دعوى الإيمان وحقيقة الإيمان، أضرب على ذلك مثلاً، هؤلاء الذين قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ هذا ادعاء منهم يا ترى الله عز وجل هل قبل دعواهم؟ لم يقبل دعواهم، لو قبل دعواهم لما عذبهم، فقال تعالى: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ أي أن الله عز وجل رفض دعواهم والدليل أنه يعذبهم بذنوبهم ثم يقول: ﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ ليست لكم أية ميزة كأية أمة خلقها الله، لو أن المسلمين قالوا نحن أمة سيد الخلق وحبيب الحق، نحن أمة خاتم الأنبياء، الرد نفسه: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾.
- حينما قال الله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُعذب المسلمون وفيهم رسول الله، ما معنى فيهم رسول الله؟ يعني منهجه مطبق في حياتهم. ما دام منهج النبي عليه الصلاة والسلام مطبق في حياتنا فنحن في مأمن من عذاب الله، فإذا كنا نعذب معنى ذلك أن الله لم يقبل خيريتنا، حينما قال الله عز وجل: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ ما قبل الله خيريتنا لأننا لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر.
- قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ ما القلب السليم؟ العلماء قالوا: القلب السليم الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يحتكم إلا لشرع الله، ولا يعبد إلا الله، هذا مقياس.
- مقياس آخر في وضع سيء: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ إن لم يبدأ التغيير من ذاتك، من نفسك، من تصوراتك، من توجهاتك، لم يحدث التغيير، مقياس القلب قضية داخلية وليست خارجية، والنقطة الدقيقة أن بالإنسان قلب، هذا القلب مركزه النفس: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب)) هذا الحديث ينطبق على قلب الجسم وعلى قلب النفس، الصلاح من الداخل، الصلاح نية طيبة، صفاء داخلي، حب للخلق، خلو الحقد من القلب، لا في حقد ولا حسد ولا في كراهية ولا في استعلاء ولا في تميز.
- شيء آخر هناك بالحياة ما يسمى بالاثنينية، كيف؟ هناك حق، وهناك باطل، خير وشر، جمال وقبح، معروف و منكر، استقامة وانحراف، شجاعة و جبن، كرم و بخل، إنصاف و جحود، إيمان و هوى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ إن لم تكن على خط المؤمنين فأنت على خط أهل الهوى، أوضح لكم هذه، نقطتان أنت بينهما كلما اقتربت من نقطة ابتعدت عن الثانية وكلما اقتربت من الثانية ابتعدت عن الأولى، فإذا في نقطتان الإيمان والهوى، يعني طاعة الله وطاعة النفس، شيء يسمو بك إلى الله شيء يقربك إلى الدنيا، أية حركة نحو الأولى هي حركة معاكسة نحو الثانية، أوضح دليل من أحبّ دنياه أضر بآخرته، ومن أحبّ آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى.
- قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ يعني تضطرب، تحس بخفقة قلب، تحس بدمعة انهارت من عينك على خدك، تحس بقرب من الله يقشعر جلدك، يرتجف قلبك؟ ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ كلمة حقاً تميز بين من هو مؤمن حقاً وبين من هو مؤمن شكلاً، مثلاً الطبيب العادة يرتدي رداء أبيض وهناك نظارة على عينيه في الأعم الأغلب وسماعة قلب بأذنه وميزان حرارة بجيبه، فلو جئنا بإنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب ألبسناه ثوباً أبيض وضعنا نظارة على عينيه وسماعة قلب بأذنيه وميزان حرارة في جيبه وصورناه هذا طبيب؟ هذا طبيب شكلاً، أما الذي معه بورد بعد دراسة سبع وثلاثين سنة وعمل خمسمئة عملية جراحية ناجحة نقول ذاك طبيب حقيقة، هناك فرق بين أن تقول هذا طبيب حقيقة وهذا طبيب شكلاً.
- كلما زادت قناعاتك تغلبت على شهواتك، وكلما قّلت قناعاتك تغلبت عليك شهواتك، القصة واضحة جداً عندك شهوات وعندك قناعات، القناعات المحدودة لا تقف أمام الشهوات الجامحة، والشهوات الجامحة علاجها إيمان قوي، لذلك: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ لذلك ينبغي أن تزداد عندك قناعاتك بعظمة مقام الله عز وجل. يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن النور إذا دخل الصدر انفسح، فقيل يا رسول الله: هل لذلك من علم يعرف ـ في علامة ـ ؟ قال نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله)).
- من علامات الإيمان، تدبر القرآن، لا تحابي نفسك كن جريئاً، اقبل الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لذلك أنا أرى أن تلاوة القرآن شيء، وفهمه شيء آخر، وتدبره شيء ثالث، التدبر كلما قرأت آية أين أنت من هذه الآية؟ هذا ما اسمه تدبر، مثلاً: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ هل يضطرب قلبي إذا ذكرت الله؟ هذه الآية تصف المؤمنين أين أنت منهم؟ المنافقون: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ أين أنا من هذه الآية؟ إذا قمت إلى الصلاة متكاسلاً فكأنني على ثلمة من النفاق. أتمنى أن تقرأ القرآن برؤية أخرى، صفات المؤمنين، صفات المنافقين، صفات الكفار، وفي كل آية فيها وصف للمؤمنين راجع نفسك أين أنت؟ هذا القرآن كما قال الله عز وجل: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ . هذا إيمان، القرآن يدور معك دورات دقيقة جداً.
- أوثق شيء يشدك إلى الإيمان، أن تحب لله وأن تبغض لله، قد تحب إنساناً فقيراً لكنه مؤمن وقد تكره إنساناً غنياً جداً لكن دخله غير مشروع، أعوام الناس يعظمون الغني ويزورون عن الفقير، أما المؤمن يُعظم الفقير المؤمن ولا يأبه للغني المنحرف، فأنت حينما تتوجه للقوي والغني وتعلم أن له معاصٍ لا تعد ولا تحصى، ولا يصلي، أنت كمؤمن تتوجه إليه، تحترمه احتراماً زائداً، تتضعضع أمامه، من جلس إلى غني فتضعضع أمامه ذهب ثلثا دينه. كلما ازداد إيمانك تحب أهل الإيمان ولو كانوا فقراء، ولو كانوا ضعفاء، وتبغض أهل الكفر والعصيان ولو كانوا أغنياء وأقوياء، هذه علامة.
- علامة ثانية دقق في آية والله تقصم الظهر: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ وكيل شركة عملاقة وأنت وكيل حصري لكن في منتجاتها مواد محرمة وأجبروك أن تستوردها، ماذا نفعل الله يسامحنا، استوردها، يأتي مندوب الشركة يطلب خمراً لا نستطيع أن نحزنه: ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ الطريق إلى الله ليس سالكاً، مسدوداً: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ . أتمنى عليكم إذا قرأتم القرآن، كلما قرأت آية فيها ملمح يشير إلى صفات المؤمنين أن تجمعها، تجمعها في دفتر أو في كتيب هذا منهجك، راقب نفسك هل يعقل أن تؤثر الدنيا على الآخرة؟ أحياناً والله أعرف أخوة كرام يركلون صفقات بمئات الألوف، أحياناً بضعة ملايين أرباحها فيها شبهة كبيرة جداً، معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين.
الدين دقيق جداً لا تظن أنك إذا دخلت إلى جامع وصليت أصبحت صاحب دين، لا، الدين عند الحلال والحرام، أن يراك حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك.