التاجر يجب أن:
- يبدأ تجارته بنوايا طيِّبة: من هذه النوايا أن يقصد الكَفَّ عن السؤال - عن سؤال الناس - من هذه النوايا أن يكفَّ عن التطلٌّع لما عند الناس، من هذه النوايا أن يقصد خدمة الناس، من هذه النوايا أن يقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يبني علاقاته مع الناس على الإحسان وعلى العدل، وأن يذكر الله سبحانه وتعالى في تجارته، إذا فعل ذلك كانت هذه التجارة جُزءاً من عمله الصالح.
- وأن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات: لأن الصناعات والتجارات لو تركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق.
- وألا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة: شيءٌ مهم جداً، عليه إقبال شديد، عليه ضغط، بضاعته رائجة، محلِّه في مكان حسَّاس، انشغاله في البيع والشراء، أو انشغاله في المكاسب الدنيويَّة أخَّرته عن المكاسب الأخرويَّة، إذا فعل ذلك فقد وقع في فخِّ الشيطان.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ، فألا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، للآخرة سوق وللدنيا سوق، وأسواق الآخرة المساجد، بها تتعرَّف إلى الله سبحانه وتعالى، وبها يزداد علمك، وتزداد رؤيتك وضوحاً، ويزداد قربك، لذلك من علامات المؤمن أنه لا تشغله الدنيا عن الآخرة ربنا عزَّ وجل قال: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ كلمة ﴿رِجَالٌ﴾ لا تعني ذكراً بل تعني بطلاً، لا تلهيهم، للتجارة وقتٌ وللعبادة وقتٌ، وإن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل.. ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ ، وكان عمر رضي الله عنه يقول للتجَّار: " اجعلوا أوَّل نهاركم لآخرتكم وما بعده لدنياكم ". وفي الخبر أن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفيها في أول النهار وفي آخره ذِكْر الله كفَّر الله عنه ما بينهما، أول النهار وآخره فيه ذِكْرُ الله كفَّر الله عنه ما بينهما.. " يا بن آدم لا تعجز عن ركعتين أول النهار أكفِك النهار كلَّه " أنت في النهار كلُّه في حفظ الله، أنت في ذمَّة الله، أنت تحت مظلَّة الله، أنت في توفيق الله ما دمت قد بدأت نهارك بذِكْرِ الله. ثم مهما سمع الأذان للظهر والعصر فينبغي أن يدع كل ما كان فيه، فما يفوته من فضيلة التكبيرة الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا وما فيها، هكذا قال أحد التابعين: مضى عليه أربعون عاماً ما فاتته التكبيرة الأولى في المسجد مع الإمام. وكان السلف الصالح يبتدرون عند الأذان، ويخلون الأسواق للصبيان وأهل الذمَّة، وقت الصلاة السوق فارغ، لا أحد في متجره، وكانوا يستأجرون بالقراريط لحفظ الحوانيت في أوقات الصلوات، إنهم كانوا حدَّادين وخرازين، وكان أحدهم إذا رفع المطرقة وأذَّن المؤذِّن لا يهوي بها، وإذا أدخل الإبرة في الثوب وأذَّن المؤذِّن لا يخرجُها، هكذا كان السلف الصالح. هذه من باب التأكيد عن ألا يتلهَّى الإنسان بالدنيا عن الآخرة.
- ألا يقتصر على هذا بل يلازم ذِكر الله سبحانه وتعالى في السوق: فإذا الإنسان كان في السوق في محلِّه التجاري، في عمله، في وظيفته وذكر الله عزَّ وجل، ذكر آية لشخص، شرح له حديثاً، ذكر نعمة الله سبحانه وتعالى، قال: سبحان الله، سمع قصَّة فيها موعظة قال: لا حول ولا قوَّة إلا بالله، فالإنسان ما دام وهو في مكان عمله يجب أن يذكر الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾، كيف يداوم على صلاته؟ هناك خمس صلوات، هذه الآية حُمِلَت على أن قلبهم ملتفتٌ إلى الله سبحانه وتعالى طوال نهارهم، فهذا المؤمن وهو في السوق يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى، أوسع عبادة كلمة ذِكْرُ الله، فإذا ذكرت آيةً كونيَّةً فقد ذكرت الله، إذا ذكرت آيةٌ قرآنيَّةً فقد ذكرت الله، إذا ذكرت حديثاً شريفاً فقد ذكرت الله، إذا ذكرت حكماً فقهياً فقد ذكرت الله، إذا ذكرت دقَّة خلق ربك فقد ذكرت الله، إذا أمرت بالمعروف فقد ذكرت الله، إذا نهيت عن المنكر فقد ذكرت الله، إذا رويت قصَّةً فيها موعظةٌ فقد ذكرت الله، إذا ذكرت نعمةً فقد ذكرت الله، إذا قلت: الحمد لله الأمطار بدأت تنهمر، هذا ذكر لله، إذا قلت: الله سبحانه وتعالى وفَّقني إلى كذا وكذا ذكرت الله.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾، برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله : ((ذاكر اللهِ في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين وكالحي بين الأموات)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ)). لا إله إلا الله أي لا رازق إلا الله، لا ينبغي أن تحلف كذباً، لا ينبغي أن تُدَلِّس، لا ينبغي أن تَغُش، لا ينبغي أن تكتم عيباً، لا ينبغي ألا تنصح المسلمين، لا إله إلا الله، لا رازق إلا الله. سيدنا عمر كان إذا دخل السوق قال: " اللهمَّ إني أعوذ بك من الكفر والفسوق، ومن شرِّ ما أحاطت به السوقُ، اللهمَّ إني أعوذ بك من يمينٍ فاجرة وصفقةٍ خاسرة ". قال عليه الصلاة والسلام: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)).
- ألا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشُبُهات: عندنا حرام وعندنا شبهات، إذا الإنسان ترك الحرام لا بأس به، لكن هناك شيئاً آخر وهو ترك الشبهات، ومظان الريب. وإذا حُمِلَت إليه سلعةٌ رابه أمرها سأل عنها حتَّى يعرف وإلا أكل شبهةً، وقد حُمِلَ إلى النبي عليه الصلاة والسلام لبنٌ فقال: من أين لكم هذا؟ قالوا: من الشاة؟ قال: ومن أين لكم هذه الشاة؟ قيل: من موضع كذا، فشرب منه، حلال، وقال: إنَّا معاشر الأنبياء أُمِرْنا ألا نأكل إلا طيِّباً ولا نعمل إلا صالحاً، وقال عليه الصلاة والسلام: ((وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين)) . النبي الكريم سأل عن أصل الشيء وأصل أصله، فقط، أما عن أصل أصل أصله فما سأل لأن هذا الشيء متعذَّر. التاجر عليه أن ينظر إلى من يعامله فإن كان منسوباً إلى ظلمٍ، أو خيانةٍ، أو سرقةٍ، أو ربا فلا يعامله.
- من الأشياء التي يحترز بها التاجر على دينه أن يراقب جميع مجاري معاملاته: مع كل واحدٍ من معامليه، فإنه مراقبٌ ومحاسب، فليعدَّ الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلةٍ وقولةٍ لماذا قالها؟ ولماذا فعلها؟ ولأجل ماذا؟
يُحْشَر الأغنيار أربع فرقٍ يوم القيامة: فريقٌ جمع المال من حرامٍ وأنفقه في حرام، أهون حساب حسابه.. يقال: خذوه إلى النار، على الفور خذوه إلى النار، وفريقٌ جمع المال من حرامٍ.. عنده ملهى.. وأنفقه في حلال فيقال: خذوه إلى النار.. حسابه سريع.. وفريقٌ جمع المال من حلالٍ.. تجارة شرعيَّة.. وأنفقه في حرام.. على المعاصي.. فيقال: خذوه إلى النار، وفريقٌ جمع المال من حلالٍ وأنفقه في حلال فيقال: قفوه فاسألوه، هذا سيحاسب، حلال بحلال قفوه فاسألوه؛ هل قصَّر في حقِّ جيرانه؟ هل قصَّر في حق من حوله؟ هل قال جيرانه: يا رب لقد أغنيته من بيننا فقصَّر في حقِّنا؟ هل ترك فرض صلاةٍ؟ هل سها على عباد الله؟ عنده ملايين الأسئلة، النبي الكريم من بلاغته المعجزة قال: فتركته يُسْأل ويُسْأل. إذا الإنسان عرف دقَّة الحساب خشي الله سبحانه وتعالى.. ((ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد حجةِ الإسلام)) . الدين يبدو في المعاملات. لذلك ما على المكتسب في عمله إلا العدل والإحسان والشفقة على الدين، فإن اقتصر على العدل كان من الصالحين، وإن أضاف إليه الإحسان كان من المُقَرَّبين، وإن راعى في ذلك وظائف الدين كان من الصديقين.