الإخلاص لله عبادة الباطن ومن لوازم العبودية له:
كما هو معلوم أن العبادة علة وجودنا على وجه الأرض.
قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
واللام لام التعليل، بل إن العبادة هي غاية الطاعة مع غاية الحب، من نتائجها سعادة يتميز بها المؤمن، لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، لكن هذه العبودية ما لوازمها؟ لوازم الغني أنه معه ثمن الحاجة التي يشتريها، لأنه غني، فإذا قال لك: أنا غني، ولا أملك درهماً فهذا الكلام فيه تناقض! إذا كنت غنياً فهذا يعني أنك تملك ثمن هذه الحاجة، فمن لوازم العبودية الإخلاص لله.
فالحقيقة أن العبودية لله عز وجل من لوازمها الإخلاص لله،
والحقيقة أن الإخلاص ليس نصف الدين، ولكنه الدين كله، الدليل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
الجوارح تعبد الله،
- العين تغض البصر.
- الأذن لا تستمع إلا للحق.
- اليد لا تبطش إلا بالحق.
- الرجل لا تمشي إلا إلى خير.
فالجوارح محل العبادة الظاهرة، والقلب محل العبادة الباطنة، فإذا لم تصح العبادة الباطنة حبطت العبادة الظاهرة، فهل الإخلاص هو نصف الدين أم الدين كله؟ لك ظاهر ولك باطن، عبادة الظاهر الخضوع لله، عبادة الباطن الإخلاص له.
العبادة غاية الخضوع، والإخلاص غاية التوجه إلى الله عزَّ وجل.
الإخلاص سر العبادة:
ربنا سبحانه وتعالى يقول: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
في شيء خارجي وشيء داخلي، الشيء الخارجي أن يعبد الله ؛ يصلي، ويصوم، ويحج، ويزكي، ويغض بصره، ويحرر دخله، ويضبط لسانه، ويضبط حواسَّه الخمس، أن يعبد الله. الشيء الداخلي مخلصين...
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
من الخارج عبادة، ومن الداخل إخلاص،
وقال تعالى أيضاً: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ
وقال تعالى أيضاً: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ
والله سبحانه وتعالى أمر النبي عليه الصلاة والسلام: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ
وفي آية أخرى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
هذه الآيات كلها تؤكِّد أنه لا تقبل العبادة إلا مخلصةً، لا تقبل العبادة إلا خالصةً لله عزَّ وجل.
لأن الإخلاص سر العبادة، والإخلاص ينفع معه كثر العمل وقليله، بينما عبادة من دون إخلاص لا قيمة لها، لا إن كانت كثيرة، ولا إن كانت قليلة.
قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
وما أمروا إلا ليعبدوا الله، يخضعون له مخلصين، عبادة الظاهر الخضوع، وعبادة الباطن الإخلاص،
آية ثانية: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
كان هذه الآية لخصت القرآن كله.
فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
قيمة هذا العمل ألا يخالطه شرك، أن تبتغي بعملك غير الله،
إنسان داوم على صلاة الفجر في المسجد أربعين عاماً، وفي أحد الأيام غلبته نفسه فلم يستيقظ، فانتبه مذعوراً، وقال: ماذا يقول الناس عني هذا اليوم؟
شيء خطير يا إخوان! هناك أعمال رائعة يجعلها الله هباء منثوراً،
قال تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
إن أخفيت، أو لم تخف فأنت مكشوف أمام الله، لا تخفى على الله خافية، فهو وحده يعلم، لك أن تقول كل شيء، وتبرر، وتعلل، وتفسر، ولكن تأكد أن كل شيء تفعله لا يخفى على الله عز وجل،
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ
- عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ
- وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ
- وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ
- وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاء
العمل لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً لله وصواباً:
الآية الدقيقة التي عليها مدار البحث هي قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
أحد العلماء واسمه الفضيل بن عياض سُئل عن معنى قوله تعالى: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
فقال: " هو أخلصه وأصوبه ". يعني شرطان إذا توافرا كان العمل صالحاً، لا يسمى العمل صالحاً إلا إذا توافر فيه شرطان..
قالوا: يا أبا علي ـ الفضيل بن عياض كُنيته أبو علي ـ قالوا:
يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟ أي ما معنى أنه مخلص وما معنى أنه صواب؟.
معنى العمل الخالص لله:
أن يكون لوجه الله عزَّ وجل ؛ لا تبتغي مدحاً، ولا ثناءً، ولا سمعةً، ولا مكافأةً، ولا تقديراً، ولا إطراءً، لا تبتغي إلا وجه الله، ولا يعنيك أردَّ الناس على هذا العمل بالشكر أم بالامتنان، نوهوا أم سكتوا، أحسنوا أم أساءوا..
قال تعالى: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً
معنى صواباُ:
أن يكون على السُّنة، أن يكون العمل وفق السنة، هذا الصواب،
أحد الشرطين لا يكفي:
فمَن قال: يا أخي نيته طيبة. هذا لا يكفي، أنا سآتي بإنسان وأحطمه وأقول: أنا أنوي له الخير، لكنني حطَّمته، هذا الذي أراد أن يقتل ذبابةً على وجه صديقه، فأمسك صخرةً وقذف به وجه صديقه ليقتل الذبابة بنيةٍ طيبة، فقتله.
أي إذا سمحنا لأنفسنا أن نقول: يقبل العمل إذا كان صاحبه طيّب النيّة، عندئذٍ فتحنا باب الإساءة على مصراعيه، لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً وكان صواباً، خالصاً تبتغي به وجه الله، وصواباً أي موافقاً للسنة،
والدليل قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
صَالِحاً أي وفق السنة، وَلَا يُشْرِكْ أي مخلصاً.
آيةٌ ثانية: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
فإسلام الوجه لله الإخلاص لله، وقصد مرضاة الله.. وَهُوَ مُحْسِنٌ
أي تابع عمله سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن النبي معصوم وقد أكرمنا الله به ليدلنا على الطريق الصحيح، فأقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته الخلقية كلها سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام ـ بنص القرآن الكريم ـ جعله الله لنا أسوةً حسنة، ومثلاً أعلا، وقدوةً حسنة، والنبي عليه الصلاة والسلام الله عزَّ وجل نقَّاه، وأخلصه، وطهَّره، وكرَّمه، وجعله النموذج الأول لبني البشر.
قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً
أي العمل يجعله الله هباءً منثورا إذا أريد به غير الله، أو إذا أريد به وجه الله لكنه لم يكن صواباً، أي إذا اختل أحد الشرطين..
فالإنسان يكون صاحي، الإنسان ينتبه، يتحقق من صواب عمله، يتحقق من سلامة نيته، الجهل ليس عذراً في الإسلام،
لتتأكد من إخلاصك:
الموضوع أيها الإخوة والله خطير، الإخلاص هو صلب الدين، بل هو الدين كله، فحينما يشك الإنسان في إخلاصه بإمكانه مثلاً
أن يُنفق شيئاً دون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه، هل يستطيع الشيطان أن يأتيه ليقول له: أنك لست مخلصاً!
لو أنك صمت يوماً في سبيل الله، ولم تقل هذا لأحد، أحياناً يصوم الإنسان يوم نفل كلما التقى بإنسان ألست صائم أنت اليوم؟؟ يريد أن يقول لكل من يلتقي بهم: إنه صائم، نعوذ بالله من النفاق والرياء،
لك أن تصوم، ولا تذكر كلمة أنك صائم، ولك أن تنفق، ولا تذكر كلمة أنك منفق،
ولك أن تغض البصر من يعلم هذه العبادة إلا الله؟ أنت حينما تجلس في غرفتك تفتح نافذة جارتك، وتطل من النافذة فإذا غضضت عنها البصر هل في الأرض كلها إنسان يمكن أن يحاسبك أو يعلم ماذا فعلت، تفعل لماذا؟ هذا هو الإخلاص، إذا كنت في البيت في أيام رمضان الحارة، والصنبور أمامك، وليس في البيت أحد، ولك أن تشرب وتشرب حتى ترتوي، ولا أحد يعلم، لا كبير ولا صغير، ما الذي يمنعك أن تشرب؟ خوف الله عز وجل،
فكلما أكثرت من العبادات التي تؤكد أنك مخلص تشعر مع حين أنك مخلص، أنفق ولا تتكلم كلمة واحدة، صم ولا تتكلم، صلِّ الليل ولا تتكلم، وافعل ما تريد تقرباً لله عز وجل ولا تتكلم، ومع ذلك فالله عز وجل يلقي في روعك أنك مخلص.
تعاريف الإخلاص:
سأورد بعض هذه تعاريف الإخلاص:
- إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة.
- تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. فلان ماذا قال؟ فلان كيف كانت انطباعه عن السهرة؟ فلان بعدما أكل ماذا قال عن الأكل؟ إن شاء الله بيضنا وجه؟ الإنسان عندما يلاحظ المخلوقين ؛ موقفهم، شعورهم، مدحهم، ثناءهم، انتقادهم، حينما يعيش في دوامة الخلق، فهذا يبتعد عن الإخلاص شيئاً فشيئاً، تصفية الفِعل من ملاحظة المخلوقين، أو التوَقِّي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك.
- أن تستوي أعمال العبد في الظاهر والباطن. صلاتك في المسجد صلاتك في البيت سيَّان، عملك الصالح أمام الناس كعملك الصالح أمام من لا يعرفك، الإخلاص أن يستوي عملك في الظاهر مع عملك في الباطن، الإخلاص أن تكون في جلوتك كما تكون في خلوتك، الإخلاص أن يكون سرّك كجهرك، وظاهرك كباطنك، وخلوتك كجلوتك، هذا من معاني الإخلاص.أما الرياء أن يكون الظاهر خيراً من الباطن، الإخلاص أن يستوي الظاهر مع الباطن.
- الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق. دوام النظر إلى الحق أنساه رؤية الخلق.
- ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
- الإخلاص سرٌ بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملكٌ فيكتبه، ولا شيطانٌ فيفسده، ولا هوىً فيميله.
- الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله. عملت عمل، يا ترى فلان رآني، لو كان رآني يا الله ما أحلاها، لو كان رآني، يا ترى فلان رآني، فلان دري بعملي؟ ليته يدري بعملي، إذا كان يرغب إنسان يعرف ماذا فعلت فهذا ليس إخلاصاً، ألا تطلب على عملك شاهداً إلا الله، الله يراك، انتهى الأمر. عندما سيدنا عمر قال لرسول القادسية، معركة القادسية جرت وجاء رسول من هذه المعركة ـ من سيدنا سعد ـ إلى عمر بن الخطاب وبشره بالنصر. قال له: ولكن يا أمير المؤمنين مات خلقٌ كثير. قال: مَن هم؟. قال له: إنك لا تعرفهم. فبكى عمر وقال: وما يضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم؟ من طلب على عمله شاهداً غير الله فهذا يقدح في إخلاصه.
درجات الإخلاص:
الآن في عندنا سؤال: ما درجات الإخلاص؟
أولا: رؤية العمل:
إنسان له عمل طيب، إذا كان الإنسان يرى هذا العمل على أنه فضلٌ من الله عزَّ وجل اختصَّه به، وامتنَّ به عليه، فهذه رؤيا طيبة، هذه الرؤية تزيده قرباً من الله عزَّ وجل، أما إذا شعر أن له عمل كبير يدلُّ به على الناس، رؤية العمل يتناقض مع الإخلاص، أن ترى عملك أنك فعلته بجهدك، وبإمكاناتك، وبمحبتك لله عزَّ وجل، أنا فعلت كذا وكذا، أنا اشتغلت، أنا هديت، أنا علمت، أنا أنفقت، أنا أعطيت، أنا، أنا... رؤية العمل مما يجعل الإخلاص فيه شائبةٌ كبيرة.
إذاً رؤية العمل ضعفٌ في رؤية التوحيد، رؤية العمل غفلةٌ عن رؤية الفضل الإلهي، هذه أدق حالات النفس، لك عمل طيب، يجب أن تجد هذا فضلاً من الله عزَّ وجل.
مَن عرف نفسه عرف ربه، مَن عرف ضعفه عرف قوة ربه، مَن عرف فقره عرف غنى ربه، مَن عرف جهله عرف علم ربه، مَن عرف نفسه وما فيه من آياتٍ دالةٍ على عظمة الله عرف ربه، مَن عرف نفسه عرف ربه.
ثانيا: طلب العوض:
بعد ما عمل عملاً صالحاً شعر أن له على الله دالة، يريد الأجرة، أين أجرتي؟ إذا أحدهم اشتغل عندك وأنت تجاهلت الأجرة يقول لك: سيدي ما حاسبتنا. أحياناً يعمل لك إشارة صار القبض، ألا يوجد قبض، فإذا كان هذا علاقة العبد مع ربه فمعنى ذلك أنه يُشك في إخلاصه،
أي بعد أن استقام، غض بصره، ما زوجني الله إلى الآن، أين الزواج؟
استقام في البيع والشراء، ما ربحنا اليوم مثل البارحة، لم نستفد شيء!
فلما الإنسان يطلب على عمله الجزاء العاجل فهذا مما يقدح في إخلاصه، رؤية العمل تقدح في الإخلاص، وطلب العِوَض يقدح في الإخلاص.
تصور أحدهم يحب والدته كثيراً وقدم لها خدمة، ثم قال: أتسمحي بالأجرة. ما هذا الكلام أي أجرة؟ تدعي أنك تحبها، تدعي أنك تفنى في محبتها فأية أجرةٍ تريد؟
فهذا الذي يرى عمله بأنه من فعله، وأعطى، وعلَّم، وفضَّل على الناس، وكرَّم وتكرَّم، وقدم شيء ثمين والناس لم تعرف قدره، هذا الذي يدَّعي ذلك هذا ممن يقدح في إخلاصه، وهذا الذي ينتظر من الله العوض الفوري، أيضاً انتظار العوض على العمل الصالح أيضاً هذا يقدح في إخلاصه، فالآية الكريمة: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً
أي في السراء والضراء، في الضيق والسعة، في إقبال الدنيا و إدبارها، في الصحة والمرض، في السعادة الزوجية والشقاء الزوجي، في الرفعة وفي الضعف أنت مع الله لا تبتغي عنه بديلاً.
خطر في بالي مثل اليوم: أن شخص لقيط، جاء إنسان وتبنَّاه، وربَّاه وعلمه ابتدائي وإعدادي وثانوي، وأدخله جامعة، طب أسنان، وصار طبيب أسنان، ومضى عليه عشر سنوات فأصبح طبيب لامع، فهذا الرجل الذي تبنَّاه وهو كان لقيط تبنَّاه، وربَّاه، وأطعمه، وسقاه، وأكرمه، وعلمه ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، وجامعة، وأرسله لبلدان متقدمه في هذا المجال من أجل الاختصاص، وفتح له عيادة، واشترى له بيت، وزوجه، فهذا الشخص الكريم يحتاج لإصلاح لأسنانه ذهب لعنده، فقال: لكن كم مرة أصلحنا أسنانك لكي نتحاسب؟ أي حساب هذا؟!! كان لقيط، أخذه من الطريق رباه، أطعمه، سقاه، كساه، علمه ؛ ابتدائي، إعدادي، ثانوي، أدخله جامعة، تخرج، أرسله لبلدان أخرى من أجل الاختصاص، وفتح له عيادة، زوجه، واشترى له بيت، واشترى له سيارة، وهذا المحسن أوجعه ضرسه فذهب عنده، هذا كتب كم حشوة؟ هذه إبرة مخدر، كتب إبرة المخدر والحشوات ليحاسبه فيهم، هذا ليس إنسان.
فهذا الذي يريد عوض، أنت كلك من فضل الله عزَّ وجل، جميعك من تفكيرك، لجسمك، لحواسك، لسمعك، لبصرك، لعلمك، لفهمك، لبيتك، لزوجتك كلك من الله عزَّ وجل، فضل من الله عزَّ وجل، يريد من الله عوض!! فطلب العوض يقدح في الإخلاص.
الإنسان يخدم عباد الله بمقتضى عبوديته لله عزَّ وجل فقط.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق، ما في أعلى منه، قال مرةً: اللهم هذا جهد مقل
يا رب هذا شيء قليل سامحني يا رب، هكذا المؤمن، هذا جهد مقل لا أن يطلب من الله عوض وأجر.
ثالثا: الرضى عن العمل:
أن ترضى عنه ؛ أنا عملي الحمد لله لا مثيل، هذا الركون إلى الدنيا.
ربنا ماذا قال؟ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً
هل هناك آيةٌ أوضح من هذه الآية؟.
أخي أنا أخلاقي عالية الحمد لله، أنا مربى تربية عالية، أنا عندي عفة والحمد لله، أنا عندي استقامة، أنا أحب الله ورسوله، أنا في عندي رحمة، أنا في عندي إنصاف، هذا من أين هذا كله؟
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً
فإذا رأيت عملك الطيب، وغفلت عن الخالق الذي منَّ به عليك، فهذا مما يقدح في إخلاصك.
قال تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ
وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ
لو أن العكس كان ما كنا مؤمنين، لأحببنا الفسق، والفجور، والعصيان، أما ربنا عزَّ وجل حبب إلى قلوبنا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكرَّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
الحقيقة ما في عمل يليق بالله عزَّ وجل، أي مهما عملت عمل طيب لا يكافئ فضل الله عزَّ وجل، لو أنه خالٍ من كل شائبة، فلو أنك عرفت فضل الله عليك تستقل عملك، لا ترضى عنه، لا تركن إليه، لا تسكن إليه، هذا إذا عرفت فضل الله عليك.وأيضاً لو أنك دققت لرأيت في عملك أخطاء كثيرة، في عيوب كثيرة،
فشيئان يمنعانك من أن ترضى عن عملك، وأن تدل به على الله، وأن تركن إليه، أو تسكن إليه. الشيء الأول: أن تدقق في عيوب عملك، لعل في رياء، لعل في سمعة، لعل في نقص، لعل في خلل، لعل في شائبة، لعل في تقصير، لعل في نيَّة غير طيبة، لو دققت لرأيت في العمل خلل، فهذا العمل الذي فيه خلل لا ينبغي أن تركن إليه، ولا أن تسكن إليه، ولا أن ترضى به، والشيء الثاني: لو عرفت فضل الله عليك، لاستقلَّيت أي عملٍ جنب هذا الفضل، فإذاً الذي يقدح في الإخلاص أن ترى عملك ولا ترى فضل الله عليك.. وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً
مؤشرات الإخلاص
أيها الإخوة، هناك ثلاث مؤشرات على إخلاصك:
أولا: عدم اختلاف العبادة بين الخلوة والجلوة:
أن عبادتك، واستقامتك، وورعك لا تختلف أنت في بيتك، أو مع المؤمنين، ولا تختلف وأنت في بلدك أو في بلد آخر، الإنسان ببلده معروف، يسعى دون أن يشعر إلى أن يلمع صورته أمام مَن حوله، لكن إذا سافر فلا أحد يراقبه، وليس معروفاً إطلاقاً، وقد يفعل كل الانحرافات، علامة الإخلاص أن استقامتك وورعك لا تختلف بين أن تكون مع المؤمنين في ملأ، وبين أن تكون وحدك في البيت، ولا تختلف بين أن تكون في بلدك، وأنت في هذا البلد معروف، وبين أن تذهب إلى بلد بعيد لا أحد يعرفك، ولا أحد يراقبك، هذا مؤشر.
ثانيا: عدم اختلاف العمل بالمدح والذم:
العمل لا يختلف بالثناء والمديح، أو بالذم والتجريح، أنت تبتغي وجه الله.
ثالثا: عدم قبض ثمن العمل مؤشِّر على خلل في الإخلاص:
ما لم تقبض ثمن عملك الصالح الخالص فهناك خلل في هذا العمل، قبض الثمن أنك إذا رفعت إلى الله عملاً خالصاً يأتيك من الله سكينة تسعد بها ، فالسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
ثمرات الإخلاص:
- المخلص حكيماً: ما أخلص عبدٌ قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. أي أن الإخلاص أربعين يوم يكفي لتكون حكيماً.
- المخلص سعيداً: يشعر بسعادة لا توصف لأنه يتلقى ثمن إخلاصه مباشرةً نقداً، لا ديناً، ثمن إخلاصه أن الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبه، ثمن إخلاصه أنه أسعد الناس، ثمن إخلاصه أنه مطمئن، يشعر بالأمن، يشعر أن الله يحبه، يشعر أن الله راضٍ عنه، هذه المعاني كلها يعانيها المُخلص، يشعر بها المخلص، أما غير المخلص فهو يعاني من متاعب لا تعد ولا تحصى، لأنه فعل هذا من أجل فلان وفلان لم يدرِ به، أخذ له هدية فلم يشاهدها، لا حول ولا قوة إلا بالله، فعل هذا العمل من أجل أن يصل إلى فلان، فلان وصله لكن لم يعبأ بذلك الخبر، عندما يتشعَّب الإنسان، ويتشتت، ويتبعثر، همه إرضاء زيد أو عُبيد، فلان أو علان، وفلان رضي وفلان لم يرضى، فلان صعب إرضائه، فلان جحد، فلان كفر، فلان قصَّر في الرد، فلان ما عرف قيمة عملي، فلان ما عرف شأني، هذه متاهةٌ لا تنتهي. لذلك: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ أي أن أشد أنواع العذاب أن تبتغي غير الله، أن ترجو غير الله، أن تخاف من غير الله، أن تتكل على غير الله، أن يكون همك غير الله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: مَن جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها
الإخلاص يغير موازين العمل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عن معصية فلم ينكرها كان كمن شهدها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.
إن الله كتب الحسنات والسيئات:
- فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة.نيته طيبة.
- فإن هم بها فعملها كتب الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
- ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عند حسنة كاملة، لكن لم يعملها، لأنه خشي الله، لا لأنه لم يستطع، فرق كبير بين من همّ بسيئة فلم يعملها خوفاً من الله، وبين من همّ بسيئة فلم يعملها، لأنه لم يستطع.
- وإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ.
قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ
- فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ
- وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ
- وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...
هل هناك حديث أخطر من هذا الحديث ؟ صاحب أموال طائلة أنفقها في سبيل الله، وإنسان قتل في سبيل الله، والأول قرأ القرآن في سبيل الله وهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا حديث خطير لا يدعو على اليأس ولكن يدعو إلى اليقظة، حرر عملك من الشوائب أخلص النيه لله.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ
فقط لأنه وضع رأسه على الوسادة، ونوى أن يصلي الليل فلم يستيقظ، غلبته عينه، كتبت له وكأنه قام الليل، إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى
أحد ملاك الأراضي الكبار بلغه أنهه إذا تبرع بمساحة كافية لمسجد لا بد من أن تنظم هذه الأراضي من قبل البلديات، وإذا نظمت على محاضر ارتفع ثمنها أضعافاً مضاعفة، فجاء هذا الإنسان، وتبرع بخمس دنمات لينشئ عليها مسجدًا، والناس يتحدثون عن إحسانه وفضله ومحبته لله، ومحبته للمساجد، وكيف أن له مقعد صدق عند مليك مقتدر، وكيف أن له مكانًا في الفردوس الأعلى، لأنه قدم لله أرضاً لتكون مسجداً، وهو حينما قدم هذه الأرض ما خطر في باله لحظة أن يتقرب فيها إلى الله، لكن الذي خطر في باله أن ترتفع أسعار الأراضي التي يملكها في هذا المكان، هل تريد من الله أن يعطيه مكانًا في الجنة لأنه أراد أن يعطيه هذه الأرض؟ عمله قيمته هذه النية، النية المادية،
فعلينا أن نحرر نوايانا، وأن ندقق فيما نفعل، لأن الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية.
قال الله تعالى:إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ
والله يعلم ما تعلن، وما تخفي، ويعلم سرك، وما خفي عنك، فقد تخفي، وقد يخفى عنك أشياء كثيرة، هو الذي يعلمها، أنت مكشوف أمام الله عز وجل، تكلم ما شئت، لكن الله سيحاسبك على نواياك.
لا بد من تحليل النية، ولابد من مراقبة الله عز وجل، وأن يكون العمل إن شاء الله خالصاً لوجه الله .
لا يعلم النية إلا الله فالنحذر الحكم على بواطن الناس:
بالمناسبة، الإخلاص بينك وبين الله، والله عز وجل ستِّير، ماذا ينطوي قلبك هذا بعلم الله، فلذلك كما علمنا النبي الأدب قال: إنما نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر .
لو شاهدت إنساناً قدم أرضا كبيرة جداً لبناء مسجد، أنت لا تملك إلا أن تكبّر هذا العمل، أما عند الله فهو وما نوى فإن كانت نيته أن ترتفع أسعار بقية أرضه، فلا وزن لهذا العمل إطلاقاً عند الله، وهذا معنى قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً