بحث

العافية والمرض من منظور الإسلامي

العافية والمرض من منظور الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

     لا شك أن الحياة الدنيا مفعمة بالمصائب والأحزان والهموم، ولكن أهل الإيمان يعرفون حكمة المصائب، المصيبة تقع ولا أحد ينكرها، ولكن الناس يتفاوتون في تفسيرها. قال النبي صلى الله عليه وسلم:    (( يود أهل العافية يوم القيامة، حين يُعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض ))  معنى في الدنيا: في مريض وفي صحيح، في غني وفي فقير، في قوي وفي ضعيف، في وسيم وفي دميم، في ذكي جداً وفي أقل ذكاء، هذه الحظوظ التي وزعت في الدنيا، وزعت توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، وهذه فكرة دقيقة جداً: لو أتينا برجلين؛ إنسان فقير، وإنسان غني، لو أن الفقير –مثلاً- نجح في امتحان الفقر، وأن الغني رسب في امتحان الغنى، تمتع الفقير بجنة عرضها السموات والأرض إلى أبد الآبدين، وذاق الغني الذي سقط في الامتحان، آلام العذاب إلى أبد الآبدين، لو أن الغني نجح في امتحانه، لكان غنياً في الدنيا غنياً في الآخرة، لو أن الفقير نجح في امتحانه، لكان سعيداً في الدنيا غنياً في الآخرة، فالحظوظ توزع في الدنيا توزيع ابتلاء، قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾.  إذا كان مرتبة الدنيا الدنية مؤلمة جداً، لكنها موقتة، ولا تعني شيئاً، قد يكون الذي حُرم الدنيا، أرقى عند الله من الذي أعطيها، أما مرتبة الآخرة، تعني كل شيء وإلى أبد الآبدين: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾  والدنيا محدودة، سريعاً ما تمضي، تأتي الآخرة، فإذا بهذا المستضعف كان في جنات النعيم، وهذا الذي رسب في قوته، كان في أسفل سافلين، فالعبرة دقيقة جداً، نحن في حظوظ ابتلاء لا في حظوظ جزاء، فرق كبير بين أن تكون في الجنة مقرباً إلى الله، وبين أن تكون في الدنيا مقرباً للأقوياء، هذا ابتلاء، ذلك جزاء.

 

     كل شخص منا في عنده مواد امتحان، ما الامتحان الذي يخوضه؟ كل شيء آتاك الله إياه، مادة امتحانك مع الله، وكل شيء حرمك الله منه، مادة امتحانك مع الله، من هنا: كان دعاء النبي عليه الصلاة والسلام:  (( اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله قوة لي فيما تحب )). زرت مسجد، فلما خرجنا من المسجد، وجدت الملهى المقابل الذي مات صاحبه، والمسجد بعد أسبوع من افتتاحه مات من بناه، وبقي له صدقة جارية إلى يوم القيامة، هذا الملهى، كل معصية ترتكب فيه في صحيفته إلى يوم القيامة، فالحظوظ في الدنيا حظوظ ابتلاء، أنت بالمال مستخلف، وكل شيء في الدنيا حيادي، المال حيادي، يمكن أن تنفقه في المعاصي والآثام. الأغنياء غير المؤمنين، إن أنفقوا المال، أنفقوه إسرافاً وتبذيراً، إن أمسكوه، أمسكوه بخلاً وتقتيراً. هل يسمى الغني في الدنيا غنياً عند الله؟ لا، لا، أبداً، هل يعد الفقير؟ لا، أبداً. سيدنا علي يقول:  (( الغنى والفقر بعد العرض على الله )) . الآخرة، الغنى بالآخرة غنى جزاء، أما الغنى بالدنيا غنى ابتلاء.

 

     الآن: كل شيء حرمك الله منه، مادة امتحانك مع الله، في مواد إيجابية، مواد سلبية، العطاءات امتحانات، والحرمان امتحان. حدثني أخ طبيب، يعمل في مستشفى، قال لي: لحكمة أرادها الله، جاءنا مريض مصاب بسرطان بالأمعاء، جلس في غرفة، كلما دخل عليه زائر، يقول له: اشهد أنني راض عن الله، يا ربي لك الحمد على هذا المرض العضال، أقسم بالله هذا الطبيب، قال لي: كلما قرع الجرس، تنافس من في المستشفى لخدمته، إذا دخلنا إلى غرفته، مع أن أمعاءه مفتوحة إلى الخارج، يقرأ القرآن، ويبتهل إلى الله، وجهه مشرق، كلما دخل عليه إنسان، يقول له: اشهد أنني راض عن الله، الأطباء معجبون به، الممرضات يتهافتون لخدمته، ثم توفاه الله، الحكمة التي أرادها الله: أن بعد هذا المريض الذي توفاه الله، جاء مريض آخر مصاب بالمرض نفسه، لكنه غير مؤمن، أقسم بالله، ما من نبي إلا يسبه، الأطباء يتهربون من زيارته، ساخط على الله، جاحد فضل الله، ومات، من في المستشفى، رأى رأي العين من هو المريض المؤمن، ومن هو المريض الكافر، المرض مرض.

 

     الإنسان في الدنيا في دار ابتلاء، الدليل: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ و قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾  فالابتلاء حتمي، فلذلك: الإنسان إذا كان في بحبوحة، فليشكر الله، إذا كان في مشكلة، لا ينسى أن الله سيثيبه عليها إذا صبر. هذا دعاء النبي، لذلك: كان عليه الصلاة والسلام:  (( اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب، فاجعله فراغاً لي فيما تحب ))  إذا جاءت الأمور على نحو يرضيه، قال:  (( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات  -وإن جاءت على نحو لا يرضيه-    يقول: الحمد لله على كل حال ))  وكان عليه الصلاة والسلام يقول:  (( عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير، وإن أصابته ضراء صبر فكان ذلك له خير، وليس ذلك لغير المؤمن )) .

 

     أستاذ جامعة، ذهب إلى بلد أوروبي، ليحضر مؤتمر في الطب النفسي، فقال في المؤتمر: أنا أبلغكم بصراحة، وببساطة: أننا في بلادنا، لا نعاني من الأمراض النفسية، فسألوه: ولم؟ قال: لأن شعبنا مؤمن بالله، إن جاءت المصيبة يستسلم لقضاء الله، لا ينتحر، يقول لك: هكذا يريد الله، هكذا يريد الله عز وجل: ﴿يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ا لصابر يعطي شيك مفتوح لكن موقع، عبدي بغير حساب، لا يوجد رقم محدد، لكن موقع، أنت مع الرقم الذي تريده، هذا الصابر.

 

     قال عليه الصلاة والسلام:  (( انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم )) . يعني: إذا شخص شرب كأس ماء، والطريق سالك، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها. أحياناً: بحصة في الحالب، آلام انحباس البول لا تحتمل، إذا البحصة طولت، يحدث تسمم كلوي، وأحياناً: تتوقف الكليتان عن العمل. فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا قضى حاجته قال:  (( الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني )) . وقال صلى الله عليه وسلم:  (( إذا أصبح أحدكم آمناً في سربه، معافى في جسمه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )) . كان النبي الكريم إذا دخل بيته، قال:  (( الحمد لله الذي آواني، وكم ممن لا مأوى له؟ )) . النبي عليه الصلاة والسلام: كانت تعظم عنده النعمة مهما دقت. قال الله عز وجل: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾  النعمة الواحدة لا تنتهي فضائلها، ولا تنتهي بركاتها وخيراتها، أنتم عاجزون عن إحصائها، فلأن تكونوا عاجزين عن أدائها، أداء شكرها من باب أولى. وقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.  



المصدر: دروس جامع الأحمدي - الدرس : 017 - فلسفة المصيبة