بحث

عندما توحد الله حقاً... تتأدب معه

عندما توحد الله حقاً... تتأدب معه

بسم الله الرحمن الرحيم

      الحقيقة أن الاعتقاد ليس ما ينبغي أن تعتقد فحسب، ولكن ما ينبغي أن تتخلق به، فشطر العقيدة حقائق يجب أن تؤمن بها بعد البحث والتدقيق، وشطرها الآخر أخلاق وأحوال ومقامات ينبغي أن تتمثل فيك، من أجل أن تكون سبباً لسعادتك في الدنيا وفي الآخرة، تلك السعادة التي خلقت من أجلها: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ   

      أيها الأخوة الكرام، إذا ذكرت كلمة مؤمن، فينبغي أن يقفز إلى ذهنك أنه أديب،   

      يا رسول الله ما هذا الأدب؟ قال:  أدبني ربي فأحسن تأديبي.  

      لا يمكن أن تقع عينك على مؤمن غير مؤدب، فظ غليظ، وقح متطاول، مستحيل، لا مع الله، ولا مع أنبيائه، ولا مع المؤمنين، ولا مع عامة الناس.  

      إذا قلت: مؤمن، أي أنه مؤدب، لطيف، يعرف حقه ويعرف حق غيره، يعرف حدوده و يعرف حدود غيره.  

مظاهر الأدب مع الله:   

      ولكي يكون الإنسان مؤدب مع الله يجب عليه:  

أولا: صيانة معاملته من أن يشوبها نقيصة:   

      فالصلاة تامة، تؤدى أداءً كاملاً، فالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، هذه عبادات، تعاملت مع الله من خلال العبادات، يجب أن تؤدى هذه العبادات أداءً كاملاً، وهذا من الأدب مع الله،   

      أمرك بغض البصر، غض البصر من تمام الأدب مع الله، أمرك بتحري الحلال، تحري الحلال من الأدب مع الله،   

      نهاك عن أن تأخذ ما ليس لك، فإن لم تأخذ ما ليس لك فهذا من الأدب مع الله، أي تتعامل مع الله بهذه العبادات، أو بهذه المعاملات، من كمال الأدب مع الله ألا يشوبها نقص، قد تؤديها لكن مع النقص، قد تؤديها مع الغفلة، هذا ليس من الأدب، أما أن تؤديها أداءً كاملاً فهذا أدب.   

      إذاً الأداء الكامل لكل شيءٍ أمرك الله به، الأداء الكامل هو الأدب.   

ثانيا: صيانة قلبك أن يلتفت إلى غيره:  

      هذا أدب القلب، أدب الجوارح، أن تؤدي العبادات أداءً كاملاً، أن تقوم بالمعاملات كما أمر الله قياماً كاملاً، أن تؤدي ما عليك أداءً كاملاً، هذا أدب الجوارح، أي اللسان، والعين، والأذن، واليد، والجسم،  أما أدب القلب فألا يلتفت إلى غير الله، لأن الله ينظر إلى قلوبنا، وأعمالنا، فإذا طهرت قلبك من الالتفات لغير الله فهذا من كمال الأدب مع الله.  

ثالثا: صيانة الإرادة من أن تتعلق بما يمقت الله عليك:  

      أي لا تنوي إلا الخير، لا تنوي إلا الشيء الذي يرضي الله عز وجل،   

      فأصبح هناك إرادة، وقلب، وسلوك،   

      الأدب مع الله أن تتعامل معه بكمال، بتمام، بأداء حسن، وأن تصون قلبك على أن يلتفت إلى غير الله، لا أن تريد شيئاً لا يرضي الله، أي طهر إرادتك، وطهر قلبك، وطهر أداءك للعبادات الشعائرية والتعاملية.   

رابعا: وصف الله فيما وصف به نفسه من غير تمثيل ولا تعطيل:  

      فهو الله سبحانه وتعالى فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، هو معهم بسمعه وبصره وعلمه، له وجه تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ   

      وله نفس:  تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.  

      وله يد: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ   

      وله ساق، وله قدم، وله عين، وله سمع، ولكن: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  

      أوصاف الله عز وجل هكذا وردت في كتابه، نقر بها من دون تمثيل ولا تعطيل، لا نمثل ولا نعطل، بل نفوض إلى الله المعنى الذي يليق بكماله،   

      أن تصف الله بما وصف به نفسه، وأن تفوض المعاني لهذه الأوصاف إلى الله عز وجل، بحيث تليق بكماله من دون تمثيل ولا تعطيل، من دون زيادة ولا نقصان ولا نفي، هذا نوع من الأدب مع الله عز وجل.  

       يقول عليه الصلاة و السلام: ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة.  

      أيها الأخوة، يقول الله عز وجل عن ذاته العلية: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  

      الأدب مع ذات الله، الأدب مع صفات الله، الأدب مع أسماء الله، فلا يوجد داع أن أقحم نفسي، وأن أُعمل عقلي في شيء نهيت عن البحث فيه لأنه خارج عن إمكانات العقل.  

       رُوي عن النبي عليه الصلاة والسلام:  تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا.  

خامسا: الأدب في التوجه إليه:  

      الآن الأدب في التوجه إلى الله:   

      سيدنا عيسى سئل: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ  

      قد يخطر في بالنا أن هذا النبي الكريم ينفي عن نفسه هذا القول، يقول: والله يا رب ما قلت هذا،قال: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ  

      أرأيت إلى هذا الأدب الجم مع الله عز وجل؟ ثم يقول: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  

      سيدنا موسى حينما فعل خيراً، وسقى المرأتين، الإنسان أحياناً يعمل عملاً بسيطاً، يقول لك: أنا فعلت كذا، وفعلت كذا، ولحم كتف فلان من خيري، وفلان بفضلي أصبح رجلاً، أما سيدنا موسى حينما أجرى الله على يديه هذا الخير، قال: فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  

      حتى قال بعض علماء القلوب: إن رؤية العمل نوع من الشرك،   

       سيدنا أيوب يقول: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ   

       سيدنا آدم: قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  

      الجن: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً  

      هل تلاحظون هذا الأدب الجم في الخطاب الأنبياء لله عز وجل؟.  

      لذلك : بعضُهم دعا ربهُ فقال :  أسألُكَ يارب بِعِزّكَ وذُلّي إلا َرحمتني ، أسألُكَ بِقوتِكَ وضعفي ، بِغِناكَ عنّي وفقري إليك ، هذه ناصيتي بينَ يديك ، عبيدُكَ سِوايَ كثيرون وليسَ لي سيدٌ سِواك ، لا ملجأَ ولا منجى مِنكَ إلا إليك ، أسألُكَ مسألةَ المسكين ، وابتهِلُ إليك ابتهالَ الخاضع الذليل ، وأدعوكَ دُعاءَ الخائف الضرير سؤالَ من خضعت لكَ رقبتهَ ورَغِمَ لكَ أنفــه وفاضت لكَ عينهُ وذلَّ لكَ قلبه .  

      الإنسان إذا صلّى الليل وناجى ربهُ وتذللَ لهُ يشعر بطعمِ القُرب وهذا حال كِبار المؤمنين ، لكن هذا الذُل لله عزّ وجل يُقابِلهُ عِزٌ في الحياة الدنيا يُعزُكَ الله عزّ وجل ، يرفعُ من مقامِك ، يوجد أشخاص يتكبّرون عن الخضوع لله لكنَّ الله يُرغمُ أنفهمُ بينَ الناس ، يجعلهُم أذلاء ، يُقهرون، يُهانون ، يُشتمون ، يُقرّعون .  

سادسا: الأدب مع الله في الأحوال:  

حال الخوف واليأس – حال الرجاء والأمن:  

      الأدب أن تمنع الخوف من أن يحملك على اليأس، يوجد شيء مخيف إذا حملك هذا الخوف على اليأس معنى ذلك أن توحيدك ضعيف،   

      تصور أنت جندي والده قائد الجيش، جاء عريف فهدده فبكى هذا الجندي وارتعدت فرائضه من هذا التهديد، معنى هذا أنه لا يعرف قدر والده،   

      أحياناً يوجد شيء مخيف أما هذا الشيء المخيف إذا حملك على أن تيأس من رحمة الله فأنت لست أديباً مع الله كأنك تتهم الله أنه لا يفعل شيئاً، كأنك تتهم الله عز وجل أنه غير قدير على حفظك، بصراحة أقول لكم كلمة اقبلوها مني الله عز وجل هو المعبود، لا معبود سواه لو سلمك إلى أحد من خلقه لا يستحق العبادة، لا يوكل مصيرك إلى أحد من خلقه،   

       قال تعالى: لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ  

       اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ  

       وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ  

       وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ  

      إذا ورقة يعلمها فكيف بالأشياء الكبيرة ؟!.  

      الأدب في الأحوال أن تمنع الخوف من أن يصل بك إلى اليأس بالمقابل أن تمنع الرجاء برحمة الله من أن يصل بك إلى أن تأمن عذاب الله.   

      فالإنسان أحياناً براحة الرخاء يتوسع، يتساهل، يطمع بعفو الله ورحمته، هذا سوء أدب مع الله، إذا كنت معافى، صحيحاً، دخلك جيد، بيتك منتظم، زوجتك أولادك لا يوجد عندك مشكلة، تهمل الصلوات، تهمل الأذكار لا يوجد شيء تخاف منه، هذا الأمن الذي نعمت به قادك إلى التساهل في العبادة، وإن جاءتك شدة من الله ينبغي أن لا تقودك إلى اليأس من رحمته، يجب أن تمنع الخوف أن يأخذك إلى اليأس وأن تمنع الرجاء أن يأخذك إلى الأمن، والأمن أن تتوسع في الحركة، أن تبتعد عن الورع.  

      فالأديب مع الله لا يدع الخوف يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط واليأس من رحمة الله فإن هذا الخوف مذموم، يوجد شخص كأنه متوهم أنه سينسحق، أنت مؤمن غالٍ على الله، لك عند الله حقوق، الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه.  

       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا....   

      الإمام الشافعي استنبط استنباطاً رائعاً إن الله لا يعذب أحبابه،   

       قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ  

      لو أن الله قبل دعواهم لما عذبهم، فإذا عذبهم كذبهم أنتم لستم أحبابي، أنا لا أريد إنساناً يخاف، أنت مؤمن والأمر بيد الله، والله عز وجل يظهر آياته.  

      أيها الإخوة... الخوف الذي ينتهي بك إلى اليأس إساءة أدب مع الله عز وجل، والرجاء الذي يفضي بك إلى الأمن من عذاب الله أيضاً إساءة أدب مع الله عز وجل،   

      حد الرجاء ما طيب لك العبادة وحملك على السير فهو بمنزلة الرياح التي تسير السفينة فإذا انقطعت وقفت السفينة، وإذا زادت عن حدها ألقتها في المهالك، وإذا كانت بقدر أوصلتها إلى البغية. فالرجاء كالرياح في البحر تماماً إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.  

حال السراء والشكر – حال الضراء والصبر:  

      الآن السرور، الإنسان أحياناً يسر ضبط السرور لا يقدر عليه إلا الأقوياء أرباب العزائم الذين لا تستفزهم السراء فتغلب شكرهم، ولا تضعفهم الضراء فتغلب صبرهم، شخص تأتيه مصيبة يتحطم، غلبته الضراء، أبعدته عن الصبر، وأحياناً يتألق يأتيه مبلغ كبير يحقق هدفه ويتزوج، يتعين بوظيفة راقية جداً يختل توازنه ففرحه أبعده عن الشكر،   

      فالأدب مع الله أن لا تحملك السراء إلى أن تبتعد عن الشكر وأن لا تحملك الضراء إلى أن تبتعد عن الصبر.  

      كنت أقول مرةً: بلوغ القمة صعب جداً ولكن الأصعب منه أن تبقى في القمة، وأنت في أعلى درجات القوة متواضع لله عز وجل، دخل النبي مكة فاتحاً، دخلها مطأطئ الرأس حتى كادت ذئابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل، وطن نفسك السراء ينبغي ألا تحملك على ترك الشكر، والضراء ينبغي أن لا تحملك على ترك الصبر، في الرخاء شكور، وفي البلاء صبور.  

       قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وَكَانَ خَيْرًا وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ وَكَانَ خَيْرًا   

       قال تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ          

      الله عز وجل يحب العبد الصابر، يوجد آيات إذا قرأتها يقشعر جلدك..  إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً  

      إنسان تأتيه مصيبة يقول يا رب لك الحمد، الحمد لله ثلاثاً، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها.  

      إنسان تأتيه ميزة لا يختل توازنه، يبقى وقوراً، هادئاً، شكوراً، متواضعاً، فالبطولة لا أن تصل إلى القمة بل أن تبقى فيها، طريق القمة صعب جداً وطريق السقوط سهل جداً، الغرور إياك أن تغتر،    

حال التولي وحال التخلي:  

      صحابة رسول الله وفيهم رسول الله حينما قالوا لن نغلب من قلة، عشرة آلاف مقاتل بعد أن فتحوا مكة غلبوا في حنين،   

       قال تعالى:لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ  

      درس بليغ أنت بين حالين بين أن يتولاك الله وبين أن يتخلى عنك، إذا قلت الله تولاك وإذا قلت أنا تخلى عنك، درس بدر ودرس حنين، درس بدر،   

       قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ  

      مفتقرون إلى الله فنصركم، درس حنين أعجبتم بقوتكم فتخلى عنكم  وهذا الدرس نحتاجه نحن كل يوم مئة مرة، تنجح أحياناً بعملك فتقول: أنا سقطت، تنجح تقول: يا ربي لك الفضل ـ تعلو وتسمو ـ   

      سمعت عن طبيب جزاه الله خيراً من أنجح الجراحين لا يجري عملية جراحية قبل أن يصلي أمام المريض ركعتين يا رب وفقني، يارب سدد خُطاي، ألهمني الصواب، الإنسان بالافتقار،   

      والمؤمن الصادق إذا أقدم على عمل اللهم إني تبرأت من حوالي وقوتي وعلمي والتجأت إلى حولي وعلمك وقوتك يا ذا القوة المتين. 

من تهاون بالأدب مع الله حُرم معرفة الله:  

      أخواننا الكرام، الشيء الذي يعد من أهم نقاط هذا اللقاء، من تهاون بالأدب مع الله عُوقب بحرمانه من السنن، ومن تهاون في أداء السنن عُوقب بحرمانه من الفرائض،   

      الإسلام حركي، تهمل الآداب، بعد حين سوف تهمل السنن، تهمل السنن، بعد حين تهمل الفرائض، تهمل الفرائض، يصبح القلب مغلقاً:  كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ   

      إذاً هناك مشكلة، إن تهاونت بالشيء قادك هذا التهاون إلى شيءٍ أكبر، فأعظم شيء الفرائض، ثم السنن، ثم الآداب، فإذا تهاونت بالآداب حرمت السنن، تهاونت في السنن حرمت الفرائض، تهاونت بالفرائض حرمت معرفة الله، وأصل الدين معرفة الله،   

       من تأدب مع الله صار من أهل محبته،  

      أي الأدب مع الله يكسبك محبة الله.  

من أقوال العلماء حول الأدب مع الله:  

      قال أحد العلماء:  من تأدب بأدب الله صار من أهل محبته .  

      وقال ابن المبارك: نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم .  

      الأدب يعقد صلة مع الله، الأدب يحرك المشاعر، نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم.        والإمام الحسن البصري سئل عن انفع الأدب فقال:  التفقه بالدين  والزهد بالدنيا، والمعرفة بما لله عليك.        قال بعض العلماء:  القوم استعانوا بالله على الله على مراد الله  وصبروا لله على آداب الله، فكيف بالذي يستعين بالله على معصيته  كيف الذي يجاهر الله بالمعصية .  

      قال أبو حفص لما قال له الجنيد: لقد أدبتُ أصحابك أدب السلاطين، فقال:  حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب بالباطن  

      يعني أنت كيف مع إنسان عظيم تحترمه، ترتدي ثياباً كاملة أمامه  تخاطبه بأدب جم، تجلس أمامه جلسة أديبة، كيف تتصرف مع عظيمٍ من بني البشر، هكذا ينبغي أن تكون مع خالق البشر.  

      وقال بعضهم:  والأدب مع الله حسن الصحبة معه، بإيقاع الحركات الظاهرة والباطنة، على مقتضى التعظيم والإجلال والحياء  كحال مجالسة الملوك ومصاحبتهم  

      يعني إنسان لا ينام، والمصحف نحو قدميه  لا ينام، لا يجعل مثلاً في غرفة نومه أشياء مقدسة، لعله يستحي من الله عز وجل،   

      وقال بعض العارفين:  من قهر نفسه بالأدب فهو يعبد الله بالإخلاص  

      ويرى بعضهم أن طريق الأدب أن تعرف رعونات النفس، وأن تجتنب تلك الرعونات، أحياناً الإنسان يتجشأ بصوت عالٍ، يجلس جلسة فيها كبر، يضع رجلاً فوق رجل، يجلس ورجلاه متباعدتان، يتثاءب ويفتح فمه. والله الأدب جميل،   

      الإنسان كلما أزداد قربه من الله ازداد أدبه.  

      وقال بعض العارفين:  إن صحت محبتك لله، كنت أديباً معه.  

      قال بعض العلماء:  إلزم الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحد الأدب في الظاهر، إلا عوقب ظاهراً، وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً  

      الإنسان أحياناً الله يحجبه، حجابه أكبر عقاب، إذا كان فيما بينه وبين الله ليس على حال حسن، يحجبه، إذا أساء بالظاهر يهينه، إذا أساء بالباطن يحجبه، فإذا أساء الأدب ظاهراً يعاقبه ظاهراً وإن أساء الأدب باطناً يعاقبه باطناً،   

      لذلك واحد قال:  إذا صليت فلم تشعر بشيء، وإذا قرأت القرآن ولم تشعر بشيء، وإذا ذكرت الله فلم تشعر بشيء، نهاك مشكلة كبيرة في علاقتك مع الله  

      معناها محجوب والله عز وجل يقول:  كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ  

      صليت ولم تشعر بالقرب، ذكرت ولم تشعر بالصلة، قرأت القرآن وأنت بارد العاطفة، معناها محجوب. في مشكلة، يجب أن تبحث عنها، في تقصير، في إساءة، في مخالفة، في سوء ظن بالله، في تعلق بالدنيا في تعلق بشخص منحرف، في إهمال العبادات، الله عز وجل أغنى الأغنياء عن الشرك، أن تسوء علاقتك بالله في حجاب، من عنده حساسية بالغة، ومن عنده حكمة يراقب نفسه، عندما يحجب  إنما يحجب لعلَّة.  

      وقال بعضهم:  حقيقة الأدب استعمال الخُلق الحسن،  

      وقال بعضهم الآخر:  الأدب استخراج ما في الحياة من الكمال من القول إلى الفعل،  

      يعني أنت مفطور فطرة عالية، هذه الفطرة العالية الخفية تترجم إلى عمل، تترجم إلى ابتسامة إلى تواضع، إلى كلمة شكر، والشيء الذي يوضح الحقيقة الآن قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا  

      يعني فطرها، وجبلها على جبلة عالية، فإن فعلت الكمال ارتاحت، وإن فعلت النقص اكتأبت، وكل إنسان عمله السيء عقاب له عقابٌ لفطرته، كل إنسان يخرج عن قواعد فطرته الكاملة، يتألم  وينقبض ويشعر بأنه قد أساء، وما يقال اليوم عن الكآبة، وضيق النفس  والسأم والضجر، والملل، هذا كله من علامات خروج النفس عن قواعد فطرتها، ملخص الملخص.  

       قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا  

      يعني أعظم عمل على الإطلاق أن تذكي نفسك، لتكون مؤهلةً لدخول الجنة، إلى أبد الآبدين، و الله عز وجل يقول:  قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها .  

      وقد ورد في الأثر:  

       أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم: مثل بهم هؤلاء الذين مثلوا بعمك، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي، ولو كنت رسولا.  

      وقال بعضهم:  الزم الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً، وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً.  

      والأدب تاج يتوج به المؤمن، الإسلام عقائد، وعبادات، ومعملات، وآداب.  



المصدر: العقيدة - العقيدة من مفهوم القران والسنة - الدرس ( 30-40) : مستلزمات التوحيد -10- الأدب