بحث

نظرة الإسلام للعنصرية

نظرة الإسلام للعنصرية

بسم الله الرحمن الرحيم

     كانت مهمة النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة ترسيخ دعائم الإيمان، فأنشأ في نفوس أصحابه قوة الإيمان، قوة تعظيم الله عز وجل، عرفهم بالله، عرفهم باليوم الآخر، حملهم على أن يلتزموا. بنوداً كثيرة من الإنجازات الإيمانية التي تمت للصحابة الكرام في مكة المكرمة، لكنه في المدينة المنورة النبي عليه الصلاة والسلام أضاف إلى قوة الإيمان حق القوة، فبنى مجتمعاً إسلامياً قوياً، ما عناصر قوة هذا المجتمع؟ من هذه العناصر المساواة بين الناس، وعدم التمييز بين أفراد وجماعات، كيف؟ لا بد من المساواة بين الناس. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم بنو آدم وآدم من تراب)) وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((الناس سواسية كأسنان المشط)). ما لم يعتمد في المجتمع مقاييس كمقياس العلم والعمل فقط، يرجح الإنسان بعلمه أولاً، وبعمله ثانياً، أما قضايا النسب، وقضايا القوة، والوسامة، والغنى هذه قيم ينبغي ألا تعتمد في مجتمع يريد أن يكون قوياً. أرسى المساواة بين أفراد المؤمنين، من دون استثناء، ونعبر عن هذا الإرساء بأنه يوم خرج النبي عليه الصلاة والسلام من قباء باتجاه المدينة وقف الأنصار داراً بعد دار، عشيرةً بعد عشيرة، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم فكان يقول لهم: دعوها، أيّ ناقته، فإنها مأمورة، لو نزل بأيّ مكان، بأيّ بيت، بأيّ عشيرة، بأيّ قوم ميزهم بلا مرجح، وجعل الطرف الآخر أصغر من هؤلاء الذين نزل عندهم. حينما تخص ابناً ولا تخص أخاه فقد ميزت الأول على الثاني، أما القرعة فما فيها تمييز، حاول أن تكون عادلاً بين أولادك، وإذا اقتضى الأمر أن تختار واحدا منهم فليكن بالقرعة. ما عاشر النبي واحد إلا وهو يظن أنه أقرب الناس إليه، كل واحد ممن التقى مع النبي صلى الله عليه وسلم يظن أنه أقرب الناس إليه، أما مجتمع إنسان من الدرجة الأولى، وإنسان من الدرجة الثانية، إنسان من الدرجة الثالثة، والرابعة، والخامسة، الذي ما يعانيه العالم اليوم ما يسميه العنصرية، فما العنصرية؟  

     البشر يمكن أن يصنفوا تصنيفين، لا ثالث لهما، تصنيف إنساني وتصنيف عنصري، من هو العنصري؟ هو الذي يرى نفسه متميزاً على من حوله، يحق له ما لا يحق لهم، وهو معفى مما يجب عليهم، ينبغي أن يأكل وحده، وأن يسكن وحده، وأن يستمتع بالحياة وحده، وأن يشتري من الأشياء الثمينة ما يحلو له وحده، وأن يبني مجده على أنقض الآخرين، وأن يبني غناه على فقرهم، وأن يبني حياته على موتهم، وأن يبني أمنه على موتهم، وأن يبني عزه على ذلهم، هذا عنصري. أضرب لكم بعض الأمثلة: عندك في المحل التجاري شاب يعمل عندك، ابنك تريده طبيباً، تضعه في أغلى المدارس، تجلب له أمهر الأساتذة، أما هذا الذي عندك في المحل يرجوك أن يغادر المحل قبل ساعة، ليلتحق بمدرسة ليلية، لينال الشهادة الإعدادية، هو يتيم، فلا تسمح له، أنت عنصري، ولو صليت وصمت. حينما تعامل الناس بطريقة فيها استعلاء، وفيها فوقية، وفيها غطرسة، حينما تريد لأولادك ما لا تسمح به لأولاد الآخرين فأنت عنصري، قد يكون المسلم في هذا الزمان عنصريا، لن يرضى الله عنا إلا إذا كنا إنسانيين. لما فتح الفرنجة القدس ذبحوا 70 ألفاً، فلما فتح صلاح الدين القدس لم يرق قطرة دم واحدة، إنساني، مقيد بالشرع، يخاف من الله.  

     العنصرية ليست وجهة نظر، إنما هي جريمة، أنت عنصري، عنصري ولو كنت مسلماً. المؤمن إنساني، يعامل الناس كما يجب أن يعاملوه، يرحم الغريب والقريب، يرحم الآخرين كما يرحم أولاده. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى)) وقال أيضاً: ((وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) ، هذا مجتمع العدل والسواسية. هل من حرفة أقل في الأرض من أن تكنس؟ امرأة تقمّ المسجد، توفيت أصحاب النبي الكريم ظنوا أنها أقلّ من أن يخبروا بموتها رسول الله، فلما تفقدها قالوا: ماتت يا رسول الله، قال: هلا أعلمتموني؟ وقام إلى قبرها وصلى عليها صلاة الجنازة استثناءاً من أحكام صلاة الجنازة هي في قبرها صلى عليها. إذاً المساواة بين الناس بند إسلامي.  



المصدر: فقه السيرة النبوية - الدرس : 43 - إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في منزل أبو أيوب وتحقيق المصالحة والمساواة