بحث

العلم والعمل في ميزان الإسلام

العلم والعمل في ميزان الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

     الآيات التي تضمن التفكر، والعقل، والعلم، في القرآن الكريم تقترب من ألف آية، لأن الإنسان كرّمه الله بالقوة الإدراكية، وحينما يبحث عن الحقيقة يؤكد حاجته العليا، ويؤكد إنسانيته، والمجمع عليه في القرآن والسنة أن القيم التي اعتمدها الناس للترجيح فيما بينهم قيم لم يعترف بها القرآن إطلاقاً، لم يعترف بقيمة الغنى، ولا قيمة الذكاء، ولا قيمة الوسامة، في القرآن الكريم اعتمد قيمتين، لا ثالث لهما اعتمد قيمة العلم، فقال: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾  وقال: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾  فأعلى مرتبة عند الله مرتبة العلم، بل الآية التي تلفت النظر: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾  إله عظيم يقول فضله عليك عظيم إذا كنت عالماً. هناك علم بخلقه، أصل في صلاح الدنيا، وهناك علم بأمره أصل في العبادة، وهناك علم به وهو العلم الذي أراده الله جلّ جلاله في القرآن، وأراده النبي عليه الصلاة والسلام في السنة. هناك علم ممتع غير نافع، الذي عنده ميل أدبي إذا قرأ قصيدة الإلياذة، والأوديسة لهوميروس، قد يستمتع بها، هناك اختصاص يدر على صاحبه أموالاً طائلة، هذا علم ممتع نافع، لكنك إذا عرفت الله، وعرفت منهجه، وتقربت إليه هذا علم، ممتع، نافع، مسعد. حتى تكون مواطناً صالحاً، وتملك مهنة راقية، تدر عليك دخلاً معقولاً يجب أن تتعلم علماً متعلقاً بخلقه، طبيب، مهندس، مدرس، فروع الجامعة، فيزياء، كيمياء، رياضيات، في اختصاصات، فأنت ينبغي أن تسعى إلى أن تتعلم علماً به، وعلماً بأمره، وعلماً بخلقه، كي تجمع المجد من كل أطرافه. لذلك الكلمة الرائعة التي قالها الإمام علي كرم الله وجهه: يا بني العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق . أي لو درست الأمر جلياً لا تجد مشكلة في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع الخالق، لو حللت كل مشكلة، بسبب خروج عن منهج الله وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، وهل من عقاب أشد من أن يكون الإنسان في النار إلى أبد الآبدين؟ ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾  وأنت اسأل، هل هناك من مشكلة مررت بها إلا بسبب أن الحكم الشرعي غاب عنك؟ ألا تحب نفسك؟ ألا تحب سلامتك؟ ألا تحب سعادتك؟ ألا تحب سلامة وجودك؟ كمال وجودك؟ استمرار وجودك؟ اطلب العلم، وعلم من حولك، وأقرب الناس إليك أولادك. ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ هذا الدين دين العلم، الدليل أن أول كلمة في أول آية، في أول سورة: ﴿اقْرَأْ﴾ تعلم، في نقطة دقيقة جداً: أنت حينما تتعلم لا تنفق الوقت إنفاقاً استهلاكياً، بل إنك تنفق الوقت إنفاقاً استثمارياً، لأن التعلم يضمن لك نجاحات كبيرة في الحياة. فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً. الذين يحكمون العالم من حولهم؟ خبراء، لا يتخذون القرار إلا باستشارة خبرائهم، ففي النهاية الذي يحكم العالم هم العلماء، الذين هم خبراء عند أصحاب القرار. قلب الله تعالى:  ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ يقول عليه الصلاة والسلام:  (( وَمَن سلكَ طريقا يَلْتَمِسُ فيه عِلْما سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقا إِلى الجنَّةِ )) هناك لقطتان رائعتان من سيرة النبي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم شاباً يتعبد الله في وقت العمل، قام سأله من يطعمك؟ قال: أخي، فقال عليه الصلاة والسلام: أخوك أعبد منك، الذي يعمل هو العابد أكثر، الذي كانت يده هي العليا، لم يكن عالة على أحد، لم يتكفف الناس.   (( ولا فتح عبد بابَ مسألة، إلا فتح الله عليه بها باب فقر )) الآن مشهد آخر، شريكان، أحدهما طالب علم، فالشريك الآخر الذي يعمل شكا للنبي شريكه الذي يقدم جهداً أقل من جهده، باللقطة الأولى قال النبي الكريم: أخوك أعبد منك الذي يعمل، ومن ينفق عليك أعبد منك، الثاني شيء آخر، قال: لعلك ترزق به، اختلف الموضوع، اختلف الحكم، أو اختلف 180 درجة، الأول كان عابداً، الذي يعبد الله لنفسه، أما الثاني كان طالب علم، يطلب العلم لغيره، فالنبي طمأن الشريك أن أحد أسباب رواج هذه الشركة، وتقدمها، هو أنك تسمح لشريكك أن يطلب العلم، لعلك ترزق به.   (( إنَّ الله وملائِكَتَه، وأهْلَ السماوات والأرضِ، حتى النَّملةَ في جُحْرِها والحيتان في البَحْرِ، لَيُصَلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ )). 

     قيمة ثانية، أساس الترجيح وهي العمل، قال تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ لكن بادئ ذي بدء: لا يمكن أن يكون العلم في الإسلام مقصوداً لذاته، العلم ما عُمل به، فإن لم يُعمل به كان الجهل أولى، الذي تعلم أصبح العلم حجة عليه، لا حجة له. معنى قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ : ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ هم الذي عرفوا وانحرفوا، ﴿وَلَا الضَّالِّين﴾  هم الذين لم يعرفوا وانحرفوا، هناك إنسان ينحرف وقد علم، وإنسان ينحرف ولم يعلم. علة وجودك في الدنيا بعد أن تعرف الله العمل الصالح، لأنه العمل الصالح ثمن الجنة، وأنت في الأصل خلقت للجنة، علة وجودك في الدنيا، بعد معرفة الله العمل الصالح بل حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.



المصدر: تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 13 - التربية العقلية 3 ـ قيمة العلم