بحث

عندما توحد الله حقاً... تخافه

عندما توحد الله حقاً... تخافه

بسم الله الرحمن الرحيم

الخوف من الله ضمانة لسلامة الإنسان:  

      موضوع اليوم يحتاج إلى تمهيد، هذا التمهيد ينطلق من أن السيارة لماذا صنعت؟ من أجل أن تسير، ولماذا وضع فيها المكبح والمكبح يتناقض مع علة صنعها، والمكبح من أجل سلامتها؟  السؤال لماذا يخاف الإنسان؟ كان من الممكن أن يجعله الله قوياً لا يمرض ولا يفتقر، كل هذه المصائب الذي ترونها في الحياة يمكن ألا تكون، لأن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود لكن ما سواه ممكن الوجود، ممكن الوجود أي ممكن أن يكون أو لا يكون، وممكن أن يكون على ما هو عليه أو على خلاف ما هو عليه، أي كان من الممكن أن يتمتع الإنسان بصحة حتى ساعة الوفاة، وكان من الممكن أن يكون مع الناس الأموال التي لا تأكلها النيران لكن شاءت حكمة الله أن يكون المرض، أن يكون الفقر، وأن يكون الخوف، فكما أن المكبح في المركبة يتناقض مع علة صنعها لكنه ضمان لسلامتها كذلك المصيبة تتناقض مع علة وجودنا، الله عز وجل  خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليرحمنا، خلقنا كي نسعد به في الدنيا والآخرة،    إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ .  

      ولكن الإنسان مخير، وحينما يقصر يحتاج إلى شيء مخيف حتى يحمل على طاعة الله:   وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)   

       وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)  

الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا و الآخرة:  

      أيها الأخوة الكرام، يقول بعض العلماء: أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله، أنا أتصور وأنا متأكد إن شاء الله أن هذه الدنيا لا تصلح إلا بالخوف من الله، نحن اخترعنا كلمات ليس لها معنى، يقول لك: ضمير مسلكي، ما هو الضمير المسلكي؟ يترفع عن ألف ليرة، ألفين، أما خمسة ملايين ينهار أمامهم، أين الضمير المسلكي؟ انتهى، أما الخوف من الله والله سمعت عن سائق وجد في سيارته عشرين مليوناً (قصة طويلة) بحث عن صاحبها أربعة أيام، يحوم حول المكان الذي ركب معه، إلى أن عثر عليه، أعطاه العشرين مليوناً، صاحب هذا المال شهم سأله هذه السيارة لك؟ قال: لا، أنا سائق بالأجرة عليها، أخذه إلى سوق السيارات واشترى له سيارة بمليوني ليرة، لماذا ترك العشرين مليوناً؟ خوف من الله، كلما ازددت خوفاً منه كلما ارتفعت عنده، كلما أعطاك، أيها الأخوة، عندنا قاعدة أنا أتصور أن زوال الكون أهون على الله من ألا تطبق هذه القاعدة: ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه .  

      شيء مغرٍ، ضغط كبير، صفقة فيها شبهة، بضاعة مصادرة رخيصة جداً، لكنك إذا أيقنت أنها مصادرة ظلماً ينبغي ألا تشتريها: ما ترك عبد شيئاً لله، إلا عوضه الله خير منه في دينه ودنياه .  

      أيها الأخوة،  أصل كل خير في الدنيا وفي الآخرة الخوف من الله، بعضهم قال: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، وإذا قلّ الحزن في القلب خرب كما يخرب البيت.   

      هناك بيت خرب وهناك قلب خرب، فإذا لم يكن هناك معرفة بالله، لم يكن هناك خوف من الله، لما المؤمن خاف من الله أذهب عنه الحزن: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) .  

      الآن بالجنة، غير المؤمن كان في أهله مسروراً، كان في الدنيا ببحبوحة، بيت وأولاد يرتدون أجمل الثياب، يقيم أفخر الولائم، يسافر، يتبجح، يتكلم عن سفرياته، عن مشاهداته، عن بيته، عن ثمن بيته، عن جمال زوجته، عن أولاده النجباء: إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) .  

      أما المؤمن دقق: وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) .  

      لذلك البطولة من يضحك آخراً، الإنسان يضحك، هناك من يضحك أولاً وهناك من يضحك آخراً، الذي يضحك أولاً يبكي كثيراً، والذي يضحك آخراً يضحك طويلاً إلى ما شاء الله: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ .  

      أما الكفار في الدنيا يضحكون من المؤمنين، بعض الأئمة يقول: الحزن تلقيح العمل الصالح،   

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يحب كل قلب حزين  

      الحزانى معرضون للرحمة، الحزانى في كنف الله.  

      الإنسان الله عز وجل أودع فيه الشهوات، والشهوات التي يراها كلها محرمة، امرأة سافرة، كاسية عارية، مائلة مميلة، هو يخاف من الله يبحث عن امرأة صالحة، مؤمنة، طاهرة، محجبة، تربي أولادها، قد يتأخر زواجه كثيراً، عنده مشكلة، عنده دافع قوي للزواج و لا يوجد امرأة صالحة يتألم، صار عنده حزن، قال الحزانى في كنف الله: ‏إن الله تعالى يحب كل قلب حزين   

      الحزانى معرضون للرحمة، الحزن تلقيح للعمل الصالح، لكن بعد أن تحزن ويأتي الفرج تقول: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) .  

       يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الأثر: ما من بيت، إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات، فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله، وانقطع رزقه، ألقى عليه غم الموت، فغشيته سكراته، فمن أهل البيت الضاربة وجهها، والصارخة بويلها، يقول ملك الموت: ممَّ الفزع؟ وممَّ الجزع؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً، ولا قربت له أجلاً، وإنّ لي فيكم لعودة، ثم عودة، حتى لا أبقي منكم أحداً، فو الذي نفس محمد بيده، لو يرون مكانه، ويسمعون كلامه، لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم.  

       سيدنا ابن عباس يقول: سمع أبو بكر يقول يا رسول الله أراك شبت؟ ولعله شيب مبكر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: شيبتني هود وأخواتها .  

      هود، سورة هود ما الذي شيبه من سورة هود؟  فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا  

مرض الغفلة أخطر مرض يصيب الإنسان:  

      أيها الأخوة، يكاد مرض الغفلة يكون أخطر مرض يصيب الإنسان، لابدّ من شيء يوقظه، لابدّ من شيء يحمله على الصحوة، إنه الخوف الذي يتولد عن شبح مصيبة، فلذلك حتى يستيقظ ويفيق من سكرة الهوى، وحتى تنقطع صلته بشهوات الأرض، لابدّ من وجود مؤثر ضخم يزعجه وينبهه، ما رأيت حكمة أبلغ من حكمة ابن عطاء الله السكندري حينما يقول:  ربما منعك فأعطاك، وربما أعطاك فمنعك. وحينما تكشف لك الحكمة في المنع يصبح المنع عين العطاء،  

      يعني من خلال اطلاعي على بعض البلاد، البلاد التي تتمتع برخاء ما بعده رخاء محجوبة عن الله حجاباً ما بعده حجاب، والبلاد التي تعاني ما تعاني، هذه المعاناة ربما كانت باعثاً إلى طاعة الله، إلى الإقبال على الدين، إلى الإقبال على العمل الصالح، فحينما يكشف الله الغطاء يذوب المؤمن الذي ابتلاه في الدنيا من شدة محبته لله على ما ساق له من شدائد: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ   

      أيها الأخوة الكرام، أكبر خطر يصيب الإنسان هو الغفلة عن الله، وأسباب الغفلة عدم خوف الآخرة،  فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ(49)كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ(50)فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ(51)بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً(52) .  

      السبب:   كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ(53) .  

      صدقوا لا يستطيع مسلم على وجه الأرض أن يقول ليس هناك يوم آخر، وصدقوا أيضاً أن قلة قليلة من المسلمين تدخل اليوم الآخر في حساباتهم، قلة قليلة، هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل، هذا الذي يعتدي على أعراض الناس، هذا الذي يأخذ أموالهم بغير الحق، هذه الفتاة المتفلتة التي تثير الفتن فيمن حولها، هذه ما أدخلت حساب الآخرة في حساباتها إطلاقاً، فلذلك أيها الأخوة،  الخوف ضروري جداً، بل هو من خصائص المؤمن، بل هو من بواعث المؤمن إلى الله والدار الآخرة.  

 

العلاقة بين العلم و الخوف علاقة طردية:  

      لماذا يخاف الطبيب أن يأكل الفاكهة من دون أن تغسل؟ لأنه عالم، يعلم أخطار التلوث وانتقال الأوبئة والأمراض، فكلما ازداد العلم ازداد الخوف، والعلم والخوف العلاقة بينهما علاقة طردية، إذا زاد الخوف معنى ذلك هناك علم، إذا زاد العلم معنى ذلك زاد الخوف، فأنت تخاف الله إذا عرفته، هذه الحقيقة الأولى، ورأس الحكمة مخافة الله.  

أنواع الخوف:  

      الآن الخوف أنواع منوعة  

أولا: أن تخاف أن لا تكون لله معظماً:  

      إبليس آمن به لكن ما عظمه والدليل: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) .  

      إبليس آمن بالله لكن ما آمن به عظيماً، فهنا الخوف متعلق أن تؤمن بالله العظيم،   

      والآية: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13) .  

      مالكم لا تعظمونه: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14) .  

       في الأثر القدسي:  يا رب، أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك؟ فقال: أحبّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحبّ من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحبّ من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي.  

      أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.  

      لذلك الخوف من ألا تكون لله معظماً، وتعظيم الله عز وجل يكون في التفكر في خلق السماوات والأرض، وهناك دليل قوي: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ .  

      كيف أقدره حق قدره؟  وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ   

      يعني التفكر في خلق السماوات والأرض طريق لتعظيم الله.  

ثانيا: الخوف من عاقبة الذنوب:  

      الآن الخوف من عاقبة الذنوب: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)   

       هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29)   

      هناك طريق سفر مراقب بالرادار، أخ حدثني زوجته تقود مركبة في هذا الطريق ما أحد نبهها، مكتوب السرعة القصوى ستين، جاءتها مخالفة بخمسة وعشرين ألفاً، أنت إذا سرت في هذا الطريق وعلمت أنه مراقب بالرادار، وأن المخالفة خمسة وعشرون ألفاً كيف تنضبط؟ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13)وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14).  

       هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29)   

      جاؤوا ببعض الأجهزة قديماً إذا السيارة مخالفة بسرعة معينة تلتقط لها صورة، فحينما يبلغ الإنسان هذه المخالفة وينكر تقدم له صورة مركبته وسرعتها، هذه الصورة شاهد غير قابل للإنكار: هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29)   

      هناك مشاهد أعمالك كلها مسجلة، بالصوت والصورة، والصورة ملونة، كله مسجل: هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29)   

      إذاً الخوف من عدم تعظيم الله، الخوف من عاقبة الذنوب.  

ثالثا: الخوف من غضب الله عز وجل:  

      الخوف من غضب الله، هناك دعاء نبوي: اللهم إنا أعوذ بك من فجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك  

      شاب يضحك، يتحرك، يسهر، يسافر، يتاجر، يقيم ولائم، فجأة خثرة بالدماغ طريح الفراش: اللهم إنا أعوذ بك من فجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك  

       إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ(13)   

      لذلك الخوف من غضب الله: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)   

      ترغب أن تشفى من ذنوبك من دون مصائب؟ استقم، تب إلى الله، ليس عندك رغبة أن تستقيم تحمل عملاً جراحياً: يا رسول الله عظني ولا تطل، قال:  قل آمنت بالله ثمَّ استقم، قال: أريد أخفَّ من ذلك قال:  إذاً فاستعدّ للبلاء .  

      إن أردت أخف من ذلك إذاً فاستعدّ للبلاء، إذاً الخوف من غضب الله، تأتي المصائب فجأة، يأتي المرض فجأة، يأتي الشلل فجأة، فجأة فشل كلوي، فجأة خثرة بالدماغ، فجأة احتشاء بالقلب فجأة نمو سرطاني: اللهم إنا أعوذ بك من فجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك  

      لذلك أدعية أرددها كثيراً:   

       اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء .  

       وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)   

      تسونامي سمعتم به، أجمل شواطئ العالم، المنتجعات، السباحة في البحر، الطعام النفيس، يعني صفوة أغنياء الأرض كانوا في هذه السواحل، وجاء هذا الزلزال طبعاً هم جالسون في منتجعات فئة العشر نجوم، لكنهم رأوا النجوم ظهراً في هذه المنتجعات:   وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ(102)   

      حفلة مناسبات في إحدى المدن، رقص، فجأة انهار البناء، من الغناء والرقص إلى العويل والبكاء،  اللهم إنا أعوذ بك من فجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك  

رابعا:  الخوف من عدم قبول العمل:  

      والخوف من عدم قبول العمل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)   

      هذا خوف أيضاً، يقول لي شخص ما شاء الله، الله يتقبل، العبر بالتقبل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)   

      أحياناً هناك خوف من الخذلان، الله يهمل، قال تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ (46)   

      أنت تريد أن تفعل خيراً لكن ولكن لأنك شبه مرغم على ذلك، تأتيك مشكلة قبل ذهابك ... فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)   

      يقول أنا في نيتي فعل الخير، النية موجودة ولكن ما عندك رغبة كبيرة جداً: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)  

      يعني أنت هاتف محمول بصراحة إذا ما شحنته تطفئ الشاشة ويسكت، بقي مثل الناس يهتم لما يهتمون، ويفتن بما يفتنون، ويرغب بما يرغبون، وينسحق كما ينسحقون، وييأس كما ييأسون، وتتهاوى معنوياتهم كما تهاوت معنوياته، من هؤلاء الناس، الآية دقيقة جداً: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ  

من هؤلاء الناس؟ من القطيع،   

       قال سيدنا علي رضي الله عنه: الناس ثلاثة، عالم رباني، و متعلم على سبيل نجاة، و همج رعاع لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم.  

خامسا: الخوف من سلب الإيمان:  

      الآن الخوف من سلب الإيمان، يعني ممكن سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء أن يقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ .  

      الله عز وجل على كل شيء قدير، الخوف من سلب الإيمان.  

سادسا: الخوف من سوء الخاتمة:  

      إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، يعني يعمل بعمل أهل الجنة منافق ليس من أهل الجنة، يعمل بعملهم مصالحه تقتضي أن يرضيهم، يصلي في بلده لأن الصلاة إجبار، أما إذا سافر إلى بلاد أخرى يفعل جميع الموبقات.  

       إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل النار  

      هذا الخوف من سوء الخاتمة.  

سابعا: الخوف من الموت:  

      هو مصيبة المصائب الموت:  قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(8) .  

      أصعب ليلة أول ليلة في القبر، أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك  ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت .  

الخوف غير مقصوداً لذاته  

      لكن بالمناسبة أيها الإخوة: لا يمكن أن يكون الخوف مقصوداً لذاته، بالعكس الخوف وسيلة للبعد عن الحرام، ليس العبرة أن تخاف بل أن يحملك على طاعة الله فقط، أن يحجزك خوفك عن أن تعصي الله، هذا الخوف المحمود، ليس الخوف هدفاً بذاته، بل هو وسيلة لذلك، فما دام ليس هدفاً بذاته بالجنة فلا يوجد خوف.  

       إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ  

      فالخوف في الدنيا وسيلة، وليس هدفاً، وظيفة الخوف أن يحجزك عن محارم الله فقط،   

       اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك،  

       اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأن نراك، وأسعدنا بلقياك، اللهم بارك لنا في قضاءك وفي قدرك، حتى لا نحب تعجيل ما أخرت، وتأخير ما عجلت.  

      دعاء في أعلى درجة من الدقة ! إذا آمنت بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لا تستعجل شيئاً آخره الله، ولا تستبطئ عجل الله به.  

الخشية من الله عز وجل من أساسيات المؤمن:  

      شيء آخر الآية الكريمة تصف الأنبياء الكرام: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ .  

      نبي يدعو الله خوفاً، إذا قال شخص أنا لا أخاف معنى هذا أنه إنسان معتوه،   

      مرة قال لي طالب منحرف أنا لا أخاف من الله، فأنا أردت أن ألقنه درساً بليغاً قلت له: أنت بالذات معك حق، اندهش من جوابي، أنت بالذات معك حق ألا تخاف من الله، قال لي لماذا؟ قلت به يا بني أحياناً الفلاح يذهب إلى الحصيدة، يأخذ معه ابنه الصغير، عمره سنتان، يضعه بين القمح، يمر ثعبان طوله عشرة أمتار الطفل لا يخاف منه بالعكس ربما يحاول أن يُداعبه، قلت له إدراك ما في خوف ما في من الله، تخاف إذا في إدراك: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ .  

      آية أخرى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) .  

      الخشية من أساسيات المؤمن،   

      أيها الإخوة: يقول بعض العلماء: الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع، والذل والاجتماع عليه،  

      وفي معنى آخر: الخشوع هو الانقياد.الخوف للمؤمنين والخشوع لطلاب العلم،  

      أنت على علم بالله، معك أدلة، تعرف طرفاً من كماله ومنهجه، ينبغي أن تخشاه، والخشية فوق الخوف.  

الجنيد يقول:  الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب.  

دافعا الخوف والرجاء طريقا الأنبياء إلى الله عز وجل:  

      وصف الله عز وجل ملائكته الكرام فقال: هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(57) .  

      والله سبحانه وتعالى وبخ الكفار فقال على لسان بعض أنبيائه: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا(13)وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14) .  

      قال علماء التفسير مالكم لا تخافون عظمة الله عز وجل؟   

      أيها الأخوة الكرام، ملاحظة مهمة جداً ما لم تشعر بالخوف من الله فأنت في خطر، الأنبياء العظام ساروا إلى الله بدافع الخوف والرجاء: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا(10) .  

      ورد في بعض الآثار أن الإنسان حينما يوضع في قبره، ينادى: أن عبدي، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.  

اجتماع تعظيم الله ومحبته والخوف منه في قلب المؤمن:  

      الآن: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)     

       قال تعالى: وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(52)   

      حدثني أخ كريم يعمل في المحاماة قال: أنا كنت واقفاً في محكمة، جاؤوا بشاهد إن أدلى بهذه الشهادة انتقلت مزرعة مع ما فيها من منشآت من جهة إلى جهة ظلماً، وثمنها يزيد عن ستين مليوناً، من أجل أن تنتقل هذه المزرعة من جهة إلى جهة تحتاج إلى شاهد زور، جاؤوا بشاهد زور أعطوه مبلغاً كبيراً، أقسم لي بالله  رأى ذلك بأم عينيه، وضع هذا الشاهد يده على كتاب الله وأقسم القسم الذي يقتضي أن تنتقل هذه المزرعة من إنسان إلى إنسان، ماسك الطاولة بيده اليسار وضع يده على المصحف فلما انتهى من القسم بقي هكذا، فالقاضي انزعج منه قال له: أنزل يدك، كان ميتاً، قال لي والله بعد نصف دقيقة يده تركت الطاولة فوقع على الأرض قال لي أمامي رأيتها: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ(14)   

      الخوف ضروري صحي،  

       لذلك ورد في بعض الأحاديث: يا رب، أي عبادك أحبّ إليك حتى أحبه بحبك؟ فقال: أحبّ عبادي إليّ تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحبّ من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحبّ من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي.  

      أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني، معنى ذلك لابدّ من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال آياته الكونية، ومحبة له من خلال نعمه الجزيلة، وخوف منه بسبب العذاب والمصائب التي يسوقها الله أحياناً لبعض المنحرفين.  

الخوف من الله يعني الأمن:  

       وقد ورد: رأس الحكمة مخافة الله .  

      الحكمة سوف نمثلها بإنسان، أخطر شيء في الإنسان رأسه، فيه الدماغ، فيه المحاكمة، فيه الاستنباط، فيه الذاكرة، فيه الإرادة.  

       رأس الحكمة مخافة الله .  

      والخوف من الله وسام شرف للإنسان، من خاف من الله خافه كل شيء، ومن لم يخف من الله أخافه الله من كل شيء، الخوف من الله عزّ وجل، الخوف من الله أمن، نحن أيها الأخوة بالعلاقات، هناك علاقات طردية، وهناك علاقات عكسية، مثلاً كلما زاد الملح في الطعام ارتفع الضغط، فالعلاقة طردية، لكن كلما ابتعدت عن الدنيا اقتربت من الآخرة، وكلما اقتربت من الآخرة ابتعدت عن الدنيا، علاقة عكسية، لو طبقنا هذه الحقيقة على موضوع الخوف، الخوف من الله يعني الأمن وعدم الخوف من الله يعني الخوف، فلذلك الله عز وجل يقول: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) .  

      اسمعوا هذه الكلمة هي والله ملخص الملخص، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه في الدنيا وأن يخيفك من أحد عباده، احفظوا هذه القاعدة، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخافه في الدنيا وأن يخيفك في الدنيا من أحد عباده، أنت في حصن حصين، أنت في عين الله، أنت في رعايته، لذلك الله عز وجل يلقي عليك مهابة يخافك من حولك، وقد يكون الذي يخافك أقوى منك، وقد يكون الذي يخافك أغنى منك، الإيمان يعطي هيبة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .  

من ازداد خوفاً من الله ازداد قرباً منه:  

       قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .  

      معنى أتقاكم أشدكم خوفاً من أن تعصوه، من هو المتقي؟ الذي يخاف أن يعصي الله، من هو الفاجر؟ الذي يعصي ولا يخاف،  رأس الحكمة مخافة الله .  

       سيدنا رسول الله في بيته، على السرير تمرة، قال: يا عائشة لولا أنني أخاف أنها من تمر الصدقة لأكلتها،  

      أي اشتهى أن يأكلها لكنه خاف أن تكون من تمر الصدقة، فكلما ازددت خوفاً من الله ارتفع مقامك عند الله، وكلما اشتد خوفك من الله ازداد أمنك، كأن الله عز وجل لا يجمع على عبده خوفين وأمنين، إن خافه في الدنيا أمنه يوم القيامة، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة.  

جوهر العبادة التفات القلب إلى الله تعالى:  

      الآن أريد حقيقة دقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب، ممكن جوارحك، أعضاؤك، أن تنصاع لأمر الله، ليس هذا هو الهدف: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37) .  

      الله عز وجل يريد قلبك، يريد قلباً منيباً له، يريد قلباً مقبلاً عليه، يريد قلباً خاشعاً له، يريد قلباً محباً له:  

      لذلك حتى العبادة جوهرها التفات القلب إلى الله، حتى الصيام من أجل أن يتعلق القلب بالله، حتى الصلاة من أجل أن يتصل القلب بالله، فلذلك أن تعبده بقلب حاضر، أو بقلب خاشع، هو سرّ العبادة، العبادة لها شكل ولها سرّ، شكلها أن تقف في الصلاة، أن تكبر تكبيرة الإحرام، أن تقرأ الفاتحة وسورة، أن تركع، أن تسجد، إلى آخره، ولكن الذي ينتظره الله منك أن يلتفت قلبك له وأن تقبل عليه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)   

      تتقون غضبه، تتقون سخطه، تتقون عقابه، تتقون البعد عنه، تتقون الجفوة معه.  

صور من خوف الصحابة والتابعين:  

سيدنا عمر:  

      كان يقرأ في سورة الطور فلما وصل إلى قوله تعالى:  إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ  

      بكى واشتد بكاءه حتى مرض وعاده أصحابه.  

      سيدنا عمر يقول لابنه وهو على فراش الموت ويحك ضع خدي على الأرض عسى الله أن يرحمني، ثم قال: يا ويل أمي إن لم يغفر لي ربي ثم قضى.  

سيدنا عثمان:  

      كان إذا وقف على قبر يبكي حتى تبتل لحيته وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيهما أصير.  

سيدنا أبو الدرداء :  

      قال: إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي يا أبا الدرداء قد علمت فما عملت فيما علمت؟   

      وكان يقول لو تعلمون ما أنتم تلقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم.  

سيدنا تميم الداري:  

      كان يقرأ القرآن فوصل إلى قوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.  

سيدنا عمر بن عبد العزيز:  

      كان يصلي دخلت عليه فاطمة بنت عبد الملك زوجته رأته يبكي، قالت:  ما لي أراك باكياً؟ قال: دعيني وشأني، فلما ألحّت عليه قال: ويحك يا فاطمة، إني قد وليتُ أمر هذه الأمة، ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهول، واليتيم المكسور، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير والرزق القليل، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألا تثبت حجتي، فلهذا أبكي.  

علامة صحة إيمانك خوفك من الله عز وجل:  

       قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ.  

      قال بعض العلماء:  صاحب الخوف يهرب إلى الإمساك والزهد، وصاحب الخشية يلتجئ إلى الله بالاعتصام بالعلم،  

      لكنني أطمئنكم أن الله أجل، وأعظم، وأكرم من أن يجمع على عبد خوفين أو أمنين، إن خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة، وإن أمنه في الدنيا أخافه يوم القيامة، فاختر أيهما تريد؟   

الخوف في آخر الزمان:  

      الآن المؤمنون في خوف مستمر من الله العظيم أن تزل أقدامهم في هذه الدنيا، من وقوع في معصية، أو اجتراح اثم، أو فاحشة، أو كسب حرام، لكن في آخر الزمان:        

       قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ مَا يُبَالِي الرَّجُلُ مِنْ أَيْنَ أَصَابَ الْمَالَ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ.  

       قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.  



المصدر: العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 23-40) : مستلزمات التوحيد -3- الخوف والخشية والخشوع لله تعالى