إن السمة الأساسية للمؤمن أنه ينفق
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )
المطلق في القرآن على إطلاقه، ينفق من ماله، ينفق من وقته، ينفق من جهده، ينفق من كل ما آتاه الله جل جلاله .
ما الذي ينبغي أن تنفقه ؟
إنفاق ما تحبه النفس :
أيها الإخوة، ولكن ما الذي ينبغي أن تنفقه ؟
الشيء الذي تحبه، الشيء الذي تطمح نفسك إليه، الشيء الذي تختاره لنفسك، الشيء الذي هو موضع إعجابك هذا الذي ينبغي أن تنفقه،
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )
النهي عن تقصُّد إنفاق الخبيث :
أيها الإخوة، وينهى الله المؤمنين
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ )
أيها الإخوة، أنت حينما تنفق من أجل سعادتك وسلامتك .
الإنفاق من الحلال الطيب :
أنفق من مالك الحلال، أنفق من مالك الطيب، أنفق من مال اكتسب حلالاً وفق منهج الله، بلا كذب، ولا تدليس، ولا غش، ولا احتيال، ولا احتكار، ولا إيهام، ولا بضاعة محرمة، ولا علاقة محرمة.
أيها الإخوة الكرام، إن الله طيب، ولا يقبل إلا طيباً
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
متى ننفق: في السراء والضراء
الإنفاق في السراء والضراء فالإنفاق سمة ثابتة في حياة المؤمن
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ )
في البحبوحة وفي الإقتار، في الضيق المادي وفي السَّعة المادية
كيف ننفق: في السر والعلن
في السر والعلانية .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً )
الإنفاق علانية لمصلحة :
أيها الإخوة، وقد تقتضي المصلحة أن تبدي هذه الصدقة إذا وجهت إلى جمعية لا إلى إنسان بالذات، فأحياناً في جمع التبرعات يتنافس الأغنياء في الإنفاق ففي مثل هذه المناسبات
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ )
الإنفاق سراًّ مراعاة للمشاعر :
أما إذا توجهت الصدقة إلى إنسان مراعاة لمشاعره، ولكرامته الإنسانية، ولأخوته الإيمانية فينبغي أن تكتم هذا الإنفاق
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )
كَم تنفق ؟
أيها الإخوة، كم تنفق
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ )
إنسان يملك مئات الملايين يدفع خمسة آلاف لمشروع خيري ؟ لو دفع مليون وعدة ملايين لا تهتز ثروته
سبق درهم ألف درهم :
من الذي يعلم نسبة ما أنفق من ماله ؟ الله عز وجل لذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سبق درهم ألف درهم )) .
العبرة أن هذا الدرهم ما نسبته إلى مجموع الدراهم لذلك، هذا الذي أراد أن يبني مسجداً، وهو من المحسنين الموسرين، ورأى أرضاً مناسبة، ووجد سعرها مناسب، ووقع سنداً بنصف المبلغ، فسأل صاحب الأرض الفقير الذي عنده ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف، وهو مستخدم في مدرسة، قال : أين بقية المبلغ ؟ قال له : عند التنازل، قال : ما التنازل ؟ قال : تذهب إلى مديرية الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، قال : مسجد !!! مزق السند !!! وقال : والله إني أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتغدو مسجداً، أنا أولى منك أن أهبها إلى الله،
يقول هذا المحسن الذي يملك مئات الملايين: والله ما صغرت في حياتي كما صغرت أمام هذا المستخدم الذي لا يملك من الدنيا إلا هذه الأرض التي ورثها قبل شهر، ودخله لا يكفيه أياماً وبيته بالأجرة،
أيها الإخوة الكرام .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا )
شرط قبول الإنفاق :
ابتغاء وجه الله :
ما شرط قبول الإنفاق ؟
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ )
فالعمل الصالح والإنفاق من العمل الصالح لا يقبل إلا إذا كان ابتغي به وجه الله، لذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى )) .
مع الإخلاص ينفعك قليل العمل وكثيره، ومن دون إخلاص لا ينفعك لا قليله، ولا كثيره
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ )
لا تُتبع ما تنفق بالمن والأذى :
ومن توجيهات الله عز وجل
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى )
إن أنفقت نفقة فحاول أن تنساها كلياً، أما كلما التقيت به تقول له : لعل هذا المبلغ فرّج همك ؟ يقول لك: بارك الله فيك، تفضلت علي، التقيت به مرة ثانية : لعلك سررت بهذا المبلغ ؟ لا تتبعوا صدقاتكم بالمن والأذى، ما دمت أنفقت في سبيل الله فالله عز وجل يحفظ لك عملك من دون أن تستجدي مديح من أنفقت عليهم، إن فعلت معروفاً فحاول أن تنساه كلياً، وإن فُعل معك معروف فلا تنسه حتى الموت.
لماذا تنفق؟
أولا: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ
أنت حينما تنفق تؤكد لنفسك أنك تحب الله، تؤكد لنفسك أن هذا المال تحل به مشكلات كثيرة في حياتك لكنك آثرت أخاك الفقير على نفسك، فكأن هذا المبلغ الذي تدفعه سمي في القرآن صدقة، لأنه يؤكد صدقك في محبة الله
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ )
لو أن كل البشر مؤمنون ما زاد في ملكي شيئاً
قال الله في الحديث القدسي:
يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ
إذاً الله عز وجل غني عن عباده، ولكن يأمرهم بالإنفاق ليكافئهم أضعافاً مضاعفة يوم القيامة
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً )
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
هذا التشبيه للتقريب، ورد في بعض الأحاديث أن الإنسان يضع لقمة في فم زوجته يراها يوم القيامة كجبل أُحد لقمة، فكيف إذا حللت مشكلةَ مؤمنٍ ؟ كيف إذا زوجت شاباً ؟ كيف إذا هيأت بيتاً لشاب مؤمن وشابة مؤمنة ؟ كيف إذا عالجت مريضاً ؟ كيف إذا أطعمت جائعاً ؟ كيف إذا أنقذت أسرة من التشرد بإنقاذ بإنفاق مالك، والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وباكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، و داووا مرضاكم بالصدقة.
ثانيا: وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ
أيها الأخوة، هناك آيتان في القرآن الكريم دقيقتان جداً، المنفق ماذا يتمنى ؟ أنت حينما تذهب إلى عيادة مريض ومعك هدية تخشى ألا تُعرف ممن، تضع في ثنيات الهدية بطاقة باسمك متمنياً له الشفاء أما الحقيقة متمنياً له أن يعلم أن هذه من عندك، المنفق حريص أن يعلم من أنفقت عليه أنه منك، فالله طمأنك
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )
وهذا يعني أن:
أولا: كلّ نفقةٍ يعلمها الله فلا داعي لاستجداء المديح :
اطمئن، فأيُّ نفقة تنفقها هي في علم الله، هذه تغنيك عن استجداء مديح الآخرين، مادمت أنفقت هذا المبلغ خالصاً لوجه الله، فالله عز وجل علم به، وسيكافئك عليه .
ثانيا: الله يعوّضك نقص المال بالصدقة :
المعنى الثاني : حينما تنفق ينقص مالك، فما الذي تطمح له ؟ أن يعوض الله عليك طمأنك
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )
والله هناك أخ كريم تعهد بقضاء ديون قريب له توفي وحالته وسط، قال لي : ظننت أن الديون في حدود العشرة آلاف أو عشرين ألفا، إذا هي أربعمئة ألف، قال : والله دفعتها بالتمام والكمال، وأنا راض، لأنني تعهدت لأولاده اليتامى أن أغطي لهم ديون أبيهم، أقسم بالله أنه بعد أيام عقد صفقة لبضاعة كاسدة نصيبه منها هذا المبلغ بالذات .
الله عز وجل يعوض على المؤمن، يعلم ويعوض عليك.
ثالثا: الإنفاق يهيِّئ القوامة الزوجية :
بل إن الإنفاق يهيئ لك القوامة الزوجية،
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )
وحينما يبخل الزوج على زوجته وعلى أولاده يفقد القوامة عليهم، ويفقد مكانته، وأنا أقول دائماً : كل أب محترم في الثقافة الإسلامية وفي تقاليدنا وعاداتنا، لكن بطولة الأب لا أن يكون محترماً فحسب، بل أن يكون محترماً ومحبوباً، ولن يكون الأب محبوباً إلا بالإنفاق .
رابعا: الغني المحسن حوله حراس، والبخيل حوله لصوص :
إخواننا الكرام، الغني المحسن كل من حوله حراس له، والغني البخيل كل من حوله لصوص له أبداً، الذين حولك إما أنهم حراس أو أنهم لصوص، لذلك الزكاة تطهر الغني من الشح، و تطهر الفقير من الحقد، و تطهر المال من تعلق حق الغير به، و الحجر المغصوب في دار رهن بخرابها.
خامسا: الإنفاق تطهير لنفس الغني وتزكية للفقير :
تطهرهم وتزكيهم، تزكيهم أي تنمو نفس الفقير يشعر بالغبطة المجتمع لا ينساني، المجتمع مهتم بي، المجتمع مهتم بأولادي، بمدارس أولادي، لذلك و الله أنا أخاطب الموظفين أي موظف يسعى لرفع الأسعار، وتقليل القيمة الشرائية بين أيدي الموظفين سوف يحاسب عند الله حساباً لا حدود له .
دخله ثمانية آلاف، رفعت الكهرباء، رفعت الماء، رفعت الهاتف، من أين يأكل ؟ تدفعه إلى أن يكل المال الحرام، أنت حينما تقلل القيمة الشرائية في يديه ماذا يفعل موظف بعشرة آلاف ليرة ؟ تدفعه دفعاً إلى أكل المال الحرام .
أيها الإخوة .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ )
تزكي نفس الفقير، تزكي نفس الغني حينما يرى قد حلّ مشكلات الأمة، قد يرى محبته في قلوب المئات بل الألوف .
لمن أنفق
أولا: الأقربون أولى بالمعروف
الأقربون أولى بالمعروف قاعدة، الأقربون نسباً، والأقربون إلى الفقر، والأقربون إلى الإيمان، عندك ثلاثة مقاييس، الأقربون إلى الإيمان المؤمن أولى من غير المؤمن، المؤمن المستقيم أولى من غير المؤمن، المؤمن المستقيم المجتهد في إيمانه واستقامته أولى من الأقل منه إيماناً، والأشد فقراً أولى من الفقير، والأقرب نسباً أولى من البعيد، الأقربون أولى بالمعروف .
ثانيا: أنفق على المحروم الذي لا يسأل الناس إلحافا :
لكن هناك آية دقيقة جداً
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ )
الشاهد في تتمة الآية : (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ )
من هذا الذي يستحق مالك ؟ هذا الذي لا يسأل
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ )
المحروم هو العفيف لا يسأل، وقد لا ينتبه الناس إليه إطلاقاً، وبطولة المحسن أن يبحث عن الذي لا يسأل، الذي يسأل يلح عليك حتى تخرج من جلدك، تعطيه أحياناً لا اقتناعاً، ولكن حتى ترتاح منه، ولكن ابحث عن إنسان لا يسأل .
إذاً : هذه الآية تقتضي أن تبحث أنت عن الفقير، لا أن يبحث عنك الفقير، ابحث أنت عنه، لأنه لن يسألك، لأنه يستعفف، لأن كرامته غالية عليه، لأنه عفيف، لأنه يبتغي الحوائج بعزة الأنفس، لأنه لا يبذل ماء وجهه للآخرين، لأنه لا يتضعضع أمام غني، هذا الذي يستحق مالك، هذا الذي ينبغي أن تبحث عنه أنت، لا أن تنتظر المتسولين.
احذروا المتسوِّلين !!!
والله أيها الإخوة، هناك قصص لا يمكن أن تصدق، أن بعض المتسولين يملك أربعين مليونًا، أموالا، بيوتا، سيارات، سيارات عامة، وهو متسول، لأنها طريقة سهلة جداً في كسب المال، وهناك تنظيمات، وخلايا، ووسائل تعين على التسول، وهناك جبر يد شكلي خلبي، وهناك طفل مستأجر، وثياب بالية، وبيت خاص للتحقيق، لذلك ابحث عن الذي لا يسأل، ابحث عن العفيف، ابحث عن صاحب الكرامة، ابحث عن المؤمن المتجمل، ابحث عن الذي تحسبه غنياً من التعفف هذا الذي يستحق مالك.
أحد إخوتنا الكرام ـ جزاه الله خيراً ـ قام بمشروع مكافحة التسول، وحقق شخصياً مع ألف وخمسمئة متسول، أقسم لي بالله أن خمسة فقط منهم فقراء، والباقون عندهم الأموال في البنوك، سبعمئة ألف، ثمانمئة ألف، مليون، مليونان، يوجد رقم بأربعين مليونا، سألوا متسولا محترفا : أنت غني، فلماذا تتسول؟ قال: قضية مبدأ.
واجب الإنفاق لا ينتهي بالتخلُّص من المال بل بإعطائه لمستحقيه :
أيها الإخوة، لا تنتهي قضية إنفاق المال بأن تتخلص منه، لا، لا تنتهي هنا المهمة، لا تنتهي المهمة إلا إذا كان المال في موقعه، وعند من يستحقه، وعند أسرة مستورة، وعند أسرة عفيفة، وعند أسرة كريمة، وفي إنفاق ضروري، لا تنتهي مهمة إنفاق المال، لا الصدقات، ولا الزكوات بأن تتخلص من هذا المال، لا، ابحث عن الوجه الصحيح، لذلك
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )
أنا لا أدعوكم إلى عدم الإنفاق، ولكن أدعوكم إلى أن الأجر لا يكتمل عند الله إلا إذا كان المبلغ في مكانه الصحيح، ابحث.
المؤمن صفته العطاء وغير المؤمن صفته البخل
أيها الإخوة الكرام، يجب أن ننتبه إلى أن هذا المال يمكن أن تبلغ به أعلى عليين، المال قوة، يمكن أن تزوج شاباً، أن تستر فتاة، يمكن أن تهيئ عملاً لإنسان يتزوج بالعمل، تزوج فتاة حلّ مشكلة، نحن أمام مشكلة الشباب، والله ما لم نبحث لهم عن أعمال، ما لم نهيئ فرص عمل، ما لم نهيئ لهم بيتاً، ما لم نهيئ لهم نفقات الزواج
إخواننا الكرام، المؤمن بني على العطاء لا على الأخذ
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى )
المؤمن أعطى،
غير المؤمن : (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ )
ماذا ينفق الفقير
إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم، الفقير أمره الله أن ينفق مرة في العام، ولو كان لا يملك إلا قوت يومه فقط، كي يذيقه طعم الإنفاق مرة في العام، ليس عليه إنفاق، لكن الفقير بإمكانه أن يستخدم مئات الطرق إلى الله، إذا نصحت، إذا دعوت إلى الله، إذا كنت قدوة، إذا عدت مريضاً، إذا آويت مسكيناً، إذا دعوت لإنسان، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، الفقير الذي لا يجد ما ينفق أمامه آلاف الطرق إلى الله عز وجل والدليل
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
وعيد شديد لمن يكنز الذهب والفضة :
أيها الإخوة
قال الله تعالى في القرآن الكريم: ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )
قال العلماء : أي مال مهما كثر تؤدى زكاته ليس بكنز، وأي مال مهما صغر لا تدفع زكاته فهو كنز، وينطبق على صاحبه هذه الآية السابقة
ويجب أن تضم أيها المحسن إلى إنفاقك استقامتك حتى تأتي تاجاً تتوج بها يوم القيامة
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )
قصة رمزية : أنا السائل الأول :
كنت أروي قصة رمزية أن إنساناً جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، طرق الباب سائل، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام فنهرها زوجها، ومنعها، وقال : اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء من يخطبها، وجلست معه، وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال : من الطارق ؟ قالت : السائل، قال : من هو، ارتبكت، قالت : زوجي الأول، قال : هل تعلمين من أنا ؟ أنا السائل الأول.
أنت حينما تتجبر بمالك، والله هناك قصص في دمشق بالعشرات، من الغنى المفرط إلى التسول، حينما تتكبر بمالك على الفقير فإن الله عز وجل قادر أن يجعلك مكانه .
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )
حينما تنفق يجب أن تذوب محبة لله أن سمح لك أن تنفق.
أقول لكم مرة ثانية : هذا الذي قبل منك صدقتك له فضل عليك، كان الأغنياء في زمن سيدنا عمر يمشون المسافات الطويلة والأيام ليجدوا إنساناً يقبل أن يأخذ زكاتهم، فهذا الذي يأخذ منك له فضل عليك سمح لك أن تطيع الله فيه، تأدب مع الذي يعطي، كان عليه الصلاة والسلام يضع الصدقة بيده في يد الفقير، وفي أغنياء محسنين يجعلون يد الفقير عليا، أدباً مع الله.