الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، ولأنه قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وقد كلف أن يعبد الله، وما كلفه الله أن يعبده إلا بعد أن أعطاه المقومات، الكون، العقل، الفطرة، الشهوة، حرية الاختيار، وعن الوقت الذي هو غلاف العمل، إن أردت شيئاً يعد في الدين أكبر شيء ثابت فهو الكون، لأن الكون مظهر لعظمة الله، يشفّ عن أسماء الله الحسنى، ومن خلال الكون ترى قدرة الله، من خلال الكون ترى رحمة الله، من خلال الكون ترى لطف الله عز وجل، فلذلك لو أن الإنسان تاه في الخلافيات، كل يدعي أنه على حق، هذا الكون هو الشيء الثابت الأول، من ينكر الشمس؟ من ينكر القمر والليل والنهار والأرض والجبال والوديان والأنهار والبحيرات والبحار والأطيار والأسماك والنباتات؟ وخلق الإنسان؟ فإذا أردت أن تجول جولة، وترجع، وقد امتلأ قلبك بالإيمان، إن أردت أن تبتعد عن كل هذه الخلافيات في الأرض فحسبكم الكون معجزة، في كل شيء في الكون يدل على الله، أنت بالكون تعرف الله، لذلك افتح القرآن الكريم، وتتبع السور المكية، قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾، ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾، ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ هذه السور المكية طافحة بالآيات الكونية، لماذا؟ لأن طريق معرفة الله التفكر في خلق السماوات والأرض والدليل، قال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾
الكون إذاً مسخر للإنسان تسخيرين، تسخير تعريف، وتسخير تكريم، فأنت تعرف الله من خلال الشمس والقمر، والليل والنهار، والنجوم والمجرات، والأبراج والكازارات، والمذنبات، وتعرف الله من الجبال والأنهار، والبحار والأطيار، من طعامك، من ابنك الذي أمامك، وتعلم علم اليقين كيف كان خلية واحدة لقحت خلية ثانية، فإذا هو طفل كامل النمو، يتكلم، ويفكر له عينان، وله أذنان، وله أنف، وهيكل عظمي، وعضلات، وجلد، وجهاز هضم، وجهاز قلب ودوران، وجهاز عصبي، وجهاز إفراز، وكليتان، وشعر جسمك آية. حينما يتيه الناس، ويخوضون في خلافيات لا تنتهي فالثابت الأول الذي يشف عن عظمة الله، عن وجوده، وعن وحدانيته، وعن كماله، موجود، وواحد، وكامل، هو الكون، لذلك قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لأن الله سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم، فرد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، دقق فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، الآن استمع إلى هذه الآية: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾ لمجرد أن تؤمن، وأن تشكر فقد حقت الهدف من وجودك.
تعريف وتكريم، يعني القمر ننتفع به، القمر تقويم في السماء، قبل الساعات وقبل التقاويم أول يوم ثاني يوم ثالث يوم رابع يوم أربعة عشر بدر، قال تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ننتفع به، وآية تدلنا على الله، أي الوظائف أكبر؟ مهمة التعريف أكبر بكثير، الوظيفة الكبرى أن تعرف الله من خلاله، والوظيفة الثانية أن تنتفع به في الدنيا. بالمناسبة، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية بشكل معجز، انتفع من الدنيا، واستمتع بها من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، والمؤمنون يجب أن ينتفعوا من الوظيفة الأولى، أن يتعرفوا إلى الله، ولا يمنع أن يضموا إلى أنهم تعرفوا إلى الله من خلال هذا الكون أن ينتفعوا به. للتوضيح: رجلٌ فقير جداً دخله لا يسمح له أن يشتري به لعقة عسل، ورجلٌ آخر ما ذاق العسل في حياته، فقير، لكن درس، ووقع تحت يده كتاب عن العسل، قرأه فهطلت دموعه، معقول، فيه شفاء للناس، صيدلية كاملة، كتاب مفصل، بحث مطول عن العسل، وعن فوائده، والآيات، فسجد لله شكراً له على هذه المعرفة التي امتن الله بها عليه، دقق، هذا الفقير الذي ما أتيح له أن يلعق لعقة عسل واحدة حقق الهدف الأكبر من خلق العسل الأكبر، وإنسان بالتعبير الدارج شبع من العسل، وما تفكر في هذا العطاء الكبير، عطل أكبر هدف من أهداف خلقه.
إذا هذا الكون يدل على الله، لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ هو الثابت الأول، وقد سخر لنا لأننا قبلنا حمل الأمانة، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾.
الله عز وجل له آيات كونية، هذا الكون، وله آيات تكوينية، أفعاله، البراكين، الزلازل، الصواعق، الفيضانات، الأعاصير، الجو المعتدل، الأمطار المعتدلة، له آيات كونية، خلقه، وله آيات تكوينية، أفعاله، وله آيات قرآنية، كلامه، فأنت إذا أردت أن تعرفه عليك أن تتفكر في آياته الكونية تفكراً، وأن تنظر في آياته التكوينية، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ وأن تتدبر آياته القرآنية من أجل أن تعرفه، وأن تنظر في آياته التكوينية، هذه طرق معرفة الله عز وجل. وفي كل هذه الآيات ما يكفي لمعرفته ولمحبته، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية: يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي، أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني التفكر، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.