بحث

الأمراض النفسية

الأمراض النفسية

بسم الله الرحمن الرحيم

      كلما تقدم الطب اكتشف أن هناك أمراضاً يزداد عددها يوماً بعد يوم، تعزى أسبابها إلى حالة نفسية متردية، فالإنسان عقل وقلب وجسم، فالقلب مركز النفس، فإذا كان هناك انهيار نفسي، قلق مزمن، خوف، حقد، هذه كلها لها منعكسات عضوية،  قالوا: ضغط الدم من ضغط الهم، أي أن الهم، والقلق، والخوف  والحزن، والحسد, والعداوة، والبغضاء, هذه كلها شدة نفسية و لأن الإنسان كلٌّ لا يتجزأ، فإذا تراجعت نفسه وانهارت وعانت ما عانت فلا بدّ أن ينعكس هذا على الجسم إذاً  الشدة النفسية وراء أكثر الأمراض المستعصية.  

حال غير المؤمن  

      لذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾ .  

      فالرعب أحد أسباب الأمراض .   

      وقال أيضاً:  ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾   

      وقال أيضاً: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ .  

      بالمناسبة حيث ما جاءت كلمة إنسان معرفة بأل في القرآن الكريم تعني الإنسان قبل الإيمان.  

      معنى هذا أن لهذا الإنسان غير المؤمن أزمات نفسية طاحنة، هناك حالات نفسية متردية جداً، بسبب القلق، والخوف، والرعب، واليأس، والإحباط .  

التوحيد أساس  

      فالإنسان حينما يوحد الله عز وجل، ويستقيم على أمره، ويصطلح معه،عاش حياة نفسية رائعة جداً، هذه تنعكس صحة، تنعكس انخفاض ضغط، تنعكس انتظام في ضربات القلب...  

      والأمر الأساس لهذا المؤمن هي التوحيد، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ولا يكون ذلك إلا إذا :   

      أنت إذا أمنت بالله خالقاً، ومربياً، ومسيراً: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾ .  

      آمنت أنه : ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ .  

      آمنت أنه : ﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ .  

      إذا آمنت أنه يحكم وحده : ﴿ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾ .  

      وأنه : ﴿ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾ .  

      إذا آمنت أنه : ﴿ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ﴾ .  

      آمنت أنه : ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ .  

      أنك إذا آمنت : ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ .  

نتيجة التوحيد  

أولا: لاخوف ولا حزن  

      الله عز وجل يقول قي القرآن الكريم : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ .  

       أَلَّا تَخَافُوا   ) متعلقة بالمستقبل، (  وَلَا تَحْزَنُوا )، متعلقة بالماضي، فأنت حينما تصطلح مع الله وتستقيم على أمره ضمنت المستقبل .  

      يروى أن سيدنا الصديق ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط، لذلك هذا الذي لا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، حقق سلامة وسعادة كبيرة جداً  .  

ثانيا: آمان  

      قال تعالى : ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾  

      لم يقل أولئك الأمن لهم، إن قال الأمن لهم ولغيرهم، أما : ﴿  أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ   ﴾ لهم وحدهم :  

      هذا الإيمان يملأ النفس شعوراً بالأمن، ﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ .  

      إذاً هناك ما يسمى بالسلامة، وهناك ما يسمى بالأمن، السلامة عدم وقوع مصيبة، لكن لا يعني عدم وقوع مصيبة أن الإنسان آمن، لأنه توقع المصيبة مصيبة أكبر منها، و أنت من خوف المرض في مرض، أنت من خوف الفقر في فقر، فلذلك الأمن غير السلامة، الأمن عدم توقع المصيبة، ما الذي يدعوك ألا تتوقع المصيبة ؟   

      قول الله عز وجل :  ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾،  

      الله عز وجل طمأنك،  قال : ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ .  

      لا يضل عقله ولا تشقى نفسه .  

      وقال أيضاً:﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .  

ثالثا: ثقة  

      النقطة الدقيقة جداً في الموضوع   

      قال تعالى : ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾  

      على لسان سيدنا هود : ﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ .  

رابعا: سعادة نفسية تنعكس على الجسم  

      فلذلك قضية التوحيد، قضية الصلح مع الله، قضية الاستقامة على أمر الله، قضية الإقبال على الله صحة، الصحة بمعنى أنها تحقق سعادة نفسية، وتوازناً، وتماسكاً، وصموداً، وثقة، وتفاؤلاً، الأحوال النفسية الراقية كلها تنعكس صحة على الجسم .  

      أنا أقول دائماً : الإيمان صحة بالمعنى المادي، والتوحيد صحة، وأن ترى أن الأمور كلها بيد الله، وأن علاقتك مع جهة واحدة .     

      فالمؤمنون لا يندمون على ما مضى، ولا يحزنون لما سيأتي، فالحالة النفسية الناتجة عن الإيمان، والطاعة، والصلح مع الله، والإقبال على الله، ومحبة الله عز وجل، هذه حالة مسعدة وراء الصحة الجيدة .  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ .  

لا تستوي حياة المؤمن مع غيره  

      لذلك قالوا : إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين،   

      أنا متأكد من أن صحة المؤمن تتميز عن صحة العاصي،   

      قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ .  

      لندقق،  ( سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ) ، في حياتهم الدنيا، حتى في صحتهم ، حتى في علاقاتهم، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟.  

      لذلك قال أحد المؤمنين : لو يعلم الملوك ما نحن عليه من السعادة لقاتلونا عليها بالسيوف .  

      أيها الأخوة الكرام, الخير كل الخير، والسلامة كل السلامة، والسعادة كل السعادة, والأمن كل لأمن, والفلاح كل الفلاح، والفوز كل الفوز، والتفوق كل التفوق، في طاعة الله عز وجل،  

      قال تعالى:   ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾  

      إن عبدت الله صح جسمك، وإن عبدت الله اطمأن قلبك  

      قال تعالى ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ .  

      الشرك الناتج عن ضعف الإيمان وراء تفاقم الأمراض النفسية، والتي بدورها تعين على تفاقم الأمراض العضوية .  

لتغيير وضعنا علينا أن نغير ما بأنفسنا  

      هذا ملخص الملخص، لذلك قالوا : ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الحديث عن الصحة المتعلقة بالصحة النفسية حديث ذو شجون، الآن هناك من يقول : الذين يرتادون العيادات النفسية 150% بمعنى أن 100% يرتادون، ونصفهم يرتاده مرة ثانية، بسبب وضع العالم المتفجر، العالم متقدم تقدماً مذهلاً تقنياً، لكنه متخلف تخلفاً مذهلاً أخلاقياً واجتماعياً .  

      فالإنسان كان عنده رحمة وعطف ووفاء وحب، الآن عنده مصالح، كان يوجد قّيم الآن مصالح، كان هناك مبادئ الآن حاجات، فلذلك حينما يسقط الإنسان يسقط مع سقوطه فتضعف نفسه، ومع ضعف نفسه يضعف جسمه .  

      قال الله تعالى في القرآن الكريم:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ .  



المصدر: ندوات تلفزيونية - قناة اقرأ - الإسلام منهج حياة - الدرس (28-30) : علاقة الإنسان بصحته 2 ، جانب الطب النفسي وعلاج الشرع لهذا الأمر