بحث

علامات الإيمان

علامات الإيمان

بسم الله الرحمن الرحيم

دعوى الإيمان وحقيقة الإيمان:  

      أيها الأخوة الكرام، أولاً هناك حقيقة وهي أن كل إنسان يدعي الإيمان، والادعاء سهل جداً:  

كل يدعي وصلاً بليلى   وليلى لا تقر لهم بذاكا  

      دعوى الإيمان وحقيقة الإيمان، أضرب على ذلك مثلاً، هؤلاء الذين قالوا:   نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ   

      هذا ادعاء منهم يا ترى الله عز وجل هل قبل دعواهم؟ لم يقبل دعواهم، لو قبل دعواهم لما عذبهم، الآية دقيقة جداً، الذين قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ  

      ردّ الله عليهم فقال:  قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ   

      أي أن الله عز وجل رفض دعواهم والدليل أنه يعذبهم بذنوبهم ثم يقول: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ   

      ليست لكم أية ميزة كأية أمة خلقها الله، لو أن المسلمين قالوا نحن أمة سيد الخلق وحبيب الحق، نحن أمة خاتم الأنبياء، الرد نفسه: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ   

      حينما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ .  

      يعني مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُعذب المسلمون وفيهم رسول الله، ما معنى فيهم رسول الله؟ يعني منهجه مطبق في حياتهم.  

      ما دام منهج النبي عليه الصلاة والسلام مطبق في حياتنا فنحن في مأمن من عذاب الله، فإذا كنا نعذب معنى ذلك أن الله لم يقبل خيريتنا، حينما قال الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ   

      ما قبل الله خيريتنا لأننا لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر.   

      على الإنسان أن لا يحابي نفسه، لا يتوهم نفسه بمرتبة هو دونها، الحقيقة المرة دائماً أفضل ألف مرة من الوهم المريح، والله عز وجل جلّت حكمته لما الإنسان يتوهم نفسه بدرجة إيمان عالية الله عز وجل يُحجمه، يضعه في ظرف صعب فلا يرضى عن الله أين إيمانه؟ سيدنا إبراهيم كان المثل الأعلى:   يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102)   

       فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)   

      كلما الإنسان ادعى مرتبة في الإيمان ليس في مستواها الله عز وجل  يُحجمه، يضعه في ظرف صعب فلا ينجح في الامتحان، في امتحانات دقيقة جداً لذلك الذي أتمنى أن يكون واضحاً أن للإيمان علامات، كن جريئاً وحاول أن تطبق هذه العلامات على نفسك، فإن كنت كما جاء في القرآن الكريم اشكر الله عز وجل، وإلا إياك أن تتوهم أن القضية قضية دعوى.  

       يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) .  

      ما القلب السليم؟ العلماء قالوا: القلب السليم الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، ولا يحتكم إلا لشرع الله، ولا يعبد إلا الله، هذا مقياس: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) .  

      قلب لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، لا يعبد غير الله، لا يحتكم إلا لشرع الله، هذا مقياس.  

      مقياس آخر في وضع سيء: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ .  

      إن لم يبدأ التغيير من ذاتك، من نفسك، من تصوراتك، من توجهاتك، لم يحدث التغيير، مقياس القلب قضية داخلية وليست خارجية، والنقطة الدقيقة أن بالإنسان قلب، هذا القلب مركزه النفس: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا .  

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب  

      ومن أعظم العبر أن هذا الحديث الشريف الصحيح ينطبق على قلب الجسم وعلى قلب النفس، الصلاح من الداخل، الصلاح نية طيبة، صفاء داخلي، حب للخلق، خلو الحقد من القلب، لا في حقد ولا حسد ولا في كراهية ولا في استعلاء ولا في تميز، أنا أقول لكم هذه الكلمة أي إنسان توهم أن له ما ليس لغيره وأن على غيره ما ليس عليه فهو عنصري، سقط من عين الله، أوضح مثل أنت حينما لا تعامل زوجة ابنك في البيت كما تتمنى أن تعامل ابنتك عند بيت أهل زوجها فأنت عنصري، حينما ترى ما لنفسك ما ليس لزوجتك أو ترى على زوجتك ما ليس عليك، فأنت عنصري، فلذلك الإيمان مرتبة أخلاقية عالية جداً، أولاً:   إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89).  

إن أردت التغيير ينبغي أن يبدأ التغيير من الداخل.  

الإيمان والهوى:  

      شيء آخر هناك بالحياة ما يسمى بالاثنينية، كيف؟ هناك حق، وهناك باطل، خير وشر، جمال وقبح، معروف و منكر، استقامة وانحراف، شجاعة و جبن، كرم و بخل، إنصاف و جحود، إيمان وهوى.  

      أيها الأخوة الكرام، إن الإنسان حينما يتحرك، حينما يعمل، ينطلق من أحد شيئين ؛ إما من إيمان أو من هوىً ولا ثالث لهما، إما بدافع من شهوة أو هوىً، أو بدافع من إيمان، إما انطلاقاً من عقله أو من شهوته، وعمله يعكس حجم إيمانه أو حجم شهوته .  

      أيها الأخوة،  حينما يكون الإنسان ضعيف الإيمان فكل أفعاله الخاطئة أعراض لضعف إيمانه، فمعالجة هذه الحالات لا تكون بعلاج جزئي لكل مرض، بل تكون بعلاج أصل المرض، وهو ضعف الإيمان، لذلك الكلمة الدقيقة أن ما يعانيه الناس اليوم هي أعراض الإعراض عن الله، فمحاولة معالجة هذه المشكلات كل مشكلة على حدة بعيداً عن ضعف الإيمان معالجة غير ناجحة، لأن الأصل هو ضعف الإيمان، تماماً كما لو أن طفلاً ارتفعت حرارته فالطبيب المتفوق يعالج أصل المرض وهو الالتهاب، بينما الطبيب الناشئ يعطيه خافضاً للحرارة.  

الآن الشهوات التي أودعها الله في الإنسان في قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  

      هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان تجذب الإنسان إلى الأرض، تشده إلى الأرض، وإيمانه ومعرفته بسرّ وجوده وغاية وجوده معرفته بالله تشده إلى الله والدار الآخرة، فإما أن تتغلب شهوات الأرض فيشد الإنسان إلى الدنيا، وإما أن تتغلب حقائق الإيمان وعندئذ يشد الإنسان إلى الدار الآخرة.  

      والدين أيها الأخوة  إن أردنا ضغطه كله ينضغط بكلمة الاستقامة   

       قال تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (22)   

      أي انصاع لأمر الله، استقام على أمر الله، وفضلاً عن ذلك أعطى من ماله، من وقته، من جهده، من خبرته، من علمه:  فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (22)   

      أيها الأخوة، الآن من أين نبدأ؟ إنسان يتحرك بدافع شهوته، هؤلاء البشر جميعاً: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)  

      كل شخص يتحرك بدافع من شهوة أومن إيمان، وبهدف واضح أو غير واضح،   إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى  

      من أين يبدأ الإنسان؟ حينما يستيقظ قلبه، عندنا حال اسمه اليقظة وحال اسمه الغفلة، أخطر حال يعاقب به الإنسان أن يغفل عن الله، الغفلة من أخطر الأمراض، غافل عن مصيره، غافل عما بعد الموت، غافل عما في خريف الحياة من متاعب، غافل من أن الله سيحاسب وسيعاقب، غافل أن هناك جنة لا نهاية لها، وأن هناك نار لا نهاية لها، غافل عن حقائق خطيرة، حينما تكشف له عند الموت يصعق: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)    

      الإنسان حينما تنكشف له الحقيقة المرة يقول: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي .  

      إن أكبر مصيبة حينما يكتشف الإنسان أنه خسر الآخرة: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .  

      إذاً البدء من يقظة في حركة يومية، من يوم إلى يوم، من أسبوع إلى أسبوع، من شهر إلى شهر، من فصل إلى فصل، يكتشف الإنسان بعد حين أنه على مشارف الموت، الأيام تمضي سريعاً، فالحركة غير المدروسة، الحركة العشوائية، حركة الحياة، أكلنا، وشربنا، ونمنا، واستيقظنا، وذهبنا إلى أعمالنا، وعدنا إلى البيت، وأكلنا، ونمنا، وسهرنا، وتحدثنا، وسمعنا الأخبار، إلى ما شاء الله، لماذا أنت في الدنيا؟ الإنسان متى يصحو من غفلته؟ عند الموت: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)     

      أيها الأخوة،  أذكى إنسان هو المتكيف، من تعريف الذكاء الجامعة المانعة أن الذكاء هو التكييف، التكيف مع ماذا؟ التكيف مع أخطر حدث مستقبلي، أخطر حدث مستقبلي هو الموت، والدليل: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً .  

      بدأ بالموت لأنه أخطر، الحياة أمامك، عندك خيارات لا تعد ولا تحصى، الإنسان حينما يولد أمام خيارات لا تعد ولا تحصى، أما حينما توافيه المنية أمام أحد خيارين إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفذ عذابها، فلذلك: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ (46)  

      هناك كلمة أرددها كثيراً ثم ماذا؟ جمعت أموالاً طائلة، معك أموال منقولة وغير منقولة، ثم ماذا؟ هناك موت، في الموت بحسب الظاهر تخسر كل شيء، ما جمعته في عمر مديد تخسره في ثانية واحدة، كل ثروتك، وكل منجزاتك، وكل أموالك، وكل مكانتك مبنية على نبض القلب، القلب يقف أحياناً ولأسباب لا تعد ولا تحصى، أحدها سكتة قلبية، كان إنساناً صار خبراً على الجدران، كان إنساناً مخيفاً صار إنساناً في نعش، كل قيمة الإنسان، وهيمنته، ومكانته، وسيطرته، وعظمته، مبنية على سيولة دمه، فإذا تجمد الدم في أي مكان في الإنسان أصيب بجلطة، وفي الأعم الأغلب قاتلة، كل عظمة الإنسان، وقوته، ومكانته، وهيمنته بنمو خلاياه، فإذا نمت نمواً عشوائياً يعني ورم خبيث انتهى، هذه الكلمة، ثم ماذا؟ ماذا بعد الغنى؟ الموت، ماذا بعد أن ترتقي إلى أعلى منصب؟ الموت، ماذا بعد أن تغرق في ملذات الدنيا؟ الموت، ثم ماذا؟ فلذلك البطولة أن تكتشف الحقيقة في وقت مبكر.  

       فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ (50)   

      إن لم تكن على خط المؤمنين فأنت على خط أهل الهوى، أوضح لكم هذه، نقطتان أنت بينهما كلما اقتربت من نقطة ابتعدت عن الثانية وكلما اقتربت من الثانية ابتعدت عن الأولى، فإذا في نقطتان الإيمان والهوى، يعني طاعة الله وطاعة النفس، شيء يسمو بك إلى الله شيء يقربك إلى الدنيا، أية حركة نحو الأولى هي حركة معاكسة نحو الثانية، أوضح دليل   

       من أحبّ دنياه أضر بآخرته، ومن أحبّ آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى  

      تجلس بمجلس علم اقتربت من الإيمان، تقرأ القرآن يومياً اقتربت من الإيمان، تؤدي الصلوات الخمس بإتقان اقتربت من الإيمان، تصاحب مؤمناً اقتربت من الإيمان، تصاحب غير المؤمن أبعدك عن الإيمان، تنزل إلى الأسواق وتستمتع بما ترى في الطرقات من نساء كاسيات عاريات ابتعدت عن الإيمان، أنت بالحركة اليومية في حركة تقربك من الله وتبعدك عن الشيطان، وفي حركة تقرب من الشيطان وتبعد عن الدنيا.  

زيادة القناعات ترجح كفة الإيمان على الهوى:  

      أيها الأخوة، الشيء الحاصل أنك تعيش في الدنيا، الدنيا فيها شهوات وقد أودع الله فيك هذه الشهوات، يعني في امرأة جميلة تمشي في الطريق بثياب مبتذلة معظم مفاتنها ظاهرة، هذا شيء، أودع الله في الإنسان حب المرأة، هناك مال وفير كلمة مليون، عشرة ملايين، مئة مليون، كلمة المال شيء محسوس، المرأة محسوسة، بيت فخم جداً، سيارة يقول لك ثمنها ثمانية عشر مليوناً أحدث موديل، هذه أشياء محسوسة، النقطة الدقيقة أنه يوجد إيمان، يا ترى هل تستطيع أفكار بسيطة في الإيمان، مبادئ الإيمان، أن الله خلق السماوات والأرض، هذه الأفكار البسيطة هل تستطيع أن تلجمك عن هذه الشهوات؟ تصور أنت حضرت درس علم حصلت بهذا الدرس عشر غرامات إيمان وعندك شهوات وزنها عشرة كيلو، العشر غرامات لا تقف أمام العشرة كيلو، أنت مندفع إلى طعام نفيس، إلى شهوة لا ترضي الله، إلى التمتع بالحياة، فكلما زادت قناعاتك رجحت كفة الإيمان إلى أن تصبح قناعاتك أقوى من كل شهواتك، يعني لما سحرة فرعون يخاطبون جباراً من جبابرة الأرض وقتلهم يتم بثانية واحدة، لا محاكمات ولا محامي إدعاء لا يوجد شيء إطلاقاً، قالوا له: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ     الدُّنْيَا(72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73)  

      وقفوا أمام فرعون طاغية الطغاة، لما تؤمن تحس حالك بقوة تفوق حدّ الخيال.  

      لذلك كلما زادت قناعاتك تغلبت على شهواتك، وكلما قّلت قناعاتك تغلبت عليك شهواتك، لماذا حضور مجلس العلم؟ من أجل أن تزداد قناعاتك في كفة الإيمان، القصة واضحة جداً عندك شهوات وعندك قناعات، القناعات المحدودة لا تقف أمام الشهوات الجامحة، والشهوات الجامحة علاجها إيمان قوي،   

      لذلك:   وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) .  

      لذلك ينبغي أن تزداد عندك قناعاتك بعظمة مقام الله عز وجل.  

       يقول النبي عليه الصلاة والسلام:  إن النور إذا دخل الصدر انفسح، فقيل يا رسول الله: هل لذلك من علم يعرف  ـ في علامة ـ؟ قال نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله  

ورد في الأثر:وإن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً، و أحزمكم أشدكم استعداداً له، ألا و إن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، و الإنابة إلى دار الخلود، و التزود لسكنى القبور، و التأهب ليوم النشور  

علامات الإيمان: 

أولا:  الخشوع في الصلاة وعند قراءة القرآن:  

      الآن الذي أريده سأحاول أن أضع بين أيديكم علامات الإيمان من خلال الكتاب والسنة، دقق:  

       قال الله تعالى:   إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ (2)   

      إنما أداة حصر: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2)   

      يعني تضطرب، تحس بخفقة قلب، تحس بدمعة انهارت من عينك على خدك، تحس بقرب من الله يقشعر جلدك، يرتجف قلبك؟   

       إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)  

       الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا (4)   

      كلمة حقاً تميز بين من هو مؤمن حقاً وبين من هو مؤمن شكلاً، مثلاً الطبيب العادة يرتدي رداء أبيض وهناك نظارة على عينيه في الأعم الأغلب و سماعة قلب بأذنه و ميزان حرارة بجيبه، فلو جئنا بإنسان أمي لا يقرأ ولا يكتب ألبسناه ثوباً أبيض وضعنا نظارة على عينيه وسماعة قلب بأذنيه وميزان حرارة في جيبه وصورناه هذا طبيب؟ هذا طبيب شكلاً، أما الذي معه بورد بعد دراسة سبع وثلاثين سنة وعمل خمسمئة عملية جراحية ناجحة نقول ذاك طبيب حقيقة، هناك فرق بين أن تقول هذا طبيب حقيقة وهذا طبيب شكلاً، فلذلك: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3)أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا (4)   

      كلمة حقاً حقيقةً: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4)   

ثانيا: عدم محاباة النفس والجرأة في مواجهتها:  

      الآن من علامات الإيمان، لا تحابي نفسك كن جريئاً، اقبل الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لذلك أنا أرى أن تلاوة القرآن شيء، و فهمه شيء آخر، و تدبره شيء ثالث، التدبر كلما قرأت آية أين أنت من هذه الآية؟ هذا ما اسمه تدبر، مثلاً: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2)   

      هل يضطرب قلبي إذا ذكرت الله؟ هذه الآية تصف المؤمنين أين أنت منهم؟ المنافقون: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى (142)   

      أين أنا من هذه الآية؟ إذا قمت إلى الصلاة متكاسلاً فكأنني على ثلمة من النفاق،   وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى (142) .  

      أتمنى أن تقرأ القرآن برؤية أخرى، صفات المؤمنين، صفات المنافقين، صفات الكفار، وفي كل آية فيها وصف للمؤمنين راجع نفسك أين أنت؟ هذا القرآن كما قال الله عز وجل: فِيهِ ذِكْرُكُمْ (10)   

      مثلاً، دخلت إلى عند صديقك مع صديق، لك صديق مريض دخلت عليه ومع صديقك هدية ثمينة، الابن أخذ الهدية من يد صديقك وضعها بمكان، ما عرف عند الأب من هو الذي قدم الهدية، هناك إنسان يبقى صامتاً لعله يتوهم أنها مني، هذه ليست منك من الثاني، هل تحب أن تحمد بما لم تفعل؟ في وصف قرآني: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا (188)   

      لا، قل له الأخ الله يجزيه الخير معه هدية أعطاها لا أحب أن أحمد بما لم أفعل، هل تحب أن تحمد بما لم تفعل؟ هذا إيمان، ليست مني هذه من فلان جزاه الله خيراً، القرآن يدور معك دورات دقيقة جداً، لما تقرأ القرآن اعرض نفسك على هذه الآية أين أنت منها، هذا التدبر، أن تعرض نفسك على هذه الآية أين أنت منها؟  

ثالثا: محبة أهل الإيمان و لو كانوا فقراء:  

      الآن إن أوثق عرى الإيمان، أوثق شيء يشدك إلى الإيمان، أن تحب لله وأن تبغض لله، قد تحب إنساناً فقيراً لكنه مؤمن وقد تكره إنساناً غنياً جداً لكن دخله غير مشروع، أعوام الناس يعظمون الغني ويزورون عن الفقير، أما المؤمن يُعظم الفقير المؤمن ولا يأبه للغني المنحرف، فأنت حينما تتوجه للقوي والغني وتعلم أن له معاصٍ لا تعد ولا تحصى، ولا يصلي، أنت كمؤمن تتوجه إليه، تحترمه احتراماً زائداً، تتضعضع أمامه، من جلس إلى غني فتضعضع أمامه ذهب ثلثا دينه.  

      هذا مقياس، أنت أحياناً يكون المؤمن مستواه المادي ضعيف جداً، بيت صغير لكن مستقيم، مؤمن إيماناً كبيراً، له صلة بالله كبيرة، هل عندك إمكانية أن تحب هذا؟ وأن تقدر هذا؟ وأن تعتني بهذا؟ وأن تهمل إنساناً دخله فيه شبهات، وفيه حرمات، وبيته متفلت، بناته كاسيات عاريات؟ لماذا تعظمه إلى هذه الدرجة؟ هذه علامة ضعف الإيمان، كلما ازداد إيمانك تحب أهل الإيمان ولو كانوا فقراء، ولو كانوا ضعفاء، وتبغض أهل الكفر والعصيان ولو كانوا أغنياء وأقوياء، هذه علامة.  

رابعا: إيثار طاعة الله عز وجل على المصلحة الشخصية:  

      علامة ثانية دقق في آية والله تقصم الظهر: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)  

       قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا   

      وكيل شركة عملاقة وأنت وكيل حصري لكن في منتجاتها مواد محرمة وأجبروك أن تستوردها، ماذا نفعل الله يسامحنا، استوردها، يأتي مندوب الشركة يطلب خمراً لا نستطيع أن نحزنه: وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ (24)   

      الطريق إلى الله ليس سالكاً، مسدوداً: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)   

خامسا:  انشراح الصدر:  

      القلب اليقظ، القلب الذي عرف الله ما خصائصه؟   

       أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ (22)   

      المؤمن سعيد، منشرح الصدر، لأنه عرف سرّ وجوده وغاية وجوده، الدنيا لا تعنيه كثيراً، يعنيه منها أن يكون له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، طموحات المؤمن في الدنيا متواضعة لكن طموحاته في الآخرة لا حدود لها، بينما أهل الدنيا طموحاتهم في الدنيا لا حدود لها أما في الآخرة ليست موجودة أصلاً: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (7) .  

      أيها الأخوة، قضية الانشراح ثابتة جداً، المؤمن سعيد على دخل محدود، وعلى بيت متواضع، وعلى زوجة متواضعة، يقول لك أنا الحمد لله، والله الذي لا إله إلا هو في بقلب المؤمن من السعادة ومن الطمأنينة ومن الرضا ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، فأول علامة منشرح الصدر لا تقول لي كآبة، ضيق، إحباط، شعور بالضياع، شعور بالذنب، هذه كلها مشاعر العصاة، أما المؤمن بأي مستوى يعيشه راض عن الله عز وجل، حتى في حال اسمه الرضا، حال مسعد أن ترضى عن الله عز وجل، أن ترضى عن وجودك، عن كيانك، عن إمكاناتك، عن قدراتك، عن أسرتك، الله عز وجل  جعلك من أصحاب الدخل المحدود الحمد لله ما دام الطريق باتجاه الجنة ما في مانع، ما سمح لك أن تنجب الله اختار لي أن أكون عقيماً ما في مشكلة.  

سادسا: عدم الخوف من المخلوقين:  

      عدم الخوف من المخلوقين لقوله تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)   

      علامة الإيمان هناك من يخاف غير الله، يعني تهديد من قوي لا ينام الليل، أنت أمرك بيد الله عز وجل، لماذا أمرك أن تعبده؟ لأنه طمأنك أن كل أمرك بيده: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ    

      لو أنه أسلمك إلى غيره كيف يأمرك أن تعبده؟ قال تعالى: وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ    

فلذلك من علامات القلب الحي عدم الخوف إلا من الله: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175) 

سابعا:  عدم خشية إلا الله:  

      ومن فرع هذا المعنى ومن علامة القلب الحي أن المؤمن لا يخشى إلا الله،  

قال الله تعالى:فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  

ثامنا: التوكل على الله:  

      من علامات القلب الحي أن المؤمن لا يتوكل إلا على الله:   وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)   

تاسعا:  الإذعان لحكم الشرع:  

      الآن وأن تذعن لحكم الشرع: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (59)  

عاشرا: عدم ارتكاب المعاصي عن قصد إطلاقاً:  

      الآن من علامات القلب الحي أن المؤمن لا يرتكب المعاصي عن قصد إطلاقاً، قد يخطئ لكن عن غير قصد، أما يعرفها معصية ويرتكبها هذا مستحيل، فلذلك الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)   

      ذروا، حينما تعلم علم اليقين أن هذا حرام خلاص، ليس لك خيار: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ   

      هذا مستحيل.  

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط:  

      هناك نقطة دقيقة كل إنسان حتى فرعون مخير، وعندك خيار القبول أو الرفض مع مليون موضوع، قدمت لك وظيفة رفضتها الدخل قليل والدوام طويل، دعيت إلى سفر الدخل أقل مما تطمح لغيته، مع مليون موضوع معك خيار قبول أو رفض، إلا مع موضوع الإيمان معك خيار وقت، المليون موضوع الأولى خيار قبول أو رفض، لكن مع موضوع الإيمان خيار وقت، إما أن تؤمن بالوقت المناسب، أو أن تؤمن بعد فوات الأوان، أكبر دليل على ذلك أن فرعون أكفر كفار الأرض الذي قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى .  

      والذي قال: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي .  

      فرعون عندما أدركه الغرق قال: آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ .  

بطولة الإنسان أن يضبط حياته وفق منهج الله عز وجل:  

      انظر الحركة اليومية استيقظنا، أكلنا، ذهبنا للعمل، رجعنا، أكلنا، نمنا، عندنا سهرة للساعة الثانية عشرة، نمنا، استيقظنا، من يوم ليوم، من أسبوع لأسبوع، من شهر لشهر، من فصل لفصل، من عام لعام، فجأة أصبح العمر الثامنة والستين، ماذا أعد لآخرته؟ أما البطولة أن تكون يقظاً، إلى أين أنا ذاهب؟ الذي استيقظ وضبط حياته وفق منهج الله لا يوجد مشكلة عنده ولو جاء الموت، الموت أدخله في حسابه هو مستعد له، والله أيها الأخوة من غرائب ما قرأت، قرأت تاريخ سبعين صحابياً، شيء عجيب بينهم قاسم مشترك واحد أنهم جميعاً كانوا في أسعد لحظات حياتهم عندما وافتهم المنية، في أسعد لحظات حياتهم.  

      الله عز وجل يصف الكفار بأنهم أموات غير أحياء: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء .  

      بل وصفهم أنهم في القبور: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ .  

      هم في قبور شهواتهم، البداية اليقظة، استيقظت بحثت عن الحقيقة، حضرت درس علم، قرأت كتاباً، تأملت في الكون، كشفت سرّ وجودك، وغاية وجودك، كان الإنسان غافلاً صار يقظاً، فاليقظة مقام،   

      أحد كبار العلماء ابن القيم رحمه الله تعالى ألف كتاباً سماه مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، الإنسان إذا سلك إلى الله، هذا السلوك له طرق وله منازل، من هذه المنازل اليقظة، من هذه المنازل الإخلاص، من هذه المنازل الاستقامة، من هذه المنازل العمل الصالح.  

      أيها الأخوة، المنطلق هذه الصحوة، المنطلق هذه اليقظة، المنطلق هذا السؤال الكبير لماذا أنا في الدنيا؟ المنطلق ماذا بعد الموت؟ المنطلق ثم ماذا؟ تصور سباق، سباق الناس في الدنيا يشبه طريق عريض فيه ألف سيارة، فيه كبير وصغير، وقديم وحديث، وغالي ورخيص، ومحرك قوي ومحرك ضعيف، وسيارة جميلة جداً وسارة قبيحة جداً، سباق أول سيارة وصلت إلى الهدف، الهدف انهيار خمسين متراً وقعت، والثانية وقعت، والثالثة وقعت، والألف سيارة كلهم وقعوا ما هذا السباق الأحمق؟ سباق إلى ماذا؟ أي الغني يموت انتهى الغنى، والفقير يموت، والقوي يموت، والأنبياء يموتون، والملوك يموتون، والضعفاء يموتون، والمقهورون يموتون، والوسيم يموت، والذميم يموت، والذكي يموت،  والغني يموت، وإن ترك ثروات لا يعلمها إلا الله، سبحان من قهر عباده بالموت، إذاً الموت نهاية كل حي، هذا التعب بخلاف منهج الله حمق، إلى أين أنت سائر؟   

      لذلك أيها الأخوة الملخص أن الإنسان يتحرك إما بدافع من هواه، من شهوته، أو بدافع من إيمانه، وعمله يعكس حجم شهواته أو حجم إيمانه، والعمل انعكاس لمستوى الإنسان، الآن من أين ننطلق؟ من صحوة، من يقظة.   

      مرة أذكر لي قريب متهاون بدراسته، كسول،  أخرجه أبوه من المدرسة، واشتغل بمحل تجاري ، له بنت عم فهو ترك من الصف السادس، هي بالسابع لما يزورهم أنا بالسابع صرت يشعر بضغط، أنا بالثامن، بالتاسع، وصل إلى درجة ما عاد يحتمل أن ابنة عمه أخذت كفاءة وهو صار معه اضطراب شديد، هذا الاضطراب دفعه للدراسة، وأخذ الكفاءة بسنة واحدة، صار عنده حالة قلق.   

      إذا ما عندك حالة قلق شديدة، حالة خوف شديدة، حالة حيرة شديدة، لا تنطلق إلى الله عز وجل، هذه الحالة تأتي من التفكر بالموت، تأتي هذه الحالة من التفكر في خلق السماوات والأرض.  

      فأنا أقول لابدّ من يقظة، البداية تبدأ باليقظة، تستقيم على أمر الله، تتصل بالله، الآن تأتيك العلامات أول علامة، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة، كلها علامات مسعدة، والله هذا الذي يصل إلى حقائق الإيمان، عنده مشاعر والله يفتقر إليها من يحتل أعلى منصب في العالم، يفتقر إليها من يملك أكبر ثروة في الأرض، إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.  



المصدر: العقيدة - حقائق الإيمان والإعجاز - الدرس (04-30) : الفرق بين دعوة الإيمان وحقيقة الإيمان، فوائد الصيام