بحث

الإنسان والعمل الصالح

الإنسان والعمل الصالح

بسم الله الرحمن الرحيم

     كُلف الإنسان أن يعبد ربه، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. وحينما كلف الله الإنسان أن يعبده أعطاه مقومات التكليف، أعطاه كوناً ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، أعطاه عقلاً يتعرف به إلى الله عز وجل، أعطاه فطرة يكشف خطأه، أعطاه شهوة تحركه، أعطاه اختياراً يقيّم عمله، ثم أعطاه وقتاً هو وعاء عمله.  

     الإيمان له ثمرة، آمنت بالله وبرسله وكتبه واليوم الآخر، آمنت بالله خالقاً ومربياً ومسيراً، آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، آمنت بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، ماذا بعد الإيمان؟ إذا اكتفيت بالإيمان هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر، ولا يرفعك عند الله درجة لأن إبليس اللعين آمن ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾  وقال:  ﴿فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾  وقال:  ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ﴾ . الإيمان له ثمرة، إن لم تكن ليس هناك إيمان، الإيمان يترجم إلى عمل صالح، العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان، لذلك ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة، يعني عاد مريضاً، نصح أخاً، أطعم جائعاً، حضر درس علم، نصح شارداً، وفق بين اثنين، رعى يتيماً في حركة، إيمان سكوني سلبي إعجاب، تعظيم، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يتحرك، ولا ينصر، ولا يأخذ موقفاً، ولا يعارض، ولا يسالم، سلبي. قال تعالى:  ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ تريد لقاء الله عز وجل اعمل عملاً صالحاً، والإنسان على شفير القبر على أي شيء يندم؟  ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ . العمل الصالح ليس فلتة عارضة، ولا نزوة طارئة، ولا حادثة منقطعة، إنما ينبعث عن دوافع ويتجه إلى أهداف ويتعاون عليه المؤمنون، العمل الصالح أعظم ما في الحياة، أنت خلقت في الدنيا من أجل أن تعمل عملاً صالحاً يكون سبباً لدخول الجنة، بعد الإيمان بالله لا شيء يعلو على العمل الصالح. الإيمان حركة خيرة نظيفة، عمل إيجابي هادف، عمارة للأرض متوازنة، بناء شامخ كالجبال يتجه إلى الله ويليق بمنهج الله. مؤمن بلا عمل لا وزن له عند الله إطلاقاً، أكلنا وشربنا وسهرنا وتابعنا مسلسلات وضحكنا وصار في سرور بهذه الجلسة، إلى أن يشعر الإنسان بشيء في جسمه غير طبيعي يقول لك وغزة ألم في اليد اليسرى، إلى المستشفى عناية مشددة، الآن يقول:  ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾ إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما عملاً صالحاً، أي عمل فعلته من أجل الله؟ ابتغاء مرضاة الله، تدخره عند الله، هذا العمل الصالح هو الذي يرقى بك يوم القيامة، اسأل نفسك أنا ماذا فعلت؟ لك صديقك هل اهتممت فيه؟ زرته، حللت له مشكلة؟ لك حركة بإقناع الناس بالتوبة؟ لك أب وأم كنت باراً بهما؟ لك أخوة أصغر منك رعيت هؤلاء الأخوة؟ ما عملك؟ أحياناً الإنسان يبحث عن عمل صالح يجد نفسه فقيراً، كل حركته لمصلحته أما شيء لله لا يوجد.  

     لك عمل من دون مقابل لا شكر ولا حمد ولا أبيض ولا أسود ولا أصفر ولا أخضر لوجه الله، هل خدمت إنساناً لوجه الله؟ هذا العمل تدخره عند الله. أعظم عمل ما كان متسع الرقعة وما كان طويل الأمد، وتأثيره عميق. سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إنسان واحد جاء إلى الدنيا وغادرها ومكث يدعو قومه سنوات معدودة وانتقل إلى الرفيق الأعلى، تذهب للصين ترى خمسين مليون مسلم، تذهب إلى إفريقيا إلى أي دولة في إفريقيا في دول بالمئة تسعين، ثمانين، بجنوب إفريقيا، بأي مكان في العالم يوجد مسلمون والإسلام ينمو، فهذا العمل الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم رقعته واسعة جداً تقريباً تغطي ربع مساحة الأرض، المسلمون يحتلون نسبة ربع سكان العالم، المسلمون مليار وخمسمئة مليون، إنسان واحد جاء بهذا الدين فاتسعت رقعة هذا الدين من المغرب إلى الأطلسي إلى الصين، إذاً أحد تقييمات العمل الصالح اتساع رقعته. مرة أحد أخوانا الكرام توفي رحمه الله عنده معمل حلويات دخل إلى دكانه رجل من أقصى البلاد وغير مسلم، قال له تعلمني صناعة الكاتو؟ قال له تكرم، أدخله ورحّب به وصنع أمامه طبخة كاملة، ما اكتفى، طبعاً كتب، قال له افعل طبخة ثانية أمامي، يقسم بالله لثلاثين عاماً يأتيه من مكان بعيد حيث يعيش ليشكره، عمل عملاً دلّ شخص على حرفة عاش منها وما سأله أنت من أين، عبد لله عز وجل:  ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾. 

     بعد أن آمنت بالله لا يوجد شيء أعظم في حياتك من عمل صالح تلقى الله به وعمل صالح أن يكون بعيداً عن مصالحك، قال تعالى:  ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ما العمل الصالح الذي يرضاه؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله وصواباً ما وافق السنة، دائماً اسأل نفسك مساء كل يوم ماذا فعلت اليوم؟ هل أطعمت جائعاً؟ هل كسوت عارياً؟ هل عدت مريضاً؟ هل زرت صديقاً لله؟ هل أنفقت مالاً؟ هل وصلت رحماً؟ هل كتبت مقالة تنشرها تدعو إلى معرفة الله؟ هذا عمل. أعظم الأعمال الصالحة هي التي تبقى بعد موتك، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:  (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) معنى تركت مؤلفاً، تركت دعوة، تركت مؤسسة، تركت معهد شرعي، تركت ميتماً، تركت مستوصفاً، تركت عملاً صالحاً؟ أيها الأخوة العمل الصالح هو سر وجودك في الأرض، أي عمل صالح يستمر بعد موتك هذا من أعظم الأعمال الصالحة، ما معنى قول الله عز وجل:  ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ كان أمة بأعماله الصالحة، يعني ينبغي أن يكون لك أثر في كل النفوس. ويـلٌ ثُمَّ ويـلٌ ثُـمَّ ويـلٌ لمن انقضت آجالهم وضلالاتهم وآثامهم باقية من بعدهم، هنيئاً لمن كان تحت الثرى والناس مهتدون بهديه، سعداء بأعماله. 

     الحياة دار عمل وليست دار أمل، الحياة دار تكليف وليست دار تشريف، الحياة دار بذل جهد:  ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ الحياة بذل جهد، لا شيء يعلو بعد الإيمان بالله على عمل صالح يمتد أمده وتتسع رقعته ويتعمق أثره. 



المصدر: العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 32 - الوقت -2- العمل الصالح