من لوازم التوحيد الإنابة إلى الله:
الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم تماماً: ليس العقيدة أن تؤمن بكذا، وكذا، وكذا، فقط لكن يضاف: أن العقيدة أن تؤمن بكذا، وكذا، وأن يكون لك هذه الأحوال، أن تكون متوكلاً، أن تكون منيباً، أن تكون تائباً، أن تكون مخلصاً، فمن لوازم التوحيد: أن تكون منيباً إلى الله.
والدليل: أن الله عز وجل يقول: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)
(َأفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)
يصف جل ثناؤه المؤمنين، بأنهم منيبون إليه، قال تعالى: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
فالإنابة إلى الله من لوازم التوحيد، الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم: شطر العقيدة ما ينبغي أن تعتقد، وشطرها الثاني ما ينبغي أن تكون عليه، فإن كنت تعتقد الصواب، ولم تكن كما ينبغي، فهناك خلل في عقيدتك، لأنك لم تنتفع بهذا الذي اعتقدت به.
معنى الإنابة:
باللغة الإنابة: الإسراع والتقدم.. يعني.. أنابَ إلى الله غيرَ رَجَع، ممكن أن تنطلق من البيت ثم تذكُرُ شيئاً في البيت فتعودُ إلى البيت الهوينى، ولكنَّ الإنابة من معانيها الدقيقة العودةُ بِسُرعةٍ إلى اللهِ عزّ وجل.. المسارعةُ إلى الله.
المؤمنُ مذنِبٌ مُفتتنٌ توّاب كثيرُ التوبةِ كثيرُ الإنابةِ يعودُ مباشرةً.. يعني مثلاً: وقعَ في ذنبٍ مساءً ما آوى إلى فِراشِهِ إلا وهوَ تائبٌ مِنه.. هذه الإنابة.. أمّا الذي يقعُ في الذنب ويتوبُ إلى اللهِ بعدَ أسبوع أو بعدَ أسبوعين أو بعدَ شهرٍ أوشهرين ليست هذه هيَ الإنابة، الإنابة هيَ المُسارَعةُ إلى اللهِ عزّ وجل، المُسرِعُ إلى مرضاتِه، الراجعُ إليه في كُلِّ وقت، المتقدّمُ إلى محابّهِ، المُبتَعِدُ عن مُسخِطاتِهِ.
الحقيقة: قد يسألُ سائل ما علاقةُ التوبةِ بالإنابة؟ أنتَ تُبتَ إلى الله ولكن الإنابة التوبة المُستمرّة، الرجوع المستمر إلى الله عزّ وجل.
تعريف الإنابة:
وقال العُلماء:
- الإنابةُ الرجوعُ إلى الحقِ إصلاحاً كما رَجَعتَ إليهِ إعتذاراً
- وأن ترجِعَ إلى الحقِّ وفاءً كما رَجَعتَ إليهِ عهداً
- وأن ترجَعَ إلى الحقِ حالاً كما رَجَعتَ إليهِ مقالاً
ما تفصيلُ هذه التعاريف؟
أولا: الإنابةُ الرجوعُ إلى الحقِ إصلاحاً كما رَجَعتَ إليهِ إعتذاراً:
الإنسان حينما يتوبُ إلى اللهِ عزّ وجل يُقلِعُ عن كُلِ ذنبٍ اقترفه لكن ياتُرى هل يكفي أن أستقمَ على أمرِ الله أم الإنابةُ الحقيقيةُ أن أُبادِرَ إلى الأعمال الصالحة، الاستقامة من طبيعتها أنها سلبيّة تركت إطلاقَ البصرِ إلى النِساء، تركت أكلَ المالِ الحرام، تركت الغيبةَ، تركت النميمة، تركت.. تركت..... الإستقامة أساسُها سلبيّ لكن ألا ينبغي أن تعودَ إلى اللهِ عزّ وجل لتدعو إلى الله، أن تعودَ إليهِ مُصلِحاً بعدَ أن عُدّتَ إليهِ تائِباً، عُدتَ إليهِ تائباً والأن تعودُ إليهِ مُصلِحاً، الإصلاح فيهِ إيجابيّات.
ماذا قدّمتَ ليوم القيامة، ماالعملُ الذي ترجو اللهَ أن يقبَلَهُ مِنك ماالعملُ الذي تُعلّقُ عليهِ أهميةً في عودَتِكَ إلى اللهِ عزّ وجل،
كما قالَ النبي عليه الصلاة والسلام: يابِشر لا صدقةَ ولا جِهاد فبِمَ تلقى اللهَ إذاً
فلذلك الإنابة لها معنى سلبيّ ومعنى إيجابيّ، المعنى السلبيّ ترك المعاصي.. يعني.. أنابَ إلى الله رَجَعَ إليهِ تائباً، وأنابَ إليهِ رَجَعَ إليهِ مُحسِناً، في الأولى تارِكاً للذنب وفي الثانية عامِلاً للصالِحات، معنى إيجابيّ.. يعني.. أنتَ حينما ترى إنساناً يحتاج إلى مُساعدة تُبادر إلى خِدمَتِهِ فإذا وقفتَ لتُصلّي شعرتَ أنَّ اللهَ قد قَبِلَ هذا العمل، ألم تعلموا أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
صدقةُ السِرّ تقعُ في يدِ اللهِ قبلَ أن تقعَ في يدِ الفقير
فنحنُ نُريد إنابة مع العمل الصالح لا إنابة مع التوبة فقط، الإنابة مع التوبة وقعت وانتهى الأمر تُبتَ إلى اللهِ من كُلِّ معصيةٍ، من كُلِّ مخالفة من كُلِّ ذنب، أمّا الأن تُريد أن تنيبَ إليه وبيدِكَ عملٌ صالح..
قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
أعطينا مفهومَ الإنابة مفهوم إيجابي، أنتَ قدّمت عملاً ثميناً تبتغي بهِ رِضوان الله عزّ وجل،
ثانيا: وترجِعَ إلى الحقِّ وفاءً كما رَجَعتَ إليهِ عهداً:
أن ترجِعَ إليه بالوفاءِ بعهدِهِ.. أنتَ عاهدتهُ.. أحياناً الإنسان يقفُ عِندَ الحجر الأسود ويُقبلّهُ ويذرِفُ الدمعَ غزيراً ويقول ياربي عهداً على طاعتِك عهداً على استقامتِك.. شيء جميل.. الإنسان لهُ أحوال مع اللهَ يُعاهِدهُ بِها.
طيب هذا العهد أينَ مضمونهُ، أينَ الوفاءُ بهِ، أينَ تحقيقُهُ، أينَ تنفيذُهُ، أينَ ترجمتـُهُ إلى لُغةِ الواقع؟ فأنتَ تعودُ إلى اللهِ مُعاهِداً وتعودُ إليه مرةً ثانية مُوفيّاً بعهدِك، وُضِعتَ في ظرفٍ حَرِج أنت ماذا عاهدت الله عز وجل حينما تُبتَ إليه؟ عاهدتَهُ على الإنصاف والأن أنتَ أمام موقف ينبغي أن تُنصِف، ماذا سوفَ تفعل؟ إما ألا تُنصِف وإمّا أن تُنصِف
إذاً: أول إنابة أن تُعاهِدهُ على الإستقامة فهذه إنابة، ثمَّ أن تعملَ الصالِحات وهذه إنابة، أن تُعاهِدهُ على الإقلاعِ عن المعاصي هذه إنابة، وأن توفّي بعهدِكَ هذه إنابةٌ أُخرى، الآيات المؤيّدة لهذا المعنى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )
(وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً )
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ )
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )
أنا أقول لكم واللهِ أيها الأخوة: المؤمن في عِندهُ شفافية، لو فرضنا أنهُ عاهدَ اللهَ في لحظةٍ من لحظاتِ حياتِهِ، في ساعةٍ من ساعاتِ ضيقهِ، في وقتٍ من أوقاتِ مِحنتهِ وشِدتّهِ، وبعد أسبوعٍ أو أسبوعين وبعدَ شهر أو شهرين ظهر موقف يقتضي بأن يوفّي بعهدِهِ ألا تشعر أيها الأخُ المؤمن أنَّ اللهَ يُعاتِبُك إن لم توّفِ؟.
يعني.. هل هُناكَ حساسية بحيث أنكَ تُحِسُ وكأنَّ اللهَ عزّ وجل يقول لكَ يا عبدي أينَ العهد الذي بيني وبينك ألم تُعاهدني أن تفعلَ كذا وكذا، ألم تُعاهدني أن تكظِمُ غيظَك، ألم تُعاهدني أن تكونَ حليماً، ألم تُعاهدني أن تتجاوزَ عن السيئات؟ فلمّا الإنسان ينشأ بينهُ وبينَ الله هذا الحِوار.. إن صحَّ التعبير.. يعني أبسط حِوار كما قُلتُ لكم من قبل إذا أردتَ أن تُناجيَ اللهَ عزّ وجل فادعوه.. الدعاء مناجاه.. وإذا أردتَ أن يُحدّثُكَ اللهُ عزّ وجل قاتل كِتابَ اللهِ عزّ وجل، فقراءةُ القرآنِ كأنَّ اللهَ يُحدّثُك: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
إذا أردتَ أن تُحدّثَهُ تقول لهُ: يارب أقِل عِثاري، اغفر زلّتي ارحم ضعفي، اقبل توبتي، أقِل عثرتي يارب، يارب ألهمني الصواب اهدِني واهدِ بي، أرِني الحقَّ حقّاً وارزقني إتباعه.
أجمل ما في حياة المؤمن أدعيةٍ نبويةٍ فيها جوامِعُ الحِكم أن تحفَظَها فكُلما خَلوتَ معَ ربِك وأنتَ في الطريق وأنتَ في موعدٍ مُهم وأنتَ مُستيقظ صباحاً.. يعني.. كُلما جلستَ إلى مائدةٍ.. أذكار النبي في الحمدِ والشُكرِ للهَ عزّ وجل فإذا أردتَ أن تُحدّثَ اللهَ عزّ وجل فادعوه، وإذا أردتَ أن يُحدّثَكَ الله عزّ وجل فاقرأ القرآن.
ياموسى أتُحِبّ أن أكونَ جليسَك؟ قالَ وكيفَ ذلِكَ يارب؟ قالَ أما عَلِمتَ أنني جليسُ من ذَكَرَني وحيثُ ما التمسني عبدي وَجَدَني،
بعضُهم قال: حينما تذكُر الله عزّ وجل فهذا نوعٌ من الشُكر إذا ذكرتَ نِعمةَ اللهِ عليك.
إذا الإنسان شَرِبَ كأساً من الماء.. يعني.. الطُرق سالِكة ليسَ هُناك حصيات وليسَ هُناك انحباس في البول وليسَ هُناك ضعف في عملِ الكُليتين والأمور كُلُها منتظمة أليست هذه نِعمة كبيرة، لستَ مُضطراً لا أن تُصفّي دمَكَ في الأسبوع مرتين ولا أن تُجري عملية تحطيم البحصة بالأشعّة ....
إذاً: هذه نِعمة، أنتَ كُلما دعوتَهُ في أحوالِكَ كُلِها دخلتَ إلى بيتِك لكَ مأوى ولكَ بيت ولكَ زوجة ولكَ أولاد وجلستَ إلى الطعام والطعام موجود ومعكَ ثمن الطعام، يعني الله عزّ وجل أكرمكَ بهذا البيت وبهذه الزوجة وهؤلاءِ الأولاد فأنتَ حينما تدعو اللهَ عزّ وجل فأنتَ تذكُرُهُ
فالنعِمةُ:
- معرِفَتُها شُكرٌ
- والحمدُ عليها شُكرٌ
- ومقابلة النِعمةِ بالأعمال الصالحةِ شُكرٌ.. ثلاث مستويات.. يكفي أن تعرِفَ أنَّ هذه النعمة من اللهِ عزّ وجل فهذا أحدُ أنواعِ شُكرِها ويكفي أن يمتلئ قلبُك امتناناً من هذه النِعمة فهذا مستوى أرقى، أمّا إذا انطلقتَ في خِدمةِ الخلق تعبيراً عن شُكرِكَ للهِ عزّ وجل فهذا مستوى أرقى وأرقى:
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
فقال: من علاماتِ النِفاق الغدرُ بعهدِ الله
ثالثا: والرجوعُ إليهِ حالاً بعدَ أن رَجَعتَ إليهِ مقالاً:
حالكَ مع الله دائماً، يجوز لِسانُكَ مع الله يارب تُبتُ إليك لكن النفس موزّعة في الدُنيا في شُعَبِها في أوديتِها في متاهاتِها في شهواتِها، الأن نريد إنابة فوقَ الإنابة القولية إنابة حاليّةِ.
أن تكون نفسُكَ مُطمئنةً إلى الله عزّ وجل سابحةً في ملكوت الله، يعني سارحةً في فضلِ الله قريبةً من الله عزّ وجل فأن تُنيبَ إليه هذه إنابة اعتذار، وأن تُنيبَ إليه إنابة وفاء بعدَ أن أنبتَ إليه إنابة عهد، وأن تُنيبَ إليه إنابة حال بعدَ أن أنبتَ إليه إنابة مقال.
أنواع الإنابه:
بعضُهم قال: إنَّ هذه المنزِلة تعني شيئين لأنَّ هُناكَ إنابتين: إنابةٌ لربوبيته وإنابةٌ لألوهيته،
أولا: الإنابةُ للربوبيّة: الإنابة العامة أي الإنابة وقت الشده:
فالإنابةُ للربوبيّة إنابةٌ عامّة فكُلُ الخلق على اختلافِ أجناسِهم وأديانِهم ومِللهِم ونِحلِهم واتجاهاتِهم، مؤمنهم وكافرهم وفاسقهم وطائعهم منيبونَ إلى الله حينما تأتي الشِدّة، راكب طائرة دخلت في سحابة مُكهربة صار إمكان وقوعك كبير ، راكب سفينة، واجهت مُشكلة، التحليل أظهر خللاً كبيراً في تركيب الدم، الصور الشُعاعية أظهرت خللاً في الخلايا، حينما تأتي المُصيبة جسمية أو مادية أو معنوية، في المالِ في الولدِ في الأهلِ، حينما يلوحُ شبحُ المصائب كُلُ الخلق من دونِ إستثناء كما قُلتُ قبلَ قليل مؤمنهم وكافِرهم عالِمُهم وجاهِلُهم من كُلِّ الأجناس من كُلِّ المِلل من كُلِّ النِحل مُنيبينَ إلى الله ولكن هذه الإنابة بحسب ضعفِ الإنسان بحسب افتقارِهِ إلى الله، بحسبِ أنهُ مقهور، بحسبِ أنهُ مُضطر، ولكنَّ هذه الإنابة لا ترتقي بِكَ إلى الله، الدليل: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
الناس جميعاً، يعني حينما تأتي المُصيبة وتنطلق إلى اللهِ عزّ وجل هذا ليسَ لكَ فيهِ فضلٌ إطلاقاً هذه طبيعةُ الإنسان، هذه جِبلّته، هذه فِطرَتُهُ، هذا ضعفُهُ، هذا إفتقارُهُ، هذا اضطرارُهُ، هذا قهرُهُ... أيُّ إنسان، لذلك ربُنا عزّ وجل قال: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى
الله عزّ وجل طبعاً من قدرتِهِ وهذا شيء بسيط جداً أنهُ يجعلُ أشدَّ الرِجالِ جَلَداً تنهارُ أعصابُهُ ويجهَشُ بالبُكاء، طبعاً أن ترى طِفلاً يبكي شيء مألوف، أن ترى امرأةً تبكي شيء مألوف، أما أن ترى رجُلاً شديداً عتيداً جَلداً تنهارُ أعصابُهُ ويُجهِشُ بالبُكاء معنى ذلك أنَّ اللهَ عزّ وجل حينما يؤدّبُ الإنسان يعرِفُ كيفَ يؤدّبُهُ.
فإذا الإنسان ضحك وكان مَرِحاً وانطلق لسانهُ وهوَ بينَ أهلِهِ، بينَ أصدقائِه، في عملِه، مع شركائِهِ، هذا فضلُ اللهِ أنَّ اللهَ سلّمَه وعافاه ويسّرَّ له أُموره وإلا فأيُ خبرٍ مُزعج يقلِبُ حياةَ الإنسانِ جحيماً.
إذاً: هذه الإنابة ليسَ لنا فيها فضلٌ إطلاقاً، هذه من جِبلّتِنا، من ضعفِنا، من قهرِنا، من افتقارِنا، من هلعِنا: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً
قُلتُ لكم من قبل: أنَّ طائرةً يركَبُها خُبراء من بِلادٍ لا تؤمنُ باللهِ إطلاقاً.. يعني.. لا تؤمنُ بوجودِ اللهِ إطلاقاً، دخلت هذه الطائرة في سحابةِ مُكهرّبةٍ وبدا لرُكابِها أنها على وشك السقوط.حدثني من كانَ في الطائرة أنَّ هؤلاءِ الذينَ يُلحِدونَ في ذاتِ اللهِ وفي آياتهِ صـاروا يرفعونَ أيديهم إلى السماء: يارب.. يارب.. بلُغاتهم، أينَ إلحادُهم، أينَ عِلمانيتُهم، أينَ إنكارُهم، أينَ كُفرُهم..؟.. أعتقد أنَّ كلكم قرأَ في القرآن آيات كثيرة كيفَ أنَّ اللهَ عزّ وجل يستدرج الكافر أحياناً إلى سفينة فإذا ماجَ البحرُ واضطرب:
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ
فحينما تأتي مُشكلة وتلجأ إلى الله عزّ وجل، لا أُقللُ من قيمةِ هذا اللجوء ولكن أُبلغـكَ أنَّ هذا اللجوء لا فضلَ لكَ بِهِ لأنَّ هذه طبيعَتُكَ وهذا افتِقارُكَ.
ثانيا: إنابةَ الألوهيّة: الإنابه الخاصه وقت الرخاء:
ولكنَّ البطولةَ أن تُنيبَ إليه إنابةَ الألوهيّة...
الذي يستحّقُ العِبادة، الذي خَلَقَكَ يستحّقُ أن تَعبُدهُ فهوَ الإله، والذي رَزَقَك يستحقّقُ أن تَعبُدهُ فهوَ الإله، والذي أعطاكَ السمعَ والبصرَ والفؤادَ يستحقّ أن تَعبُدهُ فهوَ الإله، والذي مَنَحَكَ الأهلَ والأولاد يستحقّ أن تَعبُدهُ فهوَ الإله، والذي تفضّلَ عليكَ بنِعمةِ الهِدايةِ هوَ الإله.
إذاً: لا معبودَ بحقٍ إلا الله، أنتَ حينما تنطلِقُ إلى اللهِ عزّ وجل من قناعة من مُبادرَة، تنطَلِقُ إبتداءً إلى اللهِ عزّ وجل وأنتَ في رَخاء وأنتَ في بحبوحَة فهذه هيَ البطولة، هذه هيَ الإنابةُ التي يُريدُها اللهُ عزّ وجل أن تُنيبَ إليه إنابةَ حُب لا إنابةَ قهر، إنابةَ إشتياق لا إنابةَ اضطرار، إنابةَ اقتناع لا إنابةَ إجبار.
وإنابةُ الألوهية أي أن تعبُدهُ بعدَ أن تؤمنَ بهِ، أن تعبُدهُ وأنتَ مُحبٌ لهُ، أن تعبُدَهُ وأنتَ ترجوهُ، أن تعبُدَهُ وأنتَ راغبٌ فيما عِندهُ من دونِ إضطرارٍ من دونِ ضغطٍ من دونِ إكراهٍ من دونِ خوفٍ، لأنَّ هذا الذي يُنيبُ إلى الله عِندَ الشِدّة من لوازم هذه الإنابة أنها إذا رُفِعت الشِدّةَ عادَ إلى ما كانَ عليه، أعِرفُ أُناساً كثيرين حينما جاءتهم أزمةً في بعضِ أعضائِهم الخطيرة أنابوا إلى الله فلمّا تحسّنَ وضعُهم وانزاحت عنهم هذه الآلام وأظهرت النتائج المخبرية أنهم في صحةٍ جيدة عادوا إلى ما كانوا عليه من فِسقٍ وفجورٍ وانحرافٍ وطغيانٍ واستكبار.
إذاً: الإنابة التي تأتي عِندَ الإضطرار سُرعانَ ما تنزاحُ عِندَ الرخاء، إذاً لا قيمةَ لها والدليل: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ
لكن روعة الآية أنَّ فريقاً منهم، معناها هُناكَ أُناسٌ حينما تأتيهم الشِدّة وينيبونَ إلى الله يستفيدونَ من هذه الشِدّة وتكونُ إنابتُهم إلى اللهِ عزّ وجل مستمرة والدليل إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
خصائِصِ الإنابة
الإنابة من خصائِصِها أربعةُ خصائص:
أولا: المحبة:
الخصيصةُ الأولى أن تكونَ الإنابةُ أساسُها المحبة
ثانيا: الانصياعٌ إلى اللهِ:
دائماً نتحدثُ عن العبوديةِ للهِ عزّ وجل، العبودية من الداخل حُب ومن الخارج انصياعٌ إلى اللهِ عزّ وجل وفي أدقِّ تعاريف العبوديّة: غايةُ الخضوع للأمرِ والنهيِ وغايةُ الحُب، خضوعٌ في الأعضاءِ والجوارح وحُبٌ في القلب، فإذا اجتمعَ الحبُ في القلب الحُبُ مع الإخلاص والخضوعُ والإستسلام لأمر اللهِ عزّ وجل فهذه هيَ العبودية وهذا الذي قالهُ اللهُ عزّ وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
يعني أنتَ في أعلى درجاتِك وفي أفضلِ حالاتِك وفي أعلى مراتِبِك عبدٌ للهِ عزّ وجل قلبُكَ مُفعمٌ بالحُب وجوارِحُكَ وأعضاؤكَ مُنساقةٌ إلى طاعته، إذا كُنتَ كذلك فأنتَ من عِباد الله الصالحين فأنتَ من عِبادِ الرحمن الذينَ يمشونَ على الأرضِ هونَاً وإذا خاطبهم الجاهلونَ قالوا سلاماً: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً
ثالثا: الإقبالُ على الله:
والأمرُ الثالِثُ في الإنابةِ الإقبالُ على الله، الفرق بين الحُب والإقبال: الإقبال بالعبادات، بالأدعية، بالأذكار بالتذكير أحياناً، بتلاوة القرآن.......
في حُب وخضوع وإقبال على الله عزّ وجل،
رابعا: الإعراضُ عمّا سِواه:
والعُنصر الرابع: والإعراضُ عمّا سِواه أُناسٌ منحرِفون شهواتٌ دنيئة، أماكن موبوءة.... أيُّ شيء يُبعدُكَ عن اللهِ عزّ وجل تُعرِضُ عنهُ.. يعني.. في النهاية هُناكَ في الكونِ حقيقةٌ واحدة وهيَ الله فأيُّ شيء يُقرّبُكَ إليه تُبادر إليه، وأيُّ شيء يُبعِدُكَ عنهُ تبتعد عنه، هذا اللقاء، هذه النزهة، هذه العلاقة، هذه الشَرِكة... إن أبعدتكَ عن اللهِ عزّ وجل أعرضتَ عنها وإن قرّبتكَ إلى اللهِ أقبلتَ عليها، هذا هوَ مُلخّصُ المُلخّص.
حينما ترى شيئاً يُقرّبُكَ إلى اللهِ عزّ وجل تنطلِقُ إليه وحينما ترى شيئاً يُبعِدُكَ عن اللهِ عزّ وجل تجتنبهُ، فالحُبُ في القلب والخضوعُ في الجوارحِ والأعضاء والإقبالُ على الله والإعراضُ عمّا سِواه.
طرق الإنابة:
أولا: إنابة بالاستغفار:
المؤمن لا يفتأ يستغفر الله عز وجل،
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يقُولَ العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
هكذا يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث، سيد الاستغفار أن تقول هذا الدعاء.
وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يستغفرون: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ لَكُمْ،وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
يبدو أن أسوأ المذنبين الذي يرتكب الذنب، ويصر عليه، ويفتخر، الله عز وجل يطمئننا ويبشرنا: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ
قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام: كَلِمَاتٌ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِهِ، عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِلَّا كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ، وَلَا يَقُولُهُنَّ فِي مَجْلِسِ خَيْرٍ، وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ إِلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ، كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ
المعنى هناك: إن لم تشعروا بذنوبكم فأنتم هالكون، لو لم تذنبوا بمعنى لو لم تشعروا بذنوبكم، فالمؤمن ذنبه كالجبل، بينما المنافق ذنبه كالذباب، لا يعبأ به، هذه الإنابة الأولى، إنابة الاستغفار.
ثانيا: إنابة القلب بمعاكسة انشغال الإنسان بأحوال الدنيا ومجاهدة النفس والهوى:
إنابة في القلب بمعاكسة انشغال الإنسان بأحوال الدنيا، أقول دائماً: الشيطان يوسوس للإنسان أن يكفر إن رآه على إيمان، يوسوس له أن يشرك إن رآه على توحيد، يوسوس له أن يبتدع إن رآه على سنة، يوسوس له بكبيرة إن رآه على طاعة، يوسوس له بصغيرة إن رآه على ورع، يوسوس له بالتحريش بين المؤمنين، عي، حوار، مشاكل، فلان يفهم، فلان لا يفهم، فلان ليست هذه نيته، ليس له همّ إلا أن ينتقد من حوله، الورقة قبل الأخيرة بيد الشيطان، أما آخر ورقة فهي المباحات، يغرق في المباحات، إلى أن ينسى الله عز وجل، هذه أوراق الشيطان.
الآن إنابة القلب بمعاكسة انشغاله بأحوال الدنيا، ومجاهدة النفس والهوى، وأنا أرى أن هذه المجاهدة هي الأولى، لا تستطيع أن تجاهد أيَّ جهاد آخر قبل أن تجاهد نفسك وهواك، إن لم تنتصر على نفسك فلا تستطيع أن تواجه نملة، جهاد النفس والهوى، ثم الجهاد الدعوي، ثم الجهاد البنائي، ثم الجهاد القتالي إن أتيح للمسلمين.
قال بعض العلماء: خير القلوب قلب رجاع إلى الله، لهاج بذكره، وذكر نعمائه وفضله، متقلل من دنياه، ومن إعمال النظر في زخارف الدنيا،
هذا أفضل قلب عند الله.
ثالثا: الإنابة إلى الله بالمال:
الإنابة إلى الله بالمال، تنيب إليه بالاستغفار، وتنيب إليه بمجاهدة النفس والهوى، وتنيب إليه بإنفاق المال: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
المعنى إن لم تنفقوا، إن لم تنفقوا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، ويوجد معنى آخر: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
نسيتم أهلكم وأولادكم، ومن يلوذ بكم، نسيتم أن هناك حاجات أساسية لأولادك، أولادك من لهم غيرك؟ فإنفاق المال كله بشكل عشوائي أيضاً هذا نوع من الهلاك، لكن المؤمنين ينفقون في السراء والضراء، كما قال الله عز وجل.
عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، يتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يبيت عندنا، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ
البطولة: أن تنفق المال وأنت في أشد الحاجة إليه، أن تنفق المال وأنت صحيح، أن تنفق المال وأنت شحيح.
رابعا: إنابة إلى الله بالصبر على المحن:
الصبر على المحن، فالمؤمن متماسك، المؤمن واثق من حكمة الله، واثق من رحمته، مستسلم لقضائه وقدره، مع أن الأشياء صعبة جداً، لذلك قال تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ
أيها الأخوة، هناك تكاليف، والتكاليف تعني أشياء ذات كلفة، غض البصر فيه جهد، أداء الصلوات فيه جهد، ضبط اللسان فيه جهد، الاستيقاظ إلى الصلاة فيه جهد، فالتكاليف تعاكس طبيعة الجسد، وهي ذات كلفة، لذلك لها أجر كبير، يجمعها قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
خامسا: إنابة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إنابة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه سماها العلماء الفريضة السادسة، وهي في القرآن الكريم من علة خيرية هذه الأمة، فإن لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر فقدت خيريتها، وأصبحت كأيّ أمة خلقها الله، قال تعالى: كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
فإن لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر فقدنا خيريتنا، لذلك: أهلَك الله بني إسرائيل لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لا تجامل أحداً، يجب ألاّ تأخذك في الله لومة لائم، من أعان ظالماً سلطه الله عليه، من أعان ظالماً، ولو بشطر كلمة، سلطه الله عليه.
قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
يقول عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث دقيق جداً، ونحن في أمس الحاجة إليه : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، وأبرّها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم.
لذلك: إن الله اختارني، واختار لي أصحابي
هؤلاء شهد لهم النبي بالخيرية، وهم القرون الثلاثة الأولى.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الناس قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثم إِنَّ بَعْدَهم قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ
سادسا: الإنابة إلى الله عند الشعور بدنوِّ الأجل، فيرضى المؤمن عن الله، وعن قضائه، ويستسلم لأمره:
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْجُو اللَّهَ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ
عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ، وَهُوَ يَشْتَكِي، فَتَمَنَّى الْمَوْتَ، فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ، إِنْ كُنْتَ مُحْسِنًا تَزْدَادُ إِحْسَانًا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ خَيْرٌ لَكَ، فَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ
ينهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تمني الموت.
علاماتِ المُنيب:
أولا: يخرُجُ من التَبِعات:
من علاماتِ المُنيب أنهُ يخرُجُ من التَبِعات.. يعني.. أيُّ عملٍ يضعهُ أمامَ مسؤوليةٍ أمامَ اللهِ عزّ وجل يخافُ منه دائماً هوَ خفيفٌ من التَبِعات، متى ينجو من التَبِعات إذا أدّى الواجِبات..
إذا وَصَلَ رَحِمَهُ، أدّى ما عليهِ من حقوق برَّ والِديه أنصفَ مع من معهُ، حينما تقعُ عليكَ التَبِعات فلستَ منيباً إلى اللهِ أبداً، أحدُ خصائص المُنيب أن يبتعدَ عن كُلِّ تَبِعةٍ تُحمّلهُ أمامَ اللهِ مسؤولية، أخ حدثني وسألني ممكن أن أُصور سناً لمريض المريض يأتي مجاناً في مستوصف لكن علّمونا في الجامعة أكثر من صورة هذه قد تؤذي.. تؤذي.. هذا المريض الفقير لا يعرف نصوّرهُ صورة واثنتين وثلاث وخمس.. نتعلّم فيه.. أنتَ حينما تفعلُ هذا وقعتَ في التَبِعَةِ، وقعتَ في المسؤولية، أليسَ اللهُ يعلم أنهم قد علّموك أن لا تُجري هذه الأشعة إلا مرةً واحدة مع المريض لأخطارٍ تابِعةٍ في المستقبل، فأنتَ حينما تفعلُ شيئاً يَضَعُكَ أمامَ مسؤوليةٍ أمامَ الله عزّ وجل فلستَ منيباً، لذلك الإسلام مسؤولية والإيمان مسؤولية، ياتُرى أنتَ حينما يكونُ هذا المريضُ أمانةً في عُنُقِك، وهذا الموّكِلُ أمانةً في عُنُقِك قد ترفع مذكِرة غير مُعتنى بِها فيخسرُ موكّلُكَ القضية وهوَ مُحِقٌ بِها هذا أمانة عِندك، فمن علامةِ إنابَتِكَ إلى اللهِ عزّ وجل أنكَ تبتِعِدُ عن كُلِّ تَبِعةٍ تضَعُكَ أمامَ مسؤوليةٍ تِجاهَ اللهِ عزّ وجل.
ومن علامةِ الإنابةِ أنكَ إذا عثرت، إذا زلّت القدم، إذا وقعتَ في مخالفةٍ، تتألمُ ألماً حقيقيّاً، أنا الأن أُعطيكم مؤشِرات، يعني ولو أنَّ حيواناً مسستهُ بأذى لابُدَّ من رفعِ هذه التَبِعة بالإحسانِ إليه بمعالجتِهِ عِندَ طبيبٍ بيطري، إذا سببتَ لحيوانٍ أذىً فأنتَ قد وقعتَ في تَبِعةٍ مع اللهِ عزّ وجل، دخلت إمرأةٌ النارَ في هِرّةٍ حَبَستها، فالتخفف من التَبِعات أو الخروجُ من التَبِعات من علامةِ أهلِ الإنابة.
ثانيا: التوجّعُ للعثرات:
يعني المؤمن يُحاسب نفسهُ حِساباً عسيراً حينما يُسيء حينما يُخطئ دونِ قصد، حينما تُزلُّ قدمُهُ، حينما ينطَلِقُ لِسانُهُ بكلمةٍ قاسيةٍ، حينما يفعلُ شيئاً يشعرُ أنهُ قد أخطأ هذه عَثَرَة، من علامات المؤمن أنَّ العَثَرات توجِعهُ.
لو واحد قال لكَ خُذ تفاحة من التُفاحتين فأخذت الكبيرة لنفسك يا ترى لو وزنتها بميزان حساس ما في غرامين أو ثلاث، لو الوزن واحد لكن واحدة لونها أحمر... شعرت مع اللهِ بِتَبِعة لماذا استأثرتَ بالأطيب بالأكبر بالأجمل بالأزهى لماذا؟ أنا أقول لكَ حينما تخرُجُ من التَبِعة تشعرُ براحة.
ثالثا: إدراكُ الفائتات:
في وقت مُعيّن فاتتكَ بعضُ الطاعات فنُضاعف الجُهد، فاستدراكُ الفائتات والتوجّعُ للعَثَرات والخروجُ من التَبِعات هذه علامةُ الإنابةِ إلى الله عزّ وجل.
رابعا: وجود لذّةٌ بالذنب:
يعني.. ممكن أن تشعر بسرور في بعض المعاصي، ما دام هُناكَ لذّةٌ بالذنب فالإنابةُ ليست مُحكَمَةً ولا صحيحة.
لذلك قالوا: هُناكَ إنسانٌ تأمُرهُ نفسُهُ بالذنب هيَ النفسُ الأمّارةُ بالسوء، وهُناكَ نفسٌ إذا اقترفت ذنباً لامت صاحِبها كثيراً.. هذه النفسُ اللوامة..، وهُناكَ نفسٌ مُطمئنةٌ إلى استقامتِها وإلى رحمةِ ربِها، فهذه مرتبة. هذا مستوى وذاكَ مستوى والثالث مستوى، لكن هُناك سؤال ياتُرى أيُهُما أرقى عنَد اللهِ أن تُصارِعَ نفسَكَ وأن تنتصِرَ عليها وأن تتمنى المعصية ولا تفعَلُها أم أن تكونَ مُعافىً مِنها؟ هوَ حسب ما يبدو أنَّ الإنسان حينما يُجاهدُ نفسهُ وهواه يرقى عِندَ اللهِ عزّ وجل لكن هذه المُجاهدة يجب أن تنتهي بالإنسان إلى أن تُوافِقَ نفسهُ أن يتوافقَ هواهُ مع ما جاءَ بهِ النبي عليهِ الصلاة والسلام.
أي أنَّ هُناكَ نفساً أمّارةً بالسوء، وأنَّ هُناكَ نفساً لوّامةً، وأن هُناكَ نفساً مُطمئنةً إطمأنت إلى صِدقِ سلوكِها وصِدقِ طَلَبِها للهِ عزّ وجل واطمأنت إلى رحمةِ اللهِ عزّ وجل.
خامسا: تَركُ الاستهانةِ بأهلِ الغفلة والخوفُ عليهم:
تركُ الاستهانةِ بأهلِ الغفلة، أيام الإنسان من رعوناتِهِ، الإنسان في أولِ طريقِ إيمانِهِ تاب إلى الله كُلما ألقى نظرةً على إنسان متلبّس بمعصية احتقرهُ وازدراه واستعلى عليه... هذه من رعوناتِ المؤمن في أولِ إيمانِهِ... من كمالِ إنابَتِكَ إلى الله عزّ وجل أن تدعَ الاستهانةَ بأهلِ الغفلة، السبب.. يُحتمل أنَّ هذا الغافِل.. إنَّ هذا المُسيء يتوب بعدَ حين ويشتدُّ صِدقُهُ معَ اللهِ عزّ وجل ويتجاوزُكَ بمراحِلَ كثيرة، ما دام حيّ لم يُختم عَمَلُهُ.
ممكن أنتَ لكَ سُرعة فهوَ واقف الأن وأنتَ ماشي لكن أنتَ ماشي على الثلاثين وهوَ الأن واقف فلو صحا ورَكِبَ مركبة على الـ 120 فتبقى أنتَ في الخلف، فحتى أهل الغَفَلات يمكن أن يتوبوا إلى الله توبةً نصوحاً والحياة مليئة بالشواهد، والله هُناك أُناس كانوا غارقين في المعاصي.. غارِقين.. فَرَجعَوا إلى الله رجعةً لو وِزعّت على أهلِ بلدٍ لكَفتهُم، فمن علامة المؤمن أن يدعو لهم بالهِداية، يتمنى لهم التوبة، يسألُ اللهَ السلامة، يسألُ اللهَ المزيد، أمّا حينما يحتَقِرُ أهلَ الغَفَلات ويستعلي عليهم ويزدريهم فإنابَتُهُ إلى اللهِ عزّ وجل ليست صحيحة وليست مُحكمة، لم يتأدّب بآداب الإيمان بعد، بالعكس قال كُلما تقدّمتَ في طريقِ الإيمان تخافُ على نفسِكَ وأنتَ في قِمّةِ الطاعات وترجو لهم الرحمة من الله عزّ وجل وهم في المعاصي لأنَّ: الصُلحة في لمحة، يكفي أن يقول العبدُ يارب فيقول الله عزّ وجل لبيكَ ياعبدي. فإذا علامة رابعة من علامة المُنيب تَركُ الاستهانةِ بأهلِ الغفلة والخوفُ عليهم مع فتحِكَ بابَ الرجاءِ لنفسِك والأرقى من ذلك أن تخافَ على نفسِك وأنتَ في الطاعة، وأن ترجو لهم التوبةَ والإنابة وهم في المعصية
سادسا: استقصاءُ رؤيةِ العِلل:
يعني.. يقول لكَ أنا والله ما في منّي.. الناس كُلُها هالِكة وكُلُها ضالّة وكُلُها واقعة بالحرام وأنا الحمدُ لله دخلي حلال واستقامتي جيده وبيتي إسلامي.... حينما تظُنُ أنهُ ليسَ في حياتِكَ عِللٌ فهذه أكبرُ عِلّةٍ، لأنهُ:
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ
فكم في النفوسِ من عِللٍ وأغراضٍ وحظوظٍ تمنعُ الأعمالَ أن تكونَ خالِصةً للهِ تعالى، المُشكلة أنهُ في ظاهر وفي باطن، الظاهر: الصلاة والصوم والحج والزكاة، والظاهر أنهُ أنتَ تصدّقت وزكيت ودفعت.. شيء جميل.. أنا أُريد القلب ماذا أرادَ من دفعِ هذا المال، أن ينتزَعَ إعجابَ الناس أم أن يتقرّبَ إلى اللهِ عزّ وجل؟ لذلك: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ
قالوا: فإعبد اللهَ في أعضائِك وجوارِحِك.. بسمعِكَ وبَصَرِكَ ولِسانِكَ..... لكن كيفَ يعبدُ القلبُ اللهَ عزّ وجل؟ بالإخلاصِ إليه والإنابة إليه والتوكلِ عليه، فلذلك موضوع الإخلاص موضوع مُهم جداً بينَ القلبِ وبينَ العملِ مسافة وفي هذه المسافة قُطّاعٌ للطريق.
عمل لا يُثمر ثِمارهُ في القلب.. يوجد موانع.. الأن وصلت ثِمارُ هذا العمل إلى القلب بقيَ أن يُرفَعَ إلى اللهِ عزّ وجل وأيضاً يوجد موانع، فالعُجب يمنع، الإدلال بالعمل يمنع، أن ترى هذا العملَ عظيماً وقد قدّرَهُ اللهُ على يديك والناسُ بعيدونَ عنهُ هذا يمنع، العُجب والإدلال والرؤيا هذه مانعة من قَبولِ العمل وفي أشياء تمنع من وصول ثِمار العمل إلى القلب.
إذاً: هذه أيضاً من علامة الإنابة الصحيحة أن تكونَ معافى من هذه القواطع التي تقطعُ أثارَ العمل الصالِحِ إلى القلب وتقطعُ انتقالَ العمل الصالِحِ إلى الرب، من هذه الموانع التي تمنعُ أن يكونَ العملُ مقبولاً كما قُلتُ قبلَ قليل الكِبرُ والإعجابُ والإدلالُ ورؤيةُ العملِ ونسيانُ المِنّةِ وعِللٌ خفيّةٌ كثيرة، فالإنسان عليه أن يستقصي نيّتهُ وعليهِ أن يُطهّرَ نفسَهُ حتى يكونَ العملَ الذي عَمِلَهُ كُلُهُ مقبولاً.
خلاصة القول:
أيها الأخوة، هذه مرتبة من مراتب التوحيد، أن تنيب إلى الله؛ إما بالاستغفار، وإما بمجاهدة النفس والهوى، وإما بإنفاق المال، وإما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإما بالاستعداد للموت.
أختم هذا الدرس بالفكرة التي أحرص عليها حرصاً شديداً: ليس علم العقيدة أنك تعتقد ما ينبغي أن تعتقد، ينبغي أن تعتقد ما ينبغي أن تعتقد، وأن تكون على ما ينبغي أن تكون، فالإنابة من لوازم التوحيد، والاستغفار من لوازم التوحيد.