه بالحقائق، فهو يُنَبِّئُ الناس بها، أنبأه الله أولاً ونبّأ الناس ثانياً فهو نبي، فالنبوة مشتقة من فعل نبأ، أو أنبأ، والأصل مأخوذ من النبأ أي الخبر، فالنبي أنبأه الله عن أخبار السماء، وكلفه أن يُنْبِئ الناس عن حقائق التوحيد، وحقائق التشريع فهو نبيّ، فالنبوة بشكل أو بآخر مقام علمي، رتبة علمية، أي هذا الإنسان باتصاله بالله المستمر بلغ مرتبة النبوة بمعنى أنه عرف الحقائق المطلقة، عَرَفها وعرّفها للناس. والنَّبوَة أي ما ارتفع من الأرض، يقال: نبأ الشيء إذا ارتفع، كيف ارتفع؟ هذا النبي الكريم ارتفع عن سائر الخلق، هو في واد والناس في واد، الناس في همومهم، وفي معاشهم، وفي خلافاتهم، وفي خصوماتهم، وفي جمع الدرهم والدينار، وفي الكسب الحرام، وفي الانغماس بالشهوات، وفي التنافس على حطام الدنيا، والنبي في معرفة الله، وفي الإقبال عليه، وفي تعريف الخلق به، وفي خدمة عباده، وفي معرفة ملكوت السماوات والأرض، لأنه في واد والناس في واد نبأ عليهم، بمعنى ارتفع عن مستواهم، ارتفع عن مشاغلهم، عن اهتماماتهم، عن حطام الدنيا، عن وحول الدنيا، عن شهوات الناس.  يتوهم الناس أن هذا النبي الله عز وجل اختصه وانتهى، إنسان من عامة الناس، إنسان عادي جداً، الله عز وجل اختصّه بالنبوة وانتهى الأمر، الله سبحانه وتعالى جعل النبوة في خير خلقه، أشدهم حباً له، جعلها في أشدهم حباً له، في أشدهم طاعة له، في أشدهم ورعاً، في أشدهم تمسكاً، النبوة ليست كسبية، وإنما هي هبة من الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه الهبة مبنية على علم، وهذا الاصطفاء مبني على علم، لو فرضنا أردنا أن نعين سفيراً لنا في بلد أجنبي، ألا نختار إنساناً يتقن اللغة الأجنبية؟ معه شهادة عالية؟ هذا سيمثّل أمة، أمة بأكملها، فحينما تختار الحكومة إنساناً ليكون سفيراً أتختاره من الطريق؟ أم يوجد دراسات، يوجد اصطفاء، يوجد دراسة دقيقة، إذا كان إنسان يختار إنساناً وفق أصول فكيف رب العزة؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾،  هؤلاء مُصطَفون أخيار، قمم الكمال البشري، الأنبياء قمم. لماذا اصطفاهم الله عزّ وجل؟ لأنهم كانوا دائمي الاتصال بالله سبحانه وتعالى، صار السبب واضحاً، لماذا اصطفاهم؟ اصطفيناهم: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ، علمنا أنهم لا ينقطعون.  

     ماذا تعني كلمة الرسول؟ الآن الرسالة؛ في اللغة التوجيه بأمر ما، فالرسول هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه، وفي الاصطلاح الشرعي: تكليف الله نبياً من أنبيائه لتبليغ شريعته للناس. النبوة مقام، تُنبؤ، مقام اتصال بالله، اتصال وتنبؤ، أما الرسالة فمقام تبليغ، النبوة تلقٍّ الرسالة إلقاء، النبوة تلقٍّ أما الرسالة إلقاء، فكل رسول يجب أن يكون نبياً وليس العكس. ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾.

     قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الآية دقيقة جداً: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍأي هؤلاء الذين اصطفاهم الله عزّ وجل ليسوا من طينة غير طينة البشر، لا، إنهم من بني البشر، من طينة واحدة، لو أنهم من طينة أخرى، لو أن الله سبحانه وتعالى أعطاهم إمكانات خاصة فاقوا بها الناس لما كان لهم الفضل في تفوقهم، أي إذا كان هناك طالب أعطيناه الأسئلة، فأخذ علامة تامة، فكان الأول، هل هذه ميزة؟ أما إذا كان ظرفه مشابهاً لظرف جميع الطلاب لا يعلم الأسئلة، وقد أخذ المرتبة الأولى، هذا تفوق، ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾. فالتفوق عظيم لأنه من طينة البشر، قال تعالى: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ .  



المصدر: العقيدة الإسلامية - الدرس : 24 - الإيمان بالأنبياء والرسل ، وبما أنزل عليهم