بادئ ذي بدء هناك معانٍ دقيقة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام تتعلق بإنسان لم يرتكب ذنباً، ولكن أخاه ارتكب الذنب، فقال عليه الصلاة والسلام: ((الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيّره ابتلي به، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه)) وأنت لم تفعل الذنب، لكن أخاك الذي فعل الذنب، لو أنك قلت: فلان فعل كذا! أيجوز أن يفعل! إذا شهرت به، وطعنت في استقامته، وجعلته مضغة في الأفواه، فأنت قد اغتبته بهذه الطريقة، فجاءك من ذنبه شؤم، أما إذا قلت: والله فعل ما ينبغي أن يفعل فقد رضيت له الذنب، وقد قال العلماء: لو غبت عن معصية فرضيتها كنت كمن شهدها، ومن شهد ذنباً فأنكره كان كمن غاب عنه، فحينما ترضى بالذنب تكون قد شاركت صاحبه في الإثم وحينما تعيره تبتلى به، أين عقله؟ كيف فعل هذا؟ اشكر الله عز وجل أنه نجاك من هذا الذنب، القصة أنك ينبغي أن توحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله؟ لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله)) ألا نقول نحن في الفاتحة كل يوم في أثناء صلواتنا: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ألم يقل سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ فأنت حينما ترى أخاك قد أذنب ينبغي ألا تفضحه، ينبغي أن تستره، ينبغي أن تتخلق بكمال الله، الله من اسمه الستِّير، ينبغي أن تنصحه بينك وبينه، لا على ملإ من الناس وحينما يرتكب أخوك ذنباً فينبغي ألا ترضى به، إن رضيت به شاركته في الإثم، لو أنه كسب مالاً حرامًا فلا ينبغي أن تقول: نِعمَ ما فعل، هذا كلام في تضيع للحق، أن تستنكره، لا أن ترضى بعمله، ولو أنه ارتكب ذنباً فعيّرته، واحتقرته، كيف تفعل هذا؟ أنت معصوم؟ أسال الله عز وجل أن يحفظك من هذا.
الموقف الكامل من العصاة:
- أول مهمة لي إن رأيت عاصي أن أنصحه فيما بيني وبينه، والنصيحة شيء، والفضيحة شيء آخر، هذا الموقف الأول، مقابل من ذكره فقد اغتابه.
- الموقف الكامل الثاني أن لا أقره على ذنبه، هذا خطأ كبير، هؤلاء الذين رأوا قارون بماله وملكه قالوا: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾
- الموقف الثالث: لا ينبغي أن أعيره، فمن عيّره ابتلي به، ينبغي أن أتوجه إلى الله أن يحفظني من هذا الذنب، فهناك أذكى مني يرتكب أكبر الذنوب، وهناك إنسان له ثقافة دينة يرتكب الذنب.
أنواع العصاة:
هناك من يعصي الله ويندم ويتمنى ألا يعصي الله، هذا اسمه عند علماء القلوب المغلوب، غلبته نفسه، هناك من يعصي الله ويصر، ويتباهى، ويذكر هذا للناس، هناك من يعصي الله وهو في قمة نشوته، هناك من يعصي الله ويتمنى أن يعصيه كل يوم. سيدنا آدم عصى ربه، لكن: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ على المعصية، فغفر الله له، أما إبليس فعصى: ﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ فمعصية الشيطان معصية كبر واستعلاء، واعتداد بالمعصية، ومعصية آدم معصية غلبة وضعف.
وأيّ أنسان كانت معصيته لله عن غلبة أن التوبة قريبة منه جداً، بشرط أن تكون المعصية معصية غلبة وضعف، لا أن تكون معصية استكبار واستنكاف عن طاعة الله عز وجل، هذه المعصية لا توبة لها، وصاحب هذا الذنب لا يغفر له. أما الذي يعنينا فهو من يعصي الله مغلوباً، من غلبته نفسه، في ساعة غفلة غلبته نفسه فاقترف معصية، فهو يبكي ويندم، أي نادم على ذنب بالمغفرة والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((النَّدَمُ تَوْبَةٌ)) و هؤلاء ذكرهم الله عز وجل في آية صريحة واضحة: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾. للعالم الجليل ابن القيم في هذا المعنى، قال: " والله تعالى إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة؛ يعني قوة الشهوة فيه فيواقع الذنب مع كراهيته له من غير إصرار في نفسه، فهذا ترجى له مغفرة الله، وصفحه وعفوه، لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له، وأن يرى كل وقت ما لا صبر عليه، فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه، خائف مختلج في صدره، شهوة النفس المذنبة والإيمان يكره له ذلك، فهو يجيب داعي النفس تارة، وداعي الإيمان تارة، فأما من بنى أمره على ألاّ يقف عن ذنب، ولا يقدم خوفاً، ولا يدع لله شهوة، وهو فرح مسرور، يضحك ظهراً لبطن إذا ظفر للذنب فهذا الذي يخاف عليه أن يحال بينه وبين التوبة، ولا يوفق إليها ".
وقال أحد العلماء: أصبحت الخليقة على ثلاثة أصناف:
- صنف من الذنب تائب، موطن لنفسه على هجران ذنبه، لا يريد أن يرجع إلى شيء من سيئته، هذا المبرز.
- وصنف يذنب ثم يندم، ويذنب ويحزن، ويذنب ويبكي، هذا يرجى له، ويخاف عليه.
- وصنف يذنب، ولا يندم، ولا يحزن، فهذا الكائن الحائد عن طريق الجنة إلى النار.