ينطلق الإخاء بين أتباع الشرائع السماوية:
أولاً: من الاعتقاد بأن كل هذه الشرائع تستقي من معين واحد، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ .
ثانياً: من أنه لا ينبغي أن نفرق بين رسول ورسول من حيث الإيمان لأن هؤلاء الرسل رسل الله إلى الناس كافة، والله عز وجل يقول: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ .
لذلك ينبغي من خلال هاتين الآيتين أن يكون بين أهل الشرائع السماوية علاقات طيبة أرادها الله وباركها، ما في القرآن الكريم من حديث عن السيد المسيح:
- معجزة ميلاد السيد المسيح: القرآن عرف تعريفاً رائعاً بمعجزة ميلاد السيد المسيح، قال تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا*يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا*فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا*قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا *وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ .
- قدّم تعريفاً رائعاً للسيد المسيح: القرآن الكريم قدّم تعريفاً رائعاً كريماً ودوداً للشخصية الوجيهة، للسيد المسيح: ﴿إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ﴾. مرة كنت بألمانيا فزرنا جامعة كبيرة من جامعات بلدة اسمها مونسيرا، فجاء عمداء الكليات طرحوا سؤالاً: أنتم لمَ تقبلون أن يتزوج المسلم مسيحية والعكس مرفوض عندكم؟ فكان الجواب لأن المسلم إذا تزوج مسيحية هي تؤمن بالسيد المسيح وزوجها يؤمن به نبياً كريماً، هي تؤمن بالإنجيل وزوجها المسلم يؤمن بالإنجيل كتاباً من عند الله لا يوجد تناقض.
- إعجاز نبوة المسيح ورسالته: تعريف القرآن الكريم بإعجاز نبوة المسيح ورسالته: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ .
- عرّفنا بالإنجيل الذي أنزل على سيدنا المسيح: القرآن الكريم عرّفنا بالإنجيل الذي أنزله الله على سيدنا المسيح: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ .
- عرّفنا بأم السيد المسيح: القرآن الكريم عرفنا بأم السيد المسيح الصديقة، مريم ودافع عنها، ورفع ذكرها في الكتاب، ورسخ اليقين بطهرها: ﴿وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ .
- القرآن الكريم بموضوعية مذهلة وصف صنفاً من أهل الكتاب بالتقوى والصلاح فقال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ*يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. إذا خالق السماوات والأرض لم يعمم. عود نفسك ألا تعمم لأن التعميم من العمى.
- القرآن الكريم وصف العلاقة بين رجال الدين في الديانتين بأنها مبنية على المودة والتقدير: فقال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ .
- القرآن الكريم أثبت للصحابة الكرام فرحهم بانتصار الروم على الفرس: هناك لفتة رائعة جداً قد لا ننتبه إليها، أن الله عز وجل يقول: ﴿غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ...﴾ من هم الروم؟ المسيحيون: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...﴾ الآن دققوا: ﴿...وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ من هم المؤمنون؟ أصحاب رسول الله.
الإيمان بالمسيح عيسى بن مريم من أركان الإيمان في الدين الإسلامي، ومدخلاً إلى الجنة: فقال عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ)) وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((...دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ...)) ما الدعوة؟ قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ((...دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى)) ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾.((...دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ مِنْهَا قُصُورُ الشَّامِ)). وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). مرة جنازة لرجل غير مسلم وقف لها النبي عليه الصلاة والسلام، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: أليس إنساناً؟ لا يصلح الآن إلا مفهوم الإنسانية، كي تعلموا ما في كتابنا الكريم من تبجيل وتعظيم للسيد المسيح، ولأمه مريم العذراء، وكيف أعطى الله أجمل صورة عن هؤلاء.