بحث

آداب وأركان شهادة أن محمد رسول الله

آداب وأركان شهادة أن محمد رسول الله

بسم الله الرحمن الرحيم

     يمكن أن يكون الدين كله في محورين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، شهادة ألا إله إلا الله كلمة التوحيد، وأن محمداً رسول الله، كلمة المنهج الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، مراد الله يتضح من سنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ أي:  ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾.  هذه الكلمة، كلمة شهادة أن محمداً رسول الله، أولاً فيها مرتكزات ثلاثة؛ المرتكز الأول: الأدب الذي ينبغي أن نكون عليه مع رسول الله، والمرتكز الثاني: مقتضيات هذه الكلمة، والمرتكز الثالث: مبطلات هذه الكلمة، الآداب والمقتضيات والمبطلات.  

     المرتكز الأول: الأدب الذي ينبغي أن نكون عليه مع رسول الله:  

  1. الاستئذان: فالله عز وجل حينما قال:  ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي أنت عضو في جماعة، أنت ضمن أسرة، ينبغي أن تتحرك بتنسيق مع رب الأسرة، هل يعقل أن يسافر ابن إلى مكان بعيد دون أن يستأذن أباه؟ مستحيل، ومجتمع المؤمنين مجتمع أسرة:  ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وعلى رأس هذا المجتمع سيد الخلق وحبيب الحق، فإذا كنت في مجتمع مسلم، ينبغي أن يكون هناك تنسيق بينك وبين بقية أخوتك، وأن يكون هناك استئذان بينك وبين من تتلقى العلم منه.  
  2. الأدب في مخاطبته صلى الله عليه وسلم: النبي عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يكون دعاءه مناداته مخاطبته كما تخاطب أخاً لك، أو كما تخاطب صديقاً لك. يقول الله عز وجل:  ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾  كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله. فالأدب هو عنوان الإيمان، لذلك قال بعض العلماء: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.    سيدنا حمزة سئل مرة: أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله. يوجد معنى آخر في قوله تعالى:  ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره، فإن دعاءه مستجاب، فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا، ثم يقول الله عز وجل:  ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ .
  3. تعظيم سنته صلى الله عليه وسلم: علامة تقديرك لرسول الله أدبك معه، أدبك مع سنته قوله تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي يوجد آية واضحة لا تقدم أشياء أخرى تخالف هذه الآية، لا تقدم مقترحات تناقض سنة النبي، لا تبدي آراء تعاكس ما جاء به الوحيان الكتاب والسنة، فأنت أدبك في حياته كما فعل أصحاب رسول الله، وأدبك بعد مماته أن تعظم سنة النبي عليه الصلاة والسلام. قال الله تعالى:  ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم، فهم في بحبوحة من عذاب الله، أي الإنسان إما أنه مطبق أو أنه مستغفر، في كلا الحالين هو في بحبوحة، وفي مأمن من عذاب الله، علامة أن الله سبحانه وتعالى يعطيك أماناً أنك في طاعته، أو أنك أخطأت لكنك تستغفر، فالأدب مع رسول الله في حياته واجب كل مؤمن، والأدب مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته واجب كل مؤمن.   

     المرتكز الثاني: مقتضيات شهادة أن محمد رسول الله:

  1. أن تصدقه بأنه نبي يتلقى الوحي من الله: أول مقتضى لهذه الشهادة: أن تصدق النبي عليه الصلاة والسلام، الإيمان تصديق والكفر تكذيب، أن توقن حقاً أن هذا الإنسان ليس عبقرياً، ولا مصلحاً اجتماعياً، ولا شخصيةً فذةً، إنما هو رسول الله، هذا الإنسان هو رسول الله، يخبر عن الله عز وجل، ويوحى إليه بشرع ناسخ للشرائع السماوية السابقة.  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾ أي بالإيمان لا يوجد حل وسط، التصديق حدي، هل أنت مصدق مئة بالمئة أن هذا الإنسان رسول الله، وأنه يوحى إليه، وأن كل أقواله، وأفعاله، وإقراره حق من الله تعالى؟ فانتهى الاعتراض، وانتهت المناقشة، وانتهى النقد.
  2. الاتباع: هل يكفي أن نؤمن أنه رسول الله، وأنه يوحى إليه، وأن ما جاء به من عند الله وحده، وأن كلامه، وإقراره، وفعله، وصفته تشريع، ينبغي أن نأخذ به؟ الجواب: نعم ولا، نعم ينبغي أن نؤمن بهذا، ولا لا يكفي أن نؤمن بهذا دون أن نتبع هذا النبي، الاتباع سهل جداً أن تنتمي لجماعة، من السهل جداً أن تعلن ولاءك لفئة، لكن البطولة لا في إعلان الولاء ولكن في الاتباع، الاتباع يقتضي جهد، الاتباع يقتضي مجاهدة النفس والهوى، الاتباع يقتضي أن تتنازل عن حظوظك لمرضاة الله عز وجل، الاتباع يقتضي أن تلزم نفسك بطاعة رسول الله: قال تعالى:  ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ . علامة إيمانك برسول الله أنك تتبعه من أعماق أعماقك. قال تعالى:  ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾.  أي أنت مخير في المباحات ولست مخيراً في الفرائض والأحكام، علامة إيمانك أن تفعل ما أمرك به النبي. يوجد آية ثانية: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ هذا كلام رب العالمين، لو أنه رفعت قضيتك إلى قاض شرعي، والقاضي الشرعي حكم لك بسنة النبي، وأنت لم تكن راضياً عن هذا الحكم، ففي إيمانك خلل كبير. الأصح: ليس في إيمانك خلل، بل إنك لست مؤمناً. النبي عليه الصلاة والسلام قال مرة لأصحابه قبيل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، أي يوجد شخص فكر قال: أيقتل أحدنا أباه وأخاه، وينهانا عن قتل عمه؟ -ما استساغ هذا، ثم اتضح له أن عم النبي كان مسلماً، وكان عينه في قريش، فلو أن عم النبي لم يخرج مع المشركين لكشف نفسه، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنه مسلم لا تقتلوه لكشفه، ولو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لقتلوه، فلابد من أن يقول هذا الكلام المختصر: لا تقتلوا عمي العباس، ثم اتضح أن عمه كان مؤمناً، وكان مكلفاً بمهمة في قريش، وكان يعبد الله سراً، وكان عينه على قريش-، يقول هذا الرجل: والله ظللت أتصدق عشر سنين، رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.  
  3. أن تزكي النفس بهديه وسنته: مقتضيات الإيمان برسول الله: أن تزكي النفس بهديه وسنته، كيف كان مع أهله؟ مع أولاده؟ مع جيرانه؟ مع أصحابه؟ كيف كان غضبه؟ كيف كان رضاه؟ كيف يعامل زوجته؟ يجب أن تتزكى بهديه صلى الله عليه وسلم، والدليل قول الله عز وجل:  ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾، لن يكون النبي لك أسوة حسنة إلا إذا أردت الله، وأردت رسول الله، والدار الآخرة، وذكرت الله كثيراً. الله عز وجل يقول: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾  إذاً: هذه الآية ماذا تقتضي؟ كيف يتم أن تأخذ ما آتاك الرسول، وأن تنتهي عما نهاك عنه الرسول؟ لا بد من معرفة ما آتاك وما نهاك، إذاً: معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم، بماذا أمرك وعن أي شيء نهاك.  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ، وَوَلَدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))  ينبغي أن تحب رسول الله، أي أن تطبق سنته دون أن تعبأ بما يتمناه عليه والداك، أو أولادك، أو الناس أجمعين. وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ)).  أهم شيء: أن تتزكى نفسك بهدي النبي عليه الصلاة والسلام، من لوازم تنفيذ هذا الأمر: أن تتعرف إلى سيرة النبي، وأن تتخلق بأخلاقه، عندئذ يكون النبي أسوة حسنة، ولن يكون أسوة حسنة إلا إذا أردت الله ورسوله، والدار الآخرة، وذكرت الله كثيراً.  


المصدر: العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 13 - آداب وأركان شهادة أن محمد رسول الله