بحث

الإنسان والكون

الإنسان والكون

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة، الإنسان هو المخلوق الأول رتبة، ولأنه قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، وقد كلف أن يعبد الله، وما كلفه الله أن يعبده إلا بعد أن أعطاه المقومات، ويقع على رأس هذه المقومات الكون.  

الكون لا يختلف عليهما شخصان مهما اختلفت ديانتهما:  

أيها الإخوة، أريد أن أضعكم في صورة دقيقة، الكون هو الثابت الأول، شمس لا يستطيع أن ينكرها أحد، مسلم، غير مسلم، منافق، مستقيم، غير مستقيم، علماني، ملحد، الشمس وجودها صارخ، وفيها حقائق يخضع لها الإنسان، ومن خمسة آلاف مليون عام هي متقدة، وإلى خمسة آلاف مليون عام أخرى بتقدير العلماء متقدة، حجمها يكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، ألسنة اللهب التي تخرج منها تزيد على مليون كيلو متر، الحرارة على سطحها ستة آلاف درجة، في باطنها عشرون مليون درجة، لو ألقيت الأرض فيها لتبخرت في ثانية واحدة.  

يخضع لهذه الحقائق المسلم وغير المسلم، والكافر والملحد والعلماني، إن أردت شيئاً يعد في الدين أكبر شيء ثابت فهو الكون، لأن الكون مظهر لعظمة الله، يشفّ عن أسماء الله الحسنى، ومن خلال الكون ترى قدرة الله، من خلال الكون ترى رحمة الله، من خلال الكون ترى لطف الله عز وجل، فلذلك لو أن الإنسان تاه في الخلافيات، كل يدعي وصلاً بليلى، كل يدعي أنه على حق، هذا الكون الذي سخره الله للإنسان تسخير تعريف وتكريم، هو الشيء الثابت الأول، من ينكر الشمس؟ من ينكر القمر والليل والنهار والأرض والجبال والوديان والأنهار والبحيرات والبحار والأطيار والأسماك والنباتات؟ وخلق الإنسان؟ فإذا أردت أن تجول جولة، وترجع، وقد امتلأ قلبك بالإيمان، إن أردت أن تبتعد عن كل هذه الخلافيات في الأرض فحسبكم الكون معجزة، في كل شيء في الكون يدل على الله،   

وفي كل شيء له آية      تدل على أنه واحد  

 

الكون دليلك إلى الله:   

أيها الإخوة، أنت بالكون تعرف الله، لذلك افتح القرآن الكريم،   

قال تعالى: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2)  

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)  

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا  

قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ  

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِق 

هذه السور طافحة بالآيات الكونية، لماذا؟ لأن طريق معرفة الله التفكر في خلق السماوات والأرض والدليل، قال تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ  

لا طريق إلى الإيمان إلا في التفكر في خلق السماوات والأرض،   

لذلك قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)  

هل كان ظلوماً جهولاً بحمل الأمانة؟ إذا حملها ووفاها حقها فليس ظلوماً، ولا جهولا.  

الكون مسخر للإنسان تسخيرين تعرف وتكريم:  

الكون إذاً مسخر للإنسان تسخيرين، تسخير تعريف، وتسخير تكريم، والكلام دقيق جداً، أيّ شيء أمامك، كأس الماء، ابنك الذي أمامك، زوجتك، الطعام الذي أمامك، الجبل الذي أمامك، الوردة التي أمامك، أي شيء في الكون مسخر لك أيها الإنسان، أي شيء، ومسخر لك تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم، فأنت تعرف الله من خلال الشمس والقمر، والليل والنهار، والنجوم والمجرات، والأبراج والكازارات، والمذنبات، وتعرف الله من الجبال والأنهار، والبحار والأطيار، من طعامك، من ابنك الذي أمامك، وتعلم علم اليقين كيف كان خلية واحدة لقحت خلية ثانية، فإذا هو طفل كامل النمو، يتكلم، ويفكر له عينان، وله أذنان، وله أنف، وهيكل عظمي، وعضلات، وجلد، وجهاز هضم، وجهاز قلب ودوران، وجهاز عصبي، وجهاز إفراز، وكليتان، وشعر جسمك آية.  

حينما يتيه الناس، ويخوضون في خلافيات لا تنتهي فالثابت الأول الذي يشف عن عظمة الله، عن وجوده، وعن وحدانيته، وعن كماله، موجود، وواحد، وكامل، هو الكون،   

لذلك قال تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  

ما موقفك من آيات الأمر والنهي:  

أيها الإخوة، كلام دقيق أتمنى أن يكون واضحاً لديكم، حينما تقرأ القرآن، وهو كلام الواحد الديان، تقرأ آية فيها أمر، ماذا ينبغي أن تفعل؟ أن تأتمر، هذا القرآن كلام خالق الأكوان، مستحيل أن تقرأه دون أن يكون لك مهمة في أثناء قراءته، دون أن يكون لك موقف، تقرأ آية فيها أمر،   

قال تعالى:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ  

ما الفعل الذي ينبغي أن تفعله إذا قرأت آية فيها أمر؟ الجواب أن تأتمر،   

قال تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً  

وما موقفك إذا قرأت آية فيها نهي؟ الموقف أن تنتهي، وما الموقف إذا قرأت آية فيها وصف للجنة ونعيمها، والنار وعذابها؟ أن تسعى إلى الجنة، وأن تتقي النار ولو بشق تمرة،    

قال تعالى:   فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ   

 وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)   

ما الموقف الذي ينبغي أن تقفه؟ أن أسعى إلى الجنة، وأن أتقي النار، وإذا قرأت آية عن هلاك الأمم السابقين،    

قال تعالى:   قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ   

 ينبغي أن تتعظ.   

ما موقفك من الآيات الكونية:   

 

ملخص كلامي: ما من آية تقرأها إلا وينبغي أن تقف منها موقفاً، فإذا قرأت ألف آية كونية ما الموقف الذي ينبغي أن تقفه من هذه الآيات؟ أن تتفكر في هذه الآيات، إذاً: حينما تقرأ القرآن، وتمر بآية كونية هذا منهجك في التفكر من أجل أن تعرف الله، الله عز وجل لا تدركه الأبصار، مستحيل،  

قال تعالى:   قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً   

إذاً: مستحيل وألف ألف مستحيل أن نرى الله في الدنيا، لكن عقولنا يمكن أن تصل إليه، فالكون مسخر لنا تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم.    

موقف الإنسان من تسخير الكون تعريفاً وتكريماً:   

لو أن إنساناً قدم لك هدية، جهاز هاتف متطور جداً، معه ذواكر، معه إجابة آلية، كأنه موظف عندك، يقول لك: من بلغك في أي ساعة، وترك رسالة، ويعطيك إشارة للرسالة، واحد قدم لك هذا الجهاز، وهو من اختراعه، ما الذي ينشأ عندك؟ جاءك هذا الجهاز هدية، ثم هو من اختراع المهدي، ينشأ عندك شعوران، الأول تعظيم هذا الإنجاز العلمي، والثاني الامتنان ممن قدمه لك، لأن الله سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض تسخير تعريف وتكريم، فرد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، دقق فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، الآن استمع إلى هذه الآية:   مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ    لمجرد أن تؤمن، وأن تشكر فقد حقت الهدف من وجودك، عندئذ تتوقف المعالجات، كيف؟   

إنسان توقفت كليته، الطبيب صورها، فإذا هي معطلة، قال له:  بد من استئصالها، الموعد بعد أسبوعين، خطر لهذا الطبيب خاطر، أن يعيد التصوير قبل العملية، أعاد التصوير، فإذا هي تعمل فهل يتابع  العملية؟ لمجرد أن تؤمن الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، ولمجرد أن تشكر فقد حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف كل أنواع المعالجات: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ    

 أيحب أن يعذبنا؟ أيحب أن يفقرنا؟ أيحب أن يمرضنا؟ مستحيل، هو غني عن تعذيبنا.   

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه:    يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ    

أقول لكم:   الكون بسماواته وأرضه،   بكل ما فيه مظهر لوجود الله ووحدانيته،وكماله،   ومظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى،   هذا الكون هو الثابت الأول في العقيدة،   لو تاه الناس،   لو شرد الناس،   لو اختلف الناس،   لو تمزق الناس،   لو تراشقوا تهم التكفير،   فهناك شيء ثابت،   أن هذا الكون يدل على الله،     

لذلك قال تعالى:   إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ   

هو الثابت الأول،   وقد سخر لنا لأننا قبلنا حمل الأمانة،    

قال تعالى:   إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ   

لأننا قبلنا حمل الأمانة كانت المكافأة لنا أن سخر لنا ما في السماوات،   وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتسخير تكريم،   رد فعل التعريف أن تؤمن،   ورد فعل التكريم أن تشكر،   فإذا آمنت الإيمان الذي يحملك على طاعة الله،   وشكرت النعم التي أفاضها الله عليك فقد حققت الهدف الأكبر من وجودك.   

الآن إلى بعض التفاصيل،   تعريف وتكريم،   يعني القمر ننتفع به، القمر تقويم في السماء، قبل الساعات وقبل التقاويم أول يوم ثاني يوم ثالث يوم رابع يوم أربعة عشر بدر،   

  قال تعالى:   لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ   

تقويم ننتفع به، وآية تدلنا على الله، أي الوظائف أكبر؟ مهمة التعريف أكبر بكثير، الوظيفة الكبرى أن تعرف الله من خلاله، والوظيفة الثانية أن تنتفع به في الدنيا.   

بالمناسبة، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية بشكل معجز، انتفع من الدنيا، واستمتع بها من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، والمؤمنون يجب أن ينتفعوا من الوظيفة الأولى، أن يتعرفوا إلى الله، ولا يمنع أن يضموا إلى أنهم تعرفوا إلى الله من خلال هذا الكون أن ينتفعوا به، هم مقصرون، لذلك هناك:     

  1. علم بخلقه، هو أصل في صلاح الدنيا،    
  2. وعلم بأمره، أصل في طاعة الله، وعلم به،    

لذلك المؤمنون يجب أن ينتفعوا بالمهمة الكبرى لهذا الكون، وأن ينتفعوا أيضاً في دنياهم به، أما الذين شردوا عن الله أخذوا الوظيفة الثانية فقط.   

  للتوضيح: رجلٌ فقير جداً دخله لا يسمح له أن يشتري به لعقة عسل، ورجلٌ آخر ما ذاق العسل في حياته، فقير، لكن درس، ووقع تحت يده كتاب عن العسل، قرأه فهطلت دموعه، معقول، فيه شفاء للناس، صيدلية كاملة، كتاب مفصل، بحث مطول عن العسل، وعن فوائده، والآيات، فسجد لله شكراً له على هذه المعرفة التي امتن الله بها عليه، دقق، هذا الفقير الذي ما أتيح له أن يلعق لعقة عسل واحدة حقق الهدف الأكبر من خلق العسل الأكبر، وإنسان بالتعبير الدارج شبع من العسل، وما تفكر في هذا العطاء الكبير، عطل أكبر هدف من أهداف خلقه.   

 أحيانا إنسان يمشي في الطريق أمام بائع ورود، حياته، ونمط حياته، ودخله لا يسمح له أن يقتني ورودًا للمناسبات فقط، وهناك أشخاص أغنياء جداً، الورد جزء أساسي في حياتهم، دائماً عندهم باقات ورد، الفقراء ما عندهم هذه الإمكانية، لكن لو مر فقير أمام بائع ورد، وشاهد الزنبق، وشاهد ألوان، شاهد الروائح، فخشع لله، فقد حقق الهدف من وجوده، مع أنه لم يقتن الورد.    

لا بد من الإنتقال من النعمة إلى المنعم:   

أنا أتمنى عليكم أن لا يكون الإنسان كالدابة تأكل وتشرب، ولا تعرف ربها، البطولة أن تخرق النعمة على المنعم أن يخشع قلبك من هذه النعم.   

والله أيها الإخوة، يقولون: شدة القرب حجاب، أنت تستيقظ، وتفرغ ما عندك من أذى، هذه نعمة كبيرة جداً، كان عليه الصلاة والسلام يقول: الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، يا رب لك الحمد، أذقتني لذة الطعام، ما أخذ السيروم، وأبقيت في قوته، شعرت بنشاط، وأذهبت عني أذاه، الطرق كلها سالكة، لن تكون مؤمناً كما أرادك الله إلا إذا عرفت نعمه.   

تنام النوم من نعم الله الكبرى، تنام ملأ العين، تتباعد الأعصاب، تنقطع السيالة العصبية، تبتعد عن العالم، كل هذا التعب يذهب عنك، تستيقظ كالحصان، هل تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور؟    

بطولتك كمؤمن أن تخرق النعمة إلى المنعم، بينما أهل الدنيا بقوا في النعمة، واستمتعوا بها، ولم يعرفوا المنعم.  

تصور لو دخلت إلى بيت، ووجدت طعاما نفيسا جداً، أكل مثل الوحش، ثم  خرج، هذا الذي دعاك صاحب البيت قل له: شكراً، جزاك الله خيراً، الطعام طيب، أكرمتنا، بالغت في إكرامنا، معقول لإنسان يستمتع بالدنيا استمتاع البهائم، وبالتعبير؟ يستمتع ويستعلي، يستمتع ويسب الدين، يستمتع ويحتقر الناس، يستمتع ويسخر الناس لشهواته، هذا وحش، لذلك إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب، إرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى.    

حينما يكشف الإنسان لؤمه تنعم بهذا الكون، تنعم بزوجة، بأولاد، أكل طيب، الطعام، وهو لا يصلي، ولا يعرف الله، ويؤذي عباد الله، الله عز وجل يعجب من صبرهم على العذاب،    

قال تعالى:   فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ   

فلا بد من أن تخرق النعمة إلى المنعم، أن تشكر الله، إنسان أكل فشبع، الحمد لله،    

سيدنا عمر عنده ضيف من أذربيجان قال: يا أم عبد الله، ما عندك من طعام؟ قالت: والله ما عندنا إلا خبز وملح، قال: هاته لنا، أكل وشرب، وقال: الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا، وسقانا فأروانا.    

ألاحظ الآن قبل الطعام العصير، وبعد ذلك مقبلات وسلطات، وفتات، وحساء، وبعد ذلك لون أول، ثم لون ثان، أكلة رز، أكلة خضار، لحومات مشوية، ثم فواكه، وحلويات، وهو يأكل ولا يشكر.   

أيها الإخوة، قضية مهمة جداً أن تعرف المنعم، عندك بيت، مأوى،    

كان النبي الكريم يقول:    الحمد لله الذي آواني، وكم من مما لا مأوى له   

عندك مفتاح بيت، تدخل إلى بيتك، تنام، تغتسل، تأكل، زوجتك أمامك، أولادك أمامك، لا يهم، كبير البيت كبير صغير، هذا بيت مؤقت، اقرءوا النعوات، وسيشيع إلى مثواه الأخير، يكون ثمن البيت مئة وثمانين مليونًا، آخرته إلى مقبرة، تصور مترًا ونصفًا بنصف متر من التراب.   

 والله قبل فترة توفي إنسان، فكنت في التشييع، لاحظت البلاطة أضيق من الحفرة بعشرة سنتمترات،  حفار القبر وضع أحجارا لا على التعيين بهذه الفراغات، وردم التراب، أنا تصورت أنه نزل فوق الميت كيلوين من التراب، وكان الميت رجلا كثير النظافة جداً، وأنيقًا جداً، هذه الحياة، فلذلك الإنسان قبل أن يغادر الدنيا هل عرف الله؟ هل شكره؟ كانت تعظم عند النبي النعمة مهما دقت.   

 وزير سأل هارون الرشيد، قال: يا أمير المؤمنين، بكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا منِعت عنك؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه؟ قال: بنصفي ملكي الآخر.   

 يا أيها الأخوة،    

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ،   مُعَافًى فِي جَسَدِهِ،   عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا   

 بحذافيرها.   

سأل ملك وزيره: من الملك؟ قال: أنت، قال الملك: لا، رجل لا نعرفه، ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإنا إن عرفناه جهدنا في إحراجه.   

أيها الإخوة، أهم نقطة، أن الله سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف وتكريم، موقفك من التعريف أن تؤمن، وموقفك من التكريم أن تشكر، وحينما تؤمن وتشكر تكون قد حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات،    

 قال تعالى:   وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ   

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   ما من عثرة،   ولا اختلاج عرق،   ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر   

إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ   

معرفة الله من الآيات القرآنية والكونية والتكوينية:    

بالمناسبة، أيها الإخوة، الله عز وجل  له آيات كونية، هذا الكون، وله آيات تكوينية، أفعاله، البراكين، الزلازل، الصواعق، الفيضانات، الأعاصير، الجو  المعتدل، الأمطار المعتدلة، له آيات كونية، خلقه، وله آيات تكوينية، أفعاله، وله آيات قرآنية، كلامه، فأنت إذا أردت أن تعرفه عليك أن تتفكر في آياته الكونية تفكراً، وأن تنظر في آياته التكوينية،    

قال تعالى:   قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ    

وأن تتدبر آياته القرآنية من أجل أن تعرفه، ينبغي أن تتفكر في آياته الكونية، وأن تنظر في آياته التكوينية، وأن تتدبر آياته القرآنية، هذه طرق معرفة الله عز وجل، لكن لا بد من تنويه دقيق جداً، أنه ينبغي أن تبدأ بآياته الكونية، وينبغي أن تثني بآياته القرآنية، القرآن يضيء لك، واجعل آياته التكوينية المرحلة الثالثة، لو بدأت بها فهي حقل ألغام، ترى شعوبًا غارقة في المعاصي والآثام غنية جداً، مستقرة جداً، وشعوبًا تعاني ما تعاني، وهي مسلمة، فأنت ما عندك إمكان أن تفهم حكمة الله إلا بحالة واحدة مستحيلة، أن يكون لك علم كعلم الله،    

قال تعالى:   إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)   

أنت ما عندك إمكان أن تكشف حكمة الله إلا بحالة مستحيلة، أن يكون لك علم كعلمه، لذلك أنا أفضل أن ترجئ النظر في آياته التكوينية إلى المرحلة الثالثة، أما التفكر في خلقه فواضح جداً، كلما ازددت تفكراً ازددت يقيناً بأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، أما أفعاله فتحتاج إلى تريث قليلاً.   

 مثلاً: أنا أذكر مرة أني كنت ماشيًا في الطريق، استوقفني إنسان، قال لي: إذا جاء إنسان إلى عمله، وفتح محله التجاري، وسمع إطلاق رصاص، ومد رأسه، فجاءت رصاصة في عموده الفقري فانشل فوراً، قال لي: ما ذنب هذا؟ ثم قال: أليس العمل عبادة؟ قلت: نعم، قال: ما ذنبه؟ قلت: لا أعلم.   

والله أيها الإخوة، أخ كريم من إخواننا بعد عشرين يومًا يمشي معي يحدثني، قال لي: لنا جار ساكن في الطابق الذي فوقنا مغتصب بيتًا لأولاد أخيه الأيتام، وخلال سنوات طويلة يرفض أن يعطيهم البيت، وهو بيتهم، وهم في أمسّ الحاجة إليه، واشتكوا عليه لأحد العلماء، فاستدعاه العالم، ورفض أشد الرفض، فالتفت هذا العالم ـ  توفي رحمه الله ـ كان شيخ القراء، فخاطب الأولاد، أن هذا عمكم، ولا يليق بكم أن تشتكوا عليه، اشكوه لله، هذا الكلام كان الساعة التاسعة مساءً، الساعة التاسعة صباحاً كان مشلولا.   

القصة من آخر فصل لا معنى لها، إنسان بريء، جاء ليفتح محله التجاري حتى يكسب رزق أولاده، سمع إطلاق رصاص، مد رأسه، فجاءت رصاصة في عموده الفقري، فانشل فوراً.    

أنا لا أعلم إلا أن يعلمك إنسان، لما عرفت الفصل الأول توضح الأمر.   

أفعاله الله التكوينية لا تتمكن أن تفهمها بسهولة فسلّم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، هناك حكمة بالغة.   

لذلك أيها الإخوة، عندنا آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، الآيات الكونية يجب أن تتفكر فيها، الدليل:   إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ    

هذه الكونية التكوينية،    

قال تعالى:   قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ   

حدثني أخ قال: أنا محام، وكنت في دعوى، وجئت بشاهد كاذب، وكلف أن يدلي بشهادة، وقبلها، عليه أن يحلف اليمين، وأن يضع يده على المصحف، والموضوع في فيلا قيمتها خمسون مليونًا، يمكن أن تغتصب عن طريق هذا الشاهد الكاذب، وشهد، وضع يده على المصحف، وأقسم بالله أن يقول الحق، ولم يقل الحق، قال الكذب، قال: والله أمامي رفع يده، أمسك طرف الطاولة، أقسم، ورفع يده، بقي واقفًا هكذا، انزعج القاضي، قال له: أنزل يدك، كان ميتًا، لما ضعفت يده وقع، قال: والله أمامي،    

 قال تعالى:   قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ   

لكن بالمناسبة، أتمنى عليكم من أعماقي أن تنتبهوا إلى هذه الفكرة، يمكن أن تسمع ألف قصة من آخر فصل، ما لها معنى أبداً، بل مشوشة، لكن يمكن بحسب علاقاتك المعينة أن يكون عندك خمس قصص تعرفها من أول فصل، والله ينبغي أن تسجد لله لعدله، عدل مطلق، لكن نحن مشكلتنا كل شيء نسمعه من آخر فصل، وهو كلام ليس له معنى، سلم إلى الله، سلم إلى عدالته، إلى رحمته، ولا يظلم ربك أحدا.   

أيها الإخوة الكرام،    

قال تعالى:   وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ   

هذه صياغة في اللغة اسمها نفي الشأن، وعندنا حالة اسمها نفي الحدث، وعندنا نفي الشأن، لو أن واحدًا سأل شخصًا، قال: هل أنت جائع، يقول له: لا، نفى حدث الجوع، لو قال له: هل أنت سارق؟ وهو إنسان محترم جداً، هل يقول له: لا، فقط، ليس معقولا، يقول له: ما كان لي أن أسرق، يعني هذا الشيء خلاف طبيعتي، وخلاف مبادئي، وخلاف قيمي، ولا أرضى به، ولا أقره، وأعنف عليه، وأرفضه، وأحتقر فاعله، هذا اسمه نفي الشأن، صيغة نفي الشأن، وما كان الله، قال: ليظلمهم، مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُظلم الإنسان،    

قال تعالى:   لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ   

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ   

فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ   

مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ   

لو تدقق لوجدت شيئا تقشعر له الأبدان، لكن مشكلتنا كل واحد منا معه ألف قصة من آخر فصل، ما لها معنى، هذا مرض خبيث، هذا حادث، أنت لا تعلم، ولكن الله يعلم، سلم.   

لذلك نبدأ بالآيات الكونية، نثني بالآيات القرآنية، ثم تكشف لنا بعض الحقائق في أفعاله التكوينية.   

هذا المحامي ذكر لي قصة ثانية، قال: أنا شهدت قرارًا بإعدام إنسان قاتل، وأنا كنت وكيله، قال له القاضي، بلغه، قال لي: بلغته، قال له: أنت قاتله؟ قال: لا، أنا ما قتلته، إعدامه بعد أيام، رغب أن يحضر إعدامه قبل أن يضعوا الحبل برقبته، قال له: الآن كل شيء ذهب، وانتهى، وأنا سوف أشنق هذا القاتل، ما قتلته أنا، القاتل غيره، منذ ثلاثين عامًا، كان رئيس مخفر وجاء ضابط فرنسي أعطاه إنسانًا ليعدم، وضعه في الإسطبل، وهرب، فجاء بإنسان بدوي وضعه محله، وأعدموه ثاني يوم منذ ثلاثين سنة.   

فلذلك عندنا آيات كونية  نتفكر بها، آيات تكوينية نرجئها للمرحلة الثالثة، آيات قرآنية نتدبرها،    

قال تعالى:   أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا   

بعض الآيات القرآنية تشير لبعض الآيات الكونية:   

أولا: سرعة الضوء:  وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ   

إخوتنا الكرام، العالم الفيزيائي الشهير أنشتاين الذي جاء بالنظرية النسبية، والتي قلبت مفاهيم الفيزياء والطاقة والقدرة والحركة في العالم، هذه النظرية تقوم على أنه اكتشف السرعة المطلقة في الكون، إنها سرعة الضوء، وأي شيء سار مع الضوء أصبح ضوءًا، وأي جسم سار مع الضوء يؤدي هذا المسير إلى توقف الزمن، كيف؟    

هذا اللقاء الطيب يصدر عنه موجات كهرطيسية إلى الفضاء الخارجي، لو أمكن لإنسان افتراضاً أن يصنع مركبة سرعتها كسرعة الضوء، وتمشي هذه المركبة مع أمواج الضوء، هذا المنظر يبقى إلى أبد الآبدين، ويكون كل مَن في هذا المجلس بعد مئة عام تحت أطباق الثرى، وهذا المنظر مستمر، إذا سار الإنسان مع الضوء توقف الزمن، فإذا سبقه تراجع الزمن، ومن الممكن افتراضاً لو صنعت مركبة تمشي بأسرع من الضوء، ومعنا أجهزة للالتقاط هذه الموجات لرأينا رأي العين موقعة بدر، وموقعة أحد، والخندق، والقادسية، وموقعة حطين، لرأينا هذا رأي العين، هذا كله شيء افتراضي، إذا سرنا مع الضوء توقف الزمن، وإذا سبقنا الضوء تراجع الزمن.   

عُقد مؤتمر في موسكو البلد كان يرفع شعار ( لا إله )، عقد مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس في موسكو، وهذه معجزة، أن يعقد مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في بلد كان يرفع شعار(لا إله، والمادة كل شيء)، عرضوا في هذا المؤتمر بحثا مطولا عندي أصله، وسأقدم لكم تلخيصه.   

قال الله عز وجل:   وَإِ   نَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ   

الله عز وجل  يخاطب العرب، مما تعدون أنتم، لأن العرب كانوا يستخدمون التقويم القمري، ويعدون السنوات القمرية، القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، الآن دققوا، القمر يدور دورة حول الأرض لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر، نصل بينهما بخط، قال الرياضيون والمهندسون هذا الخط طوله نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض وحسابها سهل جداً، نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، ضرب 2 قطر، ضرب 3،14 المحيط، ضرب 12 بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، طالب من طلاب المرحلة الإعدادية بآلة حاسبة يمكن أن يحسب لنا كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام،هذا الرقم بالكيلو مترات ودائماً حساب السرعات المسافة على الزمن أليس كذلك؟ لو قسمنا المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثوان اليوم، اليوم كم ساعة؟ أربع وعشرون، ستون بستين بأربع وعشرين، اليوم أربع وعشرون ساعة، الساعة ستون دقيقة، الدقيقة ستون ثانية، لو قسمنا هذا الرقم على ثوان اليوم، لأن الله قال:   وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ     

يعني أنكم تعدون دورة القمر حول الأرض، ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، لو قسمنا الرقم على ثوان اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة 299752، فما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، وفي هذه الآية المؤلفة من بضع كلمات تنطوي بها هذا الاكتشاف الذي تاه به الغرب، وهو النظرية النسبية التي تتحدث عن سرعة الضوء، وهناك إشارة قرآنية قبل ألف وأربعمئة عام يؤكدها العلم الحديث في عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين، هذا من الإعجاز.   

ثانيا: دورة الأرض حول الشمس:    وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ   

شيء آخر، أيها الإخوة الكرام، الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي بيضوي، وهذا المسار الإهليلجي يعني أن هناك قطرين، قطرا أدنى، وقطرا أعلى، الأرض تمشي بكم؟ سرعة الأرض في الثانية الواحدة ثلاثون كيلو مترا، نحن بدأنا الدرس قبل ستة عشر دقيقة، لو بدأنا قبل عشر دقائق، الأرض تقطع في الثانية ثلاثين كيلو مترا، في الدقيقة ضرب ستين، ألف وثمانمئة كيلو متر في عشر دقائق، الآن نحن سرنا في الفضاء الخارجي حينما قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى الآن ثمانية عشر ألف كيلو متر، هذه حقائق بسيطة من مسلّمات علم الفلك،    

قال تعالى:   وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ    

ثالثا:    القوى الجاذبة والنابذة :    إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا   

الأرض تسير بسرعة ثلاثين كيلو مترا في الثانية، لكن على مسار بيضوي، هناك قطر أكبر وقطر أصغر، الآن هي هنا سارت، ووصلت إلى هنا المسافة فصغرت، قانون الجاذبية متعلق بالكتلة والمسافة، فكلما زادت الكتلة زادت الجاذبية، وكلما قلّت المسافة زادت الجاذبية، الكتلة ثابتة، أما المسافة فقصرت، فصار هناك احتمال كبير جداً أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت إليها تبخرت في ثانية واحدة، وانتهت الحياة على سطح الأرض، تبخرت بجبالها وبحارها وقطبيها وصخورها وقاراتها،    

لذلك، قال تعالى:   وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ   

الأرض هنا ترفع سرعتها، هذه السرعة إذا ارتفعت نشأت قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فبقيت الأرض على مسارها، الآن دققوا،    

قال تعالى:   إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا            

إنّ تبدل سرعة الأرض بحسب المسافة بينها وبين الشمس، هذا التبدل من أجل أن يبقيها على مسارها، وبقاء الأرض على مسارها آية من آيات الله الدالة على عظمته.   إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا   

هذه الآية تندرج في الإعجاز العلمي، الآن الأرض تابعت سيرها، وصلت إلى هنا، سرعتها زائدة، وقوة الجذب ضعفت، وقوة النبذ أشد، وهناك احتمال كبير أن تبقى سائرة في الفضاء الكوني، وعندئذ تصبح حرارة الأرض مئتين وسبعين تحت الصفر، الصفر المطلق، وهو موت محقق، فالأرض إذا انجذبت إلى الشمس تتبخر في ثانية واحدة، وإذا تفلتت من جاذبيتها يكون الدمار من شدة البرد، هنا تخفض الأرض سرعتها لينشأ من انخفاض السرعة قوة نابذة أقلّ تكافئ القوة الجاذبة الأقل، فتبقى على مسارها،    

قال تعالى:   إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا   

هناك عالم اقترح لو أن الأرض تفلتت من جاذبية الشمس لسارت في الفضاء الكوني، وأردنا أن نرجعها للشمس قال: نحتاج لمليون مليون حبل فولاذي، وكل حبل قطره خمسة أمتار، ومعنى حبل فولاذي قطره خمسة أمتار أي يحمل مليونين طن قوة جذبه، نحن عندنا قوى الشد وقوى الضغط، بالضغط أقسى عنصر الماس، أما بالشد فأمتن عنصر فهو الفولاذ المضغوط، لذلك ( التلفريك ) والمصاعد والجسور المعلقة كلها فولاذ مضفور الأمتن يقاوم قوى الشد، والأقسى يقاوم قوى الضغط، الإسمنت على الضغط السنتمتر مكعب من الإسمنت يحمل خمسمئة وخمسين كيلوا، أما على الشد فيكسر بخمسة كيلو، إذاً: لا بد من إسمنت مسلح بالحديد، وإلا ينهار البناء، نحتاج لمليون مليون حبل فولاذي لإعادة الأرض إلى جاذبية الشمس، إذا زرعناها على سطح الأرض يكون بين كل حبلين خمسة أمتار، فلا زراعة، ولا صناعة، ولا معامل، ولا بناء، ولا إبحار، ولا سفن، ولا مواصلات، ولا، شمس، غابة الحبال تحجب أشعة الشمس، فتنتهي الحياة، الآن دقق:   اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا   

أي بأعمدة لا ترونها، قوى الجاذبية موجودة، لكن لا نراها، نمشي داخلها.   

هناك بناء لكلية الطب من عشرة طوابق، هل يمكن لأهل الأرض مجتمعين أن يبنوا بناء من عشرة طوابق ليس له علاقة بالأرض، تحته فارغ هواء؟ مستحيل، هكذا الكون، هناك قوى ترابط، لكن لا تراها بالعين، تمشي خلالها، نحن نحتاج إلى دعائم، لذلك:   اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا   

هذه الآيات من آيات الله الدالة على عظمته.   

رابعا: أدنى منطقة في الأرض غور فلسطين:    غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ   

أيها الإخوة الكرام،  بعد اكتشاف أشعة الليزر، هذه الأشعة تنطلق، وتعود إذا اصطدمت في جسم، استخدمت هذه الأشعة الآن لقياس المسافات الطويلة بالميليمترات، و يمكن أن نقيس المسافة بيننا وبين القمر على مستوى الملليمترات، والآن مع المهندس جهاز، يقف في طرف البيت فيضغط فتنطلق أشعة من الجهاز، وتصطدم بالجدار، وتعود، يقول لك: ثلاثة عشر مترا وسبعمئة وخمسين مليمترا، بعد اكتشاف أشعة الليزر قيست المسافات في الأرض، وقيس غور فلسطين، فكان أعمق نقطة على اليابسة، أعمق نقطة في البحر خليج مريانة في المحيط الهادي، والتاريخ يؤكد أن المعركة التي جرت بين الروم والفرس في غور فلسطين،    

وقد قال الله عز وجل:   غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)   

هذا سبق علمي، الآن اكتشف أن غور فلسطين أعمق نقطة على سطح اليابسة،    

وهذه الآية تندرج مع الإعجاز العلمي.   

خامسا: الوردة الجورية:      فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ   

وكالة ناسا الفضائية أضخم وكالة فضائية في العالم، تعرض كل يوم صورة لمجرة يومياً على موقعها في الإنترنت، اسم الموقع ناسا، كل يوم هناك صور لمجرات مذهلة من عشرين سنة، مرة عرضوا صورة إذا تأملتها، ولم تقرأ التعليق لا تشك ثانية واحدة أنها وردة جورية بكل معاني الكلمة ، بأوراقها الحمراء الداكنة، ووريقاتها الزرقاء الزاهية، وكأسها الأزرق في الوسط، التعليق صورة انفجار لنجم اسمه عين القط، يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، تفتح القرآن، قال تعالى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)   

والله أيها الإخوة، لا أرى لهذه الآية من تفسير إلا الصورة، صورة الوردة التي كالدهان.   

سادسا: نطفة الرجل هي التي تحدد نوع الجنين:  مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى   

شيء آخر، قالوا: الإنسان أحياناً تنجب زوجته البنات فيغضب أشد الغضب، وهناك رجال من الحمق إلى درجة أنهم يطلقون زوجتهم التي تنجب لهم البنات، مع أن العلم أثبت أن المرأة لا علاقة لها إطلاقاً بنوع الجنين، الذي يحدد نوع الجنين النطفة، وليست البويضة، هذا نتيجة بحوث علمية متعلقة بعلم الأجنة، فإذا قرأنا القرآن الكريم:   مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى   

لا من بويضة، وهذه أيضاً آية تندرج تحت آيات الإعجاز العلمي.   

سابعا: عالَم الذرة وحركةُ الكون:  وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ   

الآن اكتشف أن كل عناصر الكون مؤلف من ذرات، وأن الذرة أصغر وحدة وظيفية لا بنائية، والذرة عالَم قائم بذاته، نواة ومسارات وكهارب، وسرعات، والصورة المشهورة دائرة فيها عدة مسارات، على هذه المسارات الكهارب التي تدور حولها، كل شيء في الكون يتحرك، هذا الخشب، هذا الحجر، أي شيء تقع عينك عليه يتحرك، كأس البلور، الطاولة، الكرسي، أي شيء تقع عينك عليه يتحرك، هذا علم الذرة،    

قال تعالى:   وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ   

من الذرة إلى المجرة، ومن المجرة إلى الذرة، كل شيء يدور،    

ثامنا: الأمطار والموجات الكهرطيسية والكوكب:  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ   

الله عز وجل قال:   وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ   

يفهم من هذه الآية أن بخار الماء يصعد إلى السماء، فيرجع مطراً، ثم اكتشف أن البث الكهرطيسي في البث الإذاعي، وأرسلوها إلى الفضاء، فعادت، ما الذي أرجعها؟ اكتشف أن هناك طبقة اسمها طبقة الأثير ترجع هذا البث إلى الأرض، ولولا هذه الطبقة لما كان بث إذاعي إطلاقاً، الإذاعة تبث أمواجها إلى السماء إلى طبقات السماء العليا هذه الطبقة طبقة الأثير هي التي ترد هذه الأمواج إلى الأرض لا كان في بث إذاعي ولا كان في بث مرئي إطلاقاً لولا طبقة الأثير، حملنا الآية معنى جديد:   وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ   

ثم اكتشف أن كل كوكب في الكون يدور في مدار مغلق حول كوكب آخر، بحيث يرجع إلى مكان انطلاقه النسبي، إذاً، قال تعالى:   وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ   

العظمة أن هذه الصيغة تحتمل رجوع بخار الماء مطراً، وتحتمل رجوع البث الكهرطيسي بثاً، وتحتمل رجوع الكوكب إلى مكان انطلاقة النسبي، قال تعالى:   وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ   

تاسعا: ظاهرة انتثار الضوء:       

وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ . لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا   

أيها الإخوة، رواد الفضاء لما صعدوا بمركبة إلى الفضاء الخارجي الذي حصل أن أحد الرواد بعد ردح من الوقت، أي بعد أن قطع خمسة وستين ألف كيلو متر باتجاه الفضاء، الخمسة وستون ألف كيلو متر هي طبقة الهواء، وفي بالهواء ظاهرة اسمها انتثار الضوء، بمعنى أن أشعة الشمس حينما تسلط على ذرات الهواء، هذه الذرات تعكسها على ذرات أخرى، لذلك تجد في الأرض مكانا فيه أشعة الشمس ومكانا فيه ضياء الشمس، النهار فيه ضوء، وما كل مكان فيه أشعة الشمس، لكن كل مكان فيه ضوء، هذا اسمه انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء خمسة وستين ألف كيلو متر صار الفضاء الخارجي أسود سواداً عجيباً، فصاح رائد الفضاء: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، وكان هناك عالم مسلم كبير من علماء الفلك في المحطة نفسها التي سمع بأذنه صيحة رائد الفضاء: لقد أصبحنا عميا،    

الآن افتح القرآن الكريم:   وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)   

هذه الآية نتدرج أيضاً تحت باب الإعجاز العلمي، سبق علمي فيه إشارة إلى قانون من قوانين الكون، جاء به القرآن، واكتشفه الإنسان بعد ألف وأربعمئة عام، هذه أدلة قاطعة على أن هذا القرآن الكريم  كلام الله،  

عاشرا: كروية الأرض:      

يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ   

قال تعالى:   وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ    

في المنطق: من كل فج بعيد، من الصين، من اليابان، من أمريكا، الآية قالت: عميق، ما معنى عميق؟ لمَ لمْ يقل: من كل فج بعيد ؟ لأن الكرة إذا ابتعدت عن نقطة فيها خط منحنٍ يصبح الفج عميقا، لو كانت الأرض مسطحة لكانت: لكل فج بعيد، أما لأنها كرة فلكل فج عميق، هناك انحناء، وعمق الخطوط المنحنية التي على سطح الأرض خطوط تشكل انحناء، والانحناء معه عمق، لو كان الخط مستمرا هكذا لقال: وعلى كل ضامر يأتين من كل فج بعيد، ولأن الأرض كرة فإنه: من كل فج عميق، وهذه الإشارة إلى كروية الأرض.   

هناك إشارة أخرى، قال تعالى:   وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ   

ما مِن شكل هندسي تستمر عليه الخطوط على ما لا نهاية إلا الكرة، وأيّ شكل آخر كالمكعب فيه حرف، الموشور، أو متوازي المستطيلات فيه حرف، أما الكرة فلا حرف لها، لذلك الخطوط تمشي عليها مستمرة،    

قال تعالى:   وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ   

الآن هناك إشارات، قال تعالى:   اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ   

ما مِن شكل هندسي أمام منبع ضوئي يدور إلا ويتداخل الضوء مع الظلام، نحن في أثناء النهار هناك شمس، وفي أثناء الليل ليس هناك شمس، لكن من وقت الفجر إلى وقت الشروق هناك تداخل بين الليل والنهار، ولا يكون هذا التداخل إلا في الكرة، ولو كانت الأرض مكعبة فإن الشمس تشرق فجأة، وتغيب فجأة، لكنّ الشمس تغيب، ويبقى نورها مستمراً لفترة طويلة إلى العشاء، إلى غياب الشفق الأحمر،    

قال تعالى:   اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ   

أيضاً هذه الآية من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل.   

أحد عشر: الحاجز بين البحرين:    

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ   

رواد الفضاء حينما ركبوا مركبتهم، وصوروا وجدوا خطاً بين كل بحرين، خطّا بين البحر الأبيض والأحمر في قناة السويس، وخطا بين البحر الأحمر والبحر العربي في باب المندب، وخطاً بين البحر الأبيض والأسود في البوسفور، وخطاً بين البحر الأبيض والأطلسي في جبل طارق، لما بحثوا في هذا الأمر وجدوا في الخط تباين لونين، هذا التباين يعني أن لكل بحر مكوناته وملوحته، وخصائصه وكثافته.   

ذهبت مرة إلى العقبة، ووضعت في فندق على البحر، وضعت قدمي في ماء البحر، وجدت ماء البحر في العقبة خفيفا جداً، يحس كل إنسان أن ماء البحر الأحمر خفيف، والبحر الأبيض أثقل، ومن حيث الكثافة والملوحة والمكونات والخصائص لكل بحر له مكوناته وخصائصه وملوحته بشكل واضح، ولا تختلط مياه بحر بمياه البحر الآخر، افتح القرآن الكريم:   مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)   

حار فيها العلماء، إلى أن كشف العلم حقيقة هذه الآية، مرج البحرين، البحر متلاطم، حتى إن بعض علماء البحر الألمان جاءوا بكمية ضخمة من قصاصات الورق وضعوها عند الخط، وهناك صور من البحر تشعر بوجود الخط كجدار، فمياه البحر لها خصائصها، وهذه القصاصات لم تنتقل أبداً.   

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)   

وهذه أيضاً آية تندرج تحت آيات الإعجاز العلمي.   

اثنا عشر: خصائص الماء:  وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ   

الآن كأس الماء، هل تصدقون أن لهذه الماء خاصة، لو لم تكن لما كان هذا الدرس، ولما كان هذا المسجد، ولما كانت هذه المدينة، ولما كان إنسان على سطح الأرض، بهذا الماء خاصة لولاها لما كانت حياة لا إنسانية، ولا حيوانية، ولا نباتية، لماذا؟ لأن كل شيء على التسخين يتمدد، كل شيء من دون استثناء.   

نظرياً لو سخت صخور البازلت لأصبحت سائلاً، والبراكين صخور البازلت تمشي كالأنهار، ولو رفعت الحرارة أيضاً لتبخرت، وهناك بخار البازلت، وهذا قانون عام في الأرض، أيّ عنصر يتمدد بالتسخين، , ينكمش بالتبريد، هذا قانون مطرد شامل له استثناء واحد في الماء، لولا هذا الاستثناء لما كانت حياة على سطح الأرض إطلاقاً، ما هذا الاستثناء؟    

هذا الماء شأنه كأي ماء، إذا سخنته يتمدد، وإذا بردته ينكمش لكن في أثناء التبريد من أربعين إلى أربع درجات ينشأ انقلاب، بدل أن ينكمش يزداد حجمه، سبحانك يا رب، الكثافة علاقة الحجم بالوزن، وحدة الكثافة الماء علاقة الحجم للوزن، والماء بشكل واحد لما تبرده تحت أربعة يتوسع ويتمدد، بعكس قوانين الأرض، لذلك لما تأتيها البحارَ موجاتُ برد شديدة تتجمد، ولما تتجمد تقلّ كثافتها، فتطفوا، وتبقى أعماق البحار سائلة ودافئة، وفيها الكائنات، وهذا الثلج يذوب في أشهر الصيف، أما لو كان الماء كأي عنصر آخر إذا بردناه انكمش، فزادت كثافته، فغاص في أعماق البحر حقبا وراء حقب، وقرونا وراء قرون تتجمد جميع البحار، وينعدم التبخر، وتعدم الأمطار، ويموت النبات كله، ويتبعه الحيوان، وآخر من يموت هو الإنسان، وتنتهي الحياة.   

كلما شربت كأس ماء فتذكّر أن في هذا الماء خاصة لولاها لما كانت حياة على سطح الأرض، هذه الدقة البالغة، لذلك هناك آية عظيمة دالة على عظمة الله، أن هذا الماء عند الدرجة زائد أربع يتوسع، والدليل: ائت بقارورة واملأها ماء، ثم أحكم إغلاقها، وضعها في الثلاجة، بعد أربع ساعات تراها قد تحطمت.   

بالمناسبة، الماء إذا أراد أن يتمدد فما مِن قوة في الأرض تمنعه، الآن جبال الرخام تقتلع عن طريق التمدد، تحفر ثقوب في الصخور، وتملأ ماء، وتبرد فتخرج كرة أو مكعبة من الرخام، وهناك محرك مصنوع من خلائط معدنية عالية جداً، إذا لم يضع الإنسان في المحرك مادة مضادة للتجمد يتشقق المحرك، وحتى ماء العين، والفضل لله عز وجل فيها مادة مضادة للتجمد، لو سافر واحد إلى القطب، هناك درجة الحرارة سبعون تحت الصفر، وماء العين يلامس الهواء الخارجي، فلا بد من تجمد العين، وفقد البصر، لذلك أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد.   

الآن الهواء يحمل بخار الماء، لكن يحمل بخار الماء بكميات متناسبة مع حرارته، فالهواء الحار يحمل كميات بخار أعلى، إذا بردته يتخلى عن بعض الأجزاء، لولا هذا القانون ما كانت أمطار أبداً، تسلط أشعة الشمس على البحار فتسخن، فتتبخر مياه البحار، وتصبح بخارا يحمله الهواء، الهواء يسير إلى منطقة باردة، يبرد نسب بخار الماء المتعلقة بالحرارة، فلما يبرد يتخلى الهواء عن بعض بخار الماء على شكل قطرات فتكون الأمطار.   

شيء دقيق جداً أيها الإخوة، الهواء إذا سخنته يتخلخل، فيصبح ضغطه منخفضا، وإذا بردته يتراكم، فيصبح ضغطه مرتفعا.   

ينتقل الهواء من الضغط المرتفع إلى الضغط المنخفض، قم تجربة، دفئ غرفة الجلوس بشكل جيد، وشق الباب لسنتين، وضع شمعة عند فتحة الباب، فإنك ترى لهيب الشمع نحو الداخل، في الخارج الهواء بارد مضغوط ضغطا عاليا، الضغط العالي يتجه نحو الضغط الأخف، الهواء ساخن في الغرفة، ضغط الهواء فيها أقلّ، لذلك الطائرات أحيانا في الأماكن الحارة إلى أن تحلق في الجو تحتاج إلى مسافة أكبر، الهواء مخلخل لا يحملها سريعاً، لذلك الله عز وجل  جعل الماء من آيات الله الدالة على عظمته،    

قال تعالى:   وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ   

خاتمة:   

أيها الإخوة الكرام،  طرق معرفة الله آياته الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية، وفي كل هذه الآيات ما يكفي لمعرفته ولمحبته،    

لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:    يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، و أحب من أحبني، وحببني إلى خلقي، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي، أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني التفكر، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.   

إذاً: لا بد أن يكون في قلب المؤمن تعظيم لله، ومحبة له، وخوف منه، تعظيم من خلال آياته، ومحبة من خلال نعمه، وخوف من خلال بلائه.   

ومعرفة الله أصل الدين ،    

لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:   ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء  



المصدر: العقيدة - العقيدة والإعجاز - الدرس (05-36) مقومات التكليف : الكون -1- الكون طريق إلى معرفة الله