بحث

الآداب النبوية في المطعم والمشرب / أخلاق النبي

الآداب النبوية في المطعم والمشرب / أخلاق النبي

بسم الله الرحمن الرحيم

اقتسام الطعام مع أصحابه :  

     عن زيد بن ثابت : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب (وذلك عندما هاجر إلى المدينة وفي أثناء بناء مكان إقامه خاص به عليه الصلاة والسلام ) لم يدخل ـ دققوا ـ لم يُقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية إلا وأرسل معظمها إلى أبي أيوب، هو في بيت أبي أيوب، وما جاءته هدية إلا قسمها بينه وبين أبي أيوب، جاءت قصعة مسرودة بخبز، وبر، وسمن، ولبن، فوضعها بين يديّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : يا رسول الله، أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال : بارك الله فيها، ودعا أصحابه فأكلوا، فلما أرم الباب حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة على رأس غلام مغطاة، فوقف على باب أبي أيوب فكشف غطاءها، فرأى عليه عراقا، فدخل بها على النبي صلى الله عليه وسلم فقد كنا في قوم مالك بن النجار، ما من ليلة إلا على باب رسول الله إلا منا الثلاثة والأربعة يحملون الطعام، ويتناوبون بينهم، حتى تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين بيت أبي أيوب، وكان مقامه فيها سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة .

     هل خص نفسه بطعام خاص ؟ ما جاءه طعام إلا أطعم منه أصحابه الكرام، وإذا كان قليلاً أكل، وأرسل الباقي إلى أبي أيوب، هكذا القيادة .

     أي طعام جاءه كان يطعمه لأصحابه، وإذا كان بحجم قليل جداً يأكل حاجته  والباقي إلى أبي أيوب .

ما عاب طعاما قط وما أمر فصُنع له طعام مخصص:  

     من آدابه صلى الله عليه وسلم في الطعام : قيل لأم أيوب : أي الطعام كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكم عرفتم ذلك لمقامه فيكم ؟ ماذا كان يأكل ؟ وماذا كان يحب ؟ قالت : ما رأيته أمر بطعام فصنع له بعينه، ولا رأيناه أوتي بطعام فعابه .

     النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر بصنع طعام بعينه ليأكله، أبداً، وإذا جيء بطعام له ما عاب طعاماً قط، بل في بعض آداب النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما عاب طعاما قط، ولا مدح طعاما قط .

اللباقة عند الحرج من الأكل :  

     وعن جابر بن سمرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً بعث فضله إلى أبي أيوب، فأوتي يوماً بقصعة فيها ثوم، فبعث بها كلها إلى أبي أيوب      فقال : يا رسول الله أحرام هو ؟ قال : لا، ولكني أكره ريحه، قال : وإني أكره ما تكره يا رسول الله، يعني مراعاة لأصحابه ما أكل طعاماً في ثوم، من أجل رائحته .

     ما هذه اللباقة ؟ ما هذا الحس الراقي جداً ؟ عن أبي أيوب رضي الله عنه، قال : كنا نصنع له العشاء، ثم نبعث به إليه، فإذا رد علينا فضله، وتيمنت أنا وأم أيوب موضع يديه، فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه، وقد جعلنا له بصلاً أو ثوماً فرده النبي صلى الله عليه وسلم، ولم نرَ ليده أثراً للطعام، فجئته فزعاً، فقلت يا رسول الله، بابي أنت وأمي رددت عشاءك، ولم أرَ به موضع يدك، وكنت إذا رددته تيمنت أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغي بذلك البركة، فقال عليه الصلاة والسلام : إن وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجي ربي، فأما أنتم فكلوه، فقال أبو أيوب : فأكلناه، ولم نصنع له تلك الشجرة بعدها .

المساعدة في تحضير الطعام :  

     ومرة كان في سفر، أرادوا أن يعالجوا شاةً، قال أحدهم : علي ذبحها، وقال الثاني : علي سلخاها، وقال الثالث : علي طبخها، وقال عليه الصلاة والسلام : وعلي جمع الحطب، فقالوا : نكفيك ذلك، قال : أعلم أنكم تكفونني ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على إقرانه .

الاجتماع على الطعام والشراب :  

     وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل منفرداً، وكان يحضر عشاءه من خمسة إلى ستة عشرة رجلاً، ولم يكن يأكل وحده .

     أيها الإخوة الكرام، هذه أخلاق النبي، كان إذا دخل عليه أصحابه، ودخل إنسان غريب لا يعرف من رسول الله، يقول : أيكم محمد ؟ لتواضعه .

استعذاب الماء :  

     وأما عن شرابه فكان أبو أيوب حينما نزل عنده النبي صلى الله عليه وسلم ليستعذب له الماء من بئر مالك بن النظر، والد أنس، وكان أنس وهند وحارثة أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السُقيا، ومن ذلك دلالة على سنة استعذاب الماء كان النبي عليه الصلاة والسلام ذا أذواق عالية جداً .

الشرب ثلاث دفعات وحمد الله بعد ذلك :  

     وعن أنس بن مالك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب جرعة، ثم قطع ثم سمى، ثم جرع جرعة، ثم قطع ثم سمى، ثم جرع جرعة، ثم قطع حتى فرغ، فلما فرغ حمد الله، كان يشرب الماء على دفعات ثلاثة .

      وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل وشرب، قال: الحمد لله الذي أطعمنا، وسقنا، وسوغه، وجعل له مخرجاً .  

آخر الناس شربا للماء :  

     وكان إذا وزّعَ الماء بين أصحابه كان آخرهم شربا .



المصدر: السيرة - فقه السيرة النبوية - الدرس (43-57) : إقامة النبي (ص) في منزل أبو أيوب وتحقيق المصالحة والمساواة